وضع داكن
19-04-2024
Logo
شرح مختصر للأحاديث - الدرس : 179 - إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون ....
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 أيها الإخوة الكرام، في الترغيب والترهيب حديث ذو دلالة كبيرة، ونحن متلبسون بمضمون هذا الحديث، ونسأل الله جل جلاله أن يشفينا من هذه الحالة المرضية.

ما يوسوس الشيطان به

 عَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

 

(( إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ ))

 

[ رواه مسلم عن جابر رضي الله عنهما ]

 قال بعض العلماء: " إن الشيطان يأتي ابن آدم فيوسوس له بالكفر، فإن رآه على الإيمان يوسوس له بالشرك، وإن رآه على توحيد يوسوس له بالكبائر، وإن رآه على طاعة يوسوس له بالصغائر، وإن رآه على ورع يوسوس له بالبدع،

 

أخر ما يوسوس الشيطان به

 وإن رآه على سنة يوسوس له بشيئين، وهما آخر ورقتين بيد الشيطان:

 

 

الشيء الأول: المباحات

 هو مستقيم، لكن وقته كله مصروف في تحقيق متع مشروعة مباحة، ولكن على حساب رسالته في الدنيا.

 

 

الورقة الثانية: يوسوس له بالتحريش بين المؤمنين

  الآن يبدو من سابع المستحيلات أن يعبد شيطان في بلاد المسلمين، أو أن يتخذ صنمٌ في بلاد المسلمين، على الأقل نظرياً مستحيل، لكن هناك شرك عملي، وكفر عملي، فالتحريش بين المؤمنين آخر ورقة بيد الشيطان، تجد المسلمين ممزقين.

 

 

يجب أن نتوجه بالخطاب الديني إلى الغرب الدعاة

 

 كنت في مؤتمر فأدليت بمداخلة في نهاية المؤتمر، أننا اجتمعنا 64 دولة إسلامية، و منظمات دولية، وألقيت تقريباً 74 محاضرة، والكلام كان رائعًا جداً، وكل الكلام ينطبق على الكتاب والسنة، لكن قلت: نحن جميعاً طرف واحد، وإذا قام أحدنا وتكلم، وتكلم بالكتاب والسنة نحن جميعاً نوافقه، نحن ماذا فعلنا ؟ هذا الكلام نعني به الطرف الآخر، والطرف الآخر غائب كلياً عن هذا المؤتمر، الطرف الآخر يتهمنا أننا إرهابيون، وأننا قتلة، وأننا مجرمون، ومتخلفون، وجهلاء، وضعفاء، فما جدوى أن نتداول فيما بيننا كلاماً نقبله جميعاً ؟ نحن جميعاً طرف واحد، أنا اقترح أنه تؤسس فضائية تخاطب العالم الغربي بلغتهم، وبوسائل إقناعهم، فردّ عليّ بعض كبار الإعلاميين في مصر، قال: تريدنا أن نصدر لهم خلافاتنا، هذه مشكلة ؟ فعلاً مشكلة، نصدر لهم الصراعات فيما بيننا، سلفي، وصوفي، وشيعي، وسني، ومتحرر، ومتزمت، فقال: نحن نحتاج إلى حوار إسلامي إسلامي أولاً.
 مشكلتنا أيها الإخوة مشكلة مصير، نجتمع، ونحضر كلمات، ونلقي الكلمات، ويستمع المستمعون، ونحن جميعاً طرف واحد، وهذا الذي يتفنن في إذلالنا، وفي إضلالنا، وفي إفقارنا، وفي إفسادنا، وفي إبادتنا غائب عن هذا المؤتمر.
حتى الآن أيها الإخوة، ليس هناك خطاب ديني علمي موجه للعالم الغربي، ليس لدينا محطة فضائية تخاطب أمريكة وأوربا، كل خطاباتنا فيما بيننا، دورة داخلية، هذه لا تقدم ولا تؤخر، فلذلك هذا التحريش بينهم يضعفنا، قال تعالى:

﴿ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾

( سورة الأنفال الآية: 46 )

الدعوة إلى الله المخلصة تلتقي مع بقية الدعاة

 وكنت أقول دائماً: إنك إذا دعوت إلى الله مخلصاً تعاونت مع بقية الدعاة، ولم تتنافس معهم، أنك إذا دعوت إلى الله بإخلاص اتبعت، ولم تبتدع، أنك إذا دعوت إلى الله بإخلاص اعترفت بالآخر، وقدرت جهده وإيمانه، أما إذا دعوت إلى ذاتك، وأردت من الدعوة مكسباً مادياً، فلا بد من أن تبتدع كي تتفرد بأنك الأوحد في هذه الدنيا، وإذا دعوت إلى ذاتك بدعوة مغلفة إلى الله فلا بد من أن تتنافس، لا أن تتعاون، وإذا دعوت إلى الله عز وجل بدعوة هي غلاف لدعوة إلى الذات فلا بد من أن تلغي وجود الآخر.
ألخص أن الدعوة إلى الله الصادقة تعني أن تتبع، لا أن تبتدع، وقد قيل: ثلاث نصائح تكتب بظفر: اتبع لا تبتدع، اتضع لا ترتفع، الورع لا يتسع.
فلابد من نتحرك، لا بد من أن يتعاون الدعاة مع بعضهم، لا بد من أن نكون على قلب واحد، وعلى ملة واحدة، وعلى تعاون واحدة.
 إذاً: بقي للشيطان ورقة رابحة بيده يستخدمها ليلاً ونهارًا في العالم الإسلام، وهي التحريش بين المؤمنين، يبدو أن الخلاف أصل في الحياة، قال تعالى:

﴿ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ﴾

( سورة هود ).

 وقد أثبت التاريخ أن الصحابة اختلفوا، لكن خلافهم فيما بينهم لم يؤثر على محبة ببعضهم لبعض، الاختلاف في الرأي لا يفسد في الود قضية، الاختلاف لم يمزقهم، لم يجعل بأسهم بينهم، نتعاون فيما اتفقنا، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا، نتعاون فيما اتفقنا، وينصح بعضنا بعضاً فيما اختلفنا، وإذا عزّ أخوك فهُنْ أنت، إذا اتفقت مع أخيك في الأصول واختلفت في الفروع فلا ضيم، أما حينما تربط كرامتك بأفكارك، وأي إنسان اقترب من أفكارك معدلاً، موضحاً، مستفهماً تبطش به، هذا الذي يجعل بأس المسلمين فيما بينهم.
أيها الإخوة، مرة ثانية، بقي ورقتان بيد الشيطان:
 الورقة الأولى: ورقة الكفر، تلغى بالإيمان، ورقة الشكر تلغى بالتوحيد، ورقة البدع تلغى بالطاعة، ورقة البدع الصغيرة تلغى بالورع ورقة الشرك تلغى بالتوحيد، ورقة الكبائر أيضاً، لكن بقيت ورقتان بيد الشيطان، هي ورقة المباحات، وورقة التحريش بين المؤمنين، فأنا أقول: إن علامة إخلاصك أن تتعاون مع إخوانك، إن علامة إخلاصك أن تتعاون معهم فيما تتفق معهم، وأن تعذرهم فيما تختلف معهم، وإذا كان لك يد بيضاء على أخيك تتعاون معه فيما تتفق معه، وتنصحه فيما تختلف معه.
أيها الإخوة، دائماً كن عوناً لأخيك على الشيطان، ولا تكن عوناً للشيطان على أخيك، أنت حينما تكون قناصاً وتكفّره، أو تتهمه بالشرك، والابتداع، تعين عليه الشيطان، فيرد عليك رداً قاسياً، فإذا بهذه القوة تضمحل.
 أعجبتني فتوى لأحد العلماء الكبار، أنه في أحد المساجد اختلفوا حول صلاة التراويح، أهي 8 ركعات، أم 20 ؟ واحتد الخلاف، وانتقل الحوار إلى صراع، والصراع إلى تلاسن، والتلاسن إلى تراشق التهم، ثم انتهى تراشق التهم إلى التماسك بالأيدي، ثم الاقتتال، فذهب وجهاء البلد إلى المفتي يستفتونه، ما الصواب في هذا الموضوع 20 أم 8، فأفتى بإغلاق المسجد، قال: لأن وحدة المسلمين فرض، والتراويح سنة، ولا نضحي بالفرض من أجل السنة.
هذا مثل بسيط، يكاد المسلمون يمزَّقون.
 كنتُ في أمريكا، وكنت في أسترالية، هذا الجامع لا بد من أن يصوم بيوم غير يوم الآخرين، يبدأ رمضان في أمريكة بثلاث أيام، الشرقيون في آسيا لهم يوم، وبعض الفئات الصوفية لها يوم، وبعض السلفيين لهم يوم، أما القبلة فهناك من يصر على أن القبلة تتجه نحو الغرب لتدور حول الكرة كي تصل إلى مكة، وبعضهم يتجه هكذا، يصلون بتعاكس، هذه القضية أقاموا عليها أكبر مشكلة، هذا الدين العظيم الذي فتح به العالم يصير موضوع اتجاه لقبلة فقط ؟! يقتتلون، في بدء الصلاة عندنا مشكلة، وفي بدء الصيام، وعندنا القبلة لها مشكلة، هذا أنا أعده تخلفًا ما بعده تخلف، الجزئيات في الدين لا تقدم ولا تؤخر، يقتتلون من أجلها، يتراشقون التهم ، يتراشقون العبارات القاسية، هذا واقع المسلمين، فلما اقترحت على المؤتمرين بدل هذا المؤتمر الذي هو طرف واحد، وحينما نجتمع، ونقرر ما فعلنا شيئاً، لأننا جميعاً نأخذ من الكتاب والسنة، والذي يقوله المتكلم يدعمه بالكتاب والسنة، وهو على العين والرأس، فلما اقترحت إنشاء فضائية تخاطب العالم الغربي بلغته وبأساليب إقناعه قيل لي: ماذا تريد أن نصدر خلافاتنا ؟ إذاً نحن الآن بأمسّ الحاجة إلى حوار إسلامي إِسلامي، نحن بحاجة إلى قواسم مشتركة، نتفق عليها، ولا نبتعد عن جوهرها، فإذا تعاونا فيما اتفقنا عليه كنا في حال غير هذا الحال.
 وكنت أقول دائماً أيها الإخوة: بإمكانك أن تدعو إلى الله خمسين عاماً، وأنت في المتفق عليه، بإمكانك أن تبتعد عن كل قضية شائكة شائنة تثير خلافاً، وتسهم في شق صفوف المسلمين.
مرة سألني أخ عن التصوف ؟ قلت له: التصوف لا يزيد على أحد حالين، إذا كان مطابقًا للكتاب والسنة فهو الإسلام إذاً، فلماذا نحدث مصطلحًا في الإسلام جديدًا، يسهم في تعميق الخلافات بيننا، وإذا كان مخالفاً للكتاب والسنة فينبغي أن نتركه، وانتهى الأمر.
أنا لست مع إحداث مصطلحات جديدة، أنا مع المضامين لا العناوين، مع المبادئ لا الأشخاص، مع جوهر الدين لا مع ما يأتي في الدرجة العاشرة من الدين، طبعاً لا شك أن الإنسان قد يكون أمينًا، أو يدخل للحمام بالرجل اليسرى، كلاهما حكم شرعي، لكن الأمانة أهمّ، فمن غير المعقول أن تعتبر الأمانة كالدخول إلى الحمام بالرجل اليسرى، هناك أولويات في الدين، العبادات من الأولويات، الاستقامة أولوية، الأمانة أولوية، الطاعة أولوية، الصدق من أولويات الدين، فأنا لا أقول: إنها قشور، معاذ الله !!! ليس في الدين قشور، هناك من يقول: لباب وقشور، غلط، هذا كلام مرفوض، لكن في الدين أولويات، وثانويات، مثلاً: الدعاء إذا دخلت المسجد من السنة، تقول: الله افتح لي أبواب رحمتك، إذا نسي المسلم الدعاء لا نقيم عليه النكير، لا تختزل الدين بحركات معينة بالأصابع، ووضع الأرجل بالصلاة بشكل معين وتطويل وتقصير، لا، تطويل لسان أحياناً أخطر، لا نقصر الدين في هذا، الدين منهج كبير جداً، وهو يحقق السعادة للبشر.
فنحن نسأل الله عز وجل أن يرزقنا مزيداً من الفهم العميق لهذا الدين.

 

إخفاء الصور