وضع داكن
25-04-2024
Logo
شرح مختصر للأحاديث - الدرس : 196 - إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم هذه.........
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

خطورة الأعمال المحتقَرة على المسلم

 

 أيها الإخوة الكرام، قال عليه الصلاة والسلام:

(( إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم هذه، ولكن قد رضي بما تحقرون من أعمالكم ))

[ رواه أحمد عن أبي هريرة وأصله في صحيح مسلم]

 فالأعمال التي يتوهمها المسلم صغيرة، حقيرة، قد تكون حجاباً عند الله عز وجل، في الأعم الأغلب المسلم لا يقتل، ولا يزني، ولا يشرب الخمر، ولا يسرق، هذه الكبائر، لكن آلاف الصغائر، وآلاف المخالفات متلبس بها، هذه الصغائر على أنها صغائر إذا أصر الإنسان عليها حجبته عن الله عز وجل.
اليوم مَا هذا الذي يبدو عند الناس صغائر ؟ إنه اللسان، يقول لك: ما فعلنا شيئًا كلام في كلام .

 

(( إنَّ الرَّجُل لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّه تعالى ما يُلْقِي لَها بالاً يَهْوِي بِهَا في جَهَنَّم سبحان الله سبعين خريفاَ ))

 

[أخرجه الترمذي ]

 يمكن أن تكون مدينة ساحلية كبيرة جداً، ويمكن أن تكون المياه السوداء الناتجة عن هذه المدينة تصب في البحر، ويمكن أن يبقى أثر المياه السوداء التي تصب في البحر إلى 50 كيلومترا، ومع ذلك البحر طهور ماءه، ولا ينجس، لكن النبي عليه الصلاة والسلام قال للسيدة عائشة حينما قالت لأختها قصيرة، قال:

 

(( حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا، تَعْنِي قَصِيرَةً، فَقَالَ: لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ ))

 

(( إنَّ الرَّجُل لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّه تعالى ما يُلْقِي لَها بالاً يَهْوِي بِهَا في جَهَنَّم سبحان الله سبعين خريفاَ ))

 فالمؤمن يعدّ كلامه من عمله، ومَن عدّ كلامه من عمله سلم، أما من عدّ عمله لا علاقة له بكلامه فقد شقي وهلك.

 

الترهيب من كثرة الكلام

 

 وفي الأحاديث اليوم الترهيب من كثرة الكلام، من كثر كلامه كثر خطأه، أحياناً كلمة تودي بصاحبها.

احفظ لسـانك أيها الإنسـان  لا يلدغنك إنه ثـــعبان
كم في المقابر من قتيل لسانه  كانت تهاب لقاءه الشجعان
* * *

أولاً: من كثر كلامه كثر خطأه، فالإيجاز في الكلام، وقد قيل: " نضر الله وجه من أوجز في كلامه واختصر على حاجته ".
 يقول بعض الأدباء: " لي صديق كان من أعظم الناس في عيني، وكان رأس ما عظّمه في عيني صغر الدنيا في عينيه، فكان خارجاً عن سلطان بطنه، فلا يشتهي ما لا يجد، ولا يكثِر إذا وجد، وكان خارجاً عن سلطان الجهالة، فلا يتكلم فيما لا يعلم، ولا يماري فيما علم ".
 حينما يضبط الإنسان لسانه يسعد ويُسعد، حينما يضبط لسانه يسلم ويُسلم، يُسلم غيره من التورط في كلام، فالنبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام البخاري ومسلم عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالُوا:

(( يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ: مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ))

آثار الكلمة السيئة على الفرد والمجتمع

هناك إنسان فضّاح، وإنسان قنّاص، وإنسان مبالغ، وإنسان مفترٍ، وإنسان يتأول الكلام بغير ما قيل فيه، وإنسان يبتدع، وإنسان يفرّق في كلامه.
 والله أيها الإخوة، أحيانًا كلمة من امرأة لشابة متزوجة أنجبت ولدًا، وهنّأتها بهذا الولد، تقول لها: ماذا أهدى لك زوجُكِ في الولادة ؟ تقول لها: لم يهد لي شيئاً، فتجيبها: يا خسارتك فيه، ألا تستحقي أسورة ؟ وخرجت، جاء الزوج فوجدها منزعجة، ليست طبيعية، وجدت نفسها مغبونة معه، هذه كلمة قد تنتهي بالطلاق، كلمته كلمة قاسية، ورفعت صوتها فرفع صوته، تضاربوا، فطردها إلى بيت أهلها، فغذّت أمها وخالاتها مشاعر العداوة، فصار الطلاق، هي قالت لها: ماذا أهدى لك زوجُكِ في الولادة ؟

(( إنَّ الرَّجُل لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّه تعالى ما يُلْقِي لَها بالاً يَهْوِي بِهَا في جَهَنَّم سبحان الله سبعين خريفاَ ))

 اشترى رجل بيتًا فزاره خاله، فقال له: ما هذا البيت، إنه صغير، لا يُسكن فيه، يا أخي أنت مسكين ! فاسودّ البيت في عينه، فذهب ليقلبه إلى صاحبه، فلم يقبل، تلاسن معه، وأقام دعوى عليه، كل هذا من كلمة.
والله أيها الإخوة، قد تُفكُّ شراكة بكلمة، ويُفكُّ مشروع بكلمة، وينتهي زواج بكلمة،

 

(( إنَّ الرَّجُل لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّه تعالى ما يُلْقِي لَها بالاً يَهْوِي بِهَا في جَهَنَّم سبعين خريفاَ ))

قال له أحدهم لصاحبه: هل تزوجت ؟ مبارك، مَن أخذت ؟ فقال له: فلانة، فتحوّل في وجهه، ولم يتكلم كلمة أبداً، فطلقها الرجل في اليوم الثاني، ما تكلم !.
 أيها الإخوة، لعل أكثر مصائبنا من كلامنا، فقد تجد الأسر ممزقة بالغيبة، والنميمة، والحسد، والاستعلاء، والكبر، والإذلال والإهانة، وقد تجد زوجين متفقين ثلاثين سنة، تقول له: أنا من بيت فلان، نسبنا أشرف من نسبك، فحدث خلاف، وصراع، وكلها عنعنات جاهلية، ما أنزل الله بها من سلطان، هذا إذا دخل الشيطان، قال تعالى:

 

 

﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً﴾

 

( سورة فاطر الآية: 6 )

لعل خروج سيدنا آدم من الجنة ليعلّمنا الله هذا الدرس البليغ، لأنه درس لكل بني البشر.
 أقسم بالله أنه عندما أسمع خصومة، أو مشادة، أو خلافًا أشعر أن أحد الأطراف في داخله شيطان، والنبي يقول:

(( من فرق فليس منا ))

[ أخرجه الطبراني في الكبير عن معقل بن يسار ]

 أحياناً بنت صالحة تصلي قيام الليل، وتحفظ كلام الله عز وجل، وهي الأُولى في مدرستها، محجبة، جاء خالها، كان في الخارج، نظر إليها، وقال: لماذا أنت سوداء ؟ مَن تشبهين أنت ؟ لم يخطر في بالها أنها سوداء، غامقة، لم يخطر في بالها إطلاقاً، عالَمها عالم دراسة، عالم كمال، عالم صلاة، عالم قيام ليل، عالم طاعة لله، لها ثقة بالله كبيرة، قال لها: أنت سوداء، مَن تشبهين ؟ إن في داخله شيطانًا.
 قد يزور أحدهم محلا تجاريًّا، وصديقه ليس في المحل، عنده موظف، فيقول له: ماذا يعطيك كمرتّب ؟ فيجيبه: والله يعطيني عشرة آلاف، عشرة ؟! أنت تستحق عشرين ألفًا، أنت تأخذ عشرة ؟! هذا الجل لعب بعقل هذا الموظف، فبدأ يطالبه بالمزيد، قال له صاحب العمل: ما عجبك الراتب اترك العمل، فخرج وبقي بلا عمل، عنده زوجة، ولم يجد عملا، وسرق بعد هذا، فانظرْ ماذا تتكلم ؟
 مرة زرتُ أخًا في بيته، وربما لا تستطيع في أمور الدنيا أن تحسّنها في عيون أصحابها، زرت هذا الأخ الفقير جداً، فوجدتُ بين الطاولة والأريكة مكانًا لرجلٍ فقط، تجلس على الأريكة فتلمس برجلك طرف الطاولة، فاستحيا، فقلت له: مَن أنت أمام رسول الله ؟ هذا سيد الخلق وحبيب الحق، سيد ولد آدم، أعلى مخلوق في بني البشر، كان إذا أراد أن يصلي لا تتسع غرفة لصلاته، ونوم زوجته، فكانت تزيح جانباً كي يصلي، فهل أنت أشرف من رسول الله ؟
 حسِّن البيت في عين صاحبه، تزوج أخوك، حسِّن زوجته في عينك، قال لك: والله لكن أهلها فقراء، قل له: هذا أكثر راحة لك، تبقى أنت ملكًا عندهم، أو قال لك: إنها قصيرة، قل له: العبرة بالمودة، والنبي قال عليه الصلاة والسلام:

 

(( تزوجوا الودود الولود ))

 

[ أخرجه أبو داود والنسائي عن معقل بن يسار ]

 يجب أن تحسن دنيا الناس حتى تنعقد لك صلة مع الله عز وجل، هذا هو الإنسان المؤمن:

(( من فرق فليس منا ))

 يقول أحدهم: والله إن ابني يتعبني، فتقول له أنت أمامه: والله عندي أولاد ملائكة، والحمد لله يا رب، حتى يحرق قلبه، عندي أولاد ملائكة، شكا لك همّ أولاده لازم فهل يجب أن تظهِر نفسك خيرا منه ؟ قل له: والله الزمن صعب الآن، هذه قضية عامة، والله سيهديه إن شاء الله، هذا الكلام يطيب القلب.
 وُضِع الأكل فتقول: هذه التي عندي طبخها درجة أولى، الله يرضى عليها، ونظيفة، وأنيقة، ماذا يريدون من زوجتك ؟ إما أن يمدح زوجته زيادة، أو يذم النساء.
النتيجة أن هذا اللسان أحياناً يورد إلى النار:

 

((إنَّ الرَّجُل لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّه تعالى ما يُلْقِي لَها بالاً يَهْوِي بِهَا في جَهَنَّم سبحان الله سبعين خريفاَ ))

 الآن هناك كلمات أخرى، إذا وجد الرجل رجلا سيئًا معه أموال طائلة يقول: سبحان الله ! الله يعطي الحلاوة لمَن ليس له أضراس، إذاً أنت تعترض على الله، إذاً أنت لا تعتقد أن الله حكيم.
هناك كلمات أيها الإخوة والله هي الكفر بعينه، دون أن تشعر، فنسأل الله عز وجل السلامة .
 لا تشكر الله عز وجل أمام صاحب البلاء على أنه نجاك من بلاء، فالنبي علمنا إنك إذا رأيت مبتلى ينبغي أن تشكر الله دون أن يسمعك هذا المبتلى، فتقول أمام رجل ضرير: يا رب، الحمد لله الذي أعطيتنا بصرًا، هذا لا يقال، حتى النبي علمنا أن:

 

 

((ترك السلام على الضرير خيانة ))

 

[ أخرجه الديلمي في مسند الفردوس عن أبي هريرة ]

 هو لم يرَك، لكنك رأيته، فإن لم تسلم عليه فقد خنته

((ترك السلام على الضرير خيانة ))

(( يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ: مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ))

 وحديث آخر أيضاً رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو:

 

(( وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ ))

 

إخفاء الصور