وضع داكن
16-04-2024
Logo
الخطبة : 0695 - أسباب الشقاق الزوجي - قصة زواج شريح القاضي - أبو أمية
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الاولى
الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيَّته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمد صلَّى الله عليه وسلَّم، رسول الله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عينٌ بنظرٍ أو سمعت أذنٍ بخبر، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه، وعلى ذرِّيته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين.
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

من أخطر قضايا المجتمع الإسلامي: التماسك الأُسري:

أيها الإخوة الكرام، أرجو الله سبحانه وتعالى أن يوفقني إلى أن أضع يدي على الجراح التي يعاني منها المسلمون، وعلى النقاط التي ينبغي أن تُعالج.
في أسبوعٍ سبق عُرِضَت علي عدة قضايا يعاني منها المسلمون، قضايا الشقاق الزوجي، فساد ذات البَيْن، انهيار الأسرة المُسلمة، هل المجتمع الإسلامي إلا مجموعة أسر ؟ فإن صلحت الأسرة صلح المجتمع، وإن فسدت فسد المجتمع.
أهمية التماسك الأسري
قضية تماسك الأسرة، وقضية صحتها، وقضية قوتها، وقضية انسجامها، هذه قضيةٌ مهمةٌ جداً المسلمون في أشد الحاجة إليها، ذلك أن الإنسان إذا كان مُرتاحاً في بيته، مطمئناً إلى أهله، انطلق إلى عمله، وأتقن عمله، ونفع المسلمين، وعاد الخير على كل المسلمين، أما إذا كان البيت جحيماً لا يطاق، إذا كان البيت مُفْعَمَاً بالمشكلات، مفعماً بالتنافس، مفعماً بالعداوة والبغضاء، إن هذا البيت على خلاف ما أراد الله عزَّ وجل، لأن الله عزَّ وجل حينما قال:

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾

( سورة الروم: من آية " 22 " )

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ﴾

( سورة فصلت: من آية " 37 " )

قال:

 

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾

( سورة الروم: من آية " 21 " )

الأصل في العلاقات الأُسرية: المودة والرحمة:

هذا هو الأصل في العلاقة الزوجية المودة والرحمة، هذا الأصل في الأسر ؛ التماسك، الود، الحب، الانسجام، الانضباط.
أيها الإخوة الكرام، يجب أن نعلم جميعاً علم اليقين أن المال لا يقدِّم ولا يؤخِّر في هذا الموضوع، قضية أن تعرف مالك وما عليك.

أسباب الشقاق الزوجي:

السبب الأول: الجهل بأحكام الشريعة:

أول سببٍ في الشقاق الزوجي الجَهْلُ، وكما أقول لكم دائماً: الجهل أعدى أعداء الإنسان، حينما يجهل الزوج واجباته تجاه زوجته، وحينما تجهل الزوجة واجباتها تجاه زوجها، وحينما يجهل الرجل حقوقه على زوجته، وحينما تجهل الزوجة حقوقها على زوجها، حينما يبنى زواجٌ على جهل، فهذا الزواج مصيره إلى التفكك وإلى الشقاق.
إذا أردت زواجا ناجحا بعليك بالعلم
أيها الإخوة الكرام، لا يستطيع عدوك مهما كان حاقدا عليك أن ينال منك كما ينال منك الجهل، يجب أن ننطلق من بيوتٍ سعيدة، يجب أن ننطلق من بيوتٍ متماسكة، يجب أن ننطلق من أُسَرٍ نظيفة، من علاقاتٍ واضحة، الجهل أعدى أعداء الإنسان، لابدَّ من أن تعرف، حينما عقد القران قال خطيب الحفل: إن هذا العقد كان على كتاب الله وسنة رسوله، فهل عرف الزوجانِ ما في كتاب الله وما في سُنَّةِ رسوله من أحكامٍ تتعلق بالزواج ؟ هل عرف الزوج حقيقة الزواج ؟ هل عرف حقوقه وعرف واجباته ؟ هل عرفت المرأة حق زوجها عليها ؟ وأن المرأة إذا أحسنت تبعُّل زوجها كانت كالمجاهدة في سبيل الله، لقول النبي عليه الصلاة والسلام:

((انصرفي أيتها المرأة، وأعلمي من وراءك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها، وطلبها مرضاته واتباعها موافقته يعدل ذلك كله ))

( كنز العمال )

لابدَّ من طلب العلم، ولا سيما اللذان يقدمان على الزواج، لابدَّ من طلب العلم، لابدَّ من معرفة أحكام الشريعة في شأن الزواج، إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت زواجاً ناجحاً فعليك بالعلم، إذا أردت زواجاً مستقراً فعليك بالعلم، إذا أردت زواجاً سعيداً فعليك بالعلم، إذا أردت زواجاً متماسكاً فعليك بالعلم.
أيها الإخوة الكرام، يكاد الجهل يكون أول سببٍ من أسباب الشقاق الزوجي، والجهل كما أقول دائماً أعدى أعداء الإنسان، هو العدو الأول الذي يقوض الحياة الزوجية، يقوض هذه الأسرة، يجعلها في الشقاق، يجعلها في العداوة والبغضاء على خلاف ما أراده الله عزَّ وجل، الذي أراده الله المودَّة والرحمة بين الزوجين، هذه هي الحالة الصحيحة المستقيمة، فإن لم تكن كذلك لابدَّ من علاجٍ سريع، لابدً من عودةٍ إلى الصواب.

السبب الثاني: تفرُّق الزوجين وشيوع العداوة:

أيها الإخوة الكرام، السبب الثاني لانهيار الأسر، وتفرُّق الزوجين، وشيوع العداوة والبغضاء بينهما هو: التقصير في تطبيق ما تعلم، قد يكون السبب الجهل، ما بال الذي يعلمون حقوق الزوجة وحقوق الزوج، وواجبات الزوجة وواجبات الزوج ولا يفعلون..

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)﴾

( سورة الصف )

ما قيمة العلم إن لم يُطَبَّق ؟ ما قيمة معرفة دقائق العلاقة الزوجية إن لم تكن واقعاً بين الزوجين ؟ ما قيمة التفقُّه بأحكام الفقه إن لم يكن هذا الفقه مطبقاً في البيت ؟

 

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾

( سورة الأنفال: من آية " 33 " )

قال علماء التفسير: ما دامت سُنَّتُكَ في بيوتهم، وفي أعمالهم، وفي أفراحهم، وأتراحهم، وفي إقامتهم وسفرهم، وبيعهم وشرائهم، فهم في بحبوحةٍ من عذاب الله.

 

وجوب تطبيق ما تعلّمه المسلم:

أيها الإخوة الكرام... لابدَّ من أن تعلم، ولابدَّ من أن تطبِّق ما تعلم، ولابدَّ من أن تعلم، ولابدَّ من أن يكون واقعك وَفْقَ ما تعلم، وإلا كان النفاق، وإلا كان الانحراف، وكان التزوير، من السهل جداً أن تتزين بكلامٍ تنتزع به إعجاب الحاضرين ؛ ولكن البطولة أن يكون هذا الكلام مطبقاً في حياتك اليومية، شتانَ بين أن تقول مئة ألف، بين أن تلفظها وأن تملكها، شتانَ بين القولين، بين أن تملك مئة ألف أو مئة مليون وأن تتلفظ بها، فالتلفُّظ بالشيء لا وزن له إن لم يكن واقعاً تعيشه.
سوء التطبيق
لذلك أيها الإخوة... كثيرٌ أولئك الذين يحضرون مجالس العلم، ويتعلمون شيئاً كثيراً عن حقوق الزوجة وعن واجباتها، وعن حقوق الزوج وعن واجباته، وعن حقيقة الزواج المُسْلِم، وعن حقيقة الزواج الإيماني، ولكنهم يقصرون، فإذا قصَّروا ما قيمة هذا العلم ؟ العلم ما عُمِلَ به، فإن لم يعمل به كان الجهل أولى، لأن هذا العلم الذي لم يعمل به أصبح حجةً عليك.
أيها الإخوة الكرام، بين أن تستمع إلى حقيقة وأن تعيشها مسافةٌ كبيرة جداً، بين أن تترنَّمَ بحقوق الزوجين وأن تؤدي هذه الحقوق مسافةٌ كبيرةٌ جداً.
فالسبب الثاني أيها الإخوة هو: أن الذي يعلمون لا يطبِّقون..
أول سبب: هناك من لا يعلم.
والسبب الثاني: هناك من يعلم ولا يطَبِّق، وهذا العلم الذي بين جوانحه حجةً عليه لا حجةً له.

إن الله مع الزوجين:

يا أيها الإخوة الكرام، ربما يبدو أن أحد أكبر أسباب السعادة الزوجية بين المؤمنين حقيقةٌ خطيرةٌ جداً هي: أن الله بين الزوجين، معنى أن الله بينهما، أي أن كل طرفٍ يخشى الله أن يظلم الطرف الآخر، وأن كل طرفٍ يرجو رحمة الله بإكرام الطرف الآخر، فإذا كان كلٌ من الزوجين يخشى الله أن يظلم الطرف الآخر، وإذا كان كلٌ من الزوجين يرجو رحمة الله بإكرام الطرف الآخر، لأن الله بين الزوجين، كان هذا الزواج سعيداً ومستمراً، بل إن الله عزَّ وجل حينما قال:

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾

( سورة الروم: من آية " 21 " )

وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً

المودة والرحمة
وقف العلماء وقفةً متأنيةً بين المودة والرحمة، المودة سلوكٌ يُعَبَّرُ بمقتضاه عن الحب، فالحب شعور والبسمة مودة، الحب شعور والهدية مودة، المودة سلوكٌ ظاهري يعبِّر عن شعورٍ داخلي، وجعل بينكم مودة، هذه المودة بين الزوجين من خَلْقِ الله عزَّ وجل، ولا يمكن أن ينشأ بينهما العداوة والبغضاء إلا بسبب بعدهما عن الله، أو تفلتهما من منهج الله، التفلُّت والبعد يسبب العداوة والبغضاء..

﴿ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾

( سورة المائدة: من آية " 14 " )

ولكن يا أيها الإخوة... قال تعالى:

 

﴿ وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾

الرحمة أحياناً يستعان بها حينما تفقد المودة، حينما تنقطع المصلحة بين الزوجين، حينما يفتقر الزوج ولا يستطيع أن ينفق على الأسرة شيئاً، حينما تُصاب المرأة بمرضٍ شديد، ولا تغدو زوجةً ملء عين زوجها، ما الذي يحل محل المودة ؟ الرحمة، إذاً هذه المؤسسة الإسلامية أنشأت لتبقى، لتبقى بالمودة أو بالرحمة أو بكليهما، فإن لم تكن مودةٌ ولا رحمةٌ بين الزوجين، فهذه حالةٌ مرضيةٌ تقتضي المعالجة السريعة.

السبب الثالث للشقاق الزوجي: إطلاق البصر في الحرام:

غض البصر
أيها الإخوة الكرام، لعل من أبرز أسباب الشقاق الزوجي أن يملأ الإنسان عينيه من محاسن غير امرأته، إطلاق البصر، قال تعالى:

 

﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾

( سورة النور: من آية " 30 " )

فإطلاق البصر أحد أسباب الشقاق الزوجي، لأن إطلاق البصر يجعل الإنسان في دوامةٍ لا نهاية لها، في دوامة الموازنة بين ما عنده وبين ما يرى، وقد يأخذ من صفات اللواتي يرى صفات لا تتمتَّعَ بها إحداهن، إذا وازن بين ما يرى وما عنده ربما وقع شقاقٌ بينه وبين أهله.
أيها الإخوة الكرام... هناك ما يسمَّى بمدرسة غض البصر..

 

﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ﴾

( سورة النور: من آية " 30 " )

السبب الرابع: سوء التصرُّف:

أيها الإخوة الكرام، ولعل من أسباب الشقاق الزوجي سوء التصرُّف، قال تعالى:

 

﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً﴾

( سورة البقرة: من آية " 269 " )

أعرابيةٌ نصحت ابنتها فقالت: " واتقِي الفرح معه إن كان تَرِحَاً، والترح إن كان فرحاً، فإن الأولى من التقصير، والثاني من التكدير، لا تفشِي له سراً، لا تعصي له أمراً، اتقِي وقت طعامه ووقت منامه، فإن حرارة الجوع ملهبة وتنغيص النوم مبغضة ".
نصائح كثيرة، حينما تقع المرأة أو الرجل في سوء التصرف فهذا سببٌ كبير.
أول سبب هو الجهل.
والثاني هو سوء التطبيق.
والثالث هو إطلاق البصر.
والرابع هو سوء التصرُّف.
حسن التصرف
حينما المؤمن يستقيم على أمر الله يكرمه الله عزَّ وجل بالحكمة، أن يقول الكلمة المناسبة في الوقت المناسب، بالقدر المناسب، مع الشخص المناسب، في الظرف المناسب، فالسكوت أحياناً من الحكمة.
السيدة عائشة رضي الله عنها جاءها طبق طعامٍ من ضرتها صفية رضي الله عنها، أصابتها الغيرة، فكسرت الطبق، فالنبي عليه الصلاة والسلام امْتَصَّ هذا الغضب وقال:

(( غَارَتْ أُمُّكُمْ ))

[ البخاري عن أنس ]

أي إذا غضبت الزوجة على الزوج أن يمتص هذا الغضب، وإذا غضب الزوج على الزوجة أن تمتص هذا الغضب.
أيها الإخوة الكرام... هذا من حسن التصرف، وهذا من الحكمة التي من أوتيها فقد أوتي خيراً كثيراً.

السبب الخامس: التعالي:

يا أيها الإخوة الكرام، ومن أسباب الشقاق الزوجي الذي يعاني منه معظم مجتمع المسلمين، من أسباب الشقاق الزوجي التعالي، قد يكون الزوج في وضعٍ أغنى وأقوى من أهل زوجته، فالتعالي على أهل الزوجة يسبب الشقاق الزوجي، وقد يكون والد الزوجة أقوى وأغنى من أهل الزوج، تتعالى عليه ؛ تفتخر بأهلها ومالها وما عند أهلها، فهذا التعالي أحد أكبر الشقاق الزوجي.
التعالي أيها الإخوة معولٌ تهدِّم به سعادتك الزوجية، والتواضع أحد أسباب الوِفاق، والواقعية أحد أسباب الوفاق، والتعالي أسباب الشقاق.

(( لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ ))

( صحيح مسلم: عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ )

الكبر يتناقض مع العبودية لله عزَّ وجل، وهذا الذي يفتخر بشيءٍ ليس من كسبه، يفتخر بشكلٍ، أو بمالٍ، أو بقوةٍ، أو بحسبٍ، أو بنسب، وينسَ أن الله عزَّ وجل يقول:

 

﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾

( سورة الحجرات: من آية " 13 " )

ينسَ أن السُلَّمَ الذي نرقى به عند الله سُلَّمُ الطاعة والعمل، سلم العلم والعمل، قال تعالى:

 

﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا﴾

( سورة الأنعام: من آية " 132" )

وقال تعالى:

 

﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾

( سورة المجادلة: من آية " 11 " )

فأنت عند الله حجمك بحجم معرفتك به، وحجمك عند الله بحجم العمل الذي أناطه الله بك.
فالتعالي أيها الإخوة سببٌ آخر من أسباب الشقاق الزوجي.

السبب السادس: عدم القيادة:

أيها الإخوة الكرام، وسببٌ آخر هو أن الأسرة لابدَّ لها من قيادة، لذلك قال تعالى:

 

﴿ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾

( سورة البقرة: من آية " 228 " )

لابد من قائد واحد
هذه الدرجة هي درجة القيادة.

 

﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾

( سورة النساء: من آية " 34 " )

وفي آيةٍ أخرى:

 

﴿ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾

( سورة البقرة: من آية " 228 " )

هذه الدرجة درجة واحدة، هي درجة القيادة، لابدَّ لكل مؤسسةٍ من آمر، من قائد، من إنسان يملك القرار، وإلا ضاعت الأمور، وإلا فسدت الأسرة، لابدَّ لها من قائد، هذا القائد هو الزَوْج، لذلك هذه الدرجة التي يتمتع بها الزوج هي درجة القيادة، بين الزوجين درجة واحدة لا ألف درجة، درجة واحدة، لأن الله عزَّ وجل يقول:

 

﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾

( سورة البقرة: من آية " 228 " )

هذه الدرجة هي درجة القيادة.

السبب السابع: التقليد الأعمى:

أيها الإخوة الكرام، ومن أبرز أسباب الشقاق الزوجي التقليد الأعمى، فكل بيتٍ له ظروفه، وكل أسرةٍ لها مُعطياتها، فإذا أرادت الزوجة أن تقلِّد أختاَ لها، لها زوجٌ غني، وقعت في شقاقٍ لا ينتهي مع زوجها، السعادة الزوجية أيها الإخوة لا علاقة لها بالمال، لها علاقةٌ بالصلة بالله، لها علاقةٌ بتطبيق الإسلام في البيت، قد يكون بيتاً، قد يكون البيت بيتاً متواضعاً جداً، وأصحابه في جنة، وقد يكون قصراً مُنيفاً وأصحابه في جحيم، إن الله يعطي الصحة والذكاء والمال والجمال للكثيرين من خلقه ؛ ولكنه يعطي السكينة بقدرٍ لأصفيائه المؤمنين.
التقليد الأعمى
قد يعيش الزوجان عيشةً خشنة، وهما أسعد خلق الله، وقد يعيش الزوجان عيشةً مترفة، وهما أشقى خلق الله، العبرة بطاعة الله، العبرة بالتفاهم، العبرة بالود، قد تأكل طعاماً خشناً مع من تحب، هو خيرٌ لك من أن تأكل أنفس مع من لا تحب، قد تسكن كوخاً مع من تحب، خيرٌ لك من أن تسكن قصراً مع من لا تحب..
رحب الفلاة مع الأعداء ضيقةٌ سم الخياط مع الإخوان ميدان
أيها الإخوة الكرام... أحد أسباب الشقاق الزوجي التقليد الأعمى، نريد أن نقلِّد، لذلك قال: يا عائشة، يقول عليه الصلاة والسلام:

(( إِيَّاكِ وَمُجَالَسَةَ الأَغْنِيَاءِ، وَلا تَسْتَخْلِقِي ثَوْبًا حَتَّى تُرَقِّعِيهِ ))

( من سنن الترمذي: عن عائشة )

وقد ورد عن سيدنا عمر رضي الله عنه أنه << من دخل على الأغنياء ـ والمقصود بالأغنياء غير المؤمنين، غير المنضبطين، أما الغني المؤمن فتشتهي الغنى منه ؛ من تواضعه، وسخائه، ورِقَّتِهِ، وفضله، الأغنياء غير المؤمنين ـ من دخل على الأغنياء خرج من عندهم وهو على الله ساخط >>.
فالتقليد الأعمى من قبل الزوجة يسبب الشقاء الزوجي.

السبب الثامن: الغياب عن البيت طويلا:

الغياب عن البيت طويلا
أيها الإخوة الكرام، وسببٌ آخر من أسباب الشقاق الزوجي هو الغياب عن البيت الغياب الطويل، هناك مشكلاتٌ كثيرةٌ جداً اطَّلعت عليها، السبب أن الزوج يخرج قبل الشمس، ويعود بعد منتصف الليل، لزوجته عليه حق أن يجلس معها، أن يؤانسها، أن يستمع إلى حديثها، أن تنظر إليه أن ينظر إليها، أن يأكلا معاً، أما هذا الغياب الطويل، وهذا الذي يبحث عن عملٍ ويبتعد عن أهله سنوات وسنوات، من يربي أولاده ؟ من يرعى زوجته ؟ الغياب الطويل عن الزوج وراء أكثر الجرائم التي تقع بين الزوجين وفي مقدمتها الخيانة الزوجية، الغياب الطويل عن البيت يفقدك رعاية أولادك، يفقدك تربيتهم التربية المُثلى.
فيا أيها الإخوة الكرام... هذا سببٌ آخر من أسباب الشقاء الزوجي.

 

السبب التاسع: الطمع المالي:

وقد يأتي الطمع المالي، قد ترث المرأة من أهلها إرثاً، يطمع زوجها بهذا المال فيضيق عليها، ويشدد عليها حتى تعطيه المال، طمعه في مال زوجته سَبَّبَ شقاءه البيتي، الزوج المؤمن يترفَّع عن مال زوجته، ولا يعلِّقُ أهميةً على أن يأخذ ما عندها، هو ملكها تفعل به ما تشاء.

 

 

السبب العاشر: البخل:

يا أيها الإخوة الكرام... بل إن من أشد الشقاق الزوجي البُخْلُ، البخيل لا يحبه أحد، لا تحبه زوجته، تتمنَّى موته، يتمنى أولاده أن يفتقدوه لأنه بخيل، لذلك أول صفةٍ من صفات الزوج المؤمن أنه كريم..

 

 

(( ليس منا من وسع الله عليه ثم قتَّر على عياله ))

 

( الجامع الصغير عن جبير بن مطعم بسند فيه ضعف)

ليس منا ينفي عنه النبي أن ينتمي إلى المؤمنين، من وسَّع الله عليه ثم قتر على عياله.
لكن بالمقابل أيها الإخوة..

(( كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ ))

( من سنن أبي داود: عن " عبد الله بن عمرو " )

هؤلاء الذين تطعمهم، وتكسوهم، وتغذيِّهم، وتسكنهم في بيتٍ مريح، وتعطيهم ما يشاؤون، إن لم تهتمَّ بدينهم، وأخلاقهم، واستقامتهم، ومعرفتهم أنت قد ضيَّعْتَهُم، هناك تضييعان، التضييع الأول ألا تنفق عليهم فيكرهوك، إذا أنفقت عليهم أعطيتهم ما يشاؤون، فإن لم تعرفهم بالله فقد ضيعتهم..

(( كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ ))

السبب الحادي عشر: سوء الظن:

أيها الإخوة الكرام... هناك من أسباب الشقاق الزوجي سوء الظن من دون دليل، قال تعالى:

 

﴿ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾

( سورة الحجرات: من آية " 12 " )

وقد ورد في الأثر: أن الحزم سوء الظن، وأن سوء الظن عصمة، واحترس من الناس بسوء الظن إذا كان هناك دليل، فإن لم يكن هناك دليل فسوء الظن إثم، قد ينشأ عند الزوجة غيرةٌ غير معقولة، بلا أي سبب، زوجها مؤمن تأخذ في المجيء للبيت تتهمه باتهاماتٍ لا تليق به، هذا مرض، وقد تكون الزوجة مؤمنةً طاهرةً عفيفةً، والزوج واقعٌ في سوء الظن، فيتهمها اتهاماتٍ لا تليق بها، إن لم يكن هناك دليل فسوء الظن معصية، إثم، أما إذا في دليل فسوء الظن عصمة، لذلك أحد أسباب الشقاق الزوجي سوء الظن الذي يقع به الأزواج أو تقع به الزوجات من حين إلى آخر.

السبب الثاني عشر: ميل أحد الزوجين إلى أحد الأولاد:

العدل بين الأولاد
أيها الإخوة الكرام... وقد يميل الزوج لأحد الأولاد، أو قد تميل الزوجة لأحد الأولاد، هذا الميل يقتضي التعصُّب، ويقتضي الاندفاع غير الذكي، ويقتضي الهجوم على الطرف الآخر، فقد ينشأ خلافٌ شديدٌ بين الزوجين، لأن الأب منحازٌ إلى ولد والأم منحازة إلى ولد، وهذا أيضاً من أسباب الشقاق الزوجي.
أيها الإخوة الكرام.... ولا تنسوا قول النبي عليه الصلاة والسلام حينما جاءه أبو النُعمان بن البشير، ففي الحديث عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:

 

(( إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلامًا، فَقَالَ: أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَ مِثْلَهُ ؟ قَالَ: لا، قَالَ فَارْجِعْهُ ))

 

( من صحيح البخاري عن حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ )

فمن لوازم الوفاق الزوجي العدل بين الأولاد، ولا يقولَنَّ أحدكم: إنني أعطي البار، وأحرم العاق، إن حرمت العاق تزيده عقوقاً، وإن سوَّيت بين الأولاد دون أن تنظر إلى برهم أو عقوقهم قرَّبت العاق، وانتزعت إعجاب البار، البار يعجب بك والعاق يخف عقوقه، أما فرقت في العطاء بين الأولاد يزيد العاق عقوقاً وتسقط من عين الذي حابيته من أجل أخيه.

السبب الثالث عشر: تدخُّل الآباء والأمهات في خصوصيات العلاقة الزوجية:

أيها الإخوة الكرام... أحد أسباب الشقاق الزوجي، وهذه مشكلة المُشكلات، تدخُّل الآباء والأمهات في خصوصيات العلاقة الزوجية، الأم المُسَيْطِرَة التي تريد أن يعيش ابنها كما تتمنى على مزاجها، بعيداً عن قواعد الشرع، والأب المسيطر الذي يعلِّق عطاءه لابنه على أن يكون الابن على شاكلة أبيه، والأم والأب اللذان لا يحترمان ابنهما، فيفرضان عليه ما لا يريد، وما لا يتمنى، ولا يحترمان اتجاهه الديني، تدخُّل الآباء والأمهات في خصوصيات العلاقة الزوجية هذا يفسد أيضاً العلاقة الزوجية بين الزوجين، وينبغي للشاب المؤمن أن يعرف الفرق بين طاعة الآباء وبِرِّهِم، قال تعالى:

 

﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾

( سورة الإسراء: من آية " 23 " )

الإحسان للوالدين، والعبادة لله وحده، فلا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق..

 

﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً﴾

( سورة لقمان: من آية " 15 " )

<< يا سعد إما أن تكفر بمحمد، وإما أن أدع الطعام حتى أموت "، قال: " يا أمي لو أن لكِ مئة نفسٍ فخرجت واحدةً واحدة ما كفرت بمحمد، فكلي إن شئتِ أو لا تأكلي >>.
يجب أن تعرف الفرق بين الإحسان للوالدين والعبادة، العبادة لله عزَّ وجل، ولا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق، والإحسان للوالدين.

 

السبب الرابع عشر: خروج المرأة من بيت زوجها دون إذن الزوج:

أيها الإخوة الكرام... خروج المرأة من بيت زوجها من دون إذن زوجها، مع أن الملائكة تلعنها، لكن هذا الخروج بلا إذن يسبب الشقاق الزوجي.

 

 

(( إِذَا بَاتَتِ الْمَرْأَةُ مُهَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا لَعَنَتْهَا الْمَلائِكَةُ حَتَّى تَرْجِعَ ))

 

( صحيح البخاري عن أبي هريرة )

وخروج المرأة من بيت زوجها من دون إذن زوجها أحد أسباب الشِقاق الزوجي.

السبب الخامس عشر: خلو الزوجة بأحد الأقارب:

والسبب الأخير أيها الإخوة... هو خلو الزوجة بأحد الأقارب، النبي عليه الصلاة والسلام قال:

(( لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ ))

( صحيح البخاري عن ابن عباس )

فالتقاليد والعادات أنه جاء من مكان بعيد، هو أخو زوجي، ينبغي أن أستقبله لئلا ينتقدنا، لا يجوز أن تقع خلوةٌ بين المرأة ومن لا تحل له، إلا المحارم فقط.

الملخَّص: بناء الزوجين بيتهما على طاعة الله:

طاعة الله سبب تماسك بيوتنا
أيها الإخوة الكرام... هذه بعض أسباب الشقاق الزوجي، ولكن الذي يلخِّصُهُ جميعاً هو: أن الزوجان إذا بَنَيَا زواجهما على طاعة الله عزَّ وجل تولى الله في عليائه التوفيق بين الزوجين، وإن بنياهُ على معصيةً لله تولى الشيطان التفريق بينهما.
أنت تحب زوجتك، وتحبك زوجتك، وتعيشان حياةً مِلْؤها السعادة والتفاهم بقدر طاعتكما لله عزَّ وجل، وينشأ النفور، والبغضاء، والعداوة، والشحناء، والخصومات بقدر تفلُّتهما من منهج الله عزَّ وجل، فإن أردت زواجاً سعيداً فاتقِ الله، اتقِ الله أن تعصيه فيما أمرك، ليس الولي الذي يمشي فوق الماء ولا الذي يطير في الهواء ؛ ولكن الولي كل الولي الذي تجده عند الحلال والحرام، أن يجدك حيث أمرك وأن يفتقدك حيث نهاك.
أيها الإخوة الكرام، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزّن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا، وسيتخطَّى غيرنا إلينا، فلنتَّخذ حذرنا، الكيِّسُ من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنَّى على الله الأماني.
والحمد لله رب العالمين

* * *

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وليُّ الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخُلُقِ العظيم، اللهم صل وسلِّم وبارك على سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

زواج شريح القاضي ( أبي أمية ) قصة وعبرٌ:

أيها الإخوة الكرام، قصةٌ أرويها كثيراً في عقود القِران، ولكنها مناسبةٌ لهذا الموضوع:
شريحٌ القاضي لقيه صديقه الفضيل قال: يا شريح، كيف حالك في بيتك ؟ قال: والله منذ عشرين عاماً لم أجد ما يعكِّر صفائي، قال: وكيف ذلك يا شريح ؟ قال: خطبت امرأةً من أسرةً صالحة، فلما كان يوم الزفاف وجدت صلاحاً وكمالاً ـ أي صلاحاً في دينها وكمالاً في خَلْقِهَا ـ فصليت ركعتين شكراً لله على نعمة الزوجة الصالحة، فلما سلَّمت من صلاتي وجدت زوجتي تصلي بصلاتي، وتسلم بسلامي، وتشكر شكري، فلما خلا البيت من الأهل والأحباب دنوت منها فقالت لي:
على رِسْلِكَ يا أبا أمية، ثم قامت فخطبت، قالت: أما بعد، فيا أبا أمية، إنني امرأةٌ غريبة لا أعرف ما تحب، ولا ما تكره، فقل لي ما تحب حتى آتيه، وما تكره حتى أجتنبه، ويا أبا أمية، لقد كان لك من نساء قومك من هي كفء لك، وكان لي من رجال قومي من هي كفء لي، ولكن كنت لك زوجةً على كتاب الله وسنة رسوله، فاتقِ الله فيَّ، وامتثل قوله تعالى:

﴿ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾

( سورة البقرة: من آية " 229 " )

ثم قعدت.
قال: فألجأتني إلى أن أخطب، وقفت، وقلت: أما بعد، فقد قلتِ كلاماً إن تصدقي فيه، وتثبتي عليه يكن لك ذخراً وأجراً، وإن تدعيه يكن حجةً عليك، أحب كذا وكذا، وأكره كذا وكذا، وما وجدتِ من حسنةٍ فانشريها، وما وجدتِ من سيئةٍ فاستريها ـ والمرأة المؤمنة سِتِّيرَة لا تفضح زوجها ـ فقالت: كيف نزور أهلي وأهلك ؟
قال: نزورهم غباً مع انقطاعٍ بين الحين والآخر، لئلا يملونا، قالت: فمن من الجيران تحب أن أسمح لهن بدخول بيتك، ومن تكره ؟ قال: بنو فلان قومٌ صالحون، وبنو فلان قومٌ غير ذلك.
قال: ومضى علي عامٌ عدت فيه إلى البيت فإذا أم زوجتي عندنا، رَحَّبْتُت بها أجمل ترحيب، وكانت قد علمت من ابنتها أنها في أهنأ حال.
قالت لي: يا أبا أمية، كيف وجدت زوجتك ؟ قلت: والله هي خير زوجة، قالت: ما أوتي الرجال شراً من المرأة المدللة ـ فوق الحدود ـ فأدِّب ما شئت أن تؤدِّب، وهذِّب ما شئت أن تهذِّب، ثم التفتت إلى ابنتها تأمرها بحسن السمع والطاعة.
ومضى علي عشرون عاماً لم أجد ما يعكِّر صفائي إلا ليلةً واحدة كنت فيها أنا الظالم.

لماذا لم نكن في مثل سعادتهم ؟

قد يقول أحدهم: والله عشت معها ثلاثين عاماً لم أنم ليلةً واحدة مرتاحاً منها، طبعاً، المعصية تسبب الشقاق الزوجية، والطاعة تسبب السعادة الزوجية..
ويا أيها الإخوة الكرام... يجب أن نحرص على بيوتنا، وعلى تماسك بيوتنا، وعلى سعادتنا الزوجية، لأنه إذا صلحت الأسرة صلح المجتمع، هي اللبنة الأولى، يجب أن تقيم أمر الله في بيتك، يجب أن يمتلئ البيت عبادةً وصلاةً وتلاوةً، وما شاكل ذلك، أما إذا نقل ما في السطوح إلى ما في البيت كان الشقاق الزوجي، اصعد إلى جبل قاسيون وألقِ نظرةً على دمشق، تعلم لماذا الشقاق الزوجي بين الزوجين ؟

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور