وضع داكن
20-04-2024
Logo
شرح مختصر للأحاديث - الدرس : 171 - أَنا عند ظن عبدي بي وأَنا معه حين يذكرني ……
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الأخوة الكرام:
 يقول عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن ربه الحديث قدسي يقول الله تعالى:

(( أَنَا عَنْدَ ظَنّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرَنِي، فإِنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي في مَلإٍ ذَكَرْتُهُ في مَلإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ اقْتَرَبَ إليّ شِبْراً اقْتَرَبْتُ مِنْهُ ذِراعاً، وَإِنِ اقْتَرَبَ إِليّ ذِرَاعاً اقْتَرَبْتُ إلَيْهِ بَاعاً، وإنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً ))

[ رواه أبُو مُعَاوِيَةَ عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ]

 مجمل الحديث ما إن تتحرك خطوة نحو الله إن بتوبة، أو بذكر، أو بصلاة، أو بصدقة، أو بتلاوة، أو بعمل صالح، ما إن تتحرك نحو الله خطوة إلا وجدت الله عز وجل يغمرك بفضله، الذي يشد الناس إلى الله ليس لأن الدين أعطاك تفسير منطقي للكون والحياة والإنسان، ليس لأن لهذا الدين منهجاً قويماً، هذا شيء صحيح، لكن الذي شدك إلى الله أنه لمجرد أن اصطلحت معه عاملك معاملة متميزة، تشعرها صارخة.

 

﴿ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾

 

( سورة الطور الآية: 48 )

﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)﴾

( سورة الشرح )

أجمع العلماء على أنه ما من آية خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم إلا وللمؤمن منها نصيب، بقدر استقامته وإخلاصه
 " وَإِنْ اقْتَرَبَ إليّ شِبْراً اقْتَرَبْتُ مِنْهُ ذِراعاً، وَإِنِ اقْتَرَبَ إِليّ ذِرَاعاً اقْتَرَبْتُ إلَيْهِ بَاعاً، وإنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً " يعني تتصدق الله يكافئك أضعاف مضاعفة، تقدم خدمة لإنسان الله يسخر أناس كثيرين يخدمونك، تعظم الله عز وجل الله يرفع شأنك، تكون خائفاً منه لا يخيفك ممن سواك، كيف الله يقابل، تتصدق يضاعف لك الذي تصدقت له أضعافاً مضاعفة، تقدم خدمة لإنسان يخسر الله لك من يخدمك، تعفو عن إنسان يلقي في قلب الأقوياء أن يعفو عنك، تذكر الله في نفسك يتجلى على قلبك، تذكره في ملء تذكر في ملئ خير منه بالطيب، كلمة " وَإِنْ اقْتَرَبَ إليّ شِبْراً اقْتَرَبْتُ مِنْهُ ذِراعاً " يعني ما إن تتحرك نحو الله، بتوبة، بإنفاق، بذكر، بتلاوة، بصلاة، بنصيحة، ببذل، ما إن تتحرك نحو الله خطوة إلا لكرم الله عز وجل تشجيعاً وتقديراً ترى أن الله يكافئك إما مكافئة مادية أو مكافئة معنوية، إما أنه يسعدك حتى تقول ليس في الأرض من هو أسعد مني، أو أنه يكرمك، أو كلاهما.
 لكن " أَنَا عَنْدَ ظَنّ عَبْدِي بِي" العوام كما قال الإمام الغزالي لئن يرتكبوا الكبائر أهون من أن يقولوا على الله مالا يعلمون، أن تتهم عدل الله، أن تتهم حلمه.
لكن على الشبكية هناك ظلام، هناك جبابرة، هناك طواغيت، لكن النهاية يعني أربعين مليار ثمن 56 قصر، ينام باختياره بقبر، صح، من آيات الله الدالة على عظمته، العبرة بالخاتمة.
إذاً: " أَنَا عَنْدَ ظَنّ عَبْدِي بِي " ينبغي أن تظنه عادلاً، والظن هنا اليقين، من معانيه الشك، لكن في معظم الآيات الظن:

﴿ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ﴾

( سورة البقرة الآية: 46 )

 أي يعتقدون جزماً، نحن باللغة الدارجة كلمة ظن احتمال، أما باللغة الفصيحة من أبرز معاني ظنها أنه أيقن " الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ "، " أَنَا عَنْدَ ظَنّ عَبْدِي بِي " الله عز وجل من سياسته مع العباد أنه يرخي الحبل إلى أن يتوهم الجاهل أنه ما في إله يفعل ما يشاء، يأخذ مال من يشاء، يغتصب مال من يشاء، يقهم من يشاء، يقتل من يشاء يعذب من يشاء، لولا أن الحبل مرخاً لما كنت مخيراً، لو جاء العقاب عقب الذنب مباشرة أنت لست مخيراً، معنى مخير أن تفعل ما تشاء، فيما يبدو على شبكية العين، لكن الله سبحانه وتعالى يقول:

 

﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62)﴾

 

( سورة الزمر )

﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾

( سورة هود )

 والعبرة بالعاقبة، والعبرة بحسن الختام، والعبرة أن يسمح للإنسان بدخول الجنة بل إن أكبر خسارة على الإطلاق أن تخسر الآخرة لأن الدنيا فانية، لو ملكتها من كل أطرافها بلحظة واحدة يسلب منك كل شيء " أَنَا عَنْدَ ظَنّ عَبْدِي بِي " لذلك في بعض الأحاديث:
" حسن الظن بالله ثمن الجنة ".
وفي آية كريمة:

 

﴿ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ﴾

 

( سورة الفتح الآية: 6 )

 وفي آية ثانية:

 

﴿ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾

 

( سورة آل عمران الآية: 154 )

 العبرة أن تكون حسن الظن بالله، أن تظن به العدل، والرحمة، والحكمة والإكرام، والإنصاف، واللطف " أَنَا عَنْدَ ظَنّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرَنِي ".
ورد في بعض الآثار أن يا موسى أما علمت أني جليس من ذكرني، وحيثما التمسني عبدي وجدني.
وقد ورد في معنى قوله تعالى:

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾

 

( سورة آل عمران الآية: 102 )

 أن تذكروه ولا تنساه، وأن تشكره فلا تكفره، وأن تطيعه فلا تعصيه، دائماً الأنبياء وأتباع الأنبياء أسماءهم في لوحة الشرف، والطغاة وأتباع الطغاة في مزابل التاريخ الأنبياء وأتباع الأنبياء، والطغاة وأتباع الطغاة، الأقوياء ملكوا الرقاب بقوتهم، بينما الأنبياء ملكوا القلوب بكمالهم، والناس جميعاً أتباع قوي أو نبي، إن كان تابعاً لنبي سلاحه الكمال العدل، الإنصاف، الرحمة، العفة، وإن كان تابع لقوي سلاحه ما بيده

(( أَنَا عَنْدَ ظَنّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرَنِي، فإِنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي ))

 مرة كنت عند قصاب قال لي أنا وأبو الحسن الكردي الله يذكره بالخير كنا سواء قلت له شو جاب لجاب، لما الشيخ أبو الحسن الكردي أكرمه الله تعالم القرآن وعلمه رفع الله شأنه لم يعد قصاب، أنت القصاب هو ليس قصاب، هو صار عالم كبير.
الإنسان عندما يذكر الله يطلب العلم يرفع الله له ذكره، ويعلي قدره، ويصبغ عليه ثوب الهيبة، هذا كله من فضائل طلب العلم.
 أنا كنت طالب في ثانوية تعد الأولى في القطر جودت الهاشمي، إذا دخلت إلى مدخلها في لوحة كتبها أستاذ بدوي، أقدم لوحة، مكتوب رتبة العلم أعلى الرتب، يعني أعلى مرتبة ينالها الإنسان أي يكون طالب علم، والآية تؤكد هذا المعنى:

 

﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (113)﴾

 

( سورة النساء )

 الدنيا:

 

﴿ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ﴾

 

( سورة النساء الآية: 77 )

 عندك بيت مئة متر، الذي عنده 56 قصر، وكل قصر خمسين دنم ذهبوا بلحظة " قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ " لأنها منقطعة، لكن الآخرة ممتدة، ولا يليق بكرم الله أن يعطي عطاء منقطعاً، هذا يعطيه لأهل الدنيا، بالتعبير العامي خذوها وانمحقوا، أما المؤمن:

 

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)﴾

 

( سورة فصلت )

 في بشرى من الله، يعني بالتعبير الآخر الله شكور، إن ذكرته لعباده بالخير رفع ذكرك، إن ذكرته في نفسك ذكرك في نفسه فتجلى عليك، إن ذكرته في ملئ من خلقه ذكرك في ملئ خير منه، وإذا أحببته ألقى محبتك في قلوب الخلق، وإذا عصيته ألقى بغضك في قلوب الخلق، شتان بين إنسان مثل ما قال النبي الكريم إذا مات العبد الفاجر :

 

(( وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلاَدُ وَالشّجَرُ وَالدّوَابّ ))

 

[ رواه قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِــي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِي ]

 وقد يرقصون، والمؤمن إذا مات بكت عليه السماء والأرض، الفرق عند الموت.
أيها الأخوة:
 هذا الحديث محور، لمجرد أن تخطب ود الله عز وجل بخطوة رأيت نعم الله المادية والمعنوية والروحية تغمرك.

إخفاء الصور