وضع داكن
25-04-2024
Logo
شرح مختصر للأحاديث - الدرس : 206 - اتقِ الله في جميع المجالات.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

حقيقة الحياة الدنيا

 أيها الإخوة الكرام، لا بد من أن يعرف الإنسان حقيقة الحياة الدنيا، وحقيقة الكون، وحقيقة ذاته، فالحياة الدنيا من أبرز ما فيها أنها دار ابتلاء، وأبرز ما فيها:

﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2)﴾

( سورة العنكبوت )

 إذاً ما دامت هي دار ابتلاء، إذاً هناك موقف للمؤمن من هذا الابتلاء .
 الإمام الشافعي سُئل: أندعو الله بالابتلاء أن بالتمكين ؟ فقال: " لن تمكَّن قبل أن تبتلى "، فوطّنوا أنفسكم أنه مستحيل وألف ألف ألف أَلف مستحيل أن تمضي الحياة الدنيا من دون ابتلاء.
لكن الابتلاء أحياناً يجسد بأبواب مغلقة، كرجل يعاني من مرض، فراجع جميع الأطباء، كلهم أجمعوا على أن هذا مرض عضال ولا شفاء له، أي أن الأبواب مغلقة، فتأتي آية الصيام:

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)﴾

 

( سورة البقرة )

 فعلّة الصيام التقوى.

 

معاني وتطبيقات: ] وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا [

 

 الآن نأتي إلى الآية الثانية:

﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2)﴾

( سورة الطلاق )

1 – تقوى الله في اختيار الزوجة

 الآن من يتق ربه في اختيار زوجته، فيؤثر حينما يخطبها دينها وصلاحها، ويمتثل قوله e:

 

(( فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ ))

 

[ رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي هريرة]

من يتق الله في اختيار زوجته يجعل الله له مخرجاً من الشقاء الزوجي.
 الآن هناك قوانين، أنت اتقيت الله في اختيار زوجتك، إذاً أنت عند الله في بحبوحة من الشقاء الزوجي، لأنك طبقت منهج الخالق في اختيار الزوجة.

2 – تقوى الله في تربية الأولاد

 

الآن من يتق الله في تربية أولاده، يجعل الله له مخرجاً من عقوقهم.
 أحياناً يهمل الأب أولاده، وهو مشغول مع أصدقائه، ولقاءاته، والسهرات، والسفر، وما إلى ذلك، وأولاده في الطريق، مع أصدقاء السوء، فجأة يكتشف أن ابنه منحرف شاذ، يسرق، فيختل توازنه، لأنك لم تتقِ الله في ابنك حينما كان صغيراً، ولم تحرص على إيمانه، وعلى دينه وعلى استقامته، فلم تعلمه، ولم تهذبه، ولم تلحقه بمعهد لمرجعية دينية، وأهملته، الآن ادفع الثمن، ومن يتق الله في تربية أولاده يجعل الله له مخرجاً من انحرافهم وشذوذهم وعقوقهم.

3 – تقوى الله في كسب الأموال

الآن من يتق الله في كسب ماله يجعل الله له مخرجاً من تلف المال وإتلافه ، فأحيانا يكون الإنسان غنيًّا جداً وفجأة يفتقر.
 والله حدثني أخ كان في بلد عربي، أقسم لي بالله أن له معملا، وبيتًا مساحته مع الحدائق ألف متر، وثلاث مركبات، مركبة للسفر وزن ثقيل مريحة، مركبة للمدينة، مركبة للمعمل، حدثني عن إنفاقه، أقسم لي بالله أنه ينقب في القمامة الآن ليخرج منها بعض ما يصلح للأكل، ذلك أن الله عز وجل إذا أعطى أدهش، وإذا أخذ أدهش.
لذلك أيها الإخوة والله ثمة حديث شريف أشهد الله أنه يقسم الظهر:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا، هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا ؟ أَوْ غِنًى مُطْغِيًا ؟ أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا ؟ أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا ؟ أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا ؟ أَوْ الدَّجَّالَ ؟ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوْ السَّاعَةَ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ))

[ أ خرجه الترمذي من حديث أبي هريرة ]

4 – تقوى الله في سن الشباب

 أنت الآن بوضع جيد، صحة ومال، ودخل، وأهل وأولاد، وبيت ومركبة، يمكن أن نستيقظ كل يوم كاليوم السابق ؟ مستحيل ؟ فالذي اتقى الله في شبابه فله عند الله خريف عمر رائع، والذي اتقى الله في شبابه يوم كان شاباً قوياً طموحاً، وهو يتفجر طاقة، ونشاطاً، وقوة كان يستقيم على أمر الله، هذا الشاب نشأ في طاعة الله له خريف عمر رائع.
" ابن آدم اعرفني بالرخاء أعرفك بالشدة ".
 كان عالم من علماء الشام بلغ الثامنة والتسعين من عمره، منتصب القامة، حاد البصر، مرهف السمع، لم تسقط أسنانه، وعلى كل خد وردة، بتعبير العوام، فإذا سُئل عن هذه الصحة يقول: يا بني، حفظناها في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر، من عاش تقياً عاش قوياً.
 لي صديق زرته في أحد الأعياد، والتقيت بوالده، والده في 96 من عمره، كنت أزوره كل سنة، ما من مرة حدثني الأب بقصة حدثني بها سابقاً، ذاكرته قوية جداً، آخر زيارة قال لي فيها: أجريتُ تحليلا شاملا، والحمد لله كله طبيعي، وهو في 96 من عمره، كله طبيعي، قال لي: والله لا أعرف قرش الحرام في حياتي، ولا أعرف الحرام الثاني، لا قرش الحرام ، ولا الحرام، حفظناها في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر.
أيها الإخوة، العبرة أن الذي يتقي الله في شبابه يجعل الله له مخرجاً من خرف الشيخوخة .
 حدثني أخ قال لي: والدتي على تستلقي ديوان، نربط يديها ورجليها، قلت له: لمَ ؟ قال: لأنها تأكل من غائطها، وتدهن نفسها به، وتخلع كل ثيابها، ونحن مضطرون أن نربطها، وعاشت 13 سنة في هذه الحالة، أكثر دعاء أسمعه من أهلنا: نسأل الله ألاّ نصل إلى أن نبرك.
 أعرف قريبة لي دخْلُ زوجها أرقام فلكية، أصيبت بخثرة بالدماغ، فأصبحت طريحة الفراش، لاحظنا أول أسبوعين عناية فائقة، بعد ذلك أهملوها، وأسمعوها دعاء: الله يخفف عنك وتريحينا، أقسم لكم بالله أن أقرب الناس إليكم يتمنى موت الإنسان الذي يعتني به، لأن الإنسان يصبح عبئًا، فلما يكون الإنسان بكامل قوته وصحته ويتوفاه الله، يقال: خُطف، وإنسان آخر يموت بعد ثلاثين سنة حتى تضجر الأرض منه.
إخوانا الكرام،

﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾

 للتقريب: ورد في الأثر:

 

(( من تعلم القرآن متعه الله بعقله حتى يموت ))

 

[الجامع الصغير عن أنس بسند فيه مقال]

 تجد إنسانًا متقدمًا في السن يعيد القصة مليون مرة، تخرج من جلدك منه، يعيد، حشري، تعليقاته قاسية، يأتي الضيف يقول له: لا يطعمونني، يفضح أولاده، وتجد إنسانًا كلما ازداد في عمره تقدماً ازداد وقاراً وحكمة، هذه معلقة بالشباب، من اتقى الله في شبابه متعه الله في شيخوخته.
 إخواننا الكرام، كل الشباب أقوياء، وعندهم نشاط كبير، وطاقات متفجرة، لكن البطولة في خريف العمر، وخريف العمر متعلق بالشباب، فمن اتقى الله في شبابه متعه الله بخريف عمره، حفظه الله.

 

5 – تقوى الله في التوحيد

 

 الآن من يتقي الله في التوحيد، يوحد الله، لا يرى مع الله أحداً، لا يرى يداً تعمل مع الله، لا يرى شريكاً لله، أنا أؤكد لكم أن معظم الناس تنطبق عليهم الآية الكريمة:

﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106)﴾

( سورة يوسف )

 الآن البشر لا يرون إلا وحيد القرن، أنه فعّال، ولا يرون غيره، فإذا طمأن بلداً ارتاحوا، وإذا هدد بلداً يقلقون، هذا إنسان لا يملك من أمر الدنيا شيء.

 

﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾

 

( سورة هود الآية: 123 )

﴿ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (26)﴾

( سورة الكهف )

﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84)﴾

( سورة الزخرف )

﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62)﴾

( سورة الزمر )

 هكذا التوحيد.

 

﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا﴾

 

( سورة فاطر الآية: 2 )

 علاقتك مع الله، ليست مع زيد ولا عبيد، ولو افتراضاً، أن الله أوكلك إلى زيد أو عبيد، كيف يقول لك: اعبدني ؟ يا رب، أنا أعبد مَن أمري بيده، يقول لك: لا، مَن أمْره

﴿إِلَيْهِ﴾

، أنا أخبرتك بالقرآن:

﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ ﴾

 متى أمرك أن تعبده ؟ بعد أن طمأنك أن الأمر كله عائد إليه،

﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ ﴾

، هذا التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد.
 إخوانا الكرام، كلمة مختصرة: قمة العلم التوحيد، وأعلى مرتبة في العلم أن توحد الله، وقمة السلوك التقوى، فأنت إذا وحدت الله، واتقيته جمعت المجد من أطرافه كلها، والتوحيد ليست كلمة سهلة، وهي كفكرة سهلة، أما حينما ترى إنسانًا قويًّا، ويهددك، وأنت تعتقد أن الله بيده كل شيء، وهذا الإنسان ليس بيده شيء، هذه قمة الإيمان، لذلك قال تعالى:

﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213)﴾

( سورة الشعراء )

تعذب نفسك، إذاً:

﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾

 من يتق الله في عقيدته يجعل الله له مخرجاً من القلق، والخوف، والنفاق، والدجل، من يتق الله في اختيار زوجته في تربية أولاده، في كسب ماله، في شبابه، والله هذه الآية أيها الإخوة، تكتب فيها مجلدات،

﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾

 في قوله تعالى:

﴿ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾

 ملمح دقيق، قد يكون فيما يبدو ليس هناك مخرج، أنت الآن في مسجد، لو فرضنا أن له عشرة أبواب، مفتوحة كلها على الطريق، وكلها مفتوحة أمامك، فهل تقول: أين المخرج ؟ لا، متى تقول: أين المخرج ؟ إذا كانت كلها مغلقة، فمِن حكمة ربنا لما يعالج إنسانًا تغلق أبواب الأرض كلها أمامه، ما له غير باب واحد، هو باب السماء، حتى يضطر للالتجاء إلى الله عز وجل، لذلك:

﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾

﴿وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾

 

( سورة الطلاق الآية: 3 )

إخفاء الصور