وضع داكن
28-03-2024
Logo
شرح مختصر للأحاديث - الدرس : 136 - من حلف على مال امرئ مسلم بغير حقه........
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 

 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
يقول عليه الصلاة والسلام:

(( عَنْ جَامِعِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ وَعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَعْيَنَ سَمِعَا شَقِيقَ بْنَ سَلَمَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ حَلَفَ عَلَى مَالِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقِّهِ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ ))

[ البخاري، مسلم، الترمذي، أبو داود، ابن ماجه، أحمد ]

 لقي الله وهو عليه غضبان متى ؟ إذا حلف على مال امرئ مسلم بغير حقه، فإذا كان بحقه لا شيء عليه، هناك أخوة كرام لا يحلفون مهما كلف الأمر ولو ضاعت الحقوق، إذا كنت واثقاً، إذا كنت متأكداً، إذا كنت محقاً، إذا كنت بهذا اليمين تحفظ حق أخ لك لما لا تحلف، متى تؤاخذ ؟ إذا حلفت بغير حق.
 وقد بينت في الدرس السابق أن الإنسان إذا حلف على يمين ليقتطع به مال امرئ مسلم فهذا اليمين هو يمين غمس يغمس صاحبه في النار.
 قصص لا تعد ولا تحصى عن أناس حلفوا في المحاكم وضعوا أيديهم على كتاب الله وأقسموا بالله أعظم الأيمان أن هذا السند باطل أو أن هذا ليس توقيعهم إلى آخره.
 هناك مئات القصص تروي أنهم بعد دقيقة شلوا، وفي قصص أخرى عكس ذلك عاشوا عمراً مديداً ولا شيء عليهم، ما الذي يفسر هاتين الحالتين ؟ يفسر هاتين الحالتين آيتان الآية الأولى:

 

﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (69)﴾

 

[ سورة النمل: الآية 69]

 هذه الفاء للترتيب على التعقيب، الآية الثانية:

 

﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11)﴾

 

[ سورة الأنعام: الآية 11]

 ثم للترتيب على التراخي، لو قلنا دخل فلان ففلان أي جاء وراءه مباشرةً، إذا قلنا دخل فلان ثم فلان أي بعد ساعة، أي سواء عليك أرأيت عاقبة المكذب، من يحلف يميناً غموساً أرأيت مصيره في الدنيا أو لم ترَ مصيره في الدنيا فقد خرج من الإسلام وهذا اليمين ليس له كفارة يحتاج إلى أن تعيد دخولك في الإسلام، يحتاج إلى تجديد الإسلام لأن حقوق العباد مبنية على المشاححة لذلك هذا الذي إن قلت له أتحلف يقول جاء الفرج هذا بعيد عن الدين بعد الأرض عن السماء يقول عليه الصلاة والسلام:

((مَنْ حَلَفَ عَلَى مَالِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقِّهِ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ ))

 لكن علمنا القرآن أنه لا يؤاخذنا في اللغو في أيماننا، يعني معظم الناس سامحهم الله ولا ما بنفسي آكل، لماذا والله، الأكل مباح إن شئت فكل وإن شئت فاعتذر لماذا والله ما بنفسي، والله الآن أكلت، والله لتدخل، قال تعالى:

 

﴿ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ﴾

 

[ سورة المائدة: الآية 89]

 عود نفسك أن تكون مصدقاً من غير يمين، وهذا أقوى لشخصيتك أن تكون مصدقاً من دون يمين، الإنسان الذي لا يكذب كلامه ثابت من دون يمين والذي يكثر الحلف كأن عنده مشكلة، إذا سألت إنسان كم الساعة ؟ قال لك والله العظيم الساعة الثانية عشر ونصف، ما لها طعمة هذه هو لا يكذبك هو لا يستحلفك على شيء خطير.
 نحن عندنا باللغة يسمونه الكلام الذي يوافق مقتضى الحال، يعني إذا عندك أخ صغير علموها لنا في الجامعة، وكلفته يضع رسالة في البريد ماذا تقول له، يا أخ أمسك هذه الرسالة جيداً واشتري الطابع بقيمة كذا ثم بلله بلعابك ثم ضعه على الرسالة واضغط عليه كثيراً وضعه في صندوق البريد، لو أن لك أخاً من سنك تقول والله هذه بدربك فقط، تفاصيل مع هذا الأخ الكبير إهانة له والإيجاز مع الصغير تعتيم عليه، فلكل مقام مقال.
أنت لا تحلف إلا إذا في إنكار، لا تحلف وتأتي بوسائل توكيد إلا إذا في إنكار شديد، دائماً نقول إنكار الشيء أحد فروع تصوره، لما ألقوا أخاهم في غيابت الجب قالوا: وما نحن لك بكاذبين.
لأنهم كذبوا على أبيهم:

 

﴿ فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (17)﴾

 

[ سورة يوسف: الآية 17]

هم حينما نفوا عن أنفسهم الكذب كانوا كاذبين، فدائماً الإنسان ينفي بشدة معنى هذا أنه متلبس بشدة، هذا شيء ثابت فكلما الإنسان قويت شخصيته لا يحلف أيمان أبداً.
 أبو حنيفة النعمان رحمه الله عز وجل كان يدفع دينار ذهبي يعاقب نفسه على كل يمين حلفها صادقاً، ما في داعي واحفظوا أيمانكم هذه واحدة، اللغو أن تقول لا والله و إي والله، والله ما بنفسي والله أكلت والله ما أكلت، والله اجلس، والله مشتاقين لك، هذه معفو عنها ولكن الأكمل أن لا تقع بها واحفظوا أيمانكم.
 أما اليمين المنعقدة والله بكسر الهاء وتالله وبالله، هذه يمين منعقدة إذا حلفت بها عليها كفارة إطعام عشرة مساكين فإن كنت فقيراً فصيام ثلاثة أيام، هذه اليمين المنعقدة تتعلق بالمستقبل لا بالماضي، والله لن أزور أختي، أيهما أولى أن تصلها أم أن تقطعها ؟ أن تصلها أنت حلفت يميناً منعقدة ألا تزورها، الشرع يأمرك أن تحنث بيمينك وأن تزورها وأن تكفر عن يمينك يعني لا تجعل اليمين عقبة أمام العمل الصالح، بساعة غضب أساءت لك أختك إساءة بالغة ولها أولاد يحبونك ولك توجيهات لهم وأنت عندهم كبير فإذا حلفت يميناً منعقدة ألا تزورها كل الخير الذي كان معك لأولادها منع، ينبغي أن تحنث بيمينك وأن تزورها هذا هو الحكم الشرعي وأن تكفر، الآن إن دفعت مبلغاً إطعام عشر مساكين قبل أن تزورها هذا اسمه تحليل اليمين، أما إن دفعتها بعد أن زرتها هذا اسمه كفارة اليمين، فحلة اليمين قبل أن تحنث باليمين وكفارة اليمين بعد أن تحنث باليمين، على كل اليمين اللغو معفو عنها، واليمين المنعقدة إن كانت في خير فأمضها وإن لم تكن في خير فالشرع يأمرك أن تحنث بها وأن تكفر عن يمينك.
 اليمين المنعقدة متعلقة بالمستقبل أما يمين الغموس متعلقة بالماضي أعطاك مليون من دون إيصال أنكر عليك ما في غير اليمين، لم يبق إلا اليمين، يسميها القضاة اليمين الحاسمة إن حلف فهو بريء وإن لم يحلف فهو متهم، على كل أهون ألف مرة أن تتراجع وألا تحلف وأن تؤدي ما عليك من أن تسقط من عين الله ولأن يسقط المرء من السماء إلى الأرض فتنحطم أضلاعه أهون من أن يسقط من عين الله، السقوط من عين الله شيء كبير جداً.
فذلك أيها الأخوة: قضية اليمين قضية كبيرة جداً لا تحلف إلا بظروف مهمة وإن حلفت فكن واثقاً أن الله لن يخزيك أبداً أما اليمين الغموس لو لم يكن عقابها أليماً في الدنيا لكان عقابها في الآخرة أعظم وأشد

(( عن جامع بن أبي راشد وعبد الملك بن أعين سمعا شقيق بن سلمة يقول سمعت ابن مسعود يقولا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من حلف على مال امرئ مسلم بغير حقه لقي الله وهو عليه غضبان قال عبد الله ثم قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مصداقه من كتاب الله إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا إلى آخر الآية ))

 يعني بصراحة أقول لكم إذا في مخالفة تموينية القاضي يدعوك لحلف اليمين والأمر ليس كذلك من أجل أن تنجو من شهرين سجن تحلف يميناً كاذبة المؤمن الخمس سنوات أهون من حلف يمين كاذبة عند الله، هان أمر الله عليهم فهانوا على الله، القاضي طلب شهوداً هذا المتهم خرج إلى الخارج وقال تعال تشهد قال أشهد قال أريد خمسة آلاف قال جاهزين أدخله القاضي حلفه على كتاب الله قال لا في حلف على المصحف قال له لحظة أريد عشرة آلاف، قال ما عشرة ؟ قال المصحف هذا هذه أغلى من قبل بخمسة آلاف.

 

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً﴾

 

[ سورة آل عمران: الآية 77]

 فلذلك حينما يهون أمر الله على الناس يهون الناس على الله يقتلون، يذلون تأخذ ممتلكاتهم في إذلال لأن أمر الله هين علينا ما في مشكلة، يقول عليه الصلاة والسلام

 

(( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ....))

 

[ البخاري، مسلم، الترمذي، أبو داود، ابن ماجه، أحمد ]

 سبحان الله في بالشرع شيء رائع لو أن ظالماً طاغياً حلفك على يمين أنت إذا حلفت إن لم تحلف هلك إنسان ظلماً هل لك أن تحلف كذباً ؟ الجواب نعم لكن هذه الحالة نادرة، يعني ظالم لو جاء الموساد في الضفة الغربية و سأل امرأة ابنك في الدار ؟ احلفي أحلف، يريد أن يأخذوه ويعذبوه وهو صاحب حق وهم معتدين مثلاً.
 قال اليمين على نية المستحلف، أنا أحلفك على مليون ليرة تقول لي والله ما أخذتهم وأنت تقصد مفاتيح، ليس معقول هذا الكلام، أنا أحلفك على مليون ليرة تقول لي والله ما أخذتهم وأنت ناوي المفاتيح، نقول لا يمينك على نية المستحلف إلا في حالات الظلم الشديد والقهر الشديد على نية الحالف، تحلف يميناً وقاصداً شيئاً آخراً، لكن هذه الحالات نادرة جداً سوف نأخذ هذا الشاب لنقتله ولم نجده في البيت وهو مختبئ في مكان دقيق فاستحلفنا أمه فحلفت أنه غير موجود.
 إذا حلفت يميناً لتنقذ مسلماً من ظلم محقق، ليس أن هذا القاتل قاتل قتيل ويجب أن يقتل لا هذا موضوع آخر، هذا قتل بالعدل إذا في ظلم فعندئذ اليمين على نية الحالف لا على نية المستحلف حتى نحقن دماء المسلمين.

 

(( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ.... مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ فَنَزَلَتْ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا إِلَى آخِرِ الْآيَةِ ))

 

[ البخاري، مسلم، الترمذي، أبو داود، ابن ماجه، أحمد ]

إخفاء الصور