وضع داكن
23-04-2024
Logo
شرح مختصر للأحاديث - الدرس : 204 - المرء مع من أحب….
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ

 أيها الإخوة، هناك حديث شريف في مضمونه إشارة إلى الولاء والبراء، وفي ظاهره إشارة إلى الحب والكراهية، يقول عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه الإمام البخاري ومسلم من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ تَقُولُ فِي رَجُلٍ أَحَبَّ قَوْمًا، وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

(( الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ ))

 

[متفق عليه]

 لأن هذا الحب يقود إلى الطاعة، تعرفه فتحبه فتطيعه.

 

الولاء والبراء

 أيها الإخوة، تجد إنسانًا ولاءه لغير المسلمين، يتصيد أخطاءهم فيكبرها، ويشفي غليله حينما يتحدث عن سلبياتهم، ولا يلتمس لهم العذر، بل يلتمس العذر للطرف الآخر، يثني على إنجازاتهم، ويعتم على جرائمهم، هذا الإنسان في النهاية ولاءه لغير المؤمنين، والذي ولاءه لغير المؤمنين قد يكون من بلد إسلامي، وأمه مسلمة، وأبوه مسلم، وثقافته إسلامية، لكنه أحب الطرف الآخر، فالمرء مع من أحب، لذلك الإيمان هو حب أو بغض، تحب المسلمين لذلك تدافع عنهم، تلتمس لهم بعض العذر، تتألم لمصابهم، تسعد لمواقفهم الشجاعة أحياناً، وتبحث عن عيوب الطرف الآخر، وعن جرائمهم، ففي النهاية تلتقي مع إنسان، تقرأ مقالة، تشاهد ندوة، في النهاية هذا الإنسان الذي أمامك إما أنه له ولاء للمؤمنين، أو له عداء ضدهم.
 أيها الإخوة، أحياناً تجد شخصًا يدافع عن غير المؤمنين، يذهب إلى هناك فيتعامى عن كل سلبياتهم، ولا يرى إلا فضائلهم، يأتي إلى بلده حيث التماسك الأسري، وبقية رحمة، وبقية عطف، وحياة اجتماعية راقية، فيها تناصر، وتعاطف، ومع ذلك لا يبحث إلا عن الأخطاء.
مرة سألت واحدًا: في مئة بيت في العالم الغربي كم خيانة زوجية فيه ؟ قال لي: 70ـ 80، قلت له: أنا فيما أنا أعلم أن في بلادنا ولا 1%، حالات قليلة جداً، علاقة الآباء بأولادهم جيدة.
 سافر إنسان إلى بلاد الغرب فالتقى بشاب على نهر السين في باريس، رآه ساهياً قلقًا، قال له: ما الذي يقلقك ؟ قال له: والله أتمنى شيئاً واحداً ؟ قال له: ما هذا الشيء ؟ قال: أن أقتل أبي، قال له: ولمَ ؟ قال له: لأني كنتُ أحب فتاة فأخذها مني، وجعلها عشيقته.
أمّا عندنا في بلاد المسلمين فالأب همه الأول تزويج أولاده، هناك آباء أبطال يسكن في الشام، في حي راقٍ، ويشتري ثلاثة بيوت في الريف ليزوج أولاده.
كن موضوعياً.
 قال لي رجل في أستراليا: أنت ذاهب إلى الشام فبلّغ إخواننا بالشام هذه الرسالة، قال لي: مزابل الشام خير من جنات أستراليا، قلت له: لمَ ؟ قال لي: لأن ابنك في الشام مسلم مثلك، أما نحن فقد نفاجأ أن ابننا ملحد، أو في أذنه قرط، أيْ منحرف، أو في الأذن اليسرى قرط، وهو منحرف أشد الانحراف، أو في كلتيهما.
 أنا أطلب منكم الموضوعية، ميزات بلاد المسلمين، والتماسك الأسري، وبقية العطف، بقية الرحمة، بقية الإنفاق في سبيل الله، بقية الانضباط، هذه من نعم الله الكبرى ، فعن عَمْرِو بْنَ الْعَاصِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

 

 

(( بَيْنَا أَنَا فِي مَنَامِي أَتَتْنِي الْمَلَائِكَةُ، فَحَمَلَتْ عَمُودَ الْكِتَابِ مِنْ تَحْتِ وِسَادَتِي فَعَمَدَتْ بِهِ إِلَى الشَّامِ، أَلَا فَالْإِيمَانُ حَيْثُ تَقَعُ الْفِتَنُ بِالشَّامِ ))

 

[أحمد]

 أيها الإخوة، كَيْفَ تَقُولُ فِي رَجُلٍ أَحَبَّ قَوْمًا، وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ ؟
 إذا كان لك ولاء للمؤمنين فأرجو الله سبحانه وتعالى أن يعينك على التوبة، لأن الله عندئذٍ يتولاك.
 إذا جاء إنسان إلى رجل، وقال له عن أبيه كلاماً لا يحتمل، ألا يتألم ؟ بل إن لم يتألم، بل قل: ماذا فعل أيضاً ؟ هذا ليس ابنه، ليس ابنه قطعاً، لو كان ابنه يتألم أشد الألم حينما يتهم أباه بشيء يتأكد من والده، يتحقق، يبحث، يبحث عن عذر، عن الأسباب موجبة، أما حينما يشفي غليله بأسباب سقوط أبيه فليس له ولاء له.
 فأنت في النهاية إما لك ولاء للمؤمنين تحرص على صالحهم، تتألم لألمهم، تسعد لسعادتهم، تسهم في حل مشكلاتهم، تلتمس لهم العذر أحياناً، وإما ولاءك لغير المؤمنين دون أن تشعر بالعقل الباطني، كلما عثرت على خبر سيئ تتمسك به، وترويه مئات المرات، وكلما وجدت خبراً ليس في صالح الطرف الآخر تسكت عنه، وتعتم عليه.

 

الموضوعية

 جاءني شخص من بلاد بعيدة، كلما التقى مع إنسان يدخن يقيم الدنيا ولا يقعدها، أنا معه، لكن هذا المدخن مسلم، جاهل، مرة التقى مع شخصيتين من اليابان كبيرتين جداً ، مدير تنفيذي لشركة عملاقة، ودخن أمامه، ما تكلم ولا كلمة، لماذا أقمت الدنيا، ولم تقعدها على إنسان مسلم يدخن ؟ وأنا معه في هذا الشيء، لكن لمَ لم تذكر للطرف الآخر، هذا هو السقوط ؟ لأن ثمة ولاء للطرف الآخر، وتعتيم على السلبيات وإبراز للمحاسن، وهناك ولاء للمسلمين في إبراز للمساوئ وتعتيم على المحاسن، راقب نفسك، أنت من ؟ ابن من ؟ قد تجد شريكًا يدافع عن الطرف الآخر، أنت لست شريكي ؟ كل تفكيره أن معه الحق، فلا يعطيك الثمن، معه حق فما يدفع السند، من أنت ؟ أنت شريكه أم شريكي ؟ أنا لا أقول: أن نأكل المال الحرام، لكن يجب أن تتعاطف معي كشريك.
 فيا أيها الإخوة، موضوع الولاء والبراء من أخطر الموضوعات في الدين، المؤمن يوالي المؤمنين، ولو كانوا ضعافاً أو فقراء، يمكن أن يكون مدير عام في دائرة، يجد مستخدمًا صالحًا مؤمنًا مستقيم فيتعاطف معه، إذا دخل يقف له، ويجد إنسانًا آخر بأعلى درجة من الغنى، لكنه فاسق وماجن، فلا يتعاطف معه، فيجب أن توالي المؤمنين، ولو كانوا ضعافاً وفقراء، ويجب أنم تتبرأ من الطرف الآخر، ولو كانوا أقوياء وأغنياء، هذه علامة إيمانك، علامة إيمانك أن تحب المؤمنين، أن تحب بلادهم، أن تتألم لآلامهم، أن تبكي لواقعهم، لذلك:

 

 

(( الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ ))

 وقد ورد في بعض الأحاديث:

 

 

(( كن عالما، أو متعلما، أو مستمعا، أو محباً، ولا تكن الرابعة فتهلك ))

 

[ رواه ابن مسعود وأبي الدرداء، والحديث عند أبي نعيم والطبراني ]

أن تحب العلم، وهذا طريق لبلوغه، ولا تكن الخامسة فتهلك، فكن موضوعياً.
 إخواننا الكرام، ليس هناك قيمة مشتركة بين العلم والخلق إلا الموضوعية، الموضوعية قيمة علمية، فلن تكون عالماً إلا إذا كنت موضوعياً، الآن العالم الغربي يوهمنا أن كل أعمال العنف في العالم يقوم بها المسلمون، والبحث والتحقيق والدراسة المطولة التي كلفت سنتين لباحث إسلامي في أمريكة تبين أن 3% منهم مسلمون، هناك تزوير كبير جداً ، فكن موضوعيًّا، فإن كنت موضوعياً فأنت عالم، ولن تكون عالماً إلا إذا كنت موضوعياً والموضوعية قيمة خلقية، ولن تكون أخلاقياً إلا إذا كنت موضوعيا، فلذلك أيها الإخوة يقول عليه الصلاة والسلام:

(( وأيْمُ الله، لَوْ أنّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا ))

[ رواه البخاري عن عَائِشَة رضي الله عنها ]

 الآن ليس هناك موضعية، فتاة ترتدي ثياب السحاقيات في مدرسة في أمريكا، فالمدير على بقية من خلق فطردها، أقام أبوها دعوى على المدير، وربح 30 ألف دولار، ويقولون لك: هذا عدل، وبالمقابل فتاة مسلمة وضعت على رأسها قطعة قماش فيمنع دخول الفتاة المحجبة إلى المدارس، لماذا هناك أقيمت دعوى وقُبلت، لأن هذا هو التفلت من منهج الله، هو أحقر من أن تحاوره، أرأيت إلى التناقض المريع !؟ لذلك هذا الطرف الآخر هو أحقر من أن تحاوره، الله عز وجل لم يخاطب الكفار إلا بآية واحدة يوم القيامة:

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ﴾

 

( سورة التحريم الآية: 7 )

 أما خاطب المؤمنين ففي 285 آية، ] يا أيها الذين آمنوا [، فهذا الطرف الآخر أحقر من أن تحاوره، ما عنده قيم، يقول لك قتلنا 150 أعزل بالخطأ، لماذا حينما سقطت طائرة، وأنتم توهمت أو تأكدتم أن الذي أسقطها إنسان، فدفعتم بلده 270 مليار بواقع 500 مليون لكل ضحية، و150 بالخطأ قصفوا، ولا شيء، لذلك هذا الذي لا يحكمه مقياس واحد هو أحقر من أن تناقشه، وأحقر من أن تحاوره، وأحقر من أن تخاطبه.
يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ تَقُولُ فِي رَجُلٍ أَحَبَّ قَوْمًا، وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

(( الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ ))

 فكن محباً للمؤمنين، ولو أن عليهم ألف مأخذ ومأخذ ، وكن متبرئاً من الكفار والمشركين، ولو قدموا لك كل شيء، هذا هو الإيمان، الإيمان ولاء وبراء، وأنا حينما ألتقي بإنسان والله أكشف ولاءه أو براءه، ولاءه لغير المؤمنين من حديثه، فيه تعتيم على الإيجابيات عندنا، وفيه إبراز للسلبيات، وفيه تعتيم على السلبيات هناك، وفيه إبراز للإيجابيات.
 لما يقال: تطبيق الشريعة الإسلامية لا يقفز إلى ذهنه إلا قطع اليد، هناك مليون حكم شرعي، مليون حكم عادل، مليون حكم إنساني، مليون حكم أخلاقي، المليون يعتم عليهم، ويبقي منه قطع اليد فقط، يفتح كتب الفقه ما عنده غير سؤال إلا عن الإماء، ما حكمها ؟ الآن ليس هناك إماء، وما عنده سؤال إلا عن قتل المرتد، هناك كيد يظهر الإسلام بمظهر إنساني، وكل سؤال له جواب، لكن الذي أراد الحقيقة يصل إليها.
إخواننا الكرام، الولاء أن تحب المؤمنين، وأن تدافع عنهم، وأن تلتمس لهم بعض الأعذار، وأن تسهم في حل مشكلاتهم، لأنك منهم وهم منك، لحمك ودمك، والولاء يقتضي أن تتبرأ لغير المؤمنين، ولو كانوا أذكياء، والمشكلة أن الطرف الآخر ذكي جداً، وقوي جداً، وغني جداً، أما الساذج الذي ليس له ولاء للمؤمنين فيتعلق بهم، ويدافع عنهم، وينحاز إلى جانبهم، فلذلك هذا المسلم الذي يعين غير مسلم على المسلمين دوره كمنديل مسحت به في أقذر عملية، ثم ألقي في المهملات، مصيره في مزبلة التاريخ، دافع عن أمتك، وعن بلدك، وعمّن تنتمي إليهم، واحرص على صالحهم، وخفف عنهم بعض همومهم، والتمس لهم الأعذار، فأنت عندئذٍ مؤمن ورب الكعبة.
 حدثني طبيب قال لي: والله دخْلي فلكي، أنا زرته في أمريكا، قال لي: والله الدخل يفوق حد الخيال، ومع ذلك قال لي: عدت إلى الشام، وتخليت عن معظم ميزاتي كطبيب، وأنا بدخل محدود، لكنني أشعر براحة ما بعدها راحة، حينما أعالج مسلمًا، لأن لحم كتفي من خير هذا البلد، فينبغي أن يعود علمي ونفعي على أبناء هذه البلد.
 بمفهوم وطني ، بمفهوم قومي، بمفهوم إنساني، بمفهوم ديني، تجد إنسانًا مستغربًا، اسمه عربي فقط، لو ما كان اسمه عربيًّا لكان اسمه جورج مثلاً، فقط اسمه عربي، في سيارته موسيقى أجنبية دائماً، لا يتابع إلا أفلام غربية، كلامه غربي.
 مرة أقيمت ندوة في تلفزيون لبنان عن معركة الخندق، بعد ما انتهى الشيخ من الحديث عن هذه المعركة تقول هذه المذيعة: ( ميرسي )، أيْ شكرا لله الذي نصر محمدًا و( الكروب )، أي الجماعة، تبعه في هذه الموقعة.

 

إخفاء الصور