وضع داكن
23-04-2024
Logo
شرح مختصر للأحاديث - الدرس : 057 - ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا.......
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 أيها الأخوة الكرام: لا زلنا في إتحاف المسلم بما في الترغيب والترهيب من صحيح البخاري ومسلم، والموضوع اليوم الترهيب من منع الزكاة.

(( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحَ مِنْ نَارٍ فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ....))

(صحيح مسلم)

 أيها الأخوة الكرام: الزكاة كما قلت البارحة أو قبل البارحة تؤخذ ولا تعطى لأن حقوق العباد متعلقة بها، ولأن الله ولحكمة بالغة جعل الغني والفقير وجعل في مال الغني حقاً للفقير، فأي مال تعلق به حق الفقير هذا المال يتلف ويُتلف معه صاحبه، وأي مبلغ من المال لن تؤدى زكاته فهو كنز، ويصدق عليه هذا الحديث الصحيح، وأي مال تؤدى زكاته بلغ ما بلغ فليس بكبير وقد برئ
من الشح من أدى زكاة ماله.
 أيها الأخوة: المال قوام الحياة، وهذا الكلام قرآني، فحينما نحرم هذا المال أصحابه انظر إلى النتائج الدعارى السرقة الاحتيال الفجور الفسق، ما من بيت فيه حرمان شديد في الأعم الأغلب ينحرف أبنائه إلى أية وسيلة يكسبون بها المال، لذلك كسب المال الحلال جزء من العبادة، الذي يكسب ملاً حلالاً ويرعى أهله ويلبي حاجاتهم المشروعة والأساسية ولا يحيجهم إلى غيره هو في أعلى درجات العبادة، وحينما رأى النبي عليه الصلاة والسلام يد ابن مسعود خشنة من العمل أمسك بها ورفعها وقال: إن الله يحب هذه اليد، يد ابن مسعود لأنها منتجة،
وحينما رأى النبي رجلاً يتعبد الله في أوقات العمل سأله (ورد في الأثر): من يطعمك ؟ قال: أخي، قال: أخوك أعبد منك !
 وحينما يكون عملك مشروعاً في الأصل وتسلك به الطرق المشروعة، وتنوي به كفاية نفسك وأهلك ومن حولك وتبتغي به خدمة المسلمين ولم يشغلك عن فريضة ولا عن واجب ديني ولا عن طلب علم انقلب عملك إلى عبادة، والمؤمنون أعمالهم عاداتهم اليومية عبادات، والمنافقون عباداتهم سيئات، فالمسلم ليس سلبياً وليس كسولاً وليس عالة على أحد وليس ضعيفاً.

 

((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ.....))

 

(صحيح مسلم)

 وما الفقير الصابر بأقل أجراً من الغني الشاكر، فحينما يفهم الإنسان رسالته في الحياة، و أنه موكل بأسرته، وأنه إذا أخذ بيدها إلى الله كان في أعلى الدرجات عند الله لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

 

(( ... مَا كَسَبَ الرَّجُلُ كَسْبًا أَطْيَبَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وَمَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَخَادِمِهِ فَهُوَ صَدَقَةٌ ))

 

(مسند الإمام أحمد)

 فلذلك إتقان العمال وكسب المال الحلال وإنفاقه في وجوهه وكفاية الأهل والأولاد وامتلاك قلوبهم بالحق لا بالباطل، بالأشياء المشروعة لا بالأشياء الممنوعة، بالأشياء الصحيحة لا بالأشياء المنحرفة، هذا نوع من العبادة ونحن نفتقر إلى مفهومات العبادة الواسعة، مفهومات العبادة الضيقة أن نصلي وأن نصوم ونحج بيت الله الحرام وأن نؤدي الزكاة وأن نشهد أنه لا إله إلا الله، لكن مفهومات العبادات الواسعة أن نعبد الله فيما أقامنا، أقامك أب أوسع واقرب طريق إلى الله أن تكون أباً مثالياً أن تنجب أولاداً صالحين أن تأخذ بيد زوجتك إلى الله عز وجل، أقامك قوياً أول عبادة لك أن تنصف الضعيف، وأن تأخذ حق الفقير، وتأخذ حق الفقير الضعيف من القوي الغني، أقامك عالماً أول عبادة لك تعليم العلم، أقامك إمرأة أول عبادة لك رعاية زوجك وأولادك، أقامك قاضياً ينبغي أن تسهر إلى أنصاف الليالي لتتبع الحق وإصدار الحكم العادل، أقامك طبيباً ينبغي أن ترعى مرضاك رعاية تامة فحينما نفهم الدين أن نعبد الله فيما أقامنا طبعاً هذا الشيء بديهي فضلا عن العبادات الرتيبة الراتبة التي أمرنا الله بها، الصلاة عماد الدين الحج الزكاة الصوم هذا شيء مفروغ منه، هذا هو الأصل، ولكن لا نفهم الدين أننا إذا قضينا هذه العبادات انتهى كل شيء، لم ينته شيء وبقي كل شيء، فلذلك أنت انظر إلى شاب وفرت له عمل بخمسة آلاف يمكن أن ينشئ أسرة يأخذ بيتأً في ظاهر المدينة وأساس متواضع ويتزوج، هذه الخمسة آلاف أحيت أسرة أنشأت أسرة عفّت بنتاً، عفّت شاباً، لذلك هذا الذي يضيق فرص العمل بطريق أو بآخر أو هذا الذي يرفع الأسعار احتكاراً ليقلل القيمة الشرائية بيد الناس هذا يعد في حق الأمة مجرماً، أنت أعطيت هذا الموظف مبلغ فكلما رفعت الأسعار وكلما طبقت الاحتكار وكلما حصرت المواد بيدك ومنعت المنافسة فارتفع مستوى المعيشة ضؤلت قيمة هذا المال بيد صاحبه، والله لا يرضى إلا أن يكون المال متداولاً بين الناس جميعاً لئلا يكون دونة بين الأغنياء منكم، ويغضب أشد الغضب حينما يغدو المال متداولاً بأيد قليلة وتحرم منه الكثرة الكثيرة، لذلك اسأل ضباط الأمن الجنائي متى تكثر السرقات ؟ حينما تغلو الأسعار ويقل الدخل، باحثة زارت بعض السجون فوجئت أن تسعين بالمائة من الفتيات اللواتي يبتغين الدعارة لا بسبب فساد فيهن بل بسبب فقر مدقع وليس هذا تبرير لهن، ولكن كاد الفقر أن يكون كفرً، فكما قال سيدنا علي كرم الله وجهه ( قوام الدين والدنيا أربعة رجال: عالم مستعمل علمه، وجاهل لا يستنكف أن يتعلم و، وغني لا يبخل بماله، وفقير لا يبيع آخرته بدنياه فإذا ضيع العالم علمه استنكف الجاهل أن يتعلم، وإذا بخل الغني بماله باع الفقير آخرته بدنيا غيره )
 متى يبيع الفقير آخرته بدنيا غيره ؟ متى يتعاون الفقير مع الشيطان ؟ حينما يرى نفسه محروماً ، والأغنياء غارقون في ملذاتهم، يبيع نفسه للشيطان من أجل أن يأكل.
 أذكر قصة قبل أعوام طويلة: إنسان ملحد، بل مهمته من أقذر المهمات إذا بقي عند إنسان ملحد بقايا تصورات دينية كان يزيلها منه كلياً ! مرض ابنه مرضاً شديداً ولم يجد ما يعالجه به، دُلّ على أحد المساجد، والقصة قديمة قبل تنظيم التبرعات، تبرع خطيب المسجد بعد أن حثّ إخوانه المصليين أنه لكم أخ كريم لا يعلم عنه شيئاً إلا أنه فقير ومعه ابن مريض يحتاج إلى عملية، جمع له مبلغ يزيد عن أجر العملية هذا الإنسان لازم المسجد ولم يفارقه حتى اليوم ! حللت مشكلته فأحب الدين، أنت حينما ترى الأغنياء غارقون في ملذاتهم والشاب محروم يتمنى لقمة يأكلها فلا يجدها، يتمنى غرفة يسكنها فلا يجدها، يتمنى عملاً ولو كان قميئاً فلا يجده دفعته إلى اليأس، لذلك أغنياء المسلمين محاسبون، الغنى في الإسلام له فلسفة خاصة، أنت إذا كنت غنياً بإماكنك أن تنافس أكبر داعية في الدين، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

 

(( عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ ))

 

(صحيح مسلم)

 المفهوم الغربي للغنى مفهوم التمتع والرفاه والترف، ينبغي أن ينفق مائة ضعف عما ينفقه الإنسان العادي، كي يتمتع بماله، يأتي الموت يقطع له لذته وأمله، أما الغني المؤمن كما أن العالم ينفق علمه بنشر الحق هو يدعم هذا العلم بماله، مليار مشكلة تحل بالمال، الأيتام الفقراء المرضى الجياع الشباب العذاب، فحينما ينتبه الغني إلى أنه بماله قد يصل إلى أعلى مرتبة عند الله يكتشف هذه الحقيقة بعد فوات الأوان يندم أشد الندم، ذلك أن المال قوة، والعلم قوة، والسلطة قوة، والنبي الكريم يقول: الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ والآن المسلمون يواجهون تحدي الإفقار ! ينبغي أن نكون مستهلكين للغربيين، أسواقاً فقط في بضاعتهم حتى المأكولات في العالم العربي مع الأسف الشديد المطاعم الأمريكية منتشرة في أرجاء العالم العربي، إذا لم يأكل بالمطعم الفلاني ماكدونال كنتاكي بيتزا هات هذا يعني أنه ليس حضارياً، كوكا كولا، هذه مشكلة العالم الإسلامي، يعيش على ما يأكله يومياً مستورد، فحينما نغدو أقوياء محصنين بالعلم والمال هذا المال يحل به الإنسان آلاف المشكلات، فنحن أمام تحدي الإفقار، وكسب المال الحلال وإنفاقه في حل مشكلات المسلمين هذا شيء من أعظم الأعمال، فمن عنده عمل منتج إذا فتح الله لك باب رزق فالزمه، عندك عمل منتج يمكن أن تكفي أهلك وأولادك....
 أرى بعض الأشخاص حلوا مشكل أسرهم بكاملها، بالمعنى الواسع الأسرة ما من شاب إلا زوّج ! لأنه هو دخله كبير عنده معمل، فهذا الغنى أن يصل إلى الجنة بأوسع طريق وبأقصر طريق عن طريق ماله، كل واشرب من دون إسراف ولا مخيلة، بالإسلام لا يوجد حرمان.

 

(ورد في الأثر)

 

(( أشدكم لله خشية أنا أنام وأقوم أصوم وأفطر أتزوج النساء آكل اللحم هذه سنتي فمن تركها فليس من أمتي ))

 لكن دون بذخ، والله حدثني إنسان قصة كلما أذكرها ترتعد مفاصلي: ببعض البلاد الجاهلة شخص مهم مدعو لطعام يأتون بكاعود جمل صغير من أطيب أنواع اللحم محشو بالفستق واللحم والسمن البلدي وعليه خاروف مكتف هم عشرة أشخاص، يأكلون منه واحد بالمائة ويغسلون أيديهم فوق الطعام ثم يلقونه في المهملات ‍! هذا شيء دليل أن الله سينتقم منهم.
 والله كنت في بلد إسلامي شيء لفت نظري طعام الإفطار طاولة ارتفاعه ثلاثين سنتيمتر فقط يجلسون على الأرض وعليها ملاءة أبعد من أطرافها بمتر هذه توضع على ركب الذين يأكلون فإذا بقيت بقايا قليلة من الخبز هذه تجمع وتؤكل، لا نسمح لرزة أن تلقى في المهملات هذا المؤمن. (ورد في الأثر)
قال: يا عائشة أكرمي جوار نعم الله فإن النعمة إذا ذهبت قلّ ما تعود
 نحن الآن في ضائقة، الله عز وجل لا يوجد عنده إلا تقنين تأديبي، وليس عنده تقنين عجز، فإذا قُنن علينا المياه فلذنب ارتكبناه، إذا قُننت علينا الغذائيات فلذنب ارتكبناه، كلما يأتيكم من الغرب انفجار سكاني وفقر حتمي بسبب تزايد السكان هذا كلام باطل لا أصل له.

 

﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21)﴾

 

(سورة الحجر)

 كنت في إدلب قبل أسابيع آخر مطرة تسعين ميليمتر بليلة واحدة ! نصف معدل دمشق بليلة، إذا الله أعطى أدهش، فكل التقنين تقنين تأديب.
 فيا أيها الأخوة: الزكاة مهمتها ألا يكون المال في أيد قليلة، أن يكون موزعاً بين الكثرة الكثيرات، فأرجو الله سبحانه وتعالى أن يلهمنا الصواب في كسب المال وإنفاقه.

إخفاء الصور