الحمد له رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
مقاييس الفوز في القرآن الكريم:
أيها الأخوة, النفس الإنسانية تحب الفوز، تحب النجاح، تحب الفلاح، تحب التفوق، تحب أن تتميز، هذه فطرة في الإنسان، وهذه جبلة فيه، و لكن ما هي مقاييس الفوز؟ ما منا واحد إلا و في أعماقه مقاييس للفوز، الذي يبتغي المال إذا أحرزه يشعر بالتفوق، يشعر بالنجاح ، يشعر أنه متميز، يشعر أنه حقق مراده في الدنيا، الذي يبتغي اللذائذ حينما ينغمس فيها حلالاً كانت أو حراماً يشعر بنشوة، فنحن هنا نريد أن نرى ما هي مقاييس التفوق عند الله ؟ ما هي مقاييس الفوز؟ ما هي مقاييس النجاح؟ ما هي مقاييس الفلاح؟ .﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ﴾
فكلما اجتهدنا في الإيمان واجتهدنا في معرفة الله تأتي مقاييس الفوز عندنا مطابقة لمقاييس القرآن فأنت لا تعبأ بالدنيا ولا تعبأ بأهلها، لا تزدريهم, لكن لا تراهم مثلاً عليا أمامك، كل إنسان يرتفع في الدنيا بغير حق سوف يلقى يوماً صعباً:﴿إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً﴾
﴿فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ﴾
﴿فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ﴾
مقاييس الفوز في القرآن، قال تعالى:﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ﴾
أحياناً الإنسان يسافر إلى بلاد بعيدة يرى الحياة ناعمة ورخية, جمال طبيعي آثر وفرة المواد حقوق الإنسان في بلادهم مطبقة في أعلى مستوى، بيوت فخمة جداً كل فيلا مستقل عن الثاني, طوابق لا يوجد أبداً, حدائق, بلاد خضراء, كلها حاجات متوافرة بشكل لا يصدق, من ضعف إيمان هذا الإنسان يتوهم أنهم قد فازوا, لذلك كان عليه الصلاة والسلام إذا رأى مباهج الدنيا يقول: اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة .مصادر مقاييس الفوز:
﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ﴾
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بِالْأَبْوَابِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ))
هذا مقياس, المقياس يدعونا أن لا نوازن بين شخصيتين ولا بين عملين ولا بين تجارتين ولا بين مدينتين ولا بين بلدين ولا بين أمتين إلا إذا ضممنا الآخرة إلى دنياهم .((ألا يا رب نفس طاعمة ناعمة في الدنيا جائعة عارية يوم القيامة، ألا يا رب نفس جائعة عارية في الدنيا طاعمة ناعمة يوم القيامة، ألا يا رب مكرم لنفسه وهو لها مهين، ألا يا رب مهين لنفسه وهو لها مكرم))
أيام ترى دولة عظمة انتصرت، ليس هذا هو الفوز، الفوز أن يكون هؤلاء على منهج الله عز وجل، أن يكون هؤلاء محسنون إلى الخلق لا مجرمون بحق الخلق، فنحن حينما تضطرب موازيننا وتختلط الأوراق نصاب باضطراب ما هو الفوز؟ ليس الفوز أن تنتصر الفوز أن ننتصر بالله عز وجل، الفوز أن تنتصر على شهواتك وعلى نفسك وعلى بشريتك حتى تفوز بالجنة فهذا مقياس، فكلما لاحت لك الدنيا جميلةً متألقةً ناعمةً وكلما لاح لك أن أصحابها شعروا بالتفوق والفوز والفلاح والنجاح اقرأ هذه الآية:﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾
تغر وتضر وتمر، ثم إن الإنسان حينما يفكر في نهاية الحياة تصغر عليه الأمور، الموت ما ذكر في كثير إلا قلله ولا في قليل إلا كثره، يعني إنسان يكون له حجم كبير كل هذا الحجم منوط بنبض قلبه .﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾
يوجد مقياس آخر للفوز، قال تعالى:﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا﴾
فأنت متى تفلح؟ إذا دفعت ثمن الجنة، أنت مخلوق للجنة في الأصل، الإنسان مخلوق للجنة وجاء إلى الدنيا ليهيء ثمناً للجنة، ثمن الجنة أن تعرفه وأن تستقيم على أمره وأن تعمل عملاً صالحاً تتقرب به إليه، قال تعالى:﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا﴾
تزكية نفسك أي تعرفها بالله عز وجل وحملها على طاعته والتقرب إليه هو ثمن الجنة، فالإنسان حينما يزكي نفسه يشعر بالفوز, لكن يوجد نقطة دقيقة أتمنى أن تكون واضحةً إليكم: القرآن أحياناً معناه سهل في معظم الآيات المعنى سهل جداً مثلاً:﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾
هذا مقياس ثالث، لو إنسان يطع الله ورسوله لكنه فقير من ذوي الدخل المحدود, وعنده مشكلة صحية مزمنة، عنده مشكلة في بيته, لا يوجد عنده أولاد, الله ما رزقه أولاد أو ما رزقه ذكور أو زوجته ليست كما يتمنى أو دخله أقل من مصروفه مثلاً أو بعمله يوجد مشكلة, مثل هذا الإنسان الذي يعاني من مشكلة وهو مطيع لله ورسوله, دققوا: لو أن له صديقاً متفوقاً في الدنيا لكنه غارق في المعاصي والآثام دقق الآن: لمجرد أن يخطر في بالك أن هنيئاً لفلان فأنت لم تفهم الآية إطلاقاً ولم تعش جوها إطلاقاً، فهمت معناها .﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾
هذا موضوع دقيق مقاييس الفوز في القرآن، مقاييس الفوز:﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ﴾
مقاييس الفوز:﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾
مقاييس الفوز:﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾
فإذا أنت لا تشعر أنك فائز بمعرفة الله فائز بطاعته, قد تذهب إلى بلاد بعيدةً شرقاً اليابان سحروا العالم بصناعتهم وتفوقهم وإنتاجهم وأموالهم الفائضة عن حاجاتهم مائة وعشرين مليار فائض نقدي، يعني شركات اليابان شركات عملاقة ميزانياتها تساوي ميزانيات عشر دول شركة واحدة لها حجم مالي لها حجم مالي يفوق حجم أربع خمس دول ماذا يعبدون؟ يعبدون ذكر الرجل في معابدهم، فإذا الإنسان ذهب إليهم وجد هذه الحضارة -بالتعبير المعاصر- هذه الأبنية الشاهقة والمترو والقطارات السريعة والمطارات الواسعة فتضاءل أمامهم وغفل عن أنهم ما عرفوا الله ولا عرفوا منهجه ولا عبدوه أصلاً, وأنهم عاشوا للدنيا والدنيا هي منتهى آمالهم ومحط رحالهم هؤلاء ليسوا فائزين .لن تكون فائزاً إلا إذا كانت مقاييسك وفق القرآن:
إنسان له عمل لا يرضي الله عز وجل فقال لي: أنا عملي قذر قال لي باللغة الإنكليزية لكن لو دخلت إلى مكان عمله لوجدت العجب العجاب في أناقة مكتبه, كيف أنه محاط بطبقة من الخشب لعزل الصوت والفرش والطاولة والهواتف، في اليوم التالي اضطررت أن أعالج خللاً في مركبتي, ذهبت إلى أحد أحياء دمشق المتطرفة, لي صديق هناك وقت مطر ووحل وطين وانبطح تحت المركبة وفك قطعة فيها بإتقان وأخذ أجر معتدل، فأنا قفز إلى ذهني أنه هذا عمله نظيف .
كنت قبل يومين في مكتب يفوق حد الخيال قال لي: أنا عملي قذر ولما ذهبت إلى هذا الذي يعمل في تصليح السيارات وجدت ثيابه والوحل والشحم والزيت والمطر وانبطح تحت المركبة فقلت: هذا عمله نظيف، قد يلقى الله يوم القيامة ووجهه أبيض لأنه خدم المسلمين وما ابتز أموالهم ولا غشهم .
دائماً عندنا صور مختلفة، أيام ترى محلاً في أرقى أسواق دمشق يبيع ألبسة داخلية للنساء وعنده شباب, وكل يوم ينشأ في المحل مليون مشكلة غزل وغمز ولمز ونظر إلى العورات ومزاح رخيص، وترى محلاً في زقاق الجن صياح وشحم وزيت لكن العمل نظيف .
إياكم أن تأخذوا الصورة الظاهرة قد تذهب إلى بلاد فيها غنى يفوق حد الخيال, أنا قناعتي هذا الغنى على أنقاض الشعوب, هذا الغنى على حساب إفقار الشعوب، هذا الأمل الذي كانوا يتمتعون به على حساب قلق الشعوب، هذه القوة على حساب إضعاف الشعوب، هذه البطولة ما أن تتفوق في الدنيا، لما خرج قارون على قومه في زينته، قال تعالى:
﴿قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ﴾
تتمنى ما عند كافر، ما عند إنسان منحرف لا أخلاقي هذا التمني ...﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾
إذا أنت عقيدتك سليمة وعملك صح أنت الفائز, ولو لم تنتصر في المعركة مثلاً, إذا كان هناك فرق كبير جداً لا يعقل ولو لم تنتصر أنت الفائز:
﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا﴾
الذي طهر نفسه من كل الأدران والأمراض النفسية الحسد والغيبة والنميمة والكبر والاستعلاء والأنانية والكيل بمكيالين هذا أفظع النواقص الأخلاقية، فإذا إنسان برأ من هذا فقد فاز فوزاً عظيماً، فطاعة الله فوز، تزكية النفس فوز، قال تعالى:
﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾
البطولة أن تأتي مقاييس الفوز عندك مطابقةً لمقاييس الفوز في القرآن, معنى هذا أنك أنت مؤمن، عندما تأتي مقاييس الفوز عندك بأعماقك دون أن تشعر .﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾
﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾