وضع داكن
25-04-2024
Logo
شرح مختصر للأحاديث - الدرس : 185 - خصائص الدعوة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

التقريب لا التنفير

 أيها الإخوة الكرام، مع أن هناك نهي متواتر معنًى في الحديث الشريف عن أن يتهم أحد أحداً بالكفر أو بالشرك، أو بالابتداع، نجد معظم المسلمين لأدنى ظاهرة لا تروق له يتهم أخاه بالكفر، أو بالشرك، بالابتداع، وهذا من شأنه أن يمزق المسلمين، وأن يجعل بينهم العداوة والبغضاء، وأن يجعلهم شيعاً وأحزاباً.

 

﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾

 

( سورة الأنعام الآية: 159 )

خصائص الدعوة الخالصة والدعوة إلى الذات

 وأن الدعوة إلى الله نوعان: دعوة إلى الله خالصة، ودعوة إلى الذات مغلفة بدعوة إلى الله.

1 – الاتباع لا الابتداع:

 من خصائص الدعوة إلى الله الخالصة، أنها تعتمد على الاتباع لا الابتداع، إن أردت أن تتميز تجد نفسك مضطراً أن تسوق نصاً لا أصل له، أو لم يرد في الصحاح، أو كان ضعيفاً في سنده، أو ضعيفاً في متنه، لكنه غريب، والذي يتصيد الغرائب إنسان مشكوك في ورعه.
لذلك الدعوة إلى الله الخالصة تعتمد على الاتباع، لا على الابتداع.

 

2 – التعاون لا التنافس:

 وتعتمد على التعاون بين المسلمين، بين الجماعات الدينية، بين الفئات الإسلامية، لا على التنافس .

 

 

3 – الاعتراف بالآخر:

 وتعتمد على الاعتراف بالآخر، وتقيمه تقيماً صحيحاً، كما قال الإمام الشافعي: " أنا على حق، وقد أكون مخطئاً، والطرف الآخر على باطل، وقد يكون مصيباً ".
المسلم الصادق عنده إمكانية أن يستمع للطرف الآخر، وأن يصغي إليه، وأن يناقش أدلته

 

 

خصائص الدعوة إلى الذات

 

1 – الابتداع:

 أما الدعوة إلى الذات المغلفة بدعوة إلى الله فأساسها ـ دققوا ـ أساسها الابتداع، أن تأتي بشيء جديد، والدين توقيفي لا جديد فيه، الكتاب والسنة توقيفيان، لا يضاف عليهما، ولا يحذف منهما، ولا يطوران، ولا يغيَّران، لأنهما من عند الله عز وجل، كلام الله هو كلام الله، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم شرح لكلام الله من المعصوم، لذلك ليس هناك زيادة في الدين، ولا نقص، ولا إضافة، ولا حذف، ولا تطوير، ولا تغيير، ولا تحديث، هذه كلها تنطبق على أفكار البشر، لا على أفكار خالق البشر.
إذاً:

 

﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً﴾

 

( سورة المائدة الآية: 3 )

 عدد القضايا التي عالجها الدين تام عدداً، وطريقة المعالجة تامة نوعاً، وأية إضافة عليها أو حذف منها اتهام لها بالزيادة أو بالنقص، لكن التطوير يكون في الدنيا في الدين الشيء الذي لا يصدق أن المسلمين أُمِروا أن يطوروا حياتهم، ومنعوا من تطوير دينهم، الذي فعلوه أنهم طوروا دينهم، وجمدوا حياتهم، الشيء الذي لا يطور، ولا يغير ولا يبدل، ولا يجدد، هو الدين , والدنيا يجب أن نطورها، أن نستخرج ثرواتنا، أن نفجر طاقاتنا، أن نستصلح أراضينا، أن نطور صناعاتنا، أن نحل مشكلاتنا أمتنا، أن نوفر فرص عمل، ومساكن للشباب، وتوفير الزواج للشباب، الأشياء التي أنيطت بنا غافلون عنها، والأشياء التي منعنا منها غارقون فيها.
فلذلك تمزق الدين إلى جماعات، وإلى طوائف، وإلى فرق.

 

وكل يدعي وصلاً بليلى  وليلى لا تقر لهم بذاكا
* * *

 

ظاهرة التكفير وأثرها الخطير

 جعل هذه الطائفية الدينية، وهذه المذهبية الدينية، وهذا التشرذم الديني، جعل كل ذلك وسيلة للتكفير، لذلك يقول عليه الصلاة والسلام:

 

(( إذَا قالَ الرَّجُلُ لأخِيهِ: يا كافِرٌ ! فَقَدْ باءَ بِها أحَدُهُما ))

 

[ رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي اللّه عنهما ]

أحد الرجلين عند الله كافر، إما الذي وَصف أو الذي وُصف، وإن كان كما قال وإلا رجعت عليه، إن كان الذي وصفته كما قلت، وإلا رجع عليك هذا الاتهام ليكون تأديباً لك وعقاباً.
 أيها الإخوة، أرح نفسك من تقييم الأشخاص، دعك وهذا المجال، دعك وهذا الحقل من الألغام، دعك وهذه المتاهة التي لا تنتهِي، بإمكانك أن تدعو إلى الله مئة عام وأنت في المتفق عليه، دون أن تتعرض لفئة، ولا لأشخاص، ولرؤوس جماعات، دعك من هذا، لذلك الحديث الثاني عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُو

((... وَمَنْ دَعَا رَجُلًا بِالْكُفْرِ، أَوْ قَالَ: عَدُوَّ اللَّهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِلَّا حَارَ عَلَيْهِ ))

[رواه البخاري ومسلم]

 صار عدو الله الذي اتهم أخاه البريء بأنه عدو لله، فنحن ألفنا أن نقول: مؤمن وكافر، لمَ لا نعوّد أنفسنا أن نقول: مصيب ومخطئ، دعك من الكفر والإيمان، قل أصاب وأخطأ، هكذا كان النبي عليه الصلاة والسلام،
عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

 

(( إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ، ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ، ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ ))

 

[ متفق عليه ]

 إذاً أنت بين الأجر والأجرين، لو أنك أخطأت فلك أجر، لمَ لا نلغِ وصف الكفر والإيمان، وتحل محلهما وصف الخطأ والصواب، أصبت فلك أجران، اجتهدت فأخطأت فلك أجر، وحدة المسلمين مما يرضي الله عز وجل، وعلامة إخلاصك أنك تحرص على وحدة المسلمين، وعلامة إخلاصك أنك تنتمي لمجموع المؤمنين، وعلامة إخلاصك أن لا تسهم في شق صفوف المسلمين، وأي إنسان يشق صفوفهم ويصنفهم تصنيفاً ما أنزل الله به من سلطان هو إنسان بعيد عن الإخلاص.

 

﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً﴾

 

( سورة الإخلاص الآية: 159 )

إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِنَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا

 إذاً: ولا تكن من المشركين الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً، معنى ذلك أنك كلما أسهمتَ في شق صفوف المسلمين تكون عند الله مشركاً، تعبد ذاتك من دون الله، ولا تعبد الله، فتؤثر أن تقيم مجدك على أنقاض الآخرين، وأن تقيم سمعتك على اتهام سمعة الآخرين،هذا عند الله معلوم.
والحديث الثالث:

 

(( إذَا قالَ الرَّجُلُ لأخِيهِ: يا كافِرٌ ! فَقَدْ باءَ بِها أحَدُهُما ))

 أتكلم من واقع، أي شيء ما راق لك تتهمه بالكفر، أو بالنفاق، أو بالشرك، أو بالابتداع، حتى نصل إلى أدق الأشياء، يمكن أن يكون طول الثوب مدعاة إلى الاتهام بالشرك أو الابتداع، يمكن أن يكون عدم حركة الإصبع بطريقة معينة مدعاة إلى أن نتهم الإنسان بالابتداع، يمكن أن تقول لإنسان: تقبل الله منك، فتجحظ عيناه، ويتهمك أنك مبتدع ، ماذا فعلت ؟ يمكن أن تجمع الناس، وأن تعرفهم برسول الله e، فتتهم من الخروج من الدين، مشكلة المسلمين بأسنا فيما بيننا، وأما الطرف الآخر فهو في أعلى درجات السعادة حينما يرى بأسنا بيننا، وحينما يرى طاقتنا مستهلكة في الضغائن والأحقاد، وما شاكل ذلك.

 

 

عدم تقييم الناس من علامة الإيمان

 فيا أيها الإخوة، علامة إيمانكم أن تترفعوا عن هذا، وعلامة إيمانكم أن تريحوا أنفسكم من تقييم الآخرين، الآخر حينما تقييمه في ضوء ماذا ؟ والذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يجب يعلم حدود المعروف وحدود المنكر، هو في اجتهاده، أو في مذهب يتبعه، يعد هذا منكراً لكن في مذهب آخر ليس منكراً، لا يأمر بالمعروف ولا ينهَى عن المنكر إلا المنكر المشترك بين المجتهدين.
 هل إذا لمست يد الجل يد زوجته ينقض وضوءه ؟ هل إذا رأيت إنسانًا من أقربائك وزوجته خالتك، وأمسكها من يدها كي ينهضها إلى إعداد الطعام، ثم قام فصلى يمكن تتهمه أنه فاسق ؟ مس يد الزوجة عند الأحناف لا ينقض الوضوء، لا يمكن أن تنكر منكرًا إلا إذا كان قاسماً مشتركاً بين كل الاجتهادات.
 الشيء الشائع الآن أن الإنسان يتعصب لمذهب، ثم ينكر كل سلوك آخر من المذاهب الثلاثة، الدين يسر، وهذا الذي ضيقه يضيق الله عليه، يا ترى النبي كان حنفيًّا أم شافعيًّا ؟ هذا سؤال كبير، النبي e مشرع، ما الذي يمنع أن تقلد مجتهداً، التنوع رحمة، والتنوع غنى، والتنوع فرص.
فلذلك هذا الجانب الذي يتعصب لمذهب واحد، والذي يضيق على الناس دينهم، والذي يحملها ما لا يطيقون، هو ينفرهم، ولا يدعوهم إلى الله عز وجل.
 الآن: إذا أراد إنسان أن يتوب، وله دخل مشبوه، كان يستخدم العود في الفرق الموسيقية، وتاب إلى رشده، واصطلح مع ربه، معه مليونان جمعها في ثلاثين سنة، هناك من يقول له: يجب أن تتصدق بهذين المليونين، لأنه مال حرام هذا، معنى التوبة عنده الفقر، فلا يتوب، قل له: توبتك تطهر مالك، فيتوب، هناك أشخاص يضعون عقبات كؤود أمام التوبة.
 الآن تاب، يجب أن تصلي ثلاثين سنة الماضية، خمس أقوات، وإلا تصليها على بلاط جهنم، فلا يتوب، هناك داعٍ إلى الله، وهناك منفر من الدين، وهناك دعاة ينفرون، فلذلك إنكار المنكر يجب أن يكون في المتفق عليه لا في المختلف عليه.

 

 

إخفاء الصور