وضع داكن
19-04-2024
Logo
شرح مختصر للأحاديث - الدرس : 055 - وإيتاء الزكاة.......
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 أيها الأخوة الكرام: لا زلنا في إتحاف المسلم بما في الترغيب والترهيب من صحيح البخاري ومسلم، والموضوع اليوم موضوع الصدقات، فالترغيب في أداء الزكاة وتأكيد وجوبها، وتعلمون انه برئ من الشح من أدى زكاة ماله، وأن المال الذي تؤدى زكاته بالغاً ما بلغ لا يعد كنزاً، وأن المال الذي لا تؤدى زكاته مهما قل فهو عند الله كنز، وينطبق عليه قوله تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34)﴾

(سورة التوبة)

 فأي مال أوديت زكاته ليس بكنز، وأي مال مهما قل لم تؤدى زكاته فهو كنز.

 

(( عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّهم عَنْهممَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ ))

 

(صحيح البخاري)

 وهذه أركان الإسلام، فأداء الزكاة خمس الإسلام، إحدى اكبر أركانه ولو تعمقنا لوجدنا أن أداء الزكاة يحقق التكاتل الاجتماعي، وقد قرأت دراسة عن بلدنا أنه لو أديت زكاة مال الناس لو أديت زكاة الدخل القومي لبلد ما لكفت كل فقرائهم، ولكن الفكرة التي قد لا تقبلونها أن خمسة بالمائة من أصحاب الأموال فقط يدفعون زكاة أموالهم.
إحصاء في عام ثمانية وأربعين رقم الزكاة يغطي كل حاجات الفقراء في بلد ما، لكن قلة قليلة جداً من أغنياء البلد يدفعون زكاة أموالهم.
 في قضية التضامن الاجتماعي بالإسلام فيها شيء رائع، بني هذا التضامن على أساس القرابة وعلى أساس الجوار أساس نسبي وأساس جغرافي، فكل واحد مطالب أن يعين جاره كما قال علماء الفقه أربعين بيت يميناً من الجيران وأربعين بيت يساراً من الجيران وأربعين بيت غرباً من الجيران وأربعين بيت جنوباً من الجيران، أربعة أربعينات، وإذا وجد طوابق أيضاً إلى الأعلى، وإذا في أقبية إلى الأسفل، فهذه المنطقة التي يحاسب عنها الإنسان.

 

(( عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا زَالَ يُوصِينِي جِبْرِيلُ بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ ))

 

(صحيح البخاري)

 فلو تعطف الناس على أساس الجوار، يروى أن أبو حنيفة النعمان له جار مغني سيء جداً، أقلق راحته سنوات طويلة ثم قبض عليه وأودع السجن، من أغنياته التي كان يرددها كثيراً:
أضاعوني وأي فتى أضاعوا ليوم كريهة وقيعان خلسي
 بيت لأحد الشعراء، فذهب أبو حنيفة بنفسه إلى المحتسب وفك أسر هذا الجار إكرماً لجواره، ففي طريق العودة إلى البيت قال له أبو حنيفة: يا فتى هل أضعناك ؟ ما أضعناك.
يروى أنه كان للنبي الكريم جار يبالغ في إيذائه، وكان يضع بعض بقايا الأنعام أمام باب داره، وكان النبي يزيلها وينظف المكان، في أحد الأيام لم يجد النبي شيئاً فظن أن جاره مريض فزاره، وكانت هذه الزيارة سبب إسلامه.
(ورد في الأثر) يروى أن النبي قام ليهودي بجنازة يهودي فقالوا: يا نبي الله أتقوم ليهودي؟ قال: أوليس إنساناً.
 النبي الكريم إنساني في كل معاني هذه الكلمة، فإيتاء الزكاة خمس الإسلام وسيدنا الصديق حارب المرتدين لا لأنهم كفروا بالله، بل لأنهم امتنعوا فقط عن أداء الزكاة، قال: والله لو كانوا يؤدون لرسول الله ومانعوها لقاتلتهم عليه.
لذلك الزكاة أيها الأخوة: لا تعطى ولكنها تؤخذ، لأن الزكاة نظام اقتصادي، بني عليها كفاية حاجات الأمة، لذلك لم يقل الله يا أيها الذين آمنوا أدوا زكاة أموالكم، قال:

 

﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾

 

(سورة التوبة)

 خاطب النبي لا على أنه نبي هنا، بل على أنه ولي أمر المسلمين، بصفته حاكم قال:

 

﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً﴾

 لأن أداء الزكاة يتوقف عليها صلاح المجتمع، المال قوام الحياة، لذلك الآية جاءت:

 

 

﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ﴾

 قال العلماء: تطهر مال الغني من تعلق حق الغير به، المال إذا تعلق حق الغير به رهن دماره وإتلافه.
كما يقول بعض الفقهاء: الحجر المغتصب في بيت سبب انهيار البيت، الآن عندما قال الله عز وجل:

 

 

﴿ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25)﴾

 

(سورة المعارج)

 فالمال الذي لم تؤدى زكاته تعلقت به حقوق الفقراء، والمال إذا تعلقت به الحقوق أصبح رهن إتلافه ودماره، من هنا قال عليه الصلاة والسلام (ورد في الأثر): ما تلف مال في بر أو بحر إلا بمنع الزكاة.
وحصّنوا أموالكم بالزكاة.
الشيء الثاني:

 

﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ﴾

 تطهره المال من تعلق حق الغير به، وتطهر الغني من الشح، برئ من الشح من أدى زكاة ماله، تطهر الفقير من الحقد، الفقير يحقد، والغني يزداد شحاً، والمال تعلق حق الغير به، حينما قال الله عز وجل:

 

 

﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ﴾

 أي تطهر الغني من الشح والفقير من الحقد، والمال من تعلق حق الغير به أما

 

 

﴿ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾

 الزكاة هي النماء، فنفس الغني تنمو حينما يشعر أنه سبب سعادة آلاف الأسر، حينما يرى ماله أصبح ابتسامة على الوجوه، حينما يرى ماله كساء يغطي عورة الناس، وطعاماً يشبع الكباد الجائعة، وحينما يرى ماله أصبح بيوتاً يأوي فيه طلاب العلم، ومعاهد شرعية تؤسس، ومستوصفات تشاد تعالج الفقراء.
 والله مرة لي شخص يلوذ بي كنا خارج دمشق، فأصابته حالة مرضية حادة جداً فذهبت في منطقة يعفور وجدت مستوصف، والله ما رأيت مستوصفاً بهذا الإتقان، كأنك في أمريكا أحدث التجهيزات، السيارة في مستشفى متنقلة، يمكن أن يعالج مريض القلب بالسيارة، خمس أطباء أدوية حديثة كله مجاناً، هذا من أموال الزكاة هذا مشروع خيري، مشاريع الخير له اثر كبير جداً بالحياة الاجتماعية فممكن يكون مستوصف مشفى معهد شرعي ميتم، كما عندنا صندوق العافية الحمد لله، الآن يوجد صندوق الزواج، أتمنى أن ينشأ صندوق الدين القرض الحسن، هذه كلها أموال في خدمة المسلمين، فالغني إذا رأى ماله أصبح ميتم مشفى مستوصف فرضاً وقد يكون من مال الصدقات، الزكاة يجب أن تنتهي إلى الفقير قولاً واحداً، لكن إنشاء مشفى أو ميتم يكون من مال الصدقات، فالغني حينما يرى ماله في خدمة المجتمع تزكو نفسه وتنمو، والفقير حينما يأتيه ماله تحل به مشكلاته، يشعر بانتمائه للمجتمع، أنا لست هيناً على قومي.
 لم ينسني قومي الناس مهتمون بي وبطعامي وبشرابي وكساء أولادي وتربيتهم ومعالجة أولادي، فحينما يرى أن هذا المال تحل به مشكلاته تنمو نفس الفقير، وتنمو نفس الغني، وينمو المال نفسه بطريقة العناية الفعلية المباشرة.
 إخواننا الكرام: المال يذهب بطريقتين ينمو المال بطريقة واضحة، الدول الغنية جداً لماذا تقرض الدول الفقيرة ؟ لوجه الله ؟ لا والله، لأن القوة الشرائية عند الدول الفقيرة ضعيفة جداً، فهناك كساد في معامل الدول الغنية، أما إذا أقرض هؤلاء الدول الفقيرة قروض كبيرة جداً ولآجال طويلة اصبح مع الدول الفقيرة قوة شرائية، من أين يشترون ؟ من الدول الغنية، لذلك الاقتصاد يدور، هذا ما يجري تماماً في الزكاة.
 تصور أن زكاة مال أغنياء القطر فرضاً خمس مليارات الزكاة فقط بين يدي الفقراء على العيد ‍! ماذا يفعل الفقير بالمال ؟ لو أن كل أغنياء البلد دفعوا زكاة أموالهم مبلغ خمس مليارات ليرة سورية بأيدي الفقراء في عيد الفطر السعيد ! هذا المال ماذا يفعلون به ؟ يشترون الألبسة والأحذية والطعام والشراب والحلويات ويحسنوا ويوسعوا بيوتهم، هذا يعني أن دولاب الاقتصاد تحرك، فهذه الطريقة القانونية المعروفة، لكن توجد طرق أخرى عند الله سماها العلماء طريقة العناية الإلهية، هذه الطريقة ليست معروفة، أنت حينما تؤدي زكاة مالك بطريقة لا تعرفها الله عز وجل ينمي هذا المال بشكل أنت لا تعرفه قد تلهم صفقة رابحة وقد تصرف عن صفقة خاسرة، لأنك تؤدي زكاة مالك.
 حدثني أخ قال: والله البضاعة في مستودعي إلى السقف عنده معمل، وقال: لا يوجد شيء يهز كيان المصنّع كأن يرى البضاعة في المستودعات إلى السقف ولا أحد يسأله ماذا عندك، والمصنع غير تاجر، التاجر يقف، أما المصنّع عنده ثمانون عامل، عليه رواتب، والتسريح يكلف ملايين تعويضات وتأمين اجتماعي، فحلقة مفرغة عبر لي عن حالته وكأني عصفور بمقلاة، تشتري مواد أولية وتعطي أجور العمال وتكدس البضاعة بالمستودعات ولا يوجد حركة، قال: بضاعتي غلى السقف وجاءني طلب بتصريفها غلى بلد شرقي والبلد ممتز جداً ويدفع نقداً قال: لسبب أو لآخر شعرت بضيق وانقباض ليس له مبرر غير منطقي بفعل هذا الضيق الشديد جداً لم أصدّر، قال: في هذا العام المالية كلفت المصدرين بألف وخمسمائة مليون ! معظم المصدرين دفعوا كل ما يملكون ضرائب للمالية إلا هذا الذي أدى زكاة ماله وقدم لمشروع خيري مليون ليرة، قال: أنت سأعفيك.
يروى انه يوجد رجل مقيم بالكويت هذا الرجل مهندس عريق وقديم فعنده أموال جيدة وصلت لمليون دينار كويتي، وكان الدينار بمائتين ليرة، أي مائتين مليون، جمع طرح قسّم ضرب وجد أنه أفضل مكان لاستثمارهم كان يوجد بالكويت شركة استثمار اسمها أسهم المناخ شركة مشهورة جداً، فوضع هذه الأسهم في هذه الشركة، وهو يؤدي زكاة ماله، جاء إلى الشام له صديق قريب طبيب صديقي توفي رحمه الله منذ شهر من خلال الحديث في سهرة أن مالك في هذه المؤسسة حرام قال لا ليس حرام، أنا لن أدخل في تفاصيل الموضوع فهذا بعد مناقشة ساعة ساعتين قنع صاحب المال أن إيداع هذا المال في هذه المؤسسة فيه شبهة، فنوى أن يسترجع ماله من هذه المؤسسة إرضاءً لله عز وجل، لاحظ القصة من أدق ما تكون: فاتصل بأخيه بالكويت لكن الاتصال كان صعب جداً لم يتمكن اتصل مساءً وصباحاً ومساء وصباحا.....ست محاولات لم يتمكن من الحديث معه قال سأبيعهم عندما أعود هي أسهم تباع لحامله، بعد شهر عاد إلى الكويت وصل للمطار استقبله أخوه قال له: هل علمت ؟ قال: لا قال: الشركة أفلست ! له فيها مليون دينار ! يقسم بالله أخوه أنه وقع مغشياً عليه، قال: قم لم ينجو إلا أنت، قال: كيف ؟ قال: جئتني في المنام وقلت لي بع الأسهم برأسمالها، فقلت لك: هل أنا مجنون لبيعك ؟ فجئتني في المنام مرة ثانية وفي الليلة الأولى مرة ثالثة على ثلاثة منامات خاف أخوه فباع الأسهم برأسمالها قبل أن تفلس الشركة !
 هذه قصة والله تروى، الله تدخل تدخلاً مباشراً، فالمال المزكى عنه له معاملة خاصة يا إخوان، ولا تنسوا هذا الحديث: ما تلف مال في بر أو بحر إلا بمنع الزكاة.
أبو الدرداء قيل له: احترق دكانك قال: ما كان الله ليفعل، احترق لم يصدقهم، فذهبوا فإذا بالدكان التي تليه قد احترقت فبشروه قال: أعلم ذلك ثقته أن الله لا يتلف زكاة ماله.
 في بيروت محل من أشهر المحلات في البرج أنا أعرف المحل ساحة البرج بالجهة الغربية يوجد محل أجبان من الطراز الأول صار ثلاثة جولات حرب أهلية في بيروت، الجولة الأولى بقيت أربعة أشهر، فبعدما أن انتهت الجولة تفقد أصحاب المحلات محلاتهم، هذا المحل دافع زكاة ماله قبل بدء الحرب الأهلية بعشرة أيام، وكان الجو متوتر جداً، وكل من علم أنه دفع زكاة ماله اتهموه بالجنون، لأن المال مهم جداً في مثل هذه الأوقات، هو دفعها، فعندما جاء إلى المحل فوجد المحل الذي غلى جانبه محروق بالكامل، والذي على يساره وفوقه محروق بالكامل، وغلق محله أسود، فتح الغلق فوجده كما أغلقه، وفي الصندوق ثمانين ألف ليرة لبناني، عندما كانت الليرة مائة وستين سوري.
فهذه قصص كثيرة جداً، فالمال الذي تؤدى زكاة ماله لا يتلف، لأنه حصنه بالزكاة

 

إخفاء الصور