بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد، وعلى آل بيته الطيّبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألوِيَتِه ، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم ، إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وُحول الشهوات إلى جنّات القربات.
تسخير الكون للإنسان تسخير تكريم و تعريف :
﴿ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ ﴾
لك أن ترفض مليون شيء في الحياة إلا أنك إذا رفضت الدين رفض الخضوع لمنهج الله احتقرت نفسك ، فالله سبحانه و تعالى حين عرض الأمانة على السموات والأرض والجبال أبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان ، لأنه قبِل حمل الأمانة كان عند الله المخلوق الأول ، ولأنه قبِل حمل الأمانة سخر الله ما في السموات والأرض جميعاً منه ، تسخير تعريف وتكريم ، تسخير التعريف يقتضي أن تؤمن ، وتسخير التكليف يقتضي أن تشكر ، فإذا آمنت وشكرت حققت الهدف من وجودك .الفرق بين حلاوة الإيمان و حقائق الإيمان :
الإنسان هو المخلوق الأول و المكرم و المكلف :
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
الموت عرس المؤمن :
إذاً أنت حينما تتحرك وفق الخطة التي رسمها الله لك ترقى عند الله وعند الناس ، وحينما تلتفت إلى شيء ينتهي بالموت ، أي الموت ينهي كل شيء
ينهي قوة القوي ، وضعف الضعيف ، وغنى الغني ، وفقر الفقير ، ووسامة الوسيم ، ودمامة الدميم ، ينهي كل شيء، مرة كتاب قرأته عن قصص العرب أربعة أجزاء استنبطت استنباطاً دقيقاً ، الأغنياء ماتوا ، والفقراء ماتوا ، والأقوياء ماتوا ، والضعفاء ماتوا ، والأذكياء ماتوا ، والأغبياء ماتوا ، الموت ينهي كل شيء ، فلذلك النقطة الدقيقة أنت تملك الزمن لا تملك غيره ، إنك بضعة أيام ، هذا الزمن هو أنت ، فقط ينفق هذا الزمن استثماراً وقد ينفق استهلاكاً ، فمعظم الناس نأكل ونشرب ونستمتع ثم نفاجأ بالموت ، هذا إنفاق استهلاكي أما المؤمن فيفعل في الزمن الذي سينقضي عملاً ينفعه بعد انقضاء الزمن ، قيل : من قدم ماله أمامه سره اللحاق به ، ومن خلّف ماله وراء ظهره آلمه ترك الدنيا .
أنا درست عن سبعين صحابياً لفت نظري شيء أنهم جميعاً من دون استثناء كانوا في أسعد لجظات حيتاتهم عند موتهم ، وا كربتاه يا أبتِ ، بنت سيدنا بلال ، قال : لا كرب على أبيك بعد اليوم غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبه .
هذه حالة المؤمن هو في أسعد لحظات حياته عندما يغادر الدنيا ، لذلك قالوا الموت عرس المؤمن ، والموت تحفة المؤمن ، أي كل بطولاتنا أن نجعل من الموت ليس مصيبة ولكنه نجاح كبير .
الدين منهج كامل :
أخواننا الكرام :
(( ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ ... ))
حقائق الإيمان شيء و حلاوة الإيمان شيء آخر ، حقائق الإيمان سهلة جداً ، علق في غرفة الضيوف آية الكرسي ، جميل أنت مسلم ، وعلى السيارة مصحف صغير ، شيء جيد لكن ليس هذا الدين ، الدين منهج كامل يبدأ من أخص خصوصياتك وهو فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية ، كيف تأكل ، تشرب ، تشتغل ، كيف تعامل زوجتك ، أقاربك ، من حولك، من فوقك ، من دونك ، كيف تستمتع بوقت الفراغ ، كيف تربي أولادك ، منهج تفصيلي ، والله لا أبالغ قد يصل لخمسمئة ألف بند ، أنت المخلوق الأول عند الله ، مخلوق لجنة عرضها السموات والأرض .من عاش تقياً عاش قوياً :
ما معنى الأبد ؟ قد لا نفهم معنى الأبد ، واحد هنا و ثلاثة أصفار ألف ، ثلاثة أخر مليون ، ثلاثة ثالثة ألف مليون ، ثلاثة رابعة مليون مليون ، من هنا إلى آخر الطاولة ما هذا الرقم ؟
من هنا إلى آخر الجامع كل ميلمتر صفر ، من الأرض إلى الشمس ، مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر كل ميلمتر صفر ، هذا الرقم إذا نسب إلى اللانهاية قيمته صفر ، اسألوا أخواننا في الرياضيات أي رقم مهما بدا لك كبيراً إذا نسب إلى اللانهاية قيمته صفر ، أنت خلقت للأبد ، فإذا اخترت هدفاً محدوداً انتهيت ، فأنا أقول من هو الشاب ؟ الذي هدفه أكبر من عمره شاب دائماً ، كان هناك عالم من علماء الشام بلغ ثمان وتسعين سنة كان منتصب القامة ، حاد البصر ، أسنانه في فمه ، كان إذا سُئل يا سيدي ما هذه الصحة التي حباك الله بها ؟! قال : يا بني حفظناها في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر ، من عاش تقياً عاش قوياً .
لي صديق زرته في العيد فتح لي والده جلست معه ؛ قال لي : عمري ست وتسعون سنة البارحة عملنا فحصاً كاملاً فكان كل شيء طبيعي ، ثم قال لي : والله أنا الحرام لا أعرفه بحياتي لا حرام المال ولا حرام النساء .
إيثار المؤمن طاعة الله على مصالحه الشخصية :
أخواننا الكرام هناك حقائق صارخة أنت إنسان غال على الله ، مخلوق للجنة ، و لا يوجد شيء ممنوع ، وما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناةً نظيفة تسري خلالها، بالعرس يطلق الناس أبواق سياراتهم لا يخجلون من ذلك ، لأن هذا شيء شرعي ، شرعي أن هذا الإنسان سيتزوج ، لكن إذا كان هناك غلط يخجل بنفسه ، فنحن أمام منهج دقيق. لذلك :
(( ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ : أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا... ))
أنا أقول لكم لو سألنا مليار وثمانمئة مليون مسلم - أعتقد الآن صرنا مليارين - ألا تحب الله ورسوله ؟ يقول لك : نعم ، هذا الكلام عادي جداً ، متى تحب الله ورسوله ؟ عند التعارض ، حينما تتعارض مصلحتك المادية القريبة المتوهمة مع حكم شرعي مع نص شرعي وتؤثر مصلحتك فأنت ليس كما ينبغي ، أما حينما تركل بقدمك مصلحة متوهمة مادية محدودة في الدنيا وتؤثر طاعة الله فأنت مؤمن و الله ، لذلك زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين .(( ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه ))
لذلك أن يكون الله في قرآنه ورسوله في سنته أحب إليه مما سواهما متى ؟ عند التعارض ، مع وكالة شركة عملاقة ودخلك فلكي منها هناك مادة محرمة ألزموك بشرائها فإذا قلت : لا ، سحبوا الوكالة منك ، ماذا نفعل عندنا أولاد ومصالح ؟ فعندما تنازلت انتهيت عند الله .الولاء و البراء :
الآن :
(( ... وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ ... ))
(( من جلس إلى غني فتضعضع له ذهب ثلثا دينه ))
((ابتغوا الحوائج بعزة الأنفس فإن الأمور تجري بالمقادير))
المداهنة و المداراة :
أيها الأخوة الكرام :
﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾
هذا الشرك ليس الشرك الذي نفهمه نحن في التاريخ ، هناك شرك جلي ، هناك بلاد في آسيا تعبد بوذا من دون الله ، هذا شرك جلي لكن المؤمنين أحياناً يمتحنون بالشرك الخفي ، إنسان قوي تطيعه على حساب دينك ، ما الفرق بين المداهنة و المداراة ؟ المداراة أن تبذل الدنيا من أجل الدين ، أما المداهنة فأن تبذل الدين من أجل الدنيا ، مسافة كبيرة جداً :((بعثت بمداراة الناس))
أن تبذل الدنيا من أجل الدين ، أما بالعكس المداهنة فأن تبذل دينك من أجل دنياك لذلك :﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾
هذا الشرك الخفي ورد في بعض الآثار النبوية : " أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الخفي، أما إني لست أقول أنكم تعبدون صنماً ولا حجراً، ولكن شهوة خفية، وأعمالاً لغير الله ".أنواع العلم :
لذلك أيها الأخوة ، هناك علم بخلقه هذا اختصاص الجامعات في الأرض ، أي جامعة فيها كلية علوم وفيزياء وكيمياء وطبيعيات ورياضيات وعلم التاريخ والجغرافيا ، هذا علم بخلقه ، كيف نصل إليه ؟ بالمدارسة ، تحتاج إلى جامعة ، إلى أستاذ ، إلى كتاب ، إلى متابعة، إلى وقت للدراسة ، هذا علم بخلقه ، وهناك علم بأمره كليات الشريعة الإسلامية الأمر والنهي والواجب والفرض والسنة ، وما شاكل ذلك ، لكن هناك شيئاً ثالثاً دقيقاً جداً هو علم به، العلم بأمره وبخلقه يحتاج إلى مدارسة ، بينما العلم به يحتاج إلى مجاهدة ، لذلك قال بعض الصحابة وقد عاد من غزوة : رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر جهاد النفس والهوى.
أنواع الجهاد :
بالمناسبة نحن عندنا الجهاد الأصلي جهاد النفس والهوى هذا الجهاد الأكبر ، وهناك جهاد ثان الجهاد البنائي ، أنت عندما تتقن عملاً وتوفر على أمتنا استقدام خبير فأنت جاهدت جهاداً بنائياً ، وحينما تفهم كتاب الله وتعلمه أنت تجاهد جهاداً دعوياً والدليل :
﴿ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً ﴾
الحب في الله و الحب مع الله :
أيها الأخوة الكرام قضية أن تحب في الله أو أن تحب مع الله العلماء قالوا : الحب في الله عين التوحيد ، أنت تحب الله وتحب أنبياء الله ورسله وسيد الأنبياء والمرسلين وتحب والديك وتحب أهل بيتك ، الحمد لله الذي رزقني حب عائشة ، مرة السيدة عائشة سألت رسول الله كأي زوجة كيف حبك لي ؟ قال لها : كعقدة الحبل ، تسأله من حين لآخر كيف العقدة ؟ فيقول : على حالها.
أنت حينما تحب زوجتك هذا من علامة إيمانك ، أما إذا التفت لغير زوجتك فهناك مشكلة كبيرة .
مرة ثانية ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناةً نظيفة تسري خلالها ، لذلك هناك حب في الله يتفرع عنه مئة حب ، محبة الزوجة من حب الله ، هذا الشرع، هذا الحلال ، محبة الأخوة المؤمنين من هذا الحب يتفرع عن الحب في الله مئات الأنواع .
وهناك حب مع الله ، الحب مع الله حينما يبعدك هذا الحب عن الله صار حباً مع الله ، الحب في الله عين التوحيد والحب مع الله عين الشرك ، لذلك لنا أستاذ في الجامعة أحد كبار علماء النفس قال مرة كلمة : الذي لا يجد حاجة إلى أن يحب أو إلى أن يحب ليس من بني البشر ، لأنك عقل يدرك وقلب يحب وجسم يتحرك ، غذاء العقل العلم، وغذاء القلب الحب، وغذاء الجسم الطعام والشراب .
وأرجو الله سبحانه وتعالى أن يحفظ لكم جميعاً إيمانكم ، وأهلكم ، وأولادكم ، وصحتكم ، ودعوة أضيفها واستقرار بلادكم وهذه نعمة لا يعرفها إلا من فقدها .