وضع داكن
19-04-2024
Logo
تأملات قرآنية - الدرس : 37 - من سورة غافر والزمر - حسن الظن بالله ثمن الجنة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

حسن الظن بالله ثمن الجنة :

 أيها الأخوة الكرام؛ كما أقول دائماً: حسن الظن بالله ثمن الجنة:

﴿الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ﴾

[سورة الفتح:6]

﴿ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾

[سورة آل عمران:154]

﴿ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾

[سورة البقرة:169]

 كل هذه الآيات تؤكد أن من الهلاك أن تتحدث عن الله عزّ وجل وأنت لا تعلم، ومن الهلاك أن تسيء الظن بالله عزّ وجل، لذلك عند بعض الناس ولا أقول معظمهم تصور أن الله هو الذي يضل الناس، أي الله يهدي من يشاء، ويضل من يشاء، ولكن مرّت آية في سورة غافر تبين أن إضلال الله عزّ وجل من نوع آخر، من نوع لصالح الإنسان:

﴿ ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ* مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ﴾

[سورة غافر: 73-74]

 أين هذا الذي أشركتموه معي؟

﴿ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئاً ﴾

[سورة غافر: 74]

 ويتابع الله جل جلاله يقول:

﴿كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ﴾

[سورة غافر: 74]

 أي يضل الله عباده الذين أشركوا، يضلهم عن شركائهم:

﴿ ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ* مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا ﴾

[سورة غافر: 73-74]

 ما وجدناهم، ليسوا بشيء، أحياناً إنسان يوهم إنساناً أنني أنا معك، هيهات لا تخف، في أي لحظة أخبرني، فيطمئن الطرف الثاني، و عندما يقع في ورطة كبيرة جداً يطلبه فلا يجده، يتملص منه، هذا نوع من الإضلال الإلهي، الذي اعتمدت عليه، وعقدت الآمال عليه، لا تجده يوم القيامة.

﴿ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا ﴾

[سورة غافر: 73-74]

 أي هذا الذي كنا ندعوه ليس بشيء، لا يملك حولاً ولا طولاً، ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً، ولا رزقاً ولا شفاءً، ولا عطاءً ولا منعاً.

﴿ كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ﴾

[سورة غافر: 74]

 يضلهم عن شركائهم، إذاً إذا ورد قوله تعالى:

﴿ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ ﴾

[ سورة الرعد:27]

 أي يضلك عن الذين دعوتهم من دون الله كي تتصل بالله عزّ وجل، هذه آية، هناك أشخاص ينتظرون أن يروا مصير كل إنسان في الدنيا، هذا الشيء لم يتح للنبي عليه الصلاة والسلام، قد تجد إنساناً غير مستقيم على أمر الله، وهو غني جداً، ولا يعبأ بأحكام الدين، وتعيش عمراً مديداً وهو في صحة جيدة، وقد يموت الذي يراقبه قبل أن يرى فيه وعيد الله عزّ وجل، ليس هناك مشكلة أبداً، لأن الله عزّ وجل يقول في سورة غافر:

﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ﴾

[سورة غافر: 77]

 أي أنت في دنيا، والدنيا دار عمل، لن تكون دار جزاء أبداً، أي إذا كان في الدنيا جزاء تشجيعي أو ردعي فالله عزّ وجل يعاقب بعض المسيئين ليردع الباقين، ويكافئ بعض المحسنين ليشجع الباقين، فالإحسان والجزاء ردعي أو تشجيعي، أما الحساب الدقيق والحساب الكامل والرصيد يوم القيامة:

﴿ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾

[سورة آل عمران:185]

 لا تنتظر أحداً، دعك من الناس، حسبك هذا المنهج الذي أنت عليه، حسبك انتصاراً على عدوك أنه في معصية الله، العاقبة لك وليست لغيرك.

من سنة الله الثابتة أنه ينصر رسله والذين آمنوا في الحياة الدنيا :

 المشكلة أحياناً أن الإنسان يقرأ القرآن ولا يقف عند المعاني الدقيقة، ولا يشعر بأن هذا القرآن قانون كقانون التمدد، كيف أن كل معدن في الأرض يتمدد بالحرارة، وأن الذي يقوله الله عزّ وجل واقع لا محالة، ماذا يقول الله عزّ وجل في سورة غافر..؟..

﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾

[سورة غافر: 51]

 إنّا: حرف مشبه بالفعل يفيد التوقيت. لننصر: اللام لام المزحلقة، أساسها لنحن ننصر، فلما جاء توكيدان إنّا لننصر زُحلقت إلى خبرها، فاللام لام التوكيد وإنا تفيد التوكيد.

﴿ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾

[سورة غافر: 51]

 من سنة الله الثابتة أن الله ينصر رسله والذين آمنوا في الحياة الدنيا. سؤال: المؤمن إذا لم ينتصر، المؤمن إذا لم يستخلف، المؤمن إذا لم يمكّن، المؤمن إذا لم يستخلف، ولم يمّكن، ولم ينصر، يجب أن نعلم علم اليقين أن هناك خللاً في عقيدتنا، أو خللاً في سلوكنا، أو خللاً في انتمائنا، أو خللاً في ولائنا، أو في برائنا من الشرك، ولسنا جند الله عزّ وجل، ولو كنا جند الله عزّ وجل لنُصرنا قطعاً، لأن الله عزّ وجل يقول:

﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾

[سورة الصافات: 173]

 هذا كلام خالق الكون، أي مصداقيته مطلقة، أحياناً الواحد يشك بنفسه ولا يشك بإنسان عظيم فكيف بخالق الكون؟

آية كونية من آيات الله عز وجل :

 ثم إن الله عزّ وجل يلفت نظرنا إلى آية كونية وهي قوله تعالى في سورة غافر:

﴿اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَاراً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾

[سورة غافر: 64]

 هذا البناء مبني من ثلاثمئة سنة تقريباً، والأرض تدور حول نفسها، وحول الشمس، وكل شيء مستقر، حركة مستقرة، أحياناً تضطرب الأرض، اضطرابها هو الزلزال، الزلزال لا يبقي شيئاً، والزلزال وضع استثنائي يؤكد القاعدة، دائماً الاستثناء يؤكد القاعدة:

﴿ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا ﴾

[ سورة غافر: 64 ]

 أي كل شيء يستقر عليها بفعل الجاذبية، وكل شيء مستقر عليها بفعل حركتها الساكنة، لا يوجد مركبة بالأرض؛ لا طائرة، ولا سيارة، ولا قطار، ولا باخرة إلا وفيها اهتزاز، أبداً، أرقى أنواع الطائرات فيها اهتزاز، أرقى أنواع السيارات، أرقى أنواع البواخر، أما الأرض فتدور حول نفسها، سرعتها حول الشمس ثلاثون كيلو متراً بالثانية، حول نفسها ألف و ستمئة كيلو متر، أي نركب طائرات نفاثة وسريعة جداً يبلغونا أن سرعتها ثمانمئة كيلو متر، تسعمئة و خمسون أعلى سرعة للطائرات المدنية. الكونكورد سرعتها فوق سرعة الصوت لكن لم تصل إلى ألف و ستمئة، الأرض تدور حول نفسها بسرعة ألف و ستمئة كيلو متر، لو أن الغلاف الهوائي منفصل عن الأرض لكان من دورتها أعاصير سرعتها ألف و ستمئة كيلو متر، كلكم يعلم أن السرعة إذا بلغت مئتين أو ثلاثمئة تهدم الأبنية، على الثمانمئة إعصار لا يبقي ولا يذر.

﴿ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً ﴾

[ سورة غافر: 64 ]

 الأشياء تستقر عليها بفعل الجاذبية، وهي متحركة ساكنة بوقت واحد، هذا التوازن الحركي أعلى درجات العلم، أي ممكن ساعة " بيغ بن " أن تقصّر بالسنة نصف ثانية، كيف عرفنا أنها قصّرت؟ لأنها مرتبطة بحركة نجم، حركة نجم يقطع مليارات الكيلومترات في عام، يرصد بزاوية محددة جداً، فتضبط أدق ساعة في العالم على حركة النجم، هذا خلق الله عزّ وجل.

التوبة إلى الله و عدم القنوط من رحمته :

 الآن بأواخر سورة الزمر:

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ﴾

[سورة الزمر: 53-56]

 ثم:

﴿ نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم*وأن عذابي هو العذاب الأليم﴾

[سورة الحجر: 49-50]

 ... هنا..

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ﴾

[سورة الزمر: 53-55]

 أي هناك فرصة محدودة لمغفرة الله عزّ وجل:

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾

 أسرفوا في المعاصي

﴿ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ﴾

 أي إذا رجعتم، وإذا أنبتم، وإذا أقلعتم، وإذا أصلحتم، وإذا عزمتم، وإذا تبتم، أما إذا أصررتم وثابرتم على المعصية فـــ

﴿ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ﴾

 و:

﴿ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ ﴾

[ سورة الرعد : 11]

 كل الاتصالات تقطع، كل الأعوان يتفرقون، كل من وعدك أن يعاونك يتخلى عنك، من أجل أن ينجح العلاج:

﴿ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ﴾

[ سورة الزمر:54-56]

 أي على الإنسان أن يستغل هذه الفرصة ولاسيما في رمضان، شهر العتق من النار، شهر المغفرة، شهر التوبة، شهر الصلح مع الله عزّ وجل.

مهمة كل إنسان عبادة الله و شكره :

 الآية الأخيرة من سورة الزمر:

﴿ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾

[سورة الزمر: 66]

 مهمتك لا تزيد عن فقرتين؛ أن تعبد الله، وأن تشكره، ودع ما لا يعنيك، ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، عليك بطاعة الله، والتوجه إليه، وما سوى ذلك فاسترح منه، لأن الله ما كلفك أن تحمل ما لا تطيق.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور