وضع داكن
25-04-2024
Logo
شرح مختصر للأحاديث - الدرس : 163 - أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني……
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
أيها الأخوة الكرام:
 لا زلنا في إتحاف المسلم بما في الترغيب والترهيب من صحيح البخاري ومسلم ولا زلنا في كتاب الذكر والدعاء، يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح:
" يَقُولُ الله عز وجلّ: ـ أي فيما يرويه عن ربه ـ

(( أَنَا عَنْدَ ظَنّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرَنِي، فإِنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي في مَلإٍ ذَكَرْتُهُ في مَلإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ اقْتَرَبَ إليّ شِبْراً اقْتَرَبْتُ مِنْهُ ذِراعاً، وَإِنِ اقْتَرَبَ إِليّ ذِرَاعاً اقْتَرَبْتُ إلَيْهِ بَاعاً، وإنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً ))

أيها الأخوة الكرام:
 بادئ ذي بدء حسن الظن بالله ثمن الجنة، فالمؤمن يحسن الظن بالله عز وجل ولا يتهم الله بشيء، الله عز وجل منزه عن كل نقص، لكن الأمر ليس فيه إشكال فيما يتعلق بخلق الله، كمال ما بعده كمال، إتقان ما بعده إتقان، إحكام ما بعده إحكام، صنعة ما بعدها من صنعة، ولكن الإشكال يأتي أحياناً من أفعاله، فقد تستمع إلى حروب، وإلى أزمات وإلى مجاعات، وإلى قهر، وإلى عدوان، أفعال الله عز وجل تحكمها حكمته المطلقة وحكمته المطلقة يحكمها الخير المطلق، لكن قد يكون العقل قاصراً عن إدراك الحكمة، كثير في أشياء بالعلم لا يقبلها العقل، مثل طريف:
 كنت مرة في الحج، وجدت جانب الحرم سيارة إسعاف، كتب عليها إسعاف بالعكس، يعني أنا أخذت بنفسي عليهم مأخذاً كبيراً، ما وجد واحد بهذه الدولة المصنعة للسيارات يكتب إسعاف بشكل صحيح ؟ حتى وجدت اللغة الإنكليزية بالعكس مكتوبة، ما هذا ؟! أين الذوق، وجدت نفسي أنني غلطان، هذه الإسعاف تمشي وراءك تراها بالمرآة ينبغي أن تكتب بالعكس، حتى تقرأها بشكل صحيح معناها بدء بعقلي بادئ ذي بدء أن هذه غلط، وبقيت أكثر من شهر، دولة مثل ألمانيا ما فيها واحد يتقن العربية ويكتبوها بالعكس ؟! ظهر هذا تقليد دولي، تمشي وراءك الإسعاف تراها في المرآة، تقرأها بشكل صحيح الهدف الذي يمشي أمام السيارة وقد رآها في المرآة أن يزيح لها كي تسرع إلى هدفها .
 فما كل نقد أنت تتصوره نقد، أوضح مثل أريد أن أقوله لكم، طبعاً مثل تركيبي أب عنده ابن في الصف الخامس، هذا الابن عن على باله أنا لا أريد أن أدرس، لأول مرة يقول له لا أريد أن أدرس، يقول لك مثل ما تريد، ثاني يوم لم يذهب إلى المدرسة، نام إلى الظهر سُعد، تناول طعام الغداء وذهب إلى السينما، سهر مع أصدقاءه على الشدة للساعة 12، جاء ونام، استيقظ الظهر، أكل، على فلم ثاني، والله شيء جميل، وجد نفسه أنه أذكى من كل هؤلاء الأولاد الصغار، يأكلون قتل بالمدارس، ووظائف، وشد، هو مرتاح أكل ونوم ولعب، عندما كبر وجد نفسه نوري، لا شهادة، ولا صنعة، ولا طب، ولا تجارة، ولا متزوج، ولا عنده بيت، ولا عنده سيارة، ولا عنده شيء، فحقد على أباه قال لأبيه حينما قلت لك لا أريد الدراسة لمَ لم تضربني كف تعميني عمي، حينما قلت لك لا أريد أن أدرس لمَ لم تركلنِ بقدمك وتؤلمني، أنا لا أعلم لكن أنت تعلم قيمة العلم، واضح المثل ؟ انظروا للآية:

﴿ وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾

( سورة القصص الآية: 47 )

 الدقة بالآية أن هذه المصيبة بما قدمت أيديهم:

 

﴿ لَقَالُوا﴾

 

( سور طه الآية: 134 )

 متى ؟ يوم القيامة

 

﴿ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى (134)﴾

 

( سورة طه )

فكأنه المصيبة التي يسوقها الله لعباده هي رسالة .
 مرة لفت نظري أنه حصل تدمير بناء لشخص مهم لدولة مجاورة، فكان رد فعله أنها وصلت الرسالة، كلام دقيق تدمير بناءه اعتبرها رسالة، فالله عز وجل له رسائل، أيام الجفاف رسالة، قال استغنينا عن رحمة السماء، وعملنا سد معين، فجاء جفاف سبعة سنوات عجاف، أكلنا كل شيء، رسالة، أيام الزلزال رسالة، فندق في مدينة بالمغرب اسمه أغادير فندق هلودي إم بمدينة سياحية ممنوع على أهل البلد أن يدخلوا هذه الفنادق لما فيها من مبيقات فصار في زلزال بهذه المدينة، والفندق ثلاثين طابق غاص في بطن الأرض، ولم يبقَ منه إلا الطابق الأخير مع اسم الفندق، هلودي إم، يعني شاهدة على القبر، اسم الفندق أصبح شاهدة، رسالة هذه، الزلزال رسالة، والمجاعة رسالة، والمجاعة رسالة .

﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65)﴾

( سورة الأنعام )

 رسالة، فالله عز وجل له رسائل، إما أنها مقروءة قرآن كريم، أو أنها مدركة كأفعاله، على كلٍ الكون مهما زدته فكراً زادك تعظيماً لله عز وجل، وكلامه فيه إعجاز لكن في مشكلة في أفعاله، إذا ما عندك إيمان قوي تلقي ضوء من إيمانك وحسن ظنك بالله على أفعاله هناك مشكلة .
لذلك أنا أتمنى على الأخوة أن يبدأ بمعرفة الله من خلقه، ثم من كلامه، وبالنهاية من أفعاله:

 

﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11)﴾

 

( سورة الأنعام )

 إذاً: " أَنَا عَنْدَ ظَنّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرَنِي " دقة معه بالتوفيق، بالحفظ بالتأييد، بالرعاية، وإذا كان الله معك فمن عليك، وإذا كان عليك فمن معك .
العلماء قالوا: هناك معية عامة، وهناك معية خاصة، المعية العامة الله مع الكافر، بعلمه .

 

﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾

 

( سورة الحديد الآية: 4 )

 مع الملحد، مع الكافر، مع الفاسق، مع العاصي، مع الذي ينكر وجوده كيف نحن عندنا عباد وعبيد، عباد جمع عبد للشكر، عبيد جمع عبد القهر، فكل إنسان عبد لله بمعنى أنه هو في قبضة الله، في أية ثانية يكون في قبضته، أما العباد جمع عبد الشكر وعباد الرحمن .

 

﴿ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (46)﴾

 

( سورة فصلت الآية: 46 )

   إذاً معية الله أنه معنا بعلمه جميعاً، لكن المعية الخاصة هو مع المتقين، مع المؤمنين .

 

﴿ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ﴾

 

( سورة المائدة الآية: 12 )

 ثم إن المعية لها ثمن " وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ " يعني بالتأييد، والحفظ، والنصر والرعاية، والتوفيق " لَئِنْ " بشرط:

 

﴿ وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً﴾

 

( سورة المائدة الآية: 12 )

 فكل إنسان يريد أن يكون له معية مع الله ثمنها واضح جلي كالشمس

(( إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَءَاتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَءَامَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ))

(( أَنَا عَنْدَ ظَنّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرَنِي ))

 يا موسى أتحب أن أكون جليسك، قال كيف ذلك يا رب، قال أما علمت أنني جليس من ذكرني، وحيثما التمسني بدي وجدني .
أنت إذا ذكرت الله في نفسك ذكرك الله في نفسه، وإن ذكرت الله في ملئ ذكرك الله في ملئ خير منه، لذلك الله عز وجل قال:

 

﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾

 

( سورة البقرة الآية: 152 )

 اذكرني لعبادي أذكرك في الملء الأعلى، وأذكرك في قوم خير من هؤلاء .
قال:

(( فإِنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي في مَلإٍ ذَكَرْتُهُ في مَلإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ اقْتَرَبَ إليّ شِبْراً اقْتَرَبْتُ مِنْهُ ذِراعاً ))

 إذا واحد بادر، عمل مبادرة مع الله تقرب منه بصيام، أو بإنفاق، أو بصلاة نافلة، أو بعمل طيب بإنفاق المال، هذه المبادرة من كرم الله عز وجل أنه يسارع ويكافئك عليها في وقت قصير جداً، من أجل أن تشعر بوجوده ومن أجل أن تقوى عقيدتك فيه، لذلك استجابة الدعاء يقوي العقيدة.
فكل واحد منا وقع بمشكلة ودعا الله بإخلاص شديد، واستجاب الله له يزداد إيمانه بأن الله سمعه، وأن الفعل بيد الله، وقد أنقذه .
 بالتعبير الدقيق أن الله عز وجل شكور إذا أنت قربت يقرب منك، معنى يقرب تشعر بحال مريح، تشعر بقوة بالنفس، تشعر بشخصية قوية، تشعر بطلاقة باللسان، تشعر برؤية صحيحة، هذا كله دعم إلهي، والدليل:

 

﴿ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ﴾

 

( سورة الحجرات الآية: 7 )

 يعني تقربت شبر تقرب زراع، تقربت زراع تقرب باع، الباع أطول " أتاني يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً " يعني أنت حينما تقول يا رب يقول الله لك لبيك يا عبدي، إذا قال العبد يا ربي وهو راكع قال الله له لبيك يا عبدي، فإن قال يا رب وهو ساجد قال الله له لبيك يا عبدي، وإن قال يا رب وهو عاصٍ قال لبيك ثم لبيك ثم لبيك، يعني لو احد جاء الله ملء السماوات والأرض ذنوب جاءه تائباً نادماً خاضعاً مستغفراً غفرها له ولا يبالي .
آخر حديث:

 

(( مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لَا يَذْكُرُ رَبَّهُ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ ))

 

[ أخرجه مسلم عن أبي موسى رضي الله عنهما ]

 المؤمن إذا ذكر الله كان قلبه حياً، والغير المؤمن إذا لم يذكر الله كان قلبه ميتاً يعني بالتعبير العامي، يَقرف ويُقرف، ممل، الإنسان إذا كان مع الله كلامه في حياة الجلوس معه في إنس، الاستماع إليه في راحة، يملئ قلبك ثقة بالله، ثقة بالمستقبل، يعطيك منهج بالتوازن، أما واحد إذا بعيد عن الله عز وجل ما عنده شيء، تجد مظهره فخم لكنه ممل .

إخفاء الصور