وضع داكن
28-03-2024
Logo
هدي النبي صلى الله عليه وسلم - الدرس : 27 - من سلم المؤمنون من لسانه ويده.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، و الصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

المعنى الذي أراده النبي عليه الصلاة والسلام من الحديث التالي :

 عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قلت:

((يا رسول الله! أي المسلمين أفضل؟ فقال عليه الصلاة والسلام: من سلم المسلمون من لسانه ويده))

[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي موسى الأشعري]

 قد يتبادر إلى الذهن المعنى الظاهري لهذا الحديث أن المسلم الذي لا يؤذي المسلمين, لا بلسانه, ولا بيده, هو أفضل المسلمين عند الله, إلا أنه قد ينشأ معنى آخر, سماه العلماء: (المعنى المخالف), أو (المعنى المعاكس), بمعنى أن غير المسلمين لا يسلمون من لسانه ويده, ممنوع أن يؤذي المسلمين وحدهم بلسانه أو بيده, ولا يتجه المنع إلى غير المسلمين.
 هذا المعنى ما أراده النبي عليه الصلاة والسلام, لعل المعنى الذي أراده النبي أن سمعة المسلمين لا تُخدش من خلال تصرفات هذا الإنسان, فلو أساء لغير المسلمين يُتهم الإسلام كله, لو أكل المسلم مالاً حراماً على غير المسلم لاتهم هذا الذي هو غير مسلم المسلمين.
 ودائماً وأبداًً إذا أساء إليك مسلم, تنظر إليه وحده, أما إذا أساء مسلم إلى غير مسلم, غير المسلم لا ينظر إلى أنه شخص أساء, ينظر إلى أنه دين قد أساء؛ فقبل أن تؤذي غير المسلم, وقبل أن تحتال عليه, وقبل أن تأكل ماله, وقبل أن تخدشه, عد للملايين, لأنه سيتهم الإسلام كله.
 على كلٍّ؛ ينبغي أن يسلم المسلمون من لسان المسلم ويده, وينبغي أن يسلم الناس جميعاً من لسان المسلم ويده, إن كان إسلامه صحيحاً, وإن كان حريصاً على سمعة المسلمين, وإن كان حريصاً على أن يبقى اسمهم متألقاً, فعليه أن يستقيم مع الناس جميعاً.
 يؤكد هذا المعنى قول النبي عليه الصلاة والسلام:

((من غش فليس منا))

[أخرجه مسدد بن مسرهد في مسنده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى]

 من غش؛ أي إنسان كائناً من كان.

 

الحالات التي استثناها العلماء من أحكام الغيبة هي :

1 ـ التظلم :

 أما أذى اللسان فهناك ست حالات استثناها العلماء من أحكام الغيبة: الحالة الأولى هي التظلم: الإنسان لو رفع أمره إلى القاضي, وﺇلى السلطان, أن فلاناً فعل معي كذا وكذا, فهل هذا من الغيبة؟ الجواب: لا, وإلا التغى العدل.
 يمكن للمسلم أن يرفع أمره إلى القاضي, وأن يقول له: يا سيدي, فلان فعل معي كذا وكذا, فلان اغتصب مالي, فلان نهش عرضي, هذا لا يعد غيبة, إذا تظلمت إلى السلطان, وذكرت الفعل الشنيع الذي فعله أخوك معك, هذه حالة.

 

2 ـ أن تستعين بإنسان على إزالة منكر :

 الحالة الثانية: أن تستعين بإنسان على إزالة منكر: لو أن هناك محلاً, أو بيتاً يبيع خمر سراً, وأنت ذهبت إلى إنسان قوي بإمكانه أن يمنع هذا المنكر, وذكرت له أن فلاناً الفلاني يبيع الخمر سراً من هذا البيت, فأنت إذا استعنت بإنسان قوي على أن تزيل هذا المنكر, لك أن تحدثه بما فعل هذا الإنسان, وليس هذا من الغيبة أيضاً, هذه الحالة الثانية.

 

3 ـ أن تستفتي المفتي في موضوع :

 الحالة الثالثة: أن تستفتي المفتي في موضوع: أي فلان فعل معي كذا وكذا, ما الحكم الشرعي؟ أفعل معه كذا أم أسامحه أم ماذا أفعل؟
 أخ كريم سألني قبل يومين, قال لي: بينما أنا نائم في غرفة النوم أنا وزوجتي, دخل لص إلى البيت, طبعاً ألقي القبض عليه, وأودع في السجن, قال لي: بإمكاني أن أعفو عنه, وأخفف عنه, وبإمكاني أن أضاعف له المدة, فماذا أفعل؟ قلت له: الحكم الشرعي إذا كان عفوك عنه يقربه إلى الله فينبغي أن تعفو عنه, وإذا كان عفوك عنه يزيده انحرافاً فينبغي أن تزجره, وهذا عائد إليك, وعائد إلى اجتهادك, والدليل قول الله عز وجل:

﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ﴾

[سورة الشورى الآية:40]

 أي من ابتغى الإصلاح بعفوه, إذا غلب على ظنك أن عفوك عنه يصلحه قال:

﴿فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾

[سورة الشورى الآية:40]

 أما:

﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ﴾

[سورة الشورى الآية: 39]

 الأصل أن تنتصر, أما إذا غلب على ظنك أن عفوك عنه يقربه إلى الله فينبغي أن تعفو عنه, وعندئذ أجرك على الله.

 

يجوز التعيين في التظلم وفي الاستعانة على إزالة منكر أما في الاستفتاء فممكن ألا تعين:

 يوجد رأي آخر هنا فرعي: إذا الإنسان استفتى مفتياً في موضوع, وقال: يوجد رجل فعل معي كذا وكذا, لا يوجد داع أن يثني, ولا يعين, أما في موضوع التظلم فيجب أن يعين, فلان بن فلان فعل معي كذا وكذا, وفي موضوع الاستعانة بشخص قوي على إزالة منكر, ينبغي أن يقول: فلان يبيع الخمر في بيته سراً, وفي هذا البيت دعارة, وفي هذا البيت كذا و كذا.
 يجوز التعيين في التظلم, وفي الاستعانة على إزالة منكر, أما في الاستفتاء فممكن ألا تعين, فلان فعل كذا وكذا, ماذا أفعل أنا؟ أو عفواً: رجل فعل مع رجل هكذا.
 وأنا أرتاح كثيراً لبعض الأخوة الذين يستفتون دون أن يعينوا الأشخاص, وهناك إنسان يستحي, ويخجل أن يفضح نفسه, يقول لي: سألني صديق, ماذا أفعل؟
 أكثر الأسئلة تأتي أحياناً بصيغة: أن صديقه سأله وكلفه أن يستفتي, فلا يوجد مانع؛ هذا نوع من الحكمة, ونوع من حفظ ماء الوجه, والله عز وجل ستار, وساتر, ستار العيوب.

 

التَّائب من الذَّنب كمن لَا ذنب له :

 نحن لا يوجد عندنا في الإسلام اعتراف إطلاقاً, إسلامنا فيه ستر؛ فإنسان فعل معصية لا ينبغي أن يفضح نفسه, بل إن الله عز وجل إذا ستر على عبد من الذنب الكبير, من الكبيرة أن يفضح نفسه.
 أذكر قصة قديمة, من عشرين أو ثلاثين سنة, أخ هكذا في ساعة صفاء قال لي: ارتكبت الفاحشة, وقد تاب, وأصلح, وارتقى إلى الله, لكن سبحان الله! كلما نظرت إليه تذكرت فعله, كان عليه ألا يقول هكذا, لا يوجد داع, لا يوجد داع لأن تكون صريحاً بالموضوع, شخص الله عز وجل ستره, اقبل ستر الله عز وجل.
 وأنا أذكر قرأت مرة: امرأة زنت أقيم عليها الحد في عهد سيدنا عمر, - وإذا أقيم الحد على إنسان, أو على امرأة, وتابت, فحدها كفارتها, وهي عند الله بريئة-, فبعد حين جاء من يخطب هذه الفتاة, ولا يعلم ما كان منها, فجاء أخوها لسيدنا عمر, وسأله, قال له: " أأذكر له ما كان منها؟ قال له: والله لو ذكرت له لقتلتك" أي لأوجعتك.

((التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ))

[أخرجه ابن ماجه عن عبد الله بن مسعود]

((التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ))

[أخرجه ابن ماجه عن عبد الله بن مسعود]

 هناك إنسان يحب أن يستقصي ماضي الإنسان.
 والبارحة فوجئت بسؤال: أن رجلاً شاباً تزوج من فتاة مستقيمة, ودينة, وملتزمة, إلى آخره, بعد حين علم أنها لم تكن كذلك من قبل, كانت طالبة جامعية, وكان لها أصدقاء, هو متألم جداً, وفي ضيق شديد, قلت له: هذا الضيق من الشيطان, لأن هذه الإنسانة تابت, انتهى الأمر, الإسلام يجب ما قبله, طبعاً: لا يوجد فاحشة لكن لا يوجد التزام سابقاً؛ الإسلام يجب ما قبله, يهدم ما كان قبله, الحج يهدم ما كان قبله, الهجرة تهدم ما كان قبلها.
 وأنا أرى من الكمال إذا الإنسان له جاهلية, ثم صلح حاله, ألا تُذكّره بعمله السابق إطلاقاً. وموقف سيدنا يوسف لما قال:

﴿وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ﴾

[سورة يوسف الآية:100]

 أيهما أخطر؟ الجب أخطر, الإنسان بالسجن حياته مضمونة, وأكله مضمون, و له مأوى, لكن ليس له مفتاح, أما بالجب فخطر الموت جوعاً, أو هلاكاً, فما ذكر أخوته بعملهم، قال:

﴿وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي﴾

[سورة يوسف الآية:100]

 وما ذكر أنهم كادوا له, الشيطان دخل بيننا, أي لم يجعلهم مسيئين في نص هذه الآية, هذا أيضاً من كمال الإنسان.

 

4 ـ النصيحة :

 الرابع هو النصيحة: إنسان يشارك شخصاً نصاباً, إنسان خطب من أسرة, وهذا الخاطب كذاب, شارب خمر, إنسان يريد أن يشتري بيتاً, وهذا البيت له إشكال بأساساته, وهناك أمر بإخلاء البيت، إنسان يريد أن يعقد صفقة مع إنسان, والصفقة لها مشكلة, فهذه نصيحة لا يُقصد منها الإفساد إطلاقاً, فالنصيحة مباحة.
 صار التظلم, والاستعانة على إزالة منكر, والفتوى, والنصيحة, والمسلم يجب أن ينصح المسلمين.
 أحياناً يكون هناك بيت فيه مشكلة كبيرة, يوجد عليه رهونات, يقول لك: سيأتيني زبون الآن, البيت أعجبه, أي يريد من الذي أعجبه البيت أن يعمل عقداً, يدفع عربوناً, و يمنعه من الكشف على سجله العقاري, قد يكون عليه حجوزات, أو عليه رهونات, أو إشكالات كبيرة جداً, فهو استغل رغبته بالبيت, ومنعه أن يبحث عن ماضيه, وتعلم أنت ما كان من هذا الموضوع, فهذا ليس من باب الغيبة, من باب النصيحة.

 

5 ـ أن يكون الإنسان مجاهراً بالفسق :

 النوع الخامس لإباحة الغيبة أن يكون الإنسان مجاهراً بالفسق: هناك أشخاص يزني, ويتباهى بالزنا, يشرب الخمر, ويتباهى بشرب الخمر, فالمجاهر بالفسق لا غيبة له, هو زكى عن نفسه, هو فضح نفسه, فلا غيبة لفاسق, لفاسق مجاهر, ومن هو الذي يجاهر؟ هو الفاجر.
 تجد شخصاً شرب الخمر, وستر نفسه, وشخصاً شرب الخمر, وفضح نفسه, الساتر لنفسه فاسق, أما الذي جهر بفسقه ففاجر, لا غيبة لفاجر؛ إنسان يتباهى بالمعاصي, يتباهى بأكل أموال الناس بالباطل, يتباهى بشرب الخمر, يتباهى بالزنا, هذا لا غيبة له, ذكروا الفاسق بما فيه, يحذره الناس.

 

6 ـ التعريف :

 آخر شيء: التعريف: كنت تقول: الجاحظ, أي جحظت عيناه, تقول: الأعمش, تقول: المتنبي مثلاً, فهناك صفات للأشخاص لا يُقصد منها الغيبة إلا التعريف.
 العلماء قالوا: "إذا أمكنك أن تعرفه باسم آخر, فالأولى أن تفعل ذلك".
 أحياناً يكون الإنسان له اسم, وله كنية, المعلمون في المدارس يعرفون هذا الشيء, لو فرضنا اسمه أحمد, اسم ثان غير مناسب, يدعو للضحك, فإذا أنت ذكرت الاسم الأول فذلك أرقى.
 كان عليه الصلاة والسلام: يغير أسماء أصحابه، قال له: "من أنت؟ قال له: أنا زيد الخيل, قال له: بل زيد الخير".
 فالكمال أن تنادي الإنسان باسم محبب إليه.
 بالمناسبة من حق الابن على أبيه أن يحسن تسميته، والاسم دقيق جداً، الآن هناك إنسان اسمه عدوان.
 كنت مرة في محافظة, مدير التربية اسمه عدوان, عدوان والله اسم غير جميل, هناك أسماء قاسية, أسماء زاجرة.
 فالإنسان عليه أن يحسن اختيار اسم ابنه, أما لو سماه اسماً خاطئاً, وأنت بإمكانك أن تسميه اسماً آخر فسمهِ.
 أنا أعرف مدير مدرسة ابتدائية, رجل صالح جداً, إذا طفل له اسم يثير الضحك, يغير له اسمه المتداول أثناء العام الدراسي, أما بالسجلات فاسمه الحقيقي..
 فالمؤمن ينضبط, لا يتكلم إلا بالنصيحة, أو التعريف, أو التحذير, والنصيحة, أو الاستعانة على إزالة منكر, أو الفتيا, أو التظلم.
 هذه الحالات الست التي وردت في كتب الفقه, والتي يباح فيها أن تقول كلاماً يسيء إلى إنسان, لأن هذه الغيبة:

((ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته))

[ مسلم عن أبي هريرة]

 البهتان أن تقول شيئاً لم يقع, أما الغيبة فأن تقول شيئاً وقع.

 

من يسيء لغير المسلمين يسبب سمعة سيئة لمجموع المسلمين :

 لذلك:

((أي المسلمين أفضل؟ قال عليه الصلاة والسلام: من سلم المسلمون من لسانه ويده))

[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي موسى الأشعري]

 المعنى الأكمل والأعمق أن سمعة المسلمين ككل تسلم من تصرفات هذا المسلم, ومن لسانه, ومن يده, أي إذا أساء إلى غير المسلمين يسبب سمعة سيئة لمجموع المسلمين.
 مثلاً إذا إنسان أساء لإنسان, ولهذا المسيء أب محترم, فهذا الإنسان الثاني رأساً يسب أباه, يكون هذا الابن سبب مسبة لوالده, ووالده كامل, ووالده لا يستحق هذا اللوم, لكن لأن ابنه أخطأ خطأ, , جر للأب مذمة.
 دائماً المسلم عندما يسيء لغير المسلمين يسبب سمعة سيئة لمجموع المسلمين.
 سمعت عن رجل, ذهب إلى أوروبا, ودرس الطب, أحب فتاة, وتزوجها, وهي أحبته حباً جماً, وقدمت له خدمات لا تقدر بثمن, سكن في بيتهم, وأكرموه, وتزوج منها, وأعانته على تعلم اللغة الأجنبية, وأعانته على الأطروحة, فلما أخذ الدكتوراه اختفى فجأة, لا يوجد مبرر لأن يختفي, فعلمت أنه عاد إلى بلده سراً, فلحقته, لم تجده في بلده, علمت أنه ذهب إلى بلد آخر بعقد, هو صار طبيباً, فانتقلت إلى البلد الآخر, وما زالت تبحث عنه, وتتصل بالمسؤولين, حتى وصل الأمر إلى ملك هذا البلد, فطرده من المملكة, وجاء في حيثيات القرار: إنك أسأت إلى مجموع المسلمين, تقول: ليقل ماذا فعلت معه حتى تركني؟
 أحياناً الإنسان يسيء لمجموع المسلمين وهو لا يشعر, إذا أسأت إلى إنسان غير مسلم تسبب سمعة سيئة لمجموع المسلمين.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور