وضع داكن
28-03-2024
Logo
تأملات قرآنية - الدرس : 58 - من سورة مريم - الدعوة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الدعاء أكبر ثمار الدين :

 أيها الأخوة الكرام؛ وأنت ساكت، وشفتاك مضمومتان، ولم تنبس ببنت شفه كما يقال في اللغة، وتوجهت إلى الله، ودعوته دعاءً بإخلاص وصدق، يسمعك ويستجيب لك. هذا معنى قوله تعالى:

﴿ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً ﴾

[سورة مريم: 3]

 لا تكلف نفسك أن تحرك شفتيك، لا تكلف نفسك أن تحرك لسانك، لا تكلف نفسك أن تظهر أية حركة، وأنت ساكت توجه إلى الله واطلب منه بصدق، ترى رد الله عزّ وجل واستجابته، والشيء الأغرب إنسان زوجته عاقر، هذه الحادثة لها معان كثيرة، أحياناً إنسان يتزوج امرأة لا تنجب، فيندب حظه فيتألم ويطلقها، وكل العطل منك، النبي كريم جعلت امرأته عاقراً تسلية لكل امرأة لا تنجب، لم يطلقها، ولم يهنها، ولم يطردها، ولم يتجهم بوجهها، قال له:

﴿ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً ﴾

[سورة مريم: 5]

 معنى هذا عندما يجعل الله نبياً والده كافر كسيدنا إبراهيم، ونبياً ابنه كافر كسيدنا نوح، ونبياً زوجته كافرة كسيدنا لوط، وصدّيقة زوجها كافر كآسيا امرأة فرعون، ويجعل السيدة عائشة وهي زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم تتهم بشرفها، وسيدنا زكريا زوجته عاقر، وطلب من الله طلباً بحسب الظاهر مستحيل، الله يعلّمنا، لو عندك زوجة عاقرة، لو كان هناك مرض عضال، لو كان هناك فقر شديد، لو كان هناك طريق مسدود:

﴿ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً ﴾

[سورة مريم: 3]

 إذ نادى ربه نداءً خفياً. العبرة أن معرفتك بالله يجب أن تثمر الدعاء، الله معك، أي لا تحتاج أن تخاطبه باللسان، خاطبه بقلبك، أحياناً الإنسان يكون في موقف عصيب لا يحرك شفتيه، يكفي أن يتوجه إلى الله بقلبه.
 أنا ذكر لي شخص بريء لكن له خصوم، كادوا له، وبتهمة قد ينتهي بها إلى سنوات طويلة في السجن، وهو ضعيف لا يملك شيئاً، قال له: جالس وأنتظر التحقيق، توجهت إلى الله بقلبي، يدخل شخص يعرفني معرفة تامة، وأنا عند من هو قريب له، فصعد وحدثه عني وعن استقامتي، انتهى الموضوع، من أين جاء بهذا الوقت؟ الله لم يكلفك أن تخاطبه باللسان:

﴿ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً ﴾

[سورة مريم: 3]

 فخالق الكون ينتظر أن تناديه بقلبك، خالق الكون ينتظرك، هذا الدين ونحن آمنا بالله عزّ وجل من أجل قطف ثمار الدين، أكبر ثمار الدين الدعاء، أنت بالدعاء أقوى إنسان، أنت بالدعاء أغنى إنسان، أنت بالدعاء أعلم إنسان، الإنسان بالاستخارة مثلاً شيء واضح، لعل هناك لغماً؟ لعل هناك مطباً؟ لا نعرف، يقول الداعي: اللهم إني أستخيرك بعلمك، و أستقدرك بقدرتك، أنت جعلت علم الله وقدرته لك، علم الله وقدرته جعلته لك إذا دعوت الله عزّ وجل.
 فكل مؤمن صادق فيما بينه وبين الله حوار، وسؤال، وجواب، واعتذار، وتوسل، و مناجاة، هذا المؤمن، فسيدنا زكريا زوجته عاقر، هذه أول نقطة.

مناجاة الله عز وجل في كل الأحوال :

 النقطة الثانية:

﴿ وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً ﴾

[سورة مريم: 4]

  بحياتي يا رب ما دعوتك إلا واستجبت لي:

الله عودك الجميـــل   فقس على ما قد مضى
***

 والله علّمنا أنه مهما كانت المصيبة صعبة في الحياة، والشيء لا يحتمل، شخص يجد نفسه ببطن حوت بالليل، بالبحر، هل يوجد أمل؟ الحوت إذا أحب أن يُسْكِت جوعته يحتاج إلى أربعة أطنان، الإنسان كله يزن خمسين كيلو أو ستين أو سبعين، ليخفف من جوعه يحتاج إلى أربعة أطنان، إذا أحب أن يرضع صغيره ثلاثمئة كيلو بالرضعة، يحتاج باليوم إلى طن من الحليب، ثم لا يوجد عنده رحمة، الحوت لم يعرف ماذا في بطنه، النبي الكريم في بطنه:

﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾

[سورة الأنبياء: 87 - 88]

 وأروع ما في الآية ختامها، هذه ليست لسيدنا يونس فقط بل لكل مؤمن بالأرض، فكل شخص يقيس مصيبته بمصيبة سيدنا يونس لا شيء.
 يقول لك: السوق واقف، لا يتحرك، لكن مادام عندك الطعام والشراب، و تسكن في بيت، والسوق واقف، الله يدبّر، انتظر، أهون من بطن الحوت، ببطن الحوت في ظلمات ثلاث فجأة.
 فأول شيء:

﴿ وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً ﴾

[سورة مريم: 4]

 والشيء الثاني:

﴿ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً ﴾

[سورة مريم: 3]

 واللهِ قال لي شخص: أختي باعت سوارها، أخذت فيه بطاقة طائرة للخليج، وأنا بالطائرة يقسم بالله بتأكيدات كبيرة أنه خطر في باله خاطر؛ إذا الله أكرمه أن يعمّر لله مسجداً، قال لي: هذه الشفة ما تحركت، خاطر فقط، والقصة طويلة جداً، الطريق كان شبه مسدود، وتعمّر الجامع، وأنا صليت بالجامع، والجامع كان رائعاً جداً، خاطر، إذا شخص نوى نية طيبة، نوى إذا الله أكرمه أن يكرم الناس، نوى إذا الله وفقه بشيء أن يجعل هذا الشيء في خدمة الحق، الله ييسر لك الأمل:

﴿ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً ﴾

[سورة مريم: 3]

 ناجه، الإنسان أحياناً يقول: معقول أسأل الله شيئاً صغيراً؟ هكذا يريد الله.

(( لِيَسْأَلْ أَحَدُكُمْ رَبَّهُ حَاجَتَهُ كُلَّهَا حَتَّى يَسْأَلَ شِسْعَ نَعْلِهِ إِذَا انْقَطَعَ ))

[ ابن حبان عن ثابت بن أنس]

 إن الله يحب من عبده أن يسأله ملح طعامه:

(( إن الله يحب الملحين في الدعاء ))

[رواه الحكيم ابن عدي في الكامل والبيهقي في شعب الإيمان عن عائشة]

(( من لا يدعوُني أغضب عليه ))

[ الجامع الصغير عن أبي هريرة ]

 أي الله يريد منك أن تناجيه، إما أن تناجيه لوحدك، وإما أن يجعل لك مشكلة لكي تناجيه فيها، أيهما الأفضل لك؟ أن تناجيه لوحدك من دون مشكلة، نعم.

محبة الله للعقلاء :

 الشيء الثاني؛ الله يحب العقلاء، سيدنا زكريا اشتعل رأسه شيباً، أي دنا من أجله، الآن هؤلاء الذين من حوله ألا يحتاجون إلى من يتابع العمل معهم؟ فالإنسان العظيم لا يفكر بذاته فقط، يفكر بمن يخلفه من بعده، هذا العمل يستمر، أحياناً تجد تاجراً مرموقاً، يدرب ابنه، المحل بقي مفتوحاً، كل شيء مستمر من بعد وفاته، هذه بطولة، و هناك إنسان أناني، كل العظمة له، يموت، انتهى كل شيء، أما الإنسان العاقل إن كان بعمل تجاري، إن كان بعمل صناعي، إن كان بدعوة فأهم شيء الاستمرار، البدء سهل، أما وأنت بالأوج يموت الإنسان انتهى كل شيء، هذا يحدث، هناك أشخاص لا يحبون أن يكون أحد معهم، يحب أن يكون كل التركيز عليه، فيموت فينتهي كل شيء، تكون دعوة طويلة عريضة عمرها خمسون سنة تنتهي بوفاة صاحبها، البطولة أن تهيئ أناساً من بعدك يتابعون الطريق.
 لذلك النبي صلى الله عليه وسلم كان قدوة لنا، لا يوجد صاحب من أصحابه إلا وأعطاه قيمته، ورجا أن يكون من بعده خليفة له، سيدنا عمر أثنى عليه، سيدنا عثمان، سيدنا علي، أبو ذر الغفاري، أبو عبيدة بن الجراح، لا يوجد صحابي لم يعطه صفته الحقيقية.

حاجة الحياة إلى سعي و جهد :

 يوجد نقطة ثانية؛ أن الإنسان الله عزّ وجل تكفل له برزقه، لكن الله كتب عليه السعي، هناك أشخاص يفهمون هذا الموضوع فهماً مغلوطاً، يجلس في منزله فينتظر أن يطرق بابه، لا أحد يطرق بابك، قم وتحرك، جرّب إذا كنت أمام نخلة كبيرة تستطيع أن تهزها، لا تهتز ولا ميلي متر، إذاً كيف الله يقول لها:

﴿ وَهُزِّي إِلَيْكِ﴾

[سورة مريم: 25]

 هذا تعبير، ولو بدا لك الأمر مستحيل أن تتحرك، ضع يدك عليها، أما أن تنزل الرطب بلا حركة فمستحيل.
 أوضح مثل: الطير، لو توكلتم على الله حق التوكل لرزقكم الله كما يرزق الطير، الطير جالس بالعش، تغدو خماصاً وتروح بطاناً، معنى هذا أنها خرجت من البيت.
 مرة قال لي شخص: خرجت من البيت، له صديق يريد أن يريه شيئاً، فتح الصندوق وجد فيه بضاعة، سأله: للبيع؟ قال له: نعم للبيع، والله عزّ وجل أكرمه منها إكراماً كبيراً، سبب تافه أنه فتح صندوق السيارة يريد شيئاً، حاجة غير تجارية، فوجد البضاعة واشتراها منه، والله ربحه. أنت فقط تحرك، وعلى الله الباقي، اخرج من البيت، لا تبقى جالساً بالبيت، تحرك، اقرأ الإعلانات التجارية، اقرأها مثلاً يوجد مسابقات، يوجد تعيينات، تحرك وعلى الله الباقي، أما أنه لا يوجد حركة إطلاقاً فلا يوجد شيء، فهذه السيدة مريم، مع أن النخيل لا يتحرك:

﴿ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ﴾

[ سورة مريم: 25-26]

 إن الله كتب علينا السعي فلنسع، الطريق الطويل أوله خطوة.
 الآن أصحاب الأعمال الكبيرة، نجوم المجتمع، أساسهم كانوا صغاراً جداً، لكن تحركوا، الإنسان من دون حركة واقف في مكانه، إذاً هذه آية تدل على أن الحياة تحتاج إلى سعي.

الصلاة عماد الدين :

 الشيء الثاني:

﴿ وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصْانِي بِالصّلاةِ والزَّكَاةِ مَا دُمْت حَيّاً ﴾

[سورة مريم: 31]

 أي دين من دون صلاة هذا دين فارغ، أساس الدين أن تنعقد صلة بينك وبين الله، هذا أساس الدين، كل ما سوى ذلك تمهيد لهذه الصلاة.
 صدقّوا أيها الأخوة الصيام من أجل الصلاة، والحج من أجل الصلاة، والزكاة من أجل الصلاة، والعبادات التعاملية من أجل الصلاة، والصلاة من أجل الصلاة، لا خير في دين لا صلاة فيه، الصلاة عماد الدين، أوضح مثل الخيمة، الخيم الدائرية فيها عمود بوسطها، اسحب العمود انظر ماذا يحدث، لم يعد هناك خيمة، فقط قطعة قماش ملقاة على الأرض. فالنبي شبه تشبيهاً رائعاً:

((الصلاة عماد الدين من أقامها فقد أقام الدين، ومن هدمها فقد هدم الدين))

[البيهقي في شعب الإيمان عن عمر ]

 فكل إنسان صلاته غير متقنة مشكلته كبيرة مع الله، كل شيء له حل، أما الصلاة، الآن المريض ليس عليه صوم، المسافر معفى من الصيام مؤقتاً طبعاً، الفقير لا يوجد عليه حج، الفقير لا يوجد عليه زكاة، تصور إنساناً فقيراً مريضاً معفى من الصوم والحج والزكاة، أما الصلاة فيجب أن يصليها ولو برموش عينيه، ولو بالإيماء، أحياناً يكون الإنسان
 مكسوراً يصلي برمش العين، عندنا قصر الصلاة كماً وقصر الصلاة نوعاً، قصرها كماً معروف، الظهر ركعتان، والعصر اثنتان، والعشاء اثنتان. أما قصرها نوعاً ففي أيام الخوف الشديد، ولو أن فرضاً وهذا شيء لا يحتسب الحمد لله نحن معافون منه، لو أن الإنسان إذا صلى يقتل حالات نادرة، نادرة جداً، إذا كانت الصلاة تقضي على حياة الإنسان لك أن تصلي في أي وضع دون أن يشعر بك أحد، ولا حركة عيون، تتوجه إلى الله تقرأ الفاتحة، تركع في قلبك، وتسجد في قلبك، أي الصلاة هي الفرض الذي لا يلغى إطلاقاً، المتكرر الذي لا يسقط بحال، الدين كله صلاة:

﴿ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ ﴾

[ سورة مريم:31]

 حركة نحو الله، وحركة نحو العباد، إن أردت تلخيص الدين بكلمتين: صلاة وزكاة، خدمة الخلق والتوجه إلى الخالق.

تربية الأولاد أجلّ عمل على الإطلاق في حياة المؤمن :

 ثم قال تعالى:

﴿ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا﴾

[ سورة مريم: 31- 32]

 الحقيقة هذا الكلام دقيق جداً، الذي عنده ابن، أنا أقول لكم والله عزّ وجل يشهد: ما من عملٍ أجلّ على الإطلاق في حياة المؤمن من تربية أولادك، لأنك تسعد بهم إن كانوا صالحين، وإلا تشقى بهم، مهما يكن وضعك، معك ألف مليون، الابن شقي، تشقى به، وصلت لأعلى مركز اجتماعي، الابن شقي تشقى به، وصلت لأعلى درجة علمية، الابن شقي تشقى به، لا يوجد إنسان ينجو، أكبر عالم ابنه شقي يشقى به، أكبر موظف ابنه شقي يشقى به، أغنى غني ابنه شقي يشقى به، وإذا الإنسان أهمله وهو صغير لا يملكه وهو كبير، تفلت من يده.
لذلك الله يشهد نرحب بأبناء الأخوان كما نرحب بآبائهم، الابن يجب أن يصل إلى المسجد، أن يرى الإكرام والهدايا والترحيب والابتسامة، ومن كان له صبي فليتصابَ له، وتربية الأولاد جزء كبير من الدين:

﴿ وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا﴾

[ سورة مريم: 32]

 لو فرضنا الإنسان كان جباراً شقياً، والدته تشقى بشقائه، أحياناً تجد أباً أو أماً، يعتصر ألماً، والأب في بحبوحة، وأحواله جيدة، وناجح بحياته، وسمعته طيبة، أما ابنه فشارد، يحترق يتألم أشدّ الألم، فلن تسعد إلا بأولادك، وكل إنسان مسؤول عن أولاده، هناك شخص يقول لك: أخي الزمن فاسد، إياك أن تحتج بفساد الزمان، إياك أن تحتج بالفساد العام، هذا لا يعفيك من المسؤولية.
 شخص حدثني جلس في أمريكا يدرس، وجد الفساد غير معقول، قال لي: والله توليت بنفسي تعليم أولادي، ومنعتهم من أن يختلطوا بهذه البيئة الفاسدة، أب لا وقت عنده، يعلم أولاده القراءة والكتابة والحساب والرياضيات، المواد كلها، هو أب دكتور في الجامعة، رأى الفساد العام، تولى بنفسه تعليم أولاده.
فكل إنسان يعتني بولده صغيراً يسره كبيراً، أحياناً تكون النقطة غير واضحة عنده، يفوته القطار، فينصح غيره، كل إنسان يتمنى أن يبدأ حياته بخبرات صحيحة، فإذا الإنسان لم يبدأ حياته بخبرات صحيحة يأخذ خبراته من خبرات الآخرين، يستفيد منها، من ربى ولده صغيراً سرّه كبيراً، أي لا يوجد عمل أعظم من تربية الأولاد:

(( أفضل كسب الرجل ولده ))

[أخرجه الطبراني عن أبي بردة بن نيار ]

 أفضل كسب، يكون معك دائماً.
 في الحقيقة الإنسان أريح له أن يهمل أولاده، إذا كان أحب أن يتحرك حركته خفيفة، ليس معه أولاد، أما الولد فمُتعب، يريد من يجلس بجانبه، من ينبهه، لو تعبت به صغيراً، وكان معك دائماً، واستقى من بيئتك الراقية، من علمك، أفضل أن يكون مع أصدقاء لا تعرفهم من هم، فالوقت الذي تبذله في ضبط أولادك ومعرفة أين يذهبون هذا شيء مهم جداً.
 أيضاً من سعادة الإنسان أن ابنه يعاونه في عمله قال:

﴿ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ﴾

[ سورة الصافات: 102 ]

 أنا كان عندي طالب أخذ مئتين و خمس و ثلاثين بالبكالوريا، أنا سألته: ماذا ستفعل؟ طبعاً طب، قال: كلا زراعة، قلت له: لماذا زراعة؟ الزراعة تحتاج فقط إلى مئة و خمسين علامة، قال: أبي يوجد عنده كذا دونم من الأرض، من الذي سيرعاهم؟ ما رأيت طالباً عقله أكبر من هذا، يسمح له بدراسة الطب فيدخل الزراعة حتى يرعى أراضي والده، كانوا أجدادنا هكذا، كل إنسان ابنه معه، صار هناك استمرارية، والابن جاء منك، فإذا الإنسان يسنطيع أن يدخل معه ابنه في عمله هذا شيء طيب، أولاً: تحت إشرافك التام، ثانياً: أخذ من خبراتك، ثالثاً: بقي ضمن الأسرة. لم يذهب إلى جهات أخرى، هذا من سعادة الإنسان، إذاً:

﴿ وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً ﴾

[سورة مريم: 4]

 أي تربية الأولاد جزء أساسي في الدين، هذا القرآن مائدة الله، أي عند كل كلمة يوجد وقفة، وعند كل حرف يوجد وقفة، وعند كل تعليق يوجد وقفة، الإنسان يستقي من كتاب الله الشيء الكثير، هذا كلام خالق الكون.

تلخيص لما سبق :

 نحن اليوم الدعاء لم يكلفك أن تحرك شفتيك إطلاقاً، ولا تشقى بدعائك لله عزّ وجل.
 والشيء الثاني؛ البطولة ألا تكون وحدك فقط تعيش، توجد استمرار، استمرار من بعدك، ومهما كانت القضية معقدة وتبدو مستحيلة ادع الله أن يريحك منها، يوجد ألف قصة بهذا الموضوع، الشيء يبدو مستحيل ييسره الله، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً.
 والنقطة التالية الدين اتصال بالخالق وخدمة للخلق، وآخر شيء تربية الأولاد أخطر شيء تقوم به بعد الإيمان بالله.

المحافظة على صلاة الجماعة و حضور الدروس الدينية :

 كل عام وأنت بخير، مضى رمضان وهكذا الدنيا كلها، نحن نعود إلى الدروس إن شاء الله السبت القادم، السبت والأحد والاثنين، وإذا إنسان كان عندنا فليتابع، وإذا سررت بالفجر عندنا دروس مستمرة سبت أحد اثنين كل أسبوع، فمن صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي، ضمانة من الله، أنت في هذا اليوم في ذمة الله، طبعاً صلاة الفجر في وقتها لكن حديث النبي في جماعة، التركيز على الجماعة:

((من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله))

[مسلم عن جندب بن عبد الله]

 من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي، إذا شخص بجانب بيته يوجد جامع، أو بيته قريب، أو يقدر أن يصل إلى الجامع الذي يحبه فلا يفرّط بصلاة الفجر:

(( وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا ))

[ متفق عليه عن أبي هريرة]

 هذا وقت المغفرة، وقت السحّر، وقت المناجاة. وإذا الإنسان بدأ يومه بصلاة الفجر في المسجد يومه كله موفق، الحياة كلها مطبات، كلها أخطار.
 فنحن إن شاء الله نعود إلى الدروس بعد رمضان، سبت أحد اثنين في جامع النابلسي، وعندنا درس في جامع الطاووسية أيضاً سبت أحد اثنين بعد الظهر، الدرس ربع ساعة، الدروس المعتادة.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور