الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل و الوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
حجم الإنسان عند الله بحجم عمله الصالح :
أيها الأخوة الكرام ؛ الحديث الشريف اليوم هو قول النبي صلى الله عليه وسلم :
(( مَن سَنَّ في الإِسلام سُنَّة حَسَنَة فله أجرُها وأجرُ من عمل بها من بعده ، من غير أن يَنْقُصَ من أجورهم شيء ، ومن سَنَّ في الإِسلام سُنَّة سيِّئة كان عليه وِزْرُها وَوِزْرُ مَنْ عمل بها من بعده ، من غير أن ينقُصَ من أوزارهم شيء ))
هذا الحديث في صحيح مسلم .﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾
والإنسان حينما يقترب أجله لا يندم إلا على شيء واحد ، على عمل صالح ما أتيح له أن يفعله .﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً ﴾
فيخاطب نفسه ويقول : قومي لقد أرجعناك ، تفضل .العاقل من يعدّ للموت عدته :
أخواننا الكرام ؛ بالبرمجة العصبية اللغوية قاعدة رائعة ، ابدأ من النهاية ، النهاية الموت، ما معنى الموت ؟ أي من بيت وقد يكون كبيراً ، من زوجة أنت اخترتها ، من أولاد ، من كنائن ، من بنات ، من أصهار ، من سهرات ، من سفرات ، من لقاءات ، من سفريات ، من رحلات ، من صيفية بالمكان الفلاني ، هذا كله يلغى مع توقف القلب ، أي كل مكانة الإنسان ، وكل هيمنته ، وكل استمتاعه بالحياة ، مبني على قطر الشريان التاجي ، ميلي وربع ، فإذا ضاق هذا الشريان التاجي دخل الإنسان في متاهات ، وكل مكانة الإنسان ، وكل هيمنته ، وكل عظمته مبنية على نمو الخلايا ، فإذا نمت هذه الخلايا نمواً عشوائياً انتهت حياته ، فالبطولة أن تعد لهذه الساعة التي لابد منها .
والله مرة شيعت أخاً كريماً ، حينما وضع في قبره ، الفتحة التي أدخل منها للقبر صغيرة ، وهناك قطعة حجر كبيرة تغطي هذه الفتحة ، لكن لا تغطيها تغطية كاملة ، ثم وضعت هذه القطعة من الحجر فوق الفتحة وأهيل التراب عليه ، من بيت ، من زوجة ، من أولاد ، غرف ضيوف ، غرف طعام ، لقاءات ، سهرات ، حفلات ، إلى هنا .
من اتبع هواه وفق هدى الله لا شيء عليه :
أيها الأخوة الكرام : هل يستطيع أحد منكم وأنا واحد منكم أن يقول : أنا كل يوم استيقظ كاليوم السابق ؟ مستحيل ، في يوم من الأيام هناك طارئ جديد ، هذا الطارئ قد يتفاقم ، إذا كان هذا المرض مرض الموت ينتهي بالموت ، الموت مغادرة ، أين العقل ؟ أين الذكاء ؟ أين الحكمة ؟ هذه الساعة التي لابد منها لابد من أن نعمل لها ، هذه الساعة لا تلغي عملك ، لا تلغي تجارتك ، لا تلغي صناعتك، لا تلغي وظيفتك ، تشتغل ، وترتقي ، وتنال درجات علمية عالية ، وتتزوج ، لكن تتحرك وفق المنهج، الشاهد القوي :
﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِن اللَّهِ ﴾
عند علماء الأصول المعنى المخالف : الذي يتبع هواه وفق منهج الله لا شيء عليه ، أريد أن أطمئن الشباب أنه لا يوجد بالدين حرمان إطلاقاً ، لكن يوجد تنظيم ، هناك قنوات طاهرة ، ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها .(( كل محدثَة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ))
طبعا البدعة هنا في الدين لا في الدنيا ، في الدين تحدث شيئاً ما فعله النبي ، الأصل في الدين الحظر ، والأصل في الأشياء الإباحة ، بالدين الأصل هو الحظر ، ولا يحرم شيء إلا بالدليل ، لا يوجد تحريم مزاجي .الطاعة في معروف :
أنا أقول لكم هذه القصة لكنها قصة خطيرة جداً ، النبي الكريم أمّر صحابياً أنصارياً على سرية معها مهمة خاصة ، فلما خرجت هذه السرية قال أميرهم : أضرموا ناراً عظيمة ؟ فأضرموها ، قال : اقتحموها ، فكروا ، كيف نقتحمها وقد آمنا بالله فراراً منها ؟ فاعترضوا ، وجرى بينهم حوار ، اشتد الحوار ، فرجعوا إلى المدينة واستشاروا النبي الكريم ، اسمعوا ماذا قال ، قال : والله لو اقتحمتموها لازلتم فيها إلى يوم القيامة ، إنما الطاعة في معروف ، أي العقل لا يعطل ،إذاً :
(( كل محدثَة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ))
والمقصود بالبدعة ، البدعة في الدين لا في الدنيا ، أنا أقول كلاماً آخر ، أما البدعة في الدنيا فهي ضرورية ، كيف ؟ نريد أن نطور حياتنا ، نستخرج ثرواتنا ، نصنع هذه الثروات ، نستصلح الأراضي ، نعمل تعليماً مجانياً ، عندك مليار مشروع ، البدعة في الدنيا مطلوبة وواجبة ومندوبة .﴿ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾
الدين توقيفي لا يضاف عليه ولا يحذف منه :
أخواننا الكرام ؛ كلمة دقيقة : هذا الدين توقيفي ، معنى توقيفي لا يضاف عليه ولا يحذف منه ، إن أضفنا عليه تقاتلنا ، والدماء في عدة أقطار عربية إلى الركب ، أضيف على الدين ما ليس منه ، وإن حذفنا منه ضعفنا ، احفظوا هاتين الكلمتين : نضيف على الدين ما ليس منه ، نحذف منه ما علم بالضرورة نضعف ، حذفنا الجهاد ضعفنا ، أضفنا انتشرت الفرق الضالة .﴿ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ ﴾
أخواننا الكرام ؛ الآن إن أضفنا تقاتلنا كما يجري ، وإن حذفنا ضعفنا ، فهذا الدين توقيفي لا يضاف عليه ، ولا يحذف منه ، إن أضفت عليه كأنك تتهمه ظلماً أن فيه أشياء ناقصة ، إن أضفت عليه إنك بهذه الإضافة تتهمه بالنقصان ، وإن حذفت منه تتهمه بالزيادة ، الدين توقيفي ، لكن أنا أرى أن التجديد في الدين هو تجديد في الخطاب الديني ، حينما تأتي بالقضايا العلمية ، حينما تأتي بالنصوص الصحيحة ، تأتي بقصة مؤثرة جداً ، حينما تخاطب عقل الإنسان وقلبه معاً هذا التجديد في الخطاب الديني هذا مقبول .انتماء المسلم لمجموع المؤمنين :
أخواننا الكرام ؛ الآية تقول :﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ﴾
ما لم يكن انتماؤنا إلى مجموع المؤمنين في الإسلام لا يوجد فقاعات ، طبعاً مع عصور التخلف صار هناك فقاعات ، أما الانتماء فيجب أن يكون لمجموع المؤمنين ، والدليل الآية :﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ﴾
الإسلام شريط عريض يتسع لكل اتجاهات الدين :
هناك شيء آخر : هناك من يتوهم أن الإسلام خط رفيع ، كل فرقة إسلامية ، وكل حلقة تعتقد أن دينها خط رفيع ، فإن خرجت عن هذا الخط قيد أنملة ، خرجت من الدين ، الإسلام شريط عريض يتسع لكل اتجاهات الدين ، ما دامت العقيدة صحيحة ، والاستقامة موفورة ، فلذلك التقوقع ليس من الدين ، من هنا أريد أن أؤكد لكم أن هناك دائرة - وهذا الكلام دقيق - هذه الدائرة تتقاطع فيها أربعة خطوط ، خط النقل الصحيح ، ديننا دين نقل ، عن السماء ، ديننا دين وحي ، القرآن وحي متلو ، والسنة وحي غير متلو ، والدليل :﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾
. فكلام النبي وحي غير متلو ، وكلام الله عز وجل كلام متلو ، إلا أني أتحفظ وأقول : ما صحّ من كلام النبي ، هناك أحاديث موضوعة ليس لها أصل .﴿ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴾
هذا فرعون نفسه ، فكل إنسان ينمق كلامه ، يضفي على أعماله طابعاً إنسانياً ، وأساساً كل ما يجري بالعالم الإسلامي مغطى بكلام معسول ، يقول لك : شأن داخلي ، أنت تستطيع أن تنهي الأزمة بدقيقة ، بإنذار ، بحظر جوي ، شأن داخلي ، أي أنت راض أن يجري في هذا البلد ما يجري لكن تحت غطاء شأن داخلي .الحق دائرة تتقاطع فيها أربعة خطوط :
فلذلك أيها الأخوة ؛ هذه الدائرة فيها أربعة خطوط : خط النقل الصحيح ، وخط العقل الصريح ، وخط الفطرة السليمة ، وخط الواقع الموضوعي .
سأقول كل كلمة ، ولماذا وصفتها بذلك ؟ خط النقل الصحيح أن هناك نقلاً غير صحيح – حديث موضوع - ، وخط العقل الصريح هناك عقل تبريري مرفوض ، وخط الفطرة السليمة ، هناك فطرة منطمسة ، وخط الواقع الموضوعي ، مثلاً هناك هجوم على الدين من التعدد عندنا ، من يصدق أن نسبة التعدد ثلاثة بالمئة ، الغرب يضخم التعدد ، أربع زوجات ، ثلاثة بالمئة فقط ، أي عندك زوجة صالحة لا تنجب ، وأنت أكرمك الله بالمال ، هل من المعقول أن تبقى من دون ذرية ؟ أنت ما طلقتها ، أكرمتها أعلى إكرام ، لكن أضفت لهذه الزوجة زوجة تنجب فقط ، فنحن نقول للناس : التعدد عندنا ثلاثة بالمئة فقط .
فأنا دائماً أريد نقلاً صحيحاً ، وعقلاً صريحاً ، وفطرة سليمة ، وواقعاً موضوعياً ، هذا الذي يمكن أن نحرص عليه .
أخواننا الكرام ، هناك دائرة ، كل إنسان لم يؤمن بالله خارج هذه الدائرة ، ومن آمن بالله ضمن هذه الدائرة ، ضمن هذه الدائرة يوجد دائرة - من آمن بالله ولم يلتزم بالقسم الخارجي - ثانية ، من آمن بالله والتزم فهو ضمن هذه الدائرة الثانية ، والأنبياء في المركز معصومون ، فهناك دائرة خارجها كفار داخلها مؤمنون غير ملتزمين ، مؤمن ملتزم ، بعد ذلك أنبياء ، فهذه الدوائر تقريباً تؤكد أن الحق ما جاء به النقل الصحيح ، وقبله العقل الصريح ، وارتاحت إليه الفطر السليمة ، وأكده الواقع الموضوعي .