وضع داكن
19-04-2024
Logo
شرح مختصر للأحاديث - الدرس : 003 - إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك فمن هم بحسنة....
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة المؤمنون:
 لازلنا في كتاب الترغيب والترهيب بل ما توافق فيه مع صحيح البخاري ومسلم، والكتاب عنوانه إتحاف المسلم بما في الترغيب والترهيب من أحاديث البخاري ومسلم.

(( عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: قَالَ إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً ))

[ متفق عليه ]

أيها الإخوة:
 هذا الحديث دقيق جداً ولكن يحتاج إلى تفصيل، من هم بحسنة فلم يعملها لا لأنه غير رأيه ولكن لن يستطع، نوى أن يعطي زيداً من الناس الفقير مبلغاً من المال ولم يتيسر له فهو عند الله قد فعل حسنةً وكتبت له وكأنه فعلها، أما هذا الذي ينتكث ويغير رأيه ينكص على عقبيه، هذا ليس له علاقة بهذا الحديث، هم بحسنة فلم تمكنه ظروفه من أن يفعلها لكنه متحرق على فعلها، قال تعالى:

﴿ وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (92)﴾

[ سورة التوبة: الآية 92]

 هذا الذي يحال بينه وبين حسنته، هم بحسنة فجاءه مرض منعه منها، هم بحسنة فجاءه سفر، هم بحسنة فجاءه ضيق مادي، من هم بحسنة فلم يفعلها إما لضيق أو لشيء منعه منها كتبت له حسنة كاملة، حتى أنه في بعض الأحاديث من أقعده مرض عن عبادة كتب له ثواب هذه العبادة وإن لم يؤدها، ومن أقعده سفره عن عبادة كتبت له هذه العبادة وكأنه مقيم لأنه الأعمال بالنيات ونية المؤمن خير من عمله، ونية الكافر شر من عمله، ومن أخطر ما قرأت من أحاديث أقوال الصحابة أن صانع الخير خير من الخير، وصانع الشر شر من الشر، لأن أي شر مهما كان كبيراً ينتهي يوم قيام الساعة، هذا الذي دمر مدينتين في اليابان وقتل ثلاث مائة ألف إنسان في بضع ثوان حينما ألقيت قنبلة ذرية وهذه الحروب التي تسمعون عنها في العالم حروب التطهير العرقي، يقال أربع مائة ألف قتلوا على الهوية، خمس مائة ألف في رواندا قتلوا في يوم واحد، هؤلاء الذين يقتلون أبناءنا في فلسطين، هذا الحدث متى ينتهي ؟ عند يوم القيامة لو فرضنا إنسان ما مات لابد من أن يموت فأكبر شر ينتهي عند قيام الساعة ما الذي يبقى؟ يبقى صانع الشر يشقى بنيته السيئة إلى أبد الآبدين، فصانع الشر شر من الشر، وصانع الخير خير من الخير، عمرت مسجداً عند قيام الساعة انتهى المسجد كل من عليها فان ماذا يبقى ؟ صانع الخير يسعد بخيره إلى أبد الآبدين.
 فتعقيباً على درس البارحة أنه بالقلب السليم تسعد به إلى أبد الآبدين وبالمرض الخبيث في النفس تشقى بهذا المرض إلى أبد الآبدين، وأن أمراض الجسد تنتهي عند الموت وأن أمراض القلب تبدأ عند الموت لأن الناس نيام إذا ماتوا انتبهوا، متى ينتبه بأمراضه ؟ حينما يحال بينه وبين ما يشتهي، قال تعالى:

 

﴿ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ﴾

 

[ سورة سبأ: الآية 54]

 الناس في التخدير، يتابع المحطات الفضائية، يقرأ ما يحلو له، يلتقي مع يحب، يأكل ما لذ وطاب، ينام في بيت فخم، يمتع عينه بجمال الحسناوات إن في الطرقات أو في الفضائيات أو في المجلات متى يشعر بالشقاء ؟ حينما يحال بينه وبين ما يشتهي.

 

((.. فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ... ))

 الحد الأدنى يعني ثوابك على نيتك بعمل لم تفعله أو حيل بينك وبين أن تفعله حسنة كاملة، أما إذا فعلته من عشر حسنات إلى سبع مائة ضعف إلى أضعاف كثيرة كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح.

 

 

((... فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا.. ))

 سمعت عن شاب حج في وقت مبكر لأنه حج مع والدته كمحرم، عمره ثمانية عشر، وانتهى الحج وعنده مكتبة في المهاجرين جاءته فتاة ساقطة وفاسقة أغرته فتبعها ونسي، وكان في حوافل كهربائية وأكثر أخواننا الذي عمرهم معقول رأوها وآثارها موجودة، ومشي وراءها مسافة طويلة طبعاً ليقترف الزنا، ثم قال: أنا حاجج يبدو أن غلبت عليه خشيته لله فركب في الترين ورجع، وعاد إلى محله، يقسم بالله العظيم وأنا أعرف أنه من عشرة سنوات كان حي يرزق، جاءه رجل من وجهاء الحي وبكل بساطة ومباشرةً قال له: يا بني أنت متزوج ؟ قال له: لا، وهذا الرجل من وجهاء الحي الكبار ومن كبار تجار الزيت في سوق الزيت و قال له: ابعث أمك إلى عندنا. هو ماذا ظن ؟ أن عنده بنت كاسدة جمالها دون الوسط وعندها مشكلة لأنه عرض عليه فأرسل والدته فوجد الخبر بالعكس بنت في ريعان الشباب وجميلة جداً ومن أرقى الأسر، وبعد يومين زاره وقال له: يا بني هل بعثت والدتك ؟ قال له: نعم، قال له: ماذا وجدت ؟ قال له: ممتازة ولكن أنا لا أملك شيء، فقال له: هذا ليس عملك، جعله شريك له في التجارة واشترى له بيت وزوجه.
 ماذا عمل هذا الشاب ؟ قال إني أخاف الله رب العالمين، هو هم بالسيئة لكن لما لم يعملها ؟ لأنه أدركته خشية الله، إذا إنسان دخل ليزني ودخلت الأخلاقية وداهموا البيت فما زنا هل له أجر ؟ لا ليس له أجر ليس معنياً بهذا الحديث.
يقول عليه الصلاة والسلام:

 

 

(( فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا...))

 لا لأنهم داهموا البيت بل لأن أدركته خشية الله، غلب عليه خوف الله عز وجل.
 ركبت مع أخ في سيارته سؤال خطأ مني وفضولي قلت له: هذه السيارة متى اشتريتها ؟ وأنا أريد أن أتحدث معه وأؤنسه ؟ قال لي: هذه السيارة لها قصة، قلت له: ما قصة هذه السيارة ؟ فقال لي: أنا أسكن في المزة وعملي في البزورية وعندي أولاد ويجب أن آخذ بضاعتي من الشام لأنها أرخص وأحمل هذه البضاعة فينكسر البيض وتتلف البندورة، وكان في أزمة خانقة جداً والناس فوق بعضها، فذهبت واشتريت ورقة يانصيب، وقلت لعلي أربح وأشتري سيارة، فقال لي: ساقتني قدماي بأول يوم جمعة بعد أن اشترى الورقة إلى جامع لا على التعيين والخطبة كلها على اليانصيب لا حول ولا قوة إلا بالله إلى هنا لحقني المشايخ، فأخرج الورقة ومزقها في الجامع خوفاً من الله، طالما حرام مزقها.
 يقسم بالله العظيم في اليوم التالي وهو عنده مطبعة ورق، تسمى مطبعة حرارة تطبع على القماش، بالعادة كل صفقاته ألف، ألف وخمس مائة، يعني مستور، قال لي: جاءني زبون يريد خمسين ألف قميص، أول مرة يأتي هذا الزبون واتفقت أنا وهو ودفع الرعبون، قال لي ربحي من هذه العملية ثمانية وعشرين ألف ثمن هذه السيارة.
 والله أنا بكيت قلت يا رب مزق الورقة في الجامع خوفاً منك أنت ما نسيته لماذا مزقها ؟ خوف من الله، هو خطط أن يتابع الأمر ولكن حينما سمع الخطيب يقول حرام مزق الورقة خوفاً من الله، كأن الله عز وجل يخاطبه أنت مزقتها خوفاً مني وأنا أدعك بلا مركبة فأرسل له المركبة، هذه حقائق.

 

 

((... وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً.))

إذا عملها وغلط قال:

 

 

((... فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً ))

 هذا من كرم الله عز وجل إن لم تفعل الحسنة حيل بينك وبينها كتبت لك حسنة وإن فعلتها كتبت لك عشرة حسنات إلى سبع مائة إلى أضعاف كثيرة، فإن هممت بسيئة ولم تعملها خوفاً من الله كتبت لك حسنة فإن فعلتها كتبت لك سيئة واحدة.
يوجد رواية ثانية تدعم الأولى يقول عليه الصلاة والسلام:

 

 

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَقُولُ اللَّهُ إِذَا أَرَادَ عَبْدِي أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً فَلا تَكْتُبُوهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَعْمَلَهَا فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا بِمِثْلِهَا وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ أَجْلِي فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً فَلَمْ يَعْمَلْهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ ))

 

[ متفق عليه ]

((... وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ أَجْلِي... ))

هنا المعنى أكد المعنى الأول وإن تركها من أجلي.
 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تُهِنا، آثرنا ولا تُؤثر علينا، أَرْضنا وارضَ عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

إخفاء الصور