وضع داكن
25-04-2024
Logo
شرح مختصر للأحاديث - الدرس : 203 - إذا سمعتم الرجل يقول هلك الناس فهو أهلكُهم ….
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 أيها الإخوة الكرام، حديث اليوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( إِذَا قَالَ الرَّجُلُ: هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ ))

 وفي رواية أخرى:

(( فَهُوَ أَهْلَكَهُمْ ))

[مسلم]

التكفير والاتهام والتفرقة من مكائد الأعداء

 الحقيقة أن هناك شريحة كبيرة جداً من المسلمين همهم تكفير الآخرين، وهمهم اتهامهم بالشرك، وهمهم اتهامهم بالبدع، وهذا الذي يشق صفوف المسلمين، وهذا الذي لا يثق بالمسلمين، وهذا الذي يسيء الظن بالمسلمين، وهذا الذي همه أن يفرق لا أن يجمع، وأن يشتت لا أن يضع الجميع على خط واحد، وأن يصدع لا أن يرأب، هذا الإنسان يعمل لصالح أعداء المسلمين.
 أقول لكم هذه الكلمة أيها الإخوة، وهي دقيقة جداً: من هو عدو المسلمين الأول ؟ الشيء البديهي الطرف الآخر الكافر، لكن الطرف الآخر مكشوف، ويعمل تحت ضوء الشمس، ويكيل التهم جزافاً من دون تحفظ، ثم يقاتل، ويقتل، والمسلمون محصنون ضده ، لأنه حينما تعلم أن هذا الإنسان ملحد فأنت تأخذ احتياطًا مسبقًا، فأيّ كلمة يقولها فلك عليها ردٌّ، وأي كلمة طيبة يقولها تتحفظ على قبولها، لأنك محصّن ضده، لكن حينما يأتي إنسان يرتدي زياً إسلامياً، ويتكلم بالكتاب والسنة، ويبث السم في الدسم، هذا هو الأمر المخيف، أقول لكم: العدو الحقيقي هو الذي يفهم الإسلام فهماً ضيقاً ومحدوداً، ويصر عليه لمصلحة عنده راجحة، ويكفر من يخالفه، ويمنع وحدة المسلمين، والذي يمنع وحدة المسلمين كأنه موظف عند أعدائهم، لأن أعداء المسلمين لا يتحركون بحرية إلا في ظل خصومات المسلمين مع بعضهم بعض.
 ترون الآن أن العالم الغربي همه الأول أن يبث بذور الفرقة بين المسلمين في أيّ بلد حلّه، يجب أن يقسم هذه البلد مللا، ونِحلا، وطوائف، ويجب أن يبث في كل واحدة أنها وحدها على حق، والأخرى ضالة مضلة، فالعدو ينتظر بوادر الفرقة بين المسلمين، فهذا الذي يكفّر لأسباب تافهة جداً، لفروع في الدين، ويبتدع، ويبدع، يتهم بالبدعة، ويتهم بالشرك، وأينما حلّ، وأينما جلس يكفر المسلمين، هذا ليس من الإسلام في شيء:

 

﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾

 

( سورة الأنعام الآية: 159 )

 والمؤمن يجمع ولا يفرق، ويصل ولا يقطع، ويسدد ويقارب، أحياناً يكون الخلاف في أصل العقائد، فهذا خلاف غير مسموح به، أما حينما يكون الخلاف في فروع الفقه فلا يمكن أن أتهم إنسانًا بالخطأ إذا كان مغطًّى بمذهب فقهي معتمد، قال عليه الصلاة والسلام:

 

(( إِذَا قَالَ الرَّجُلُ: هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ ))

 أي: أشدهم هلاكاً، هو الهالك وحده.
يقول عليه الصلاة والسلام:

 

 

(( الْخَيْرُ فِيَّ وَفي أُمَّتِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ))

 

 

[ رواه الحافظ ابن حجر عن أبي هريرة ]

 ويقول عليه الصلاة والسلام:

 

 

(( أُمَّتِي كالمطر، لا يُدْرَى أَوَّلُها خير أَو آخِرُها ))

 

[ رواه الطبراني عن ابن عمر ]

 أيها الإخوة، الرواية الثانية:

(( فَهو أهلكَهُم ))

 أي هو الذي اتهمهم بالهلاك، وهم ليسوا كذلك، لا بد من أجل التعاون والتعاطف، والتكاتف، والتضامن، وأن نكون وحدة أمام عدونا الذي لا يفرق بين مسلم ومسلم، لا بد من حد أدنى من حسن الظن، النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

 

(( حسن الظن بالله تعالى ثمن الجنة ))

 

[ رواه محمد بن إبراهيم بن كثير الصوفي عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس ]

 فإذا عرف الإنسان الله خاف منه، ولسبب تافه جداً كفّرته، فكأنك أسأت الظن بدين الله عز وجل.

 

التمس لأخيك عذراً ولو سبعين مرة

 شيء آخر، يقول عليه الصلاة والسلام:

 

 

(( التمس لأخيك عذراً ولو سبعين مرة ))

 

[ ورد في الأثر]

 إذاً المهم أنك إذا التقيت بأخيك أن تبحث عن نقاط الالتقاء لا عن نقاط الخلاف، الشيطان يبحث عن نقاط الاختلاف، بينما المؤمن يبحث عن نقاط الالتقاء، وكما ترون وتسمعون نحن في أمسّ الحاجة إلى أن نكون وحدة متعاونين متماسكين، والذي ينتمي إلى فقاعة صغيرة في الإسلام هذا يشك في إيمانه، لأن الله عز وجل يقول:

 

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾

 

( سورة الحجرات الآية: 10 )

الانتماء إلى مجموع المؤمنين

 المؤمنون بمجموعهم إخوة، أنت تنتمي إلى كل المؤمنين، كيف أن الإنسان ينتمي إلى الجنس البشري، لكن له أم، وله أب، هل يعني أن يكون له أم أو له أب أنه لا ينتمي إلى الجنس البشري، هذا مثل واضح، تنتمي إلى كل البشر ولك أم وأب، ولك بلدة، ولك حي، ولك بيت نشأت فيه، هذا لا يتناقض مع المجموع العام، فالمؤمن الصادق ينتمي للمجموع العام.

التعاون على البر والتقوى

 إخواننا الكرام، الانتماء إلى المجموع العام هو فكرة وشعور، لكن هذه الفكرة والشعور يقتضي سلوكًا، ما هو السلوك ؟ هو التعاون، قال تعالى:

﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾

( سورة المائدة الآية: 2 )

 والتعاون على البر يعني صلاح الدنيا، والتعاون على والتقوى يعني صلاح الآخرة، فأنت كما مأمور أن تتعاون مع إخوانك على صلاح الدنيا، نحن مكلفون بإعمار الأرض، وقد تستغربون أن قول الله عز وجل:

 

﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105)﴾

 

( سورة الأنبياء )

 قال علماء التفسير: الصالحون لإدارتها، الصالحون لعمارتها، الصالحون لاستخراج ثرواتها، الصالحون لتوفير مصالح الناس، هذا المفهوم في هذه الآية في الدنيا ، هذا الذي دفع بعض علماء المسلمين الكبار إلى أن يقولوا، والكلمة قد تكون غريبة عندكم، " " تصلح الدنيا بالكفر والعدل، ولا تصلح بالإيمان والظلم "، وترون كيف أن أعدائنا الإنسان عندهم مكرم جداً، وحقوقه كاملة، لكنهم يعتدون علينا، أما عندهم فالإنسان محترم جداً، فلذلك تملكوا بلادهم، وسيطروا على العالم كله، فتصلح الدنيا بالكفر والعدل، ولا تصلح بالإيمان والظلم، والقول الآخر أيضاً الذي يثير حفظتنا: " إن الله ينصر الأمة الكافرة العادلة على الأمة المسلمة الظالمة ".
إذاً ديننا دين قيم، دين مبادئ، فإذا اكتفينا بالشعائر، وذبح بعضنا بعضاً، وأكل بعضنا مال بعض، واعتدى بعضنا على أعراض بعضنا، عندئذٍ كل عباداتنا لا قيمة لها ، وتسقط عند الله عز وجل، فهذا الذي يقول هلك الناس فهو أهلكُهم، هو أشدهم هلاكاً، أو هو الذي أهلكهم، وهم ليسوا كذلك، لأن:

(( أُمَّتِـي كالمطر، لا يُدْرَى أَوَّلُها خير أَو آخِرُها ))

 ما قولك بحاجب، أو آذن ـ بالتعبير السوري، آذن مدرسة ـ حاجب، في بعض البلاد اسمه فرّاش، في بلد اسمه خادم، على كلٍ آذن مدرسة فقير جداً عنده ثمانية أولاد، دخله أربعة آلاف، لا يكفيه ثمن خبز وكهرباء، ويعاني من أقسى أنواع الفقر، ورث أرض ثمنها ثلاثة ملايين، ورجل محسن كبير من محسني حي الميدان أراد أن ينشئ مسجدًا في حي نهر عيشة، هذا حي كله مخالفات، وبه كثافة سكانية كبيرة جداً، ليس فيها مسجد، كلف أحد إخواننا الكرام مهندسًا بالبحث عن أرض تمهيداً لإنشاء مسجد، فوجد أن هذه الأرض التي ورثها هذا المستخدم الآذن مناسبة جداً، مناسبة في مساحتها، وفي وجهتها نحو القبلة، والسعر معتدل جدا، فطلب من المحسن الكبير أن يرى الأرض ميدانياً، فوجد الأرض مناسبة، وسعرها مناسب، سطر هذا المحسن شيكاً لصاحب هذه الأرض المستخدم الفقير الذي لا يزيد دخله على أربعة آلاف، وعنده ثمانية أولاد، سطر له شيكا بمليوني ليرة، فسأله صاحب الأرض ببساطة: أين البقية ؟ قال له: عند التنازل، قال له: ما التنازل ؟ قال له: هذه الأرض سوف ننشئ عليها مسجدًا، ولا بد من أن تذهب إلى الأوقاف كي تتنازل عنها، قال له: هذه الأرض ستصبح مسجدًا ؟! قال له: نعم، مزّق الشيك، لمَ مزقته ؟ قال له: والله أستحي من الله أن أبيع أرضاً لتكون مسجداً، أنا أولى من المحسن أن أقدمها لله، وقدمها، إذا كان عليه الصلاة والسلام قال:

(( أُمَّتِـي كالمطر، لا يُدْرَى أَوَّلُها خير أَو آخِرُها ))

 يقسم بالله العظيم هذا المحسن الكبير يملك مئات الملايين قال: في حياتي ما صغرت أمام إنسان كما صغرت أمام هذا الإنسان، والآن المسجد له أعلى مئذنة هناك، أنشئ ، ويرتاده المصلون، وفيه دعوة إلى الله، وفيه خطابة وتدريس، فلذلك:

(( أُمَّتِـي كالمطر، لا يُدْرَى أَوَّلُها خير أَو آخِرُها ))

حسن الظن بالمسلمين

 يجب أن نحسن الظن ببعضنا بعضاً، يجب أن نلتمس لبعضنا بعضاً الأعذار، لأقلّ شيء ما أعجبك يكفرّك، يتهمك بالضلال، فتجد بأسنا بيننا، كل منا يتبادل التهم مع الآخرين، ولا أحد يرعى أحدًا.
هذا الحديث أصل لهذا الموضوع.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

 

(( إِذَا قَالَ الرَّجُلُ: هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ ))

، يعني أشدهم هلاكاً.
وفي رواية أخرى:

 

(( فَهُوَ أَهْلَكَهُمْ ))

، أي سبب إهلاكهم، هو الذي اتهمهم بالهلاك وهم ليسوا كذلك.
 أيها الإخوة الكرام، أرجو الله أن نحسن الظن ببعضنا، وأن نعمل على رأب الصدع، ولم الشمل ، والوصل بدل القطع، حسن الظن بدل سوء الظن.
هناك إنسان اسمه قناص، قال النبي الكريم قال:

(( تعوذوا بالله من ثلاث فواقر: جار سوء إن رأى خيرا كتمه، وإن رأى شرا أذاعه ؛ وزوجة سوء إن دخلت عليها لسنتك، وإن غبت عنها خانتك ؛ وإمام سوء إن أحسنت لم يقبل، وإن أسأت لم يغفر ))

[ أخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة ]

 وهؤلاء الذين يبحثون عن عيوب الناس هم بعيدون عن الله بعد الأرض عن السماء، التمس لأخيك عذراً.

إخفاء الصور