وضع داكن
29-03-2024
Logo
شرح مختصر للأحاديث - الدرس : 178 - نصر المؤمنين.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 أيها الإخوة الكرام، لا بد من التنويه أننا كمؤمنين نقرأ القرآن الكريم، وفي القرآن الكريم قوله تعالى:

﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174)﴾

( سورة آل عمران )

 يعني حينما يسمح الله للأقوياء أن يهددوا فليمتحنَ إيمان المؤمنين، وأن أخاطب إنساناً مؤمناً يؤمن بأن الله:

 

﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ﴾

 

( سورة الزخرف الآية: 84 )

 وأن الأمر كله بيد الله، وأنه:

 

﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾

 

( سورة هود الآية: 123 )

 ثم أن الله عز وجل حينما قال:

 

﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46)﴾

 

( سورة إبراهيم )

 هل تصدقون أن تستطيع قوى الأرض مجتمعة أن تنقل جبل قاسيون إلى درعا ؟

﴿ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾

﴿ فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47)﴾

( سورة إبراهيم )

 من جهة أخرى: يقول الله عز وجل، الآن دققوا:

 

﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120)﴾

 

( سورة آل عمران )

 كل الكيد الذي تزول منه الجبال يتلاشى إن أطعتم ربكم، وصبرتم على قضائه وقدره،

﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ﴾

 إذاً أيها الإخوة، الكرة في ملعبنا، لمجرد أن نتقي، وأن نصبر فالطريق إلى النصر سالك، أما إذا كنا نعصي، ونصرّ فالطريق إلى القبر سالك، وفرق كبير بين أن يكون الطريق إلى النصر سالكاً، وبين أن يكون الطريق إلى القبر سالكاً، الطاعة والصبر طريق النصر، والمعصية والقهر طريق القبر.
أيها الإخوة،

 

﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ﴾

 

( سورة التوبة الآية: 32 )

 هل تستطيع أن تعتقد أن إنساناً له عقل يتجه إلى الشمس ليطفئ نورها بنفخة من فمه ؟! فإذا كان ضوء الشمس لا يطفَأ بنفخة من فم الإنسان في الأرض، فنور الله الذي ملأ السماوات والأرض هل يطفئه كيد أعداء الله ؟!
 لكن الوقائع تقول: إن أحد وزراءهم دفاعهم دخل مرة إلى الكنيست، وكان في صبيحة اليوم عمل فدائي، فحينما ضج عليه أعضاء الكنيست، وقالوا: أين أنت يا فلان ؟ أين أجهزتك ؟ أين جيشك ؟ فقال: أنا أقصى ما أملك أن أهدد إنساناً بالقتل، فإذا جاء ليموت باختياره ماذا أفعل به ؟
مرة سمعت تصريحًا من رجل كبير في دولة عظمى، يقول: ماذا نفعل بحاملات الطائرات ؟ وبالصواريخ العابرة للقارات ؟ ماذا نفعل بالقنابل النووية، وكل دولة في الأرض لا تفكر أن تحاربنا، لكن يقلقنا إنسان يريد أن يموت، لذلك قالوا: بدأت الحرب بالإنسان، وانتهت بالإنسان.
يريد الإنسان أن يحقق هدفاً، ويضحي بالغالي والرخيص، والنفس والنفيس، هذا يقلق أكبر قوة في الأرض، القوى الجبارة معدة بجيوش، لكن هذه القوى الجبارة لا تستطيع أن تقاوم أفرادًا أرادوا أن يضحوا بحياتهم في سبيل الله، فلذلك تبقى المقاومة هي الطريق الوحيد لردّ العدوان والقهر والاستكبار، وما إلى ذلك.

 

قواعد النصر

 أيها الإخوة، النصر له قواعد:

 

 

القاعدة الأولى: الإعداد

 أول قاعدة من قواعد النصر: الإعداد، قال تعالى:

 

 

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾

 

( سورة الأنفال الآية: 60 )

 كأن الله أشار إلى أن اقتناء السلاح الفتاك اقتناءه فقط يرهب العدو، لذلك أن تمتلك أمة سلاحاً نووياً قد لا تستخدمه في مئة عام، لكنها مرهوبة الجانب،

 

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾

  فنحن إذا قصرنا في تطبيق هذه الآية نكون قد قصرنا في أحد شروط النصر،

 

 

القاعدة الثانية: الإيمان الصحيح

 ولا يكفي أن نعد العدة، بل يجب أن نؤمن الإيمان الصحيح، لأن الله عز وجل يقول:

 

 

﴿ وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)﴾

 

( سورة الروم )

من هم المؤمنون ؟

 الذين آمنوا إيماناً حقيقياً، فحملهم إيمانهم على طاعة الله، حينما يحملك إيمانك على طاعة الله، وحينما تعد لعدوك القوة التي أتيحت لك، أنا لا أقول القوة: المكافئة، لأن هذا فوق طاقة المسلمين، أقول: القوة المتاحة، إذا أعد الإنسان لعدوه العدة المتاحة، وآمن الإيمان الحقيقي فقد حقق شرطي النصر، عندئذٍ يتولى الله نصره.
 وكنت أدعو وأقول دائماً: الله عز وجل لا ينصرنا إلا إذا انتصرنا له، فكنت أسأل الله عز وجل أن ينصرنا على أنفسنا أولاً، حتى ننتصر لله ثانياً، حتى نستحق أن ينصرنا على أعدائنا ثالثاً.

 

 

القاعدة الثالثة: الإهتمام بالضعفاء

 هناك عامل آخر قاله النبي عليه الصلاة والسلام:

 

 

 

(( إنّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُم ))

 

[ رواه مسلم وأحمد عن أبي الدرداء ]

 إنسان قوي وعنده ضعيف، وبإمكانه أن يسحق الضعيف، بإمكانه أن يسكت الضعيف، بإمكانه أن يهمل الضعيف، بإمكانه أن يأكل الضعيف، بإمكانه أن يظلم الضعيف، لكنه فعل بخلاف ذلك، أطعمه إذا كان جائعاً، علمه إذا كان جاهلاً، عالجه إن كان مريضاً، آواه في بيت إن كان مشرداً، انتصر له إن كان مظلوماً، هذا الضعيف حينما تنصره تصبح الأمة متماسكة تماسكاً عجيباً، لا يمكن لقوة خارجية أن تخرقها، أما إذا كان الضعيف مظلومًا مقهورًا، وهناك خلل داخلي، ساعتئذٍ أيّ تحدٍّ خارجي ينفذ إلى أعماق مجتمع المسلمين، هذا نراه كل يوم، الخلخلة الداخلية خطيرة جداً، فالنبي عليه الصلاة والسلام حينما قال:

 

(( إنّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُم ))

 قصد أن الضعيف حينما تنصره تصبح الأمة متكاتفة متماسكة يصعب خرقها، فلذلك يكافئ الله هذا القوي الذي نصر هذا الضعيف مكافئة من جنس عمله ينصره على عدوه الأقوى منه، وكأني أقول لكم: لا سبيل إلى أن ننتصر على عدو أقوى منا إلا إذا نصرنا عناصر أضعف منا، فإذا نصرنا الضعيف نستحق نصر الله من باب التوحيد، ثم نستحق نصر الله من باب التكتيك، التماسك الاجتماعي يمنع العدو الخارجي أن يخرق الصف الداخلي.
فالعواطف وحدها لا تقدم ولا تؤخر، هناك قوانين دقيقة، ومن حكمة الله عز وجل أنه شرع لنا قوانين:

 

 

﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ﴾

 

( سورة محمد الآية: 7 )

﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173)﴾

( سورة الصافات )

﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾

﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾

( سورة غافر الآية: 51 )

 هذا كلام دقيق.

 

﴿ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾

 

( سورة الفتح الآية: 10 ).

﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾

( سورة هود الآية: 123 ).

﴿ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (26)﴾

( سورة الكهف ).

نحن بحاجة إلى التوحيد

 نحن في هذه الأيام أيها الإخوة في أمسّ الحاجة إلى آيات التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، التوحيد يملأ قلوبنا ثقة بالله عز وجل، يملأ قلوبنا تفاؤلاً، لأن الله لن يتخلى عنا.

 

﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)﴾

 

( سورة آل عمران ).

 الله في النهاية من أسمائه العدل، والشيء الذي يلفت النظر أن أسماء الله الحسنى كلها محققة في الدنيا، إلا اسم العدل فهو محقَّق جزئياً، قد تجد إنسانًا قويًا يتفنن في إيقاع الأذى بالناس، وله مكانة، وله هيمنة، وله إشراف، واستكبار، وقد تقول: أين الله ؟ نقول: نحن في دار ابتلاء لا في دار الجزاء، وما من مؤمن إلا وسيَرِد النار، وورود النار ليس دخولها ، ورود النار لا يتأذى واردها بوهجها، لكنه يرى عدل الله عز وجل، يرى هؤلاء الذين طغوا، وبغوا أين مكانهم في النار، عندئذٍ يقول: لا إله إلا الله، والله عز وجل من سننه أنه يقوي الكافر، ويقوي الكافر، ويقوي الكافر، إلى أن يصبح حاكم الأرض كلها، يملي أوامره على كل الشعوب إملاء من دون حوار، الآن يقال: حوار الحضارات، ليس هناك حوار، هناك إملاء، ليس هناك حضارات ولا شيء، ولا خصوصيات وطنية، ولا قومية، ولا تراث، ولا ثقافة، ولا قيم، ومبادئ، ولا عادات، الآن في الأرض شيئان، سيناريو وصفقة، صدقوا أنه بمحصلة سماع الأخبار لا تجد في الأرض إلا سيناريو، وتمثيلية وصفقة، قضية مبادئ، قيم، شعور وطني، شعور قومي، مبدأ إنساني، حياء، خجل، لا يوجد أبداً، هناك سيناريو وصفقة، فنحن في زمن يدع الحليم حيران، مأوانا بيت الله وبيتنا، مأوانا إخوتنا المؤمنون، مأوانا أن يلوذ بعضنا ببعض.

 

(( حقت محبتي للمتحابين في، وحقت محبتي للمتواصلين في، وحقت محبتي للمتناصحين في، وحقت محبتي للمتزاورين في، وحقت محبتي للمتباذلين في، المتحابون في على منابر من نور يغبطهم بمكانهم النبيون والصديقون والشهداء ))

 

[ رواه أحمد في مسنده والطبراني في الكبير والحاكم في المستدرك عن عبادة بن الصامت ]

 فيا أيها الإخوة الكرام، النصر له ثمن، والثمن ليس سهلاً، وليس مستحيلاً، ليس سهلاً يحتاج إلى صدق، وليس مستحيلاً، ولن يكلفنا الله عز وجل ما لا نطيق، ما كلفنا أن نعد العدة المكافئة، لا، كلفنا أن نعد العدة المتاحة،

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾

 أنا حينما أعد العدة المتاحة يتكفل الله لي بترميم النقص، أما أن لا نفعل شيئاً، ولا نستقيم على أمر الله، عندئذٍ لا نستحق النصر، ولو بلغت أصوات دعائنا عنان السماء، هذا الدعاء لا يقدم ولا يؤخر.
سيدنا عمر رأى رجلا جمله أجرب، فقال له: " يا أخ العرب، ماذا تفعل في هذا الجمل الأجرب ؟ قال: أدعو الله أن يشفيه، قال له: هلاّ جعلت مع الدعاء قطراناً " ؟
العلماء قالوا: الدعاء وحده استهزاء بالله عز وجل، لا بد من الدعاء والعمل، ألقِ حبة في الأرض، ثم توكل على الله، اعقلها وتوكل.

 

إخفاء الصور