وضع داكن
20-04-2024
Logo
شرح مختصر للأحاديث - الدرس : 197 - إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ...
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

خطر سوء ذات البين

 أيها الإخوة الكرام، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( إِيَّاكُمْ وَسُوءَ ذَاتِ الْبَيْنِ، فَإِنَّهَا الْحَالِقَةُ، لاَ أَقُولُ: تَحْلِقُ الشَّعْرَ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ ))

[الترمذي]

 ما من تفتت، وما من خصومات، وما من عداوة، وما من بغضاء بين أفراد المجتمع إلا بسبب مخالفة توجيهات النبي عليه الصلاة والسلام، وحينما قال أحد أصحاب النبي متسائلاً:

 

(( يَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ، أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ ))

 

[أخرجه الترمذي وصححه وابن ماجه عن معاذ ]

الكلمة الطيبة وأثرها في النفوس

 لكن اليوم نأخذ الجانب الإيجابي، فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول في الحديث الذي رواه الإمام البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال:

(( إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ تَعالى ما يُلْقِي لَهَا بالاً يَرْفَعُ اللَّهُ تَعالى بها دَرَجاتٍ في الجنة ))

 زرت أختك، وزوجها فقير فحدّثتها عن أخلاقه، وعن مكانته عند الله ، وعن أن هذا النموذج نادر، وأن هذا الذي يسعد في الدنيا والآخرة، وأن الرجل الصالح لا يُقدَّر بثمن، وأنك تجلّه، وتحترمه، وتتمنى أن يكون كل الأصهار مثله، فيمتلئ قلبها طمأنينة ، وتنام قريرة العين، وتزداد محبة له، وتزداد تعلقاً به، فهذه المحبة المتينة بين الزوجين بسبب كلمة أنت قلتها طيّبت بها قلب أختك.
 قد تدخل بيتاً صغيراً، فتقول: إنّ الإنسان إذا كان ماله حلالا يبارك الله له في كل شيء، في بيته، وفي أولاده، وفي زوجته، فبيت يصلّى فيه بيت مبارك، بيت يلتقي فيه الأقرباء على طاعة الله بيت مبارك، يغدو هذا البيت جنة في نفس صاحبه.
قد يكون عقد القران متواضعًا جداً، في بيت عربي قديم، في منتهى التواضع، فتحدثهم عن نعم الله، وقد خَطَر لي أن أذكر لهم هذه القصة:
 قلت لبعضهم: إنّ أحد أكبر فنادق دمشق من نوع الخمس نجوم ـ حتى مرة قال لي واحد إذا واحد مستواه أكبر من خمس نجوم أين مكانه ؟ قلت له: بقي له نجوم الظهر ـ فهذا الفندق من نوع الخمس نجوم يجني أرباحاً طائلة جداً من عقود القران، فعقدٌ في الشام كلف 85 مليونًا، وكان من الممكن أن نزوّج شابًًا في الغوطة بمئة ألف، فقسم 85 مليونا، فكان الناتج 850 شابًا يتزوجون بهذا المبلغ، مقابل حفلة بليلة واحدة، فقلت لهذا الأخ الذي أقام عقد قران متواضعًا جداً في بيت قديم، والبيت مهترئ، قلت له: هذا الفندق الخمس نجوم جنى أرباحاً طائلة من عقود القران، فأراد أن يشجع الناس على إقامة العقود في هذا الفندق، ماذا فعل ؟ أراد أن يكرم الذين عقدوا عقدهم في الفندق لستة أشهر سابقة، فطلب من الإدارة المالية أسماء هؤلاء، فكانوا ستة عشر عقداً، دُعي هؤلاء إلى حفل تكريمي في الفندق مع عشاء من أجل أن يشجعوا الآخرين على إقامة العقود في الفندق، المفاجأة أن 13 عقداً من 16 عقد انتهت بالطلاق قبل ستة أشهر، لأن أي عقد زواج إذا بني على طاعة الله ولو افتقر إلى معظم مقومات نجاحه يتولى الله في عليائه التوفيق بين الزوجين، وأي عقد زواج إذا بني على معصية الله ولو توافرت له كل أسباب النجاح يتولى الشيطان التفريق بينهما.
 والله مرة كنت أمشي في سوق الحريقة، فدعاني أحد الإخوة الكرام إلى أن أدخل المحل التجاري لأشرب فنجان قهوة، هو في باله شيء، فلما دخلت إلى محله التجاري طرح علي هذا السؤال، قال لي: خطب ابنتي شاب وسيم، جميل، صاحب معمل، ابن أحد أثرياء دمشق، وله سيارة أمريكية، وبيته بأرقى أحد أحياء دمشق، قال لي: هو ممتاز، لكن لا دين له، يا أستاذ ما قولك ؟ قلت له: أنت حينما تقرأ القرآن ماذا تفعل ؟ قال لي: أقرأه، قلت له: وحينما تنتهي منه ماذا تقول ؟ قال: أقول: صدق الله العظيم، طيب الآن يقول الله عز وجل:

 

﴿ وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ﴾

 

( سورة البقرة الآية: 221 )

 فإذا قرأت هذه الآية، وقلت بعدها: صدق الله العظيم فينبغي أن تبحث عن شاب مؤمن، ولو كان فقيراً، فابتسم، وجاملني، وودعني، وودعته، ثم علمت بعد أسابيع أنه قبله زوجاً لابنته.
الحقيقة أنها حالة نادرة، معمل، وبيت، وسيارة، ووسامة، ماذا يريد غير هذا ؟ بعد العرس بسبعة عشر يوماً كان الزوج معها في منطقة الزبداني، واختلفا، فتح الباب، وركلها بقدمه، وكان آخر يوم التقى بها، وتركها في الزبداني، إذا بني الزواج على معصية الله يتولى الشيطان التفريق بين الزوجين.
 هناك قصة وقعت، لكنها لا تصدق، هي لشاب خطب من أسرة مسلمة، والأب واعٍ جداً، قال له: يا بني، أنا أريد أدلة، عندك بيت ؟ قال له: طبعاً، تأتي لي بورقة الطابو، أريده باسمك، ليس لأبيك، قال له: طيب، في اليوم التالي جاءه بسند التمليك النظامي باسمه، عندك سيارة ؟ قال له: عندي، غداً تأتيني بالميكانيك، أريدها باسمك، أيضاً جاءه بالميكانيك، ورخصة السير، قال له: عندك عمل ؟ قال له: عندي، ماذا عندك ؟ قال له معمل: تريكو، باسم من الترخيص ؟ قال: باسمي، قال له: ائتني بالترخيص، جاء الترخيص، بيت، وسيارة، ومعمل، فوافق، وبدأ يتردد على هذه الأسرة، ومرة كان عند عمه في المحل التجاري إذ دخل بعض أصدقاء عمه، قال له: هذا خطيب ابنتي، فاكفهر لون أحدهم، قال له: خطيب ابنتك ؟! قال له: نعم، قال له: هذا ليس مسلماً، من أهل الكتاب، تعال إلى هنا، أنت مسلم ؟ قال له: لا، أنت لم تسألنِي عن ديني، طلبت ميكانيك السيارة، وطلبت ورقة الطابو، وطلبت رخصة المعمل، لكنك لم تسألنِي عن ديني، وهذه قصة تروى.

 

الكلمة الطيبة راب للصدع وتجميع للشمل

 

فلذلك حينما تتكلم بالكلمة الطيبة قد تصلح أسرة، وقد تصلح شركة، وقد تكون لهذه الكلمة آثار طيبة.
 صدقوا أيها الإخوة، في تاريخ الدعوة 30 سنة، وأكثر من مئتين أو ثلاثمئة حالة زواج متعسرة كادت تنتهي إلى الطلاق، فبكلمات طيبة، بتعريف الزوج بقيمة زوجته، بتعريف الزوجة بقيمة زوجها، ترى أن هذا الزواج عاد إلى وضعه الطبيعي، وصار هناك تفاهم، فالكلمة الطيبة صدقة.
 مرة كنت أصلح مركبتي عند أحد الإخوة، هذا الأخ غير متعلم، عنده صانع يحمل ليسانس بالفيزياء، ولم يجد عملا، فأحب أن يصغر من قيمة العلم أمامي، قال لي: هذا معه ليسانس فيزياء، انظر ماذا يعمل، رأيته غير حكيم في هذه الكلمة، قلت: هل تعلم ماذا قال عليه الصلاة والسلام ؟

(( ما كَسَبَ الرَّجُلُ كَسْباً أَطْيَبَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ ))

[رواه أَبُو داوود والترمذي والنسائيّ عَنْ المَقْدَامِ بْنِ يَكرِبَ الذُّبَيْدِيِّ ]

قلت له: عمل اليد أشرف عمل، وقلت له: أحد أنبياء الله العظام داود كان يأكل من عمل يده، طبعاً كانت الآية والحديث مناسبة جداً لرد اعتبار هذا المثقف.
 والله مرة أحد علماء دمشق الكبار قال لي: أنا زوجتي طالبة عندك بالماجستير ، قلت له: أهلاً وسهلاً، قالت لي: إنه إذا لم تقرأ كتاب الدكتور بالإعجاز لم تفهم شيئًا، من تواضعه قالها أمام عشرين عالمًا، قلت له: قل لها أستاذك تلميذي.
الكلمة الطيبة صدقة، تتواضع أمام الناس، تبين فضل الناس، تطيب قلب الزوجة إذا كانت أختك، تقنعها بزوجها، تقنع الشريك بشريكه.
 مرة لقيت رجلاً عبوساً قمطريرا، قال لي: يا أستاذ، ماذا أقول لك، موسم التفاح عندنا الدولة استلمته بسعر غير معقول، قلت له: أنت عندك شيء تبيعه، وهناك إنسان ما عنده شيء يبيعه بتاتا، عندك 300 دنم زرعتها تفاحًا، والسعر لم يعجبك، لكن عندك شيء تبيعه، اشكر الله لو لم تملك شيئًا تبيعه، فستندب حظك ؟ هذه واحدة.
 الشيء الثاني: إذا كنت مصابا بفشل كلوي فلا بد لك كل أسبوع مرتين بالمشفى لتبديل الدم، وكل مرة ثلاث آلاف ليرة، و8 ساعات على الجهاز، والتبديل غير كامل، وفي حالات معينة، اشكر الله على ذلك، قلت له: عندك شيء تبيعه، وصحتك تامة.
 مرة طبيب كبير، كان في قسمه السفلي حبة سرطان صغيرة، وانتشرت، وما عنده علم حتى انتشر في كل جسمه، حتى في العمود الفقري، ذهب إلى فرنسا، نزعوا منه نصف مقعده السفلي، زرته في البيت هنا بالشام، وضعه سيئ، هو في أول حياته، وعمره 45 عاما، والله ما وجدت نعمة بعد الإيمان أعظم من الصحة، فلا بد أن تبين نعمة الله عز وجل للناس.
 مرة جاء إنسان يريد تطليق زوجته، بشكل قطعي، قال لي: أبداً أخذت قرارًا، قلت له: تخونك ؟ قال لي: أعوذ بالله، أستاذ كيف تخوني ؟ امرأة شريفة، قلت: هل هي وسخة ؟ قال: لا، والله هي نظيفة يا أستاذ، قلت: كيف طبخها ؟ قال: طبخها ممتاز، قام واستحى، ووجد نفسه مخطئًا، هي مخلصة، ونظيفة، وطبخها جيد، قام استحى، فهِمها هو وحده.
 الكلمة الطيبة ترأب الصدع، وتلمّ الشمل، ويمكن أن تصلح فساد ذات البين ، ويمكن أن تحنن أمًّا على ابنها، وابنًا على أمه، فالمؤمن يتكلم الكلمة الطيبة، والكلمة الطيبة تؤلف القلوب، وتمتن العلاقات، وتديم الود.

﴿ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾

( سورة الشورى الآية: 23 )

 تستطيع بأي مناسبة أن تتكلم، لأن الكلمة المناسبة التي تجمع القلوب.

 

عدم التسرع في الحكم على الناس

 

 مرة أحد خطباء المساجد والله أنا أحترمه كثيراً، هاجم الأغنياء، والله هناك أغنياء تشتهي الغنى منهم، من تواضعهم، وإحسانهم، وشدة مودتهم، مرة هاجم المحجبات، لكن إذا كان بعض المحجبات لم يكن زوجاتٍ صالحات هل تعمّم ذلك ؟ التعميم من العمى.
 مرة كنت في عقد قران دعيت له، ما شاء الله كان فيه ألف مدعو بمزرعة كبيرة جداً، ودفع ثمن الأكل مليون ليرة، انتهى الاحتفال فبقي أربعة أخماس الطعام، وكان عدد كبير من العلماء في هذا الحفل، أكثر من عالمين أو ثلاثة هاجموا الحفل على المنبر ثاني يوم، أنا ما تكلمت ولا كلمة، المفاجأة أن صاحب هذا الحفل دفع مليون ليرة لتزويج الشباب الفقراء، والأكل جُمع بأعلى طريقة، ووضع في ميتم، وأكله الطلاب 12 يومًا، لماذا تسرعت وهاجمت ؟ دفع مليونًا لتزويج الشباب، والأكل ما رمي، كله جُمع ووضع في البرادات، وأُصلِح، وأضيف له اللحم، لا تتسرع، الكلمة الطيبة صدقة، ورأب الصدع صدقة، ولمّ الشمل صدقة، وتطييب القلب صدقة.
 أحيانا تجد محاسبًا معاشه الشهري لا يكفيه، فيتضايق، تعرف ماذا أقول له أنا ؟ أقول له: صاحي المعمل دخله غير محدود، لكن تأتي عليه أيام ينسى فيها حليب أمه، وقت جمع الأموال، ووقت تحويل العملة، ووقت المحاسبة بقانون مالي جديد، أنت ما عندك مشكلة، أنت عندك مشكلة واحدة، أن المعاش لا يكفيك، لكنك تنام قرير العين، في رضى ويسر.
 مرة كنت بأمريكة ألقي محاضرة، فسألتني طبيبة قالت لي: هنا عندنا المصافحة ضرورية جداً، وهي محرمة، كيف أحل هذه المشكلة ؟ أنا طبيبة، والأمريكان لا يعرفون ديننا، يمد يديه فلا أصافحه، بعد هذا يظن أنني عدوة له، أو إرهابية، قلت لها: الملكة إليزابيث لا يصافها إلا سبعة رجال بحكم القانون البريطاني، لعلو مكانتها في المجتمع، والمرأة المسلمة أيضاً ملكة لا يصافحا إلا سبعة رجال من محارمها بحكم القانون القرآني، فطربت لهذا الجواب، واقتنعت بعدم المصافحة.
 ومرة جاءتنا وزيرة نفط بريطانية، وفي وزارة النفط موظف كبير جداً، لكنه ملتزم، ففي المطار سحب يده، ولم يصافحها، فانزعجت انزعاجًا لا حدود له، فقال له الوزير: لو صافحتها هل كانت أكلتك ؟ هكذا سوّدتَ وجهنا ؟ قال له في غداء الظهر لا تأتي، لا يريده، قال له: كما تريد، هي جالسة إلى جانب الوزير ظهرًا، فقالت له: هناك شخص واحد ما صافحني، أين هو ؟ قال لها: اعتذر، قالت له: أريده، قال لهم: خبروه، خبروه، قالت له: لماذا لم تصافحني ؟ قال: لأنني مسلم، وديني يأمرني ألا أصافح امرأة أجنبية، وأنت امرأة أجنبية، ففكرت، وقالت للوزير: لو أن المسلمين أمثال هؤلاء لكنا تحت حكمكم، قال له: سودتُ وجهك أم بيضته ؟.
فيا أيها الإخوة، الكلمة الطيبة صدقة.
الحديث:

(( إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ تَعالى ما يُلْقِي لَهَا بالاً يَرْفَعُ اللَّهُ تَعالى بها دَرَجاتٍ في الجنة ))

 حاول أن تتكلم الكلمة الطيبة، وحاول أن تطيب القلوب، وتألف بين الناس، وبين الزوجين، وبين الأخوين، وبين الجارين، وبين الشريكين.

 

إخفاء الصور