وضع داكن
28-03-2024
Logo
شرح مختصر للأحاديث - الدرس : 193 - إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام .....
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً.

الخطوط الحمراء عند المسلمين

 

الدماء والأعراض والأموال

أيها الإخوة، في كل مجتمع، أو في كل نظام، أو في كل كيان، بالتعبير المعاصر خطوط حمراء، لا ينبغي تجاوزها، ومن تجاوزها دفع الثمن باهظاً.
 الآن هل عندنا كمسلمين، أو في تعاملنا، أو في علاقاتنا، أو في مجتمعاتنا خطوط حمراء مقدسة لا يمكن تجاوزها ؟ هذه الخطوط بيّنها النبي صلى الله عليه وسلم في بضع أحاديث صحيحة في البخاري ومسلم، والبخاري ومسلم أصح كتابين بعد كتاب الله يقول عليه الصلاة والسلام في خطبة حجة الوادع:

(( فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا ))

 ما دام المسلم لم يسفك دماً حراماً، ولم ينتهك عرضاً، ولم ينهب مالاً فهو في خير، وهو في بحبوحة، والأمور كلها سهلة، والصلحة بلمحة، أما إذا انتهك عرضاً أو أكل مالاً، فحقوق العباد مبنية على المشاححة.
أنا أقول لكم كلمة: لو أن الأعمال الصالحة رتبناها ترتيبا تصاعديا فأي عمل يقع في قمة هذا الترتيب ؟ أنا أجيبكم: أن يبيع الإنسان نفسه في سبيل الله، والفرق كبير جداً بين بذل النفس وبذل المال، ممكن تدفع كل مالك، وأن تبقى حياً، و هناك ظروف أبعدنا الله عنها، فحين يُخير الإنسان بين أن يُقتل، أو أن يؤخذ ماله كله، لا يتردد ثانية في أن يؤخذ ماله كله.
 مرة ذكرت لبعض الإخوة عقب موت ملِك، قلت: هذا الملك وهو في أعلى درجة من السلطة، وفي أعلى درجة من الغنى، وفي أعلى درجة من أن كل شيء في خدمته في مملكته، وجاءه مرض عضال، ولو خُير أن يبقى حياً على أن يكون ضارب آلة كاتبة في قصره، والله لا يتردد ثانية، بمعاش يكفيه خمسة أيام في الشهر، لا يتردد، فالحياة أثمن شيء يملكه الإنسان.
حقوق العباد مبنية على المشاححة ف1
 فهذا الذي يضحي بحياته في سبيل الله عز وجل، وهذا الذي يموت شهيداً، تفقد مالك عوضه، قد تفقد زوجتك تتزوج، قد تفقد ابنك، تتزوج، وتنجب ولدا، تفقد منصبك، تسعى لمنصب آخر، أما إذا فقد الإنسان حياته لا يبقَى شيء، هذا الشهيد الذي فقد حياته يُغفر له كل ذنب إلا الدَّين، فلا يغفر، معنى ذلك أن حقوق العباد مبنية على المشاححة، بينما حقوق الله مبنية على المسامحة، حقوق العباد لا تسقط.

 

وهم خطير والرد عليه

 إخواننا الكرام، في وهم كبير، وخطير، ومن يعتقد به فهو جاهل، أنه إذا حج بيت الله الحرام غفر الله له كل ذنب، لا، هذا فهم ساذج، غفر الله لك ما كان بينك وبينه فقط، لكن ما كان بينك وبين العباد لا يغفر إلا بالأداء أو المسامحة، هذا يستنبط من قوله تعالى:

 

 

﴿ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ﴾

 

( سورة الأحقاف الآية: 31 )

 (من) للتبعيض،

 

﴿ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ﴾

 (من) للتبعيض،

 

 

((فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا ـ في عرفة ـ، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا ـ ذي الحجة ـ فِي بَلَدِكُمْ هَذَا ـ يعني البلد حرام ـ والشهر حرام، ويوم عرفة أقدس يوم في حياة الإنسان، ثلاثة مقدسات كبيرة ـ ألا هل بلغت اللهم فاشهد ))

، ثلاثة خطوط حمراء.
إذاً أنت بخير ما لم تأكل مالاً حراماً، وأنت بخير ما لم تعتدِ على أعراض الآخرين، وأنت بخير ما لم تسفك دماً حراماً.
 بالمناسبة أيها الإخوة، أية قطرة دم تهرق من آدم إلى يوم القيامة في القارات الخمس لا بد من أن يتحمل هذا الدم إنسان يوم القيامة، إلا دماً واحداً يتحمله الله دم الذي قتل في حد، حيث أمر الله بقتل القاتل، فالقاتل إذا قتل دمه يتحمله الله، القاضي لا علاقة له، القاضي نفذ حكم الله، أما الظن فقضية سائبة.

 

 

﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً﴾

 

( سورة المؤمنون الآية: 115 )

﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36)﴾

( سورة القيامة )

 تأتي معلومات مغلوطة فيقصفون عرسا، إذاً المكان عرس، تجمع عرس والقتلى 125، يأتي البلاغ أنه صدر إطلاق نار من هذا المكان، هو قوي، ولا أحد يحاسبه، والإعلام معه، يظن أن القضية انتهت، أُشهد الله ما على وجه الأرض في القارات الخمس أغبى من الطغاة، والله لو علموا أنهم سيحاسبون لا عن كل قطرة دم عن كل اضطراب لماتوا.
 هناك ضابط أمريكي اقتحم بيتا، في البيت بنت جميلة جداً تشبه أخته، فدخل بعنف وبإرهاب، فهذه البنت من خوفها ماتت، يبدو أنه استيقظ بقية من ضميره، ولجأ إلى تركيا، ثم إلى يوغسلافيا، وأجرى هناك مؤتمرا صحفيا، وقد نشر في الانترنيت، يقول: نحن في بلاد حضارة، إذا دخلنا إلى بيوتهم أكرمونا، وضيفونا، وتلطفوا معنا، وأطعمونا أطيب طعامهم، ونحن نتفنن بإذلالهم، ونضع الموقوف مربطاً في شاحنة، فتتكسر أضلاعه في أثناء سير الشاحنة، فإذا وصلنا إلى المكان نقذفه بأرجلنا، فيسقط من ارتفاع مترين تقريباً، وفي أحيان كثيرة تتكسر أضلاعه، ونبول عليه، وتحدث، وقال: لا يمكن لإنسان أن يأتي إلى هذا المكان وفيه بقية من إنسانية، والله إنه مؤتمر صحفي يكتب بماء الذهب، إنسان استيقظ ضميره، وتكلم عن وحشية الاحتلال.
 واللهِ لم يبقَ في الساحة إلا الإسلام، كان آخر جهة تتمتع بمصداقية في العالم، أنه هذا البلد في حقوق الإنسان، بلد حرية، بلد ديمقراطية، بلد تكافؤ الفرص، حق المقاضاة... إلخ، كل هذه القيم أصبحت في الوحل بعد 11 من أيلول، وهذا أكبر نصر للإسلام.
إذاً عندنا خطوط حمراء، ما دام الإنسان لم يسفك دماً، ولم ينتهك عرضاً، ولم ينهب مالاً فهو في خير، لذلك:

 

﴿ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً (31)﴾

 

( سورة النساء )

 هذه الخطوط وردت في نص آخر، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((... كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ ))

( رَوَاهُ مُسْلِم )

 كم تظن في دمشق وحدها من قروض لم تؤدَّ ؟ والله هي بالمليارات، كم من تاجر مكسور ببعض الملايين لأناس أخذوا البضاعة وباعوها، ولم يؤدّوا ثمنها ؟ لك أن الإنسان جاهل لا يعرف ماذا ينتظره، لذلك في الأثر: " ترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد حجة الإسلام ".
الدانق سدس الدرهم، " ترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد حجة الإسلام ".
 أيها الإخوة، والله أنا لكم ناصح، الدين ليس في المسجد، في المسجد لتلقي التعليمات فقط، لكن الدين في المحل التجاري، يمكن أن تبيع دواء، ويكون منتهي المفعول ؟ والمشتري طفل صغير، معه وصفة، وأنت حككت التاريخ، وأخذت ثمنه 800 ليرة، أقسم بالله من يفعل هذا يضع صلاته، وصيامه، وعمرته، وحجته في الحاوية.
 كنت أقف أمام رجل مرة بائع الطماطم، وهي قسمان: قسم جيد جداً، الكيلو بـ 6 ليرات، وكيلو السيئ جدا‌ً بليرتين، وواحد استغل انشغال البائع فملأ خمسة كيلو من النوع الجيد، وأضاف كيلو من النوع السيئ على الوجه، قلت لهم: يضع صلاته، وصيامه وحجه، وزكاته في الحاوية، لأن الناس يفهمون الدين أن تأتي إلى المسجد، لكنك تأتي إلى المسجد فقط لتلقي تعليمات الصانع.
لذلك كان عليه الصلاة والسلام إذا دخل إلى المسجد يقول:

 

(( اللَّهُمَّ افْتَحْ لي أبْوَابَ رَحْمَتِكَ ))

 

[ رواه أبو داود عن أبي حميد]

 يا رب تجلّ على قلبي في الجامع، أما إذا خرج من المسجد يقول: اللهم افتح لي أبواب فضلك، فالدين في السوق.
أروي قصتين مؤثرتين جداً:
 أعرف شخصًا من الفقر بمكان، إلى درجة أنه يبيع فضل أقمشة على الرصيف، جاءته امرأة إيرانية اشترت فضلة ثمنها خمسون ليرة، أي دولار واحد، أعطته خطأ مئة دولار، وهو يرجع بقية لامرأة أخرى وجد مئة دولار معه، هو دولار واحد، وأمامه محل تجاري، قال له: احرس بضاعتي، أنا سأتبع امرأة أعطتني بالخطأ مئة دولار، لحقها، وقال لها: أختي هذه مئة دولار، أنا أريد دولارا واحدا، أعطته واحدًا وشكرته، صاحب المحل أعجبته أمانته، فعنده محل لصرف العملة، وكانت هذه المهنة ممنوعة، واحتار ماذا يفعل، فوجد رجلا أمينًا، وقال له تشاركني ؟ قال له: أتمنى والله، النتيجة خلال أسبوعيين عمل رفوف، ووقّع عقدًا، وأصبح شريكه، والآن والله يسكن بيتًا ثمنه 8 ملايين، وسيارة فخمة جداً، ويعيش في بحبوحة، ووضعه الآن جيد جداً.
 القصة ذاتها حدثت في سوق أخرى، أيضاً فضل وزيادة، والفضلة بخمسين ليرة، جاءت امرأة بالخطأ أعطته مئة ليرة عوض دولار، هذا طُرب، أبقاها في جيبه، عندما فقدت المئة ذهبت إلى المخفر، فأتوا به مقيّداً، وأنكر، فأقروه حتى أقرّ، ودفع مئة دولار، ودفع خمسة آلاف لئلا يحال إلى النيابة العامة.
انظر إلى المؤمن وغير المؤمن، القصة من غرابتها أنها نفسها، ولكن بشكل أو بآخر.
فيا أيها الإخوة، الإسلام في البيع والشراء، في الأسواق، في الصيدلية، في عيادة الطبيب.
 هناك مهن راقية، والمشكلة المهن الراقية أن الإنسان لا يستطيع أن يكشف الخطأ، قال لك الطبيب مثلا: أريد 8 تحليلات، هل لك أن تناقشه ؟ وهو يحتاج تحليلا واحدً، واتفق مع محلل معين، ويقول له: حلّل أول تحليل، والباقي كله اكتب طبيعي طبيعي، والمبلغ مناصفة.
إذا كنت مواطن موكّلا، ولك قضية في القضاء، وقال لك المحامي: هي رابحة، وهو يعلم علم اليقين أنها لن تربح، ثماني سنوات لينتهي الحكم، في الأخير يهيئ كلامًا لك مقنعًا.
فنحن عندما نأكل أموال بعضنا بالباطل، أو لما نعتدي على أعراض بعضنا البعض نتفرق.
 بدأ الحديث بالنظر، ثم بالتحرش، ثم، ثم، وينتهي بالزنا، ولما نسفك الدم الحرام نكون قد انتهينا عند الله عز وجل، وموضوع الدم الحرام قليل، أما الأكثر فنهبُ الأموال بالباطل، وفي قصر العدل فوق السبعة آلاف دعوى.
إذاً الخطوط الحمر:

 

(( فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا ))

 

إخفاء الصور