وضع داكن
20-04-2024
Logo
شرح مختصر للأحاديث - الدرس : 199 - إن الله تعالى أوحى إلي أن تواضعوا ……
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

المؤمن بين درس بدر ودرس حنين

 أيها الإخوة الكرام، كنت أقول دائماً: إن المؤمن بين حالين، حالة أهل بدر، وحالة أهل حنين، ففي بدر قال الله تعالى:

 

﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾

 

( سورة آل عمران الآية: 123 )

 يعني افتقروا إلى الله، وأخلصوا لله، واسألوا الله عز وجل فنصرهم.
وفي حنين مع أنهم صحابة وهم نخبة البشر، وفيهم سيد البشر، قالوا:

 

(( لن نغلب اليوم من قلة ))

 

[أخرجه الحاكم]

 اعتمدوا على كثرتهم فهزمهم الله عز وجل، قال تعالى:

 

﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25)﴾

 

( سورة التوبة )

 هذان الدرسان أيها الإخوة يحتاجهما الإنسان كل ساعة في حياته، لما يقول: أنا، بمعنى: خبرات، شهادة، علم، تاجر كبير، حجم مالي كبير، ابن نسب، حينما يعتد بغير الله ؛ إما بذاته، وإما بمن حوله، أو بمن له عليهم دالة، أو بمن يدعمونه، حينما يعتمد على غير الله يتخلى الله عنه، وحينما تفتقر إلى الله يتولاه الله عز وجل.
ومرة ثانية: هذا الدرس نحن في أمسّ الحاجة إليه كل ساعة، وجرب في أي موقف، وفي أي عمل، دون أن تشعر تعتمد على خبرتك، أو على قوتك.
 لنا أخ متفوق جداً في الكمبيوتر، ومتخصص بالكمبيوتر الصناعي، وتقريباً بالشام لا يوجد غيره، مرة اتصل به معمل، ذهب فوجد الأمر يحتاج إلى إصلاح، والعادة إصلاح الجهاز يستغرق ساعة أو ساعتين، فطلب مبلغًا، صاحب المعمل كأنه استكثر المبلغ فحاول معه محاولات طويلة، إلى أن ضاق به ذرعاً، قال له: هذه الكلمة، أنا لست بحاجة إليك، أنت بحاجة إلي، أعجبك المبلغ أصلح لك العطل، لم يعجبك السلام عليكم، والرجل يعرف أنْ ليس في غيره، فلم يتراجع عن المبلغ، يقسم هذا الأخ بالله العظيم، وهو عندي صادق، قال لي: أول يوم من الساعة التاسعة حتى الساعة السادسة ما كشفت العطل، ثاني يوم من التاسعة للسادسة، وثالث يوم، رابع يوم، خامس يوم، سادس يوم، سابع يوم، ثامن يوم، ثمانية أيام وهو يبحث، ولم يكتشف العلة، ومن عادته أن يكشفه في ساعة ساعتين، قال لي: في اليوم الثامن عدت إلى نفسي، وراجعت حساباتي، بحثت عن أخطائي، قال لي: وجدت هذه الكلمة التي قلتها له، فيها اعتداد، فيها شهور، قال لي: فوراً في تاسع يوم والله أصلحته في ربع ساعة، كُشف له الخلل، وأصلحه بعد أن جمده الله ثمانية أيام، وعطل له كل معلوماته.
 عندنا أخ ثانٍ، عنده معمل ألبسة أولاد، أحد الإخوة وضْعه المادي سيئ، والعيد على الأبواب، قال له: خفّض لي السعر، فذهب إليه، وقال له: أريد ثلاث قطع لأولادي، قال: أنا أبيع ثلاثمئة دزينة، أربعمئة دزينة، فشعرت أن بيع ثلاث قطع إهانة لي، قال له: أنا لا أبيع مفرقًا، وما تكلم شيئًا، قال له: لا تؤاخذنا، أقسم بالله العظيم 32 يومًا ما دخل معمله من يشتري، أدبه الله، لأنه لا يبيع مفرقًا.
 أخ آخر يعد أول مستورد للوازم الألبسة النسائية في القطر، جاءت إليه امرأة تريد عشرة سحابات، وهو يبيع مئة ألف سحاب، قال لها: أختي نحن هنا لا نبيع مفرقًا، هنا جملة، ذات القصة، لمدة شهرين لم يدخل إليه مشترٍ، قال لي: الآن أبيع سحابًا واحدًا، أفك لها الدزينة، وأعطيها سحابًا، أدب مع الله عز وجل.

 

بين التولي والتخلي

 عندما تقول: الله، يتولاك، فأنت بين التولي والتخلي، تقول أنا، تحب أن تقول: أنا معي دكتوراه، أو أنا ابن نسب عريق، أو أنا لي مكانة، أو أنا لي سمعة، أنا بالهاتف أربح مليون ليرة، أو أنا لي أقرباء، فلان صديقي الحميم، بيده كل شيء، أعطاني هاتفه الخاص، لكن تطلبه فلا تجده، يتخلى عنك، والله عز وجل لحكمة توحيدية بالغة يجعل الذي أنت اعتمدت عليه يذلك، ويهينك، ويتخلى عنك، لأنك اعتمدت عليه، ونسيت الله عز وجل.

 

 

اجعل لـربك كل عزك يستقر و يثبـت
فإذا اعتززت بمن يموت فإن عزك ميت
* * *

 جدَّد أحدهم سيارته تجديدًا كاملا، وهي من نوع مشهور عند بعض المسؤولين، ركب غطاء داخليا، ليوهم الناس أنه مسؤول كبير، قال لي: أوقفني شرطي فسبني، وفضحني على هذه الأغطية، فبأي شيء تعتز ؟ بشهادتك ؟.
 الآن في الحج أبلغ، تذهب إلى الحج، وتقول: أنا ضابط كبير !!! تذهب إلى الحج وتقول: أنا عالم كبير !!! الله يسد عليك الأبواب، أما في الشام فتبكي في الصلاة، أمام القبر لا شيء، وقد ذهبت وتوهمتَ أنك داعية كبير، ولك أيادٍ بيضاء في الدعوة، فإياك أن تقابل الله بهذا، قابله بالذل والانكسار، والافتقار:

 

 

ومالي سوى فقري إليك وسيلة  فابفتقاري إليك فقري أدفـــع
ومالي سوى قرع لبابك حـيلة  فإذا رددت فأي باب أقـــرع
* * *

 

فضل التواضع

 هذه مقدمة للحديثين :

 

الحديث الأول

 عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

(( إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَبْغِيَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ ))

[ رواه مسلم وأبو داود وابن ماجة]

 لا تقل: أنا عالم والله قبيحة، قول أنا طالب علم، لا أحد عالم إلا الله، قل: أنا طالب علم، إذا كان الله عز وجل أجرى على يدك عمل طيب فقل: الله عز وجل أكرمني، ويسر لي هذا العمل، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، إن ألفت كتاب فقل: إذا كان فيه صواب فمن توفيق الله، والخطأ من تقصيري، لا تدّعي الكمال، لا تدّعي القوة، لا تدّعي العلم، لا تدّعي الغنى، كن فقيراً إلى الله.
 لا أنسى قول عالم جليل بمصر توفي رحمه الله، كان ببريطانية يجري عملية في عنينه، فجاءت رسائل بمئات الألوف، فأجروا معه مقابلة بالإذاعة البريطانية، فسألوه: ما هذه المكانة التي حباك الله بها ؟ ماذا يقول لهم ؟ لأنه أنا عالم كبير، لا، قال لهم: لأنني محسوب على الله، أنا إنسان يظن الناس أني موصول بالله، لأنني محسوب على الله، فكلما تواضعت الله يرفعك، وكلما تكبرت الله ينزلك.

 

انظر إلى الأكحال وهي حجارة لانت فصار مقرّها في العين.
* * *

الكحل أصله حجر، لكنه حجر لين.
 حاول ألا تتكبر أبداً، لا تتكبر على مخلوق، هذا البرمكي كان ثاني أقوى رجل في الخلافة العباسية، كان مع هارون الرشيد، فجأة وجد نفسه في السجن، يعدّ الرجل الثاني في الخلافة يودَع في السجن ! فزاره شخص، فقال له: لعله دعوة مظلوم أصابتنا، حالة كبر، واعتداد.
 أيها الإخوة، ما رأيت إنسانًا يتكبر بشيء إلا أذله الله، وأدبه، وساق له شيئًا متعب، فإذا ربحت فلا تقل: ربحت لأني تاجر فهيم، لا، قل: لأن الله وفقني ورزقني الله دخلت إلى معاملة معقدة جداً فتيسرت، لا تقل: أنا أوهمتهم، وخوّفتهم، دخلت عليهم بطرقٍ، لا، قل: الله يسّر الأمر، هذا ليس تواضعًا، هذه حقيقية، إذا ما يسّر الله أمرًا لأتفه سبب يتوقف.
 أحد الرجال كان معتدًّا بنفسه، جميل الصورة، في أوج نشاطه، له معامل، ومطاعم، ومشاريع، وشركات، وعنده اعتداد بنفسه مخيف، وشبكة علاقات مع أشخاص كبار وأقوياء، ما يطلبه يجده، دخل الحمام فوجد القاطع الكهربائي محروقًا، أتى بالكهربائي، وقال له: بدله، قال له: والله هو منخفض، لا بد أن أرفعه إلى الأعلى ؟ قال له: ارفعه، فبعد يومين اضطر أن يستخدمه، وقد صار أطول من طوله، فطلب من ابنته كرسيًّا، فوضع الكرسي ووقف عليه فوقع، ومات بعد ثمانية عسر يوما، بأتفه سبب.
 إياك أن تعتد بنفسك، والفقير ما عنده اعتداد، ما عنده شيء يعتد به أساساً، وهذا نعمة أيضاً، الفقير يعينه الله، ما عنده شيء يعتد به، والإنسان الغني يحتاج للإيمان أكثر، لأن الغنى مزلة.
سيدنا جبريل سأل رسول الله عليه الصلاة والسلام:

 

 

(( اختر أن تكون نبيا ملكا أو نبيا عبدا، فأومى إلي جبريل أن تواضع لله فقلت: بل أحب أن أكون نبيا عبدا، فشكر ربي عز وجل ))

 

[ رواه الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنه ]

في مئة فقير 80% ناجون، أما في مئة غني 20% ناجون، وفي مئة قوي 10% ناجون، الغنى والقوة مزلّة أقدام.
 أحد الأشخاص كان يرأس مجمعًا كبيرًا جداً، والعياذ بالله انحرافه خطير، ويعمل في حقل الدعوة، فزميله طُرِد، عشية ذاك اليوم كان في السجن، الله كبير، فإياك أن تغلط ، وإياك أن تتكبر، وإياك تعتد بنفسك، فالله عز وجل:

﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13)﴾

( سورة البروج )

 هذا الحديث الأول:
 عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَبْغِيَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ ))

الحديث الثاني

 يقابل هذا الحديث حديثُ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:

 

(( الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ ))

 تكلم مليون كلمة، ولا تقل كلمة كبيرة يقصمك الله عز وجل بها.
 هناك إنسان يتجبر على امرأته، يقول لها: إذا ولدتِ بنتًا أطلقك، فولدت ثلاث بنات توائم، لا تستطيع أن تطلقها، يمينك على واحدة، وهي ولدتْ ثلاث بنات.

 

إخفاء الصور