وضع داكن
18-04-2024
Logo
شرح مختصر للأحاديث - الدرس : 177 - خط النبي صلى الله عليه وسلم خطا مربعا...
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

وسائل تعليم التي استخدمها النبي

 أيها الإخوة الكرام، النبي عليه الصلاة والسلام سيد المربين، وإمام المعلمين، فمن وسائل تعليمه الإلقاء، ومن وسائل تعليمه الحوار، ومن وسائل تعليمه المثل، ومن وسائل تعليمه القصة، ومن وسائل تعليمه أيضاً الرسم.

 

النبي حذر من الأمل

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:

 

 

(( خَطَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا مُرَبَّعًا، وَخَطَّ خَطًّا فِي الْوَسَطِ خَارِجًا مِنْهُ، وَخَطَّ خُطَطًا صِغَارًا إِلَى هَذَا الَّذِي فِي الْوَسَطِ مِنْ جَانِبِهِ الَّذِي فِي الْوَسَطِ، وَقَالَ: هَذَا الْإِنْسَانُ، وَهَذَا أَجَلُهُ مُحِيطٌ بِهِ، أَوْ قَدْ أَحَاطَ بِهِ، وَهَذَا الَّذِي هُوَ خَارِجٌ أَمَلُهُ، وَهَذِهِ الْخُطَطُ الصِّغَارُ الْأَعْرَاضُ، فَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا، وَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا ))

 

[رَوَاهُ البُخَارِيّ ]

 خط النبي صلى الله عليه وسلم خطاً مربعاً، رسم بقضيب على الأرض الرملية مربعاً، وخط خطاً في الوسط خارجاً منه، رسم خطًّا ضمن المربع خارج من المربع، وخط خططاً صغاراً إلى هذا الذي في الوسط، الخط الذي في الوسط انطلق من وسط المربع، ومدده إلى خارج المربع، ثم رسم على الخط هذا الوسطي خطوطاً صغاراً، فقال: هذا الإنسان، والمربع أجله محيط به، أو قد أحاط به، وهذا الذي هو خارج أمله، وهذه الخطط الصغار الأعراض، إن أخطأه هذا نهشه هذا، وإن أخطأه هذا نهشه هذا، والصورة التي رسمها النبي عليه الصلاة والسلام موضحة في الكتاب.
أيها الإخوة، أخطر شيء في حياة الإنسان الأمل، قد يعيش بأمله إلى عشرين سنة قادمة، وهو في الحقيقة جاء أجله، فالإنسان ينسى الموت، ومن تعامل مع الموت نجح:

 

﴿ وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾

 

( سورة الكهف )

 مرة التقيت بمدير ثانوية ساعة من الزمن، وقد حدثني عن همومه، وعن متاعبه، وعن آلامه، وعن ضجره من أولاده ومن بيته، وكيف أنه أزمع السفر إلى خارج القطر، إلى الجزائر، ليقضي سنوات خمسًا، وقال لي بالضبط: العطل الصيفية لن آتي إلى دمشق، سأمضي صيفاً في بريطانية، وصيفاً في فرنسة، وصيفاً في إسبانية، وصيفاً في إيطالية، أريد أن أتعرف على هذه البلاد، وعلى متاحفها، وعلى الحياة فيها، وعلى ريفها ، وعلى حضارتها، ثم قال لي: وبعد أن يعود إلى الشام يطلب الإحالة على المعاش، وبعد أن يحال يؤسس محلاًّ تجاريًّا يبيع فيه التحف، وقد كبر أولاده فيسلمهم هذا المحل، هو باعتباره مثقف ثقافة عالية، واختصاصه فلسفة، قال لي: سأجعل من هذا المحل منتدى فكريًا، وتابع الحديث، والله فيما أذكر وصل إلى عشرين سنة قادمة، وانتهى اللقاء، وذهبت إلى البيت، ومساءً وأنا في طريقي إلى هدف في مركز المدينة وجدت نعوته على الجدران، في اليوم نفسه.
 فهذه القصة تؤكد هذه الصورة، الإنسان له أجل، فلك عند الله فرضاً ستون عاماً وسبعة أشهر، وثلاثة أسابيع، وأربعة أيام، وثلاث ساعات، وسبع دقائق، وثمان وأربعون ثانية، فكل ثانية تمضي في الساعة تقربك من أجلك، فالإنسان الذي لا يدخل ساعة الموت في حساباته هو إنسان في أشد حالات الحمق والغباء.

 

النبي أمرنا أن نتفكر بالموت

 لذلك النبي عليه الصلاة والسلام أمرنا أن نتفكر بالموت كل يوم، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

 

(( أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ ))

 يَعْنِي الْمَوْتَ.

 

 

[ رواه الترمذي]

 بالمناسبة، الأمر لا ينصب على ذكر الموت، لكنه ينصب على كثرة ذكر الموت، الدليل، قياساً على قوله تعالى:

 

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41)﴾

 

( سورة الأحزاب ).

 الأمر ينصب على الذكر الكثير، لأن الذكر القليل يفعله المنافقون، وقد قال الله عز وجل:

 

﴿ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً (142)﴾

 

( سورة النساء ).

 إذاً: النبي عليه الصلاة والسلام حينما قال:

(( أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ ))

 لأنه مفرِّق الجماعات، مشتِّت الأحباب.

 

(( عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به))

 

[البيهقي عن جابر، وأبو نعيم عن علي ]

 أخطر حدث مستقبلي ينتظرنا جميعاً هو الموت، هؤلاء الحاضرون وأنا معكم بعد مئة عام كلنا تحت أطباق الثرى، الإنسان مهما عظم، مهما لمع نجمه، مهما تألق، مهما علا شأنه، مهما صفق الناس له، مهما مدحه الناس، في النهاية سوف يموت.
كل إنسان يموت، ولا يبقَى إلا ذو العزة والجبروت،

 

و الليل مهما طال فلا  بد من طلوع الفجر
والعمر مهما طال فلا  بد من نزول القبر
***

 

كل ابن أنثى و إن طالت سلامته  يوماً على آلة حدباء محمول
فإذا حملت إلى القبور جــنازة فاعلم بأنك بعدها محمـول
***

 

النبي علمنا أن الأجل محدود

 أيها الإخوة الكرام، علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الأجل محدود، لكن الأمل ممدود، وقد تبين أن للإنسان يوماً مفقوداً، هو الماضي، ويوماً مشهوداً هو الحاضر، ويوماً موروداً هو الموت، ويوماً موعوداً هو يوم القيامة، ويوماً ممدوداً في جنة يدوم نعيمها، أو في نار لا ينفذ عذابها، وأن أخطر أيامك الخمس اليوم المشهود، فيه تتوب، وفيه تراجع حساباتك وفيه تعمل الصالحات، وفيه تنفق مالك، والإنسان كما قيل: أرجحكم عقلاً، أشدكم لله حباً، فأن تتكيف مع حدث مستقبلي لا بد منه هو قمة الذكاء، قمة الذكاء التكيف مع الموت، والموت لا يستطيع أحد على وجه الأرض أن ينكره، لكن الناس يتفاوتون في مدى الاستعداد له، وكان من الممكن أن نأتي إلى الدنيا جميعاً دفعة واحدة، وأن نغادرها دفعة واحدة، إذاً لا موت، ولا حزن، ولكن شاءت حكمة الله أن نأتي الدنيا تباعاً، وأن نغادرها تباعاً ليتعظ بعضنا بعض.

 

 

و جآءكم النذير

 أيها الإخوة، من ألطف ما في كتب التفسير لقوله تعالى:

 

 

﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ﴾

 

( سورة فاطر الآية: 37 )

 الإنسان تقام عليه الحجة، جاءنا النذير، ما النذير ؟ القرآن الكريم، ألم يذكر القرآن الكريم مشاهد يوم القيامة ؟

﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ (32) إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33)﴾

( سورة الحاقة )

 ملاحظة ثالثة: هنا لم يُنفَ عنه الإيمان بالله، بل نفي عنه الإيمان بالله العظيم، إذاً لا يكفِي أن تؤمن أن الله موجود، لأن إبليس قال:

 

﴿ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ﴾

 

( سورة الأعراف الآية: 12 )

 وإبليس قال:

 

﴿ قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14)﴾

 

( سورة الأعراف )

 وإبليس قال:

 

﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ﴾

 

( سورة ص الآية: 82 )

ليس المطلوب أن تؤمن أن الله موجود، لكن المطلوب أن تؤمن أن الله عظيم، فإذا آمنت بعظمة الله عز وجل يستحيل أن تعصيه.
 إذاً: القرآن نذير، لأنه ذكر مشاهد يوم القيامة، وكلام النبي عليه الصلاة والسلام من النذير، لأن أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً، ولأن أكيسكم أكثركم للموت ذكراً، وأحزمكم أشدكم استعداداً له، ألا وإن من علامات العقل التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والتزود في سكنى القبور والتأهب ليوم النشور .
وقال:

(( أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ ))

 مفرق الأحباب، مشتت الجماعات.
وقال:

(( عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به ))

[البيهقي عن جابر]

 فالنذير هو القرآن الكريم، والنذير هو كلام النبي عليه الصلاة والسلام، والنذير سن الأربعين، فمن دخل في الأربعين دخل في أسواق الآخرة، الإنسان في سفرة محدودة بعد ثلثي المدة يعكس نشاطه، يقطع تذكرة العودة، يشتري الهدايا، بعد ثلثي المدة في أية سفرة تنعكس نشاطاته، ومن دخل في الأربعين دخل في أسواق الآخرة.
وقالوا: النذير سن الستين، وصل إلى الحد الأقصى، لأن معترك المنايا بين الستين والسبعين.
 حدثني أخ كريم، قال لي: أنا عمري فوق الستين، كل يوم أعيشه زيادة عن حقي، والنبي علمنا عليه الصلاة والسلام أنه إذا استيقظ كان يقول:

 

(( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي فِي جَسَدِي، وَرَدَّ عَلَيَّ رُوحِي، وَأَذِنَ لِي بِذِكْرِهِ ))

 

[الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

 الحمد لله الذي رد إلي روحي، يعني سمح لي أن أعيش يوماً جديداً، وعافاني في بدني، وأذن لي بذكره.
والنذير الشيب، ورد في بعض الآثار القدسية: " أن عبدي كبرت سنك، وانحنى ظهرك، وشاب شعرك، فاستحي مني، فأنا أستحي منك ".

 

إلى متى أنت باللذات مشغول  وأنت عن كل ما قدمت مسؤول
***

 

تعصي الإله وأنت تظهر حبه  ذاك لعمري في المقال شنيــع
لو كان حبك صادقاً لأطـعته  إن المحب لمن يحب يطـــيع
***

والنذير المصائب.
 الآن في الأخبار استخدام جديد إذا حدثَ تفجير يقال: هذه رسالة، دققوا في هذه الآية:

﴿ وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47)﴾

( سورة القصص ).

 المصيبة رسول بالآية، زلازل تسونامي رسالة من الله إلى من على الشواطئ ممن يجلسون عراة، يفعلون كل المنكرات التي تحرمها الأديان كلها.
فالمصائب أيضاً نذير.
 وقال العلماء: وموت الأقارب هو النذير، إنسان تعيش معه، ويعيش معك، وهو ملء السمع والبصر، تحبه ويحبك، في ثانية واحد أصبح جثة هامدة، وأصبح نعيًا على الجدران، وهناك أشخاص كثيرون يسافرون يعودون في نعش، والنعش له أوراق رسمية، كالبضاعة تماماً، يخلص، وهناك جمارك، وإرساليات، وتوقيعات، وكشف على النعش، كنت شخصاً فأصبحت بضاعة.

 

التفكر في الموت جزء من الدين

 فلذلك أيها الإخوة، التفكر في الموت جزء من الدين، والرسمة التي رسمها النبي عليه الصلاة والسلام مربعًا هو الأجل، والأمل خط خارج منه، والخطوط الصغيرة العقبات والصوارف، نحن في حياتنا عقبات يبدو أنها تحول بينك وبين طاعة الله، وصوارف أشياء مغرية تصرفك عن عباد الله، فالإنسان إذا نجا من العقبات والصوارف، ولم يعبأ بالخط الخارجي من المربع، بل كما قال سيدنا أبو بكر رضي الله عنه: " والله لو وضعت رجلي الأولى في الجنة لا آمن أن أدخل الثانية بعدها، لهول الموقف يوم القيامة.

 

 

التفكر في الموت جزء من العبادة

 أيها الإخوة، تفكروا في الموت، لأنه جزء من العبادة،

 

 

التفكر في الموت لا يعني أن لا تعمل

 والتفكر في الموت لا يعني أن تدع عملك، أنت تتاجر، وتنشئ مصنعًا، وتنال الدكتوراه، وتتزوج، وتشتري بيتًا، وتؤثّث البيت، لكن التفكر في الموت يمنعك أن تعصي الله، والتفكر في الموت يسرّع الخطى إلى الله فقط، وظيفته أن تمتنع من أن تزلّ قدمك، وأن يكون الموت باعثاً لك إلى السير إلى الله.
 حدثني أخ من تركيا، أقسم لي بالله عقب الزلزال، المساجد امتلأت حتى غصت، بل إن الحرم والصحن مُلِئا معاً، بل إن الناس صلوا على الرصيف.
فالتفكر في الموت أكبر باعث إلى الله.

 

إخفاء الصور