وضع داكن
23-04-2024
Logo
شرح مختصر للأحاديث - الدرس : 182 - اتقوا الله وأجملوا في الطلب.......
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 أيها الإخوة الكرام، في حياة الرجل فصول عدة، من فصوله علاقته بربه، ومن فصوله صحته، ومن فصوله علاقته بأهله، ومن فصوله عمله، الحديث اليوم عن العمل، كل إنسان له حرفة يرتزق منها.

من فصول حياة الرجل: الحرفة والعمل

 بادئ ذي بدء: إذا كانت هذه الحرفة مشروعة، وسلك بها الإنسان الطرق المشروعة، لم يغش، ولم يكذب، ولم يحتل على أحد، وابتغى من هذه الحرفة كفاية نفسه وأهله، وابتغى من هذه الحرفة نفع المسلمين، ولم تشغله هذه الحرفة عن صلاة، ولا عبادة ولا عمل صالح، ولا طلب علم، انقلبت هذه الحرفة إلى عبادة، لذلك يقولون: عادات المؤمن عبادات، وعبادات المنافق سيئات.
 ذهب إلى محله التجاري، لا كذب، ولا احتيال، ولا غش، ولا إطلاق بصر، ولا في مغازلة مع النساء، ولا أي سلوك منافٍ لمنهج الله عز وجل، وكان هدفه أن يكسب رزقاً حلالاً ينفق على أهبه، وعلى أولاده كي يشدهم إليه، ويكفيهم التطلع إلى غيره، فهو في أعلى درجات العبادة، لذلك عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

(( أَيُّهَا النَّاسُ، اتَّقُوا اللَّهَ، وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، فَإِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا، وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا، فَاتَّقُوا اللَّهَ، وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، خُذُوا مَا حَلَّ، وَدَعُوا مَا حَرُمَ ))

 

[ابن ماجه]

واستجملوا مهنكم.
 أقول لكم: زوجة الإنسان وعمله ألصق شيء فيه، بإمكانه أن يتخلى عن مركبته، أو أن يبيع بيته، لكن عمله الذي يقتات منه، كل خبراته في هذا العمل، ولي أنا مع بعض الإخوة تجارب مؤلمة:
 دعوت أحداً إلى دروس الجامع، واستجاب، وانتظم في دروس أسبوعية، وأعجب، وتأثر، لكنه ترك، فلما سألته عن سبب تركه قال: أنا مصلحتي في الأشرطة والأغاني، كل خبراتي في هذه المصلحة، ليس هناك تناسب في ممارسة عملي وحضوري الدروس الدينية.
فإذا كان عمل الإنسان في الأساس مشروعًا، لا فيه معصية، بضاعته ليست محرمة، ليست مُعِينة على معصية انقلب إلى عبادة.
أحيانا يتفنن الإنسان في تصميم أزياء نسائية تبرز كل مفاتن المرأة، فإذا رأى امرأة في الطريق ترتدي هذه الثياب دون أن يشعر بعقله الباطن، بل بفطرته يشعر أنه ساهم في هذه الفتنة، وله نصيب وافر فيها.
 إنسان يبيع دخان، والدخان محرم، إنسان يبيع طاولات زهر، أتمنى على كل واحد منا أن يسعى جهده ليكون عمله وفق منهج الله، أحياناً مطبعة، يقول: أنا أعمل في مطبعة عملا ثقافيًّا، وإن طبعت كتاباً كله شبهات، وكله ضلالات، هذا الكتاب باقٍ إلى يوم القيامة، وكل من قرأ هذا الكتاب، وتأثر بهذا الكتاب فهو في صحيفة دار النشر التي روّجت هذا الكتاب، وهناك أعمال فيها اختلاط، وأعمال فيها معاملات ربوية، وأعمال فيها أشياء ليست ترضي الله عز وجل، أحياناً ألبسة مثلاً للبحر، هذه ثياب للبحر، ترتديها المرأة، وهي تبدو بها عارية، وأنت ساهمت في صنع هذا اللباس، فأنا لا أريد أن أسهل الأمر بدرجة أنه نفعل نشاء، ونقتني أي شيء، ونمارس أي حرفة، ولا شيء علينا، هناك آلاف الحرف التي يجب ألا تمارسها إطلاقاً، لأن فيها معصية أو ضلالة، أو إعانة على معصية أو ضلالة.
 إعلان لجوارب فيه امرأة شبه عارية، إعلان مثلاً لأشياء محرمة شرعاً، كتاب فيه ضلالات فرضاً، كتاب علماني، كتاب يروج الإلحاد، لذلك أي حرفة يمكن أن تكون سببًا لترويج معصية، أو لترويج ضلالة، يجب أن تبتعد عنها بُعد الأرض عن السماء، ولو كان دخلها كبيراً، هناك ساعة نحاسب فيها على كل شيء.
 هذا المعنى، معنى الحرفة معنى مهم جداً، أقول لكم: من هو أسعد الناس على الإطلاق ؟ من كانت حرفته من العبادات، أحياناً يكون عمل الإنسان في المساجد، أو عمله في الدعوة إلى الله، أو عمله فرضاً في تأليف الكتب الدينية، أو عمله في طباعة المصحف، مثلاً، أو عمله في رعاية الجمعيات الخيرية، فهؤلاء الذين لهم أعمال تتصل بالدين أو بالعبادات، أو بالأعمال الصالحة هؤلاء أسعد الناس من دون استثناء، السبب: وهم في مهنهم يرتزقون يسجلون على الله أعمالاً صالحة، لذلك قال تعالى:

﴿ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ﴾

( سورة التوبة الآية: 120 )

 يجب أن تحسن اختيار زوجتك، وأن تحسن اختيار حرفتك.

 

أهمية التعرف إلى الله في سن مبكرة

 أحدُ الإخوة الكرام داوم عندي في المسجد سنوات طويلة، ثم شكا إلي أن له زوجة متفلتة أشد التفلت، ثيابها فاضحة جداً، وتربي بناتها على شاكلتها، سألته عن قصة هذا الزواج، قال: أنا لم أكن متديناً، ونلت المرتبة الأولى في القطر في البكالوريا، وفتاة طبعاً في مدينة بالشمال أيضاً الأولى في اختصاصها، وتزوجها، وسافرا إلى أوربة، ونالا الدكتوراه، وعادا أستاذاً وأستاذة في الجامعة، ثم انتقل إلى دمشق ، وداوم عندي في المسجد، وهداه الله إلى الدين، لم يدَع وسيلة لإقناع زوجته إلا سلكها، ولكنها لم ترضَ، قال لي: ثيابها فاضحة، لا يمكن أن أمشي معها، ليت الأمر كذلك، لا تربي أولادها إلا على ذلك، عنده خمسة أولاد، ثلاث بنات، وولدان، واضطر أن يطلقها، بعدما طلقها لم يجد أحدًا، قال لي: أنا حياتي قطعة من الجحيم، السبب: أنه أسس حياته على شفا جرف هارٍ فانهار به في نار جهنم.

 

 

﴿ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ﴾

 

( سورة التوبة الآية: 109 )

 فلما يتعرف الإنسان إلى الله في سن مبكرة يجد ميزات كبيرة جداً، من هذه الميزات أنه شكل أسرته وفق منهج الله.
أضرب لكم بعض الأمثلة:
 قال لي أحدهم: عندي ست فتيات في سن الزواج، ولا أحد يطرق بابنا، قلت لنفسي: طلب إنسان مني أن يتزوج، فدللته على هذا البيت، فجاءني بخبر لا يصدق، قال لي: ست فتيات يرتدين ثيابًا فاضحة دخلوا علي، قلت له: تعال إلى هنا، قال لي: والله أنا اهتديت إلى الله في سن متأخرة جداً، فأنا زوجتي وأولادي وبناتي لا ينفع معهم شيء، نشأنا على معصية الله.
 هل أدركت قيمة أن تعرف الله في وقت مبكر ؟! إن عرفت الله في وقت مبكر شكلت حياتك، زواجك، حرفتك، عملك تشكيلاً إسلامياً، فسعدت، وأسعدت طوال حياتك، فإذا كان عند الإنسان زوجة صالحة، عنده فتيات محجبات، دينات، وعنده شباب مؤمنون، وحرفته سليمة ما فيها شبهة، فهذا إنسان في أعلى درجة من السعادة في الدنيا.
 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الْخَطْمِيِّ وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

(( مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا ))

 

[ أخرجه والترمذي وابن ماجة]

 أحيانا تكون الحرفة كلها مع النساء، من الصعب جداً أن تنجو من فتنة النساء، ولا سيما في هذه الأيام، المرأة هي المائلة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

(( صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا، قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا ))

 

[ رَوَاهُ مُسْلِمٌ]

(( كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ ))

 كاسيات لكن هذا الكساء إما ضيق، أو شفاف، وكأنهن عاريات.

 

(( مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ ))

 هي التي تتحرش بالرجل، مميلات.

 

 

(( الْعَنُوهُنَّ فَإِنَّهُنَّ مَلْعُونَاتٌ ))

 

[ رَوَاهُ أحمد عن عبد الله بن عمرو ]

 لو فرضنا أن حرفة مبنية كلها على الفتيات المتفلتات، هناك شبه تحريم، أحيانا هناك محلات مثلاً تبيع ألبسة داخلية نسائية، فتأتي فتاة لا دين فيها، ولا ورع، ولا انضباط، ولا حياء، وتسأله عن الألوان، وعن القياسات، والأشكال، وأي قطعة أحلى، وهو شاب في أول حياته، يصدَم، فلذلك أنا لا أتمنى لشاب أن يلقي بنفسه في حرفة تدمر دينه، قد يكون هذا الشاب مع الله، فأصبح مع الجنس، فأنا أنبه في هذا الدرس إلى قضية الحرفة على أنها قضية مهمة جداً في حياة المؤمن، اختر حرفة ترضي الله، قال عليه الصلاة والسلام:

 

(( وَإِنَّمَا بُعِثْتُ مُعَلِّمًا ))

 

[ أخرجه ابن ماجه عن ابن عمر ]

(( إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق، وأتمم مكارم الأخلاق ))

[ أخرجه الحاكم والبيهقي عن أبي هريرة ]

 أحيانا يشكو المعلم من قلة الراتب، لكن عمله أقدس عمل على وجه الأرض، أنا أقول دائماً: الطبيب يتعامل مع المرضى، والمحامي مع أصحاب المشكلات، والمهندس مع الحديد والإسمنت، والنجار مع الخشب، والحداد مع الحديد، والمعلم مع أطهر فئة في المجتمع، يتعامل مع الطفل.

 

﴿ وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً﴾

 

( سورة المائدة الآية: 32 ).

 فيا أيها الإخوة، موضوع درس اليوم: أن حرفة الإنسان لها دور خطير في سلامته وسعادته في الدنيا والآخرة.

 

الحديث: خَيْرُ مَعَايِشِ النَّاس لَهُم...

 

 الآن الحديث، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( خَيْرُ مَعَايِشِ النَّاس لَهُم ))

[ رواه ابْنِ ماجه]

 المعايش يعني المهن، والحرف، أي أسباب العيش.

 

(( وَرَجُلٌ فِي غُنَيْمَةٍ، فِي رَأْسِ شَغَفَةِ مِنْ هذِهِ الشِّعافِ، أَوْ وَادٍ مِنْ هذِهِ الأَوْدِيَةِ يُقِيمُ الصلاةَ، وَيُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَيَعْبُدُ رَبَّهُ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْيَقِينُ، لَيْسَ مِنَ النَّاسِ إِلاَّ فِي خَيْرٍ ))

احرص على أن تختار حرفتك من أعلى مستوى يرضي الله عز وجل.
 أذكر لكم قصة سريعة جداً لرجل يعمل في لف المحركات، حدثني عن موقفين: موقف قبل إن يتعرف إلى الله، وموقف بعد أن تعرف إلى الله، قد يأتيه محرك مقطوع منه شريط في القسم الخارجي، ويحتاج إلى دقيقة، والشرط قبل أن يفتحه أن لفَّه يكلّف خمسة آلاف ليرة، فلما يأتي في اليوم الثاني أو بعد أسبوعين، يقول لصانعه: هات يا ولد المحرك، شغل اشتغل، تمام، خمسة آلاف، هو اشتغل أقل من دقيقة، أقل من ثانية، قال لي: بعدما عرفت الله عز وجل، يكون الشرط خمسة آلاف قال له: 25 ليرة، ما هذا الكلام ؟ ما فيه شيء، خط خارج مقطوع وصلناه.
فانظر إلى عظمة الدين، لما تعرف اله عز وجل تنصف الناس، وترحمهم.
 أيها الإخوة، أحد أسباب عبادتك لله حرفتك، لا تقل: الدين بالجامع، الدين في الشغل، حقيقة الدين في الدكان، والمكتب، والعيادة، والصيدلية، والبقالية، هنا الدين، هنا تتلقى في الجامع التعليمات، الدين لا يمارس بالجامع، الدين يؤخذ من الجامع، ويمارس في البيت، وفي الطريق، وفي العمل.

 

إخفاء الصور