وضع داكن
20-04-2024
Logo
تأملات قرآنية - الدرس : 24 - من سورة طه - العقل والوحي يتكاملان.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين ، والصـلاة والسـلام علـى سـيدنا محمد الصـادق الوعـد الأميـن .

تمهيد .

 أيها الإخوة الكرام ؛ شرف الرسالة من شرف المرسل ، إن أتاك كتابٌ من صديق هذا الكتاب له قيمة ، إن أتاك من إنسان أكبر منك ، قيمته أكبر ، إن أتاك من ملك ، قيمته أكبر وأكبر ، ربنا عز وجل يقول :

﴿ طه* مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى* إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى* تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا ﴾

[ سورة طه ]

 هذا الذي بين أيدينا ، هذا نقرؤه في الصلاة ، هذا الذي نحفظه ، هذا الذي نجوده .
 من أين ؟
 من عند من ؟

﴿ مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا ﴾

 من خالق الكون ، خالق المجرات ، خالق الأرض والسماوات ، خالق الجبال ، خالق الأنهار ، خالق البحار ، خالق الأطيار ، خالق الأسماك .
 من أين هذا الكتاب ؟.

العقل والوحي .

 أيها الإخوة ؛ العقل والوحي يتكاملان كيف ؟
 فالعقل يفكر في هذا الكون ، فيستنتج أن له إلهاً عظيماً .
 من هو هذا الإله ؟ كيف خلق الكون ؟ متى خلقنا ؟ لماذا خلقنا ؟
 هذا ما يجيب عنه الوحي .
 العقل يقطع نصف الطريق ، والوحي يكمل الطريق ، بعقلك استنبطت أن لهذا الكون خالقاً ، الوحي يقول لك :

﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ ﴾

[ سورة الطلاق الآية: 12 ]

﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ﴾

[ سورة الرعد الآية: 2 ]

﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ﴾

[ سورة الروم الآية: 40 ]

 الله :

﴿ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى* وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى ﴾

[ سورة الأعلى ]

 عقلك وصل إلى حقيقة ، أن هذا النظام لابد له من منظم ، أن هذا الخلق لابد له من خالق ، أن هذا التدبير لابد له من مدبر ، أن هذا الإحكام لابد له من محكم ، أن هذه الحكمة لابد لها من حكيم ، هذا عمل العقل ، لكن هذا الحكيم ما صفاته ؟ ما أسماءه ؟ لماذا خلقنا ؟ ماذا أراد منا ؟ ما علة وجودنا ؟ هذا يجيب عنه القرآن .
 فالعقل وحده لا يكفي ، والوحي وحده لا يكفي لابد من أن يتعاون العقل في الاستنباط ، والوحي في الإملاء .
 بعض العلماء قال : العقل حصانٌ تركبه إلى باب السلطان ، فإذا دخلت إلى السلطان دخلت وحدك .
 أخطر شيء في الدين أن تحكم العقل في النقل .
 هناك دائرة المحسوسات ، أدواتها الحواس ...
 وهناك دائرة المعقولات ، أساسها العقل ...
 وهناك دائرة الإخباريات ، أساسها الوحي ...
 فحينما تنقل قضيةً من دائرة الإخباريات إلى دائرة المعقولات ، تكون قد ضللت سواء السبيل ، جعلت عقلك حكماً على ما أخبرك الله به ، الذي أخبرك الله به حكمٌ على عقلك ، فهذه الآيات :

﴿ تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا* الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى* لَهُ ﴾

[ سورة طه الآيات: 4-5-6 ]

 ملكه ، الكون كله ملكه ، لا يقع في ملكه إلا ما يشاء ، وهذه الفكرة مطمئنة ، ما شاء الله كان ، وما لم يشاء لم يكن ، إذا شاء الله أمراً وقع ، وإذا وقع أمرٌ حتماً قد شاءه الله ، وحكمة الله متعلقةٌ بالخير المطلق .

التوحيد .

﴿ تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا* الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى ﴾

[ سورة طه ]

 أرأيت إلى هذه الإشارة إلى الثروات الباطنية :

﴿ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى* وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى* اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾

[ سورة طه ]

 كمال الله مطلق ، مطلق ، أي قصةٍ ، أي طرحٍ ، أي فكرةٍ ، أي كلامٍ يشير بشكلٍ صريحٍ أو ضمنيٍّ إلى أن هناك نقصاً مرفوض ، لأن الله عز وجل بكلامٍ قطعي الدلالة ، والثبوت يقول :

﴿ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾

 

﴿ وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى* إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾

[ سورة طه ]

 هل تصدق أن الدين كله من ألفه إلى ياءه ضمن هذه الآية :

﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا ﴾

 مهما ترى عينك من أشخاص أقوياء ، من قوى جبارة .

﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا ﴾

 كلهم دمى يتحركون بأمر الله ، كلهم عصي بيد الله ، علاقتك مع الله .

﴿ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾

[ سورة هود ]

 هذا هو التوحيد ، ألا ترى مع الله أحداً ، ألا تخشى إلا الله ، ألا ترجو غير الله ، ألا تخاف إلا من الله ، ألا تطمع إلا بعطاء الله ، التوحيد أن توحد الله عز وجل في أسماءه ، وصفاته وأفعاله :

﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي ﴾

 يعني سر وجودك أن تعبده ، أنت على الأرض من أجل أن تعبده ، فحينما تعبده فأنت في اختصاصك ، وأنت في تحقيق ذاتك ، وأنت في المهمة التي خلقت من أجلها إن عبدته ، وإن سهوت عن هذه العبادة ، فأنت على خلاف ما أرادك الله ، أنت على خلاف ما خلقك الله من أجله :

﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي* إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا ﴾

[ سورة طه الآية: 14-15 ]

 أيها الإخوة الكرام ؛ لو أن الأمر واضحٌ وضوحاً جلياً جداً ، كان من الممكن أن تكون الآخرة كالمحسوسات ، نحن بحياتنا في أشياء محسوسة ، تمسك كأس الماء فتشربه ، تأكل الطعام فتتذوقه ، تسكن في بيتٍ مريح فتنعم به ، هذه أشياء محسوسة ، أما الآخرة خبر .

﴿ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾

[ سورة التغابن الآية: 9 ]

﴿ وَحُورٌ عِينٌ* كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ ﴾

[ سورة الواقعة ]

 الآخرة خبر ، أما الدنيا عيان ، أنت والدنيا وجهاً لوجه ، تمسك بالشيء تأكله ، تشمه إذا كان وردة ، تلقي عينك إلى منظرٍ جميل ، محسوسات ، لو أن الآخرة محسوسةٌ كالدنيا ، لو فرضنا ممكن أن ترى الجنة بطريقةٍ أو بأخرى ، وأن ترى عذاب أهل النار بعينك ، الناس جميعاً يتجهون إلى الآخرة ، لا حباً بالله ، ولا خوفاً منه ، ولا رغبةً في عطاءه ، ولا تعبداً له ، إنما خوفاً من عذابه ، وطمعاً فيما عنده ، ألغيت العبادة .

﴿ إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا ﴾

 كل شيء الله وعدنا به خبر بالقرآن ، أما المحسوس الدنيا ، الذي تراه بعينك الدنيا ، الذي تمسكه بيدك هي الدنيا ، من هنا جاء رقي الإنسان ، ترك المحسوسات ، وصدق الخبر الإلهي .
 لذلك :

﴿ إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا ﴾

 يعني أنت ترى إنسان كافر ، ملحد ، يفعل الموبقات كلها ، صحة ، ومال ، وغنى ، وقوة ، وكأن الآخرة غير موجودة ، وكـأن الله غير موجود .
 ترى إنسان مؤمن ، مستقيم ، ورع ، يبكي ، يصلي معذب أحياناً ، دخله أقل من حاجته في مشكلات ، هذا معنى :

﴿ أَكَادُ أُخْفِيهَا ﴾

 لو جاء الثواب بعد العمل الصالح مباشرةً ، أو لو جاء العقاب بعد العمل السيئ ، التغى الاختيار ، صار في اضطرار .
الآن :
 الواحد إذا نظر إلى فتاة ، جاءته رصاصة فقتلته فوراً ، من ينظر ؟ انتهى غض البصر ، لو دفع ليرة جاءه عشرة فوراً ، ماذا دفعت ؟ هذه عشرة ، الناس يتركوا العمل ، يقولوا لك : تعال ندفع صدقة ، ونأخذ المال لكن تدفع أيام خمس سنوات لا يأتيك شيئاً ، لا بد من أن تطيعه إلى أمدٍ طويل ، دون أن ترى شيئاً ، لابد من أن يكون العاصي في بحبوحة ، يعصيه ، ويسخر من الدين ، ويكذب ، وضغطه اثنا عشر ، ثمانية ، نبضه سبعين ، معايرات دمه كلها صحيحة ، أين هو الله عز وجل ؟ هذا الاختيار لك أن تفعل ما تشاء ، كل شيء بثمنه .

﴿ إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى ﴾

[ سورة طه ]

 من أجل أن يأخذ الإنسان أبعاده ، من أجل أن يعبر عن ذاته ، من أجل أن يحقق وجوده ، من أجل أن يكشف عن اختياره ، من أجل أن يظهر كما هو:

﴿ إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى ﴾

 ولأن معركة الحق والباطل معركةٌ قديمةٌ وأبدية :

﴿ فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى ﴾

[ سورة طه ]

 دقق في هذه الكلمة :

﴿ لَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ﴾

 أبداً ، عدم الإيمان من لوازمه إتباع الهوى :

﴿ فَتَرْدَى ﴾

 فالإنسان ليس له حق ، يستشير ، ولا يستهدي بنار المشركين ، ولا يأخذ رأيهم إطلاقاً :

﴿ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ﴾

[ سورة لقمان الآية: 15 ]

﴿ فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى ﴾

المناجاة .

 أما الآن مناجاة ، شيء نادر جداً أن عبداً يناجي ربه :

﴿ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى ﴾

[ سورة طه ]

 ألا يعلم الله ما هذه التي بيمينه ؟
 سيدنا موسى يعني هنا في بعض العلماء قالوا : اتخذها فرصةً ليناجي الله عز وجل ، وأراد أن يطيل .
 هذا اسمه بالبلاغة إطناب ، في عندنا إيجاز ، وعندنا إطناب ، وعندنا مساواة .
 إذا جاء الكلام مساوياً لمقتضيات المعنى ، مساواة ...
 إذا كان الكلام أقل للمعنى ، إيجاز ...
 قال له : لمن هذه الإبل ؟ قال له : لله في يدي ، هذا إيجاز ، لله في يدي .
 دخل شاعر على ملك ، قال له الشاعر : إن ، قال له الملك : و .
 فقط انتهى اللقاء .
 ماذا إن ؟!! وماذا و؟!!
 ماذا قال لك يا سيدي ؟ قال لي :

﴿ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا ﴾

[ سورة النمل الآية: 24 ]

 فقلت له :

﴿ وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ﴾

[ سورة الشعراء ]

 إن ، و ، هذا إيجاز ، وفي مساواة ، وفي إطناب .
 الإطناب :

﴿ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى ﴾

المساواة :

﴿ هِيَ عَصَايَ ﴾

[ سورة طه الآية: 18 ]

 انتهى ، قال له :

﴿ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي ﴾

[ سورة طه الآية: 18 ]

 ثم استحيا من الله لعله زاد في الكلام ، قال :

﴿ وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى ﴾

[ سورة طه ]

 فإذا أراد الله أن يتابع الحديث ، يقول له : يا موسى ما هذه المآرب ؟

﴿ قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى* قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى* فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى* قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ ﴾

[ سورة طه الآيات: 18- 19-20-21 ]

 مرة ورد ثعبان مبين ، ومرة حية ، الحقيقة شيء محير ، أراد الله أن يعطيه نموذجاً لهذه المعجزة ، هو وحده ، أراد ألا يريعه ، هو وحده حية ، أما أمام الملأ ، أمام خمس مئة ألف :

﴿ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ ﴾

[ سورة الأعراف ]

﴿ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ ﴾

[ سورة الأعراف ]

 إخوانا الكرام ؛ بالجامعة في مقبول ، وفي جيد ، وفي جيد جداً ، وفي ممتاز ، الإنسان في الدنيا يحب التفوق ، لكن بالآخرة يريد وراء الباب الجنة ، وراء الباب ، عجيب بالدنيا يريد أجمل سيارة ، وأجمل بيت ، وأجمل امرأة ، وأجمل مركز ، وأحسن مكتب ، في الدنيا يتعالى ، في الآخرة يتواضع ، الأولى أن يكون العكس ، طبعاً يقول الله عز وجل :

﴿ وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى* إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى ﴾

[ سورة طه ]

 أنا لا أريد من هذا التفسير إن هذه قصة نبي ، يعني أنت أين موقعك من هذا ؟ أنت لست نبي ، ما في أحد منا نبي ، ولا صديق ، ولا مؤمن من الصحابة ، لكن ما لك أسوة حسنة بهؤلاء ، ما في عندك سهم بسيط ، هنا الشاهد :

﴿ وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى* إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى* أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ﴾

[ سورة طه الآية: 37-38-39 ]

 يعني في واحد من الحاضرين ما له مع الله تاريخ ؟ زوجه ، هيأ له بيت ، مكنه من عمل ، رزقه يعني جعله محمود السيرة ، عرفه بذاته ، هذه كلها نعم كبرى يجب أن نذكرها دائماً ، قال له :

﴿ وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى* إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى* أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ﴾

 يعني إذ الله عز وجل ألقى في قلوب الخلق محبتك ، خدمك أعدائك ، وأحياناً سبحان الله يلقي الله في قلوب الخلق بغض الإنسان ، لا أحد يحبه ، ولا أحد يرتاح له ، وهذا من توفيق الله عز وجل ، يعني علامة رضوان الله عز وجل أنه يلقي في قلوب الخلق محبةً لك ، وهذا أكبر رأس مال ، لو معك ألف مليون ، ولا أحد يحبك ، لا قيمة لهذه الملايين ، أما إذ أحبك الخلق ، فهذا دليل محبة الحق :

﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي ﴾

[ سورة طه ]

 الذي أريد أن أقوله لكم في آخر القصة:

﴿ وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ﴾

[ سورة طه ]

 يعني أنت ممكن أن تكون مؤمن ناجح ، مقبول عند الله ، تأكل ، وتشرب ، وتفعل ما تشاء ، وأنت مطيعٌ لله ، في حالات خاصة ، المؤمن كل إمكاناته ، كل طاقته الفطرية ، والعلمية ، والمادية ، والاجتماعية ، ووقته كله لله ، هذا من السابقين ، هذا امتياز يأخذ ، في مقبول ، في جيد في جيد جداً ، في امتياز ، أما حينما يصطنعك الله له ، وحينما تغدو كل طاقاتك في سبيل الله ، ما عاد في شيء لك ، وشيء لربك ، الناس يقولوا : ساعة لك ، وساعة لربك ، هذه انتهت بحياة المؤمن ، لما سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم دعته السيدة خديجة ، بعد أن جاءه الوحي لأخذ قسطٍ من الراحة قال لها :

(( انقضى عهد النوم يا خديجة ))

 انقضى عهد النوم ، أحياناً تشعر أن كل ما تملكه في سبيل الله ، الوقت ، مع المال مع الجهد ، مع العقل ، مع العلم ، مع كل شيء تملكه يجب أن يوظف في سبيل الله ، وهذا ما قاله في مكان أخر :

﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ﴾

[ سورة القصص الآية: 77 ]

 فكل النعم التي نحن فيها ، نعمة الصحة ، نعمة الفراغ ، سوف نسأل عنها كيف أنفقتها ؟ نعمة الأمن ماذا فعلت به ؟ نعمة الصحة ماذا فعلت بها ؟ نعمة الفراغ ماذا فعلت بها ؟ نعمة الغنى ما فعلت بها ؟

﴿ وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ﴾

 واحد دخل على خليفة ، أراد أن يعضه بقسوة ، قال له : إني سأعضك بغلظة ، تبين أن الخليفة أعقل من الواعظ ، قال له : ولِمَ الغلظة يا أخي ؟ لقد أرسل الله من هو خيرٌ منك إلى من هو شرٌ مني ، أرسل موسى إلى فرعون .

﴿ فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً ﴾

[ سورة طه الآية: 44 ]

 الحكمة في الدعوة إلى الله ، كيف دواء الأطفال ، دواء السعال ، دواء مر في الأساس للأطفال حلو المذاق ، هذه المادة الفعالة في الدواء ممزوجة مع مواد سكرية ، طيبة ، فأكثر أدوية الأطفال محببة ، طيبة المذاق .
 بمعنى أن الحكمة في الدعوة إلى الله تقتضي أن تقدم الحقائق بأسلوبٍ حسن ، بأدبٍ جم ، بتواضعٍ بالغ ، بمحبة ، ببيان ، بأمثلة ، بشواهد ، فالحكمة في الدعوة أن تجعل الحق مستساغاً للناس ، قال له :

﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى* فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾

[ سورة طه ]

 يفهم الناس أن الشجاع هو الذي يجابه القوي بعنف ، وبغلظة ، وبقسوة ، حتى يحبه الله ، لا ؟!! من قال لك ذلك ؟ كن حكيماً ، وجه ، اضرب الأمثلة ، بين ، وضح ، أحياناً أشر إشارة خفية أحياناً كني ، فلك أن تستخدم أي أسلوب ، من أجل أن يأتي الحق مستساغاً عند هذا القوي .

﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى* فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾

الشيء الدقيق :

﴿ قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى ﴾

[ سورة طه ]

 يعني هذا ما عنده مزح ، غلطة ، اقتلوه ، في أقوياء ، يعني قتل الإنسان أهون عنده من قتل ذبابة .

﴿ قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾

[ سورة طه ]

 انظر هذه الآية ما أجملها ، لا تخاف ، كل البشر بيد الله عز وجل ، أيام الله يلقي في قلبهم يحترموك زيادة ، يلقي بقلبهم يخافوا منك ، أيام يسدل عليك هيبةً .
 قلت لكم مرة : الحسن البصري لما انتقد الحجاج ، فلما بلغه أنه انتقده ، طبعاً الحسن البصري قام بمهمة بيان الحق للناس فقال : والله يا جبناء ، يخاطب من حوله ، لأسقينكم من دمه وقال : ائتوني به ، وجاء بالسياف لقطع رأسه ، وانتهى الأمر ، دخل الحسن البصري على الحجاج ، رأى السياف جاهز ، وقد مد النطع ، وكل شيء منتهي ، فقط تنفيذ الحكم ، حرك شفتيه وإذا بالحجاج يقف له ، ويستقبله ، ويقول : أهلاً بأبي سعيد ، يقول له : أنت سيد العلماء ، أجلسه إلى جانبه ، سأله ، استفتاه ، عطره ، ثم شيعه إلى باب قصره .
 أما السياف صعق ، والحاجب صعق تبعه الحاجب ، قال له : يا أبا سعيد لقد جيء بك لغير ما فُعل بك ، فماذا قلت وأنت داخل ؟ قال قلت : يا رب ، يا ملاذي عند كربتي ، يا مؤنسي في وحشتي ، اجعل نقمته علي برداً وسلاماً ، كما جعلت النار برداً وسلاماً على إبراهيم ، فالله ألقى بقلب الحجاج أن يعظمه ، وأن يحترمه ، وأن يكرمه ، قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن كن على الحق ، ولا تخشى لومة لائم .

﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ ﴾

[ سورة الأحزاب الآية: 39 ]

 هذه من علامات إبلاغ رسالات الله :

﴿ قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾

 ثم هذا الذي يقول : أنه ممكن الإنسان أن يطيع الله طوال حياته ، فإذا هو بالنار في آخر عمره يصوره أنه في غدر ، في زحلقة ، في قنص ، لا :

﴿ إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ﴾

[ سورة طه ]

 فقط حصراً :

﴿ وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ ﴾

[ سورة سبأ ]

﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ﴾

[ سورة الزلزلة ]

 هذا كلام الله عز وجل ، ما سوى كلام الله يجب أن لا نعبأ به ، ألا نلتفت إليه إطلاقاً :

﴿ إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى* قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى* قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾

[ سورة طه ]

 يعني أنت ممكن أن تسافر إلى السويد ، ممكن ، في بالسويد سبعين تحت الصفر ممكن أن تلبس ثياب مضاعفة ، تلبس جوارب صوفية ، حذاء فيه فرو ، ممكن تلبس ثلاث كنزات فوق بعضهم ، ممكن أن تلبس كفوف ، لكن ماذا تفعل بعينيك اللتان لابد من أن تلامس الهواء الخارجي ؟ والهواء الخارجي سبعين تحت الصفر ، الله عز وجل أودع في ماء العين مادةً مضادةً للتجمد ، لو جلست بمكان ، سبعين تحت الصفر ، ماء العين لا يتجمد :

﴿ أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾

 هذا الصوص سيخرج من البيضة ، ينبت له على منقاره نتوء مؤنف ، مثل الإبرة تماماً ليكسر البيضة ، فإذا كسرها ضمر هذا النتوء وتلاشى .

﴿ أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾

 أنت عندك حقل بطيخ ، تريد أن تقطفه ، كله أخضر ، والمستوي بالمئة عشرة ، كله أخضر ، لون واحد ، كل بيطخة لها وزن ، ماذا ستفعل ؟ تنبطح جنبها ؟ تضربها ؟ ماذا ستفعل ؟ اعمل خيط على شكل حلزون ، يمسكه الفلاح ، إذا كان انكسر بيده تكون مستوية ، إذا طري يتركها ، أعطاك علامة ، يعني في أشياء عجيبة .
 بالطفل تشكل عظامه ، غضروف ثم التشكل العظمي ، أما في أنفه يبدأ بالعكس حينما يولد أنفه قاسي جداً ، حتى لا يختنق أثناء الرضاع ، ثم يصبح هذا الأنف القاسي لين ، في أشياء عجيبة ، على كلٍ هذا باب لا ينتهي ، لا ينتهي بسنوات .

﴿ الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾

 هذا الطائر يطير بالأجواء العالية ، جاع ، يريد أن ينزل ، ويأكل ، لا يرى شيء نزل لم يجد الأكل ، ثم طلع ، ثم جاع ، نزل ، لم يجد الأكل ، أعطاه ثمان أضعاف قوة إبصار الإنسان يرى السمكة في الماء الطير فوق ، أعطاه ثماني أمثال قوة إبصار الإنسان ، كيف الطير يمشي ثمانية عشرة ساعة طيران بلا توقف ؟ ثمانية عشرة ساعة ، ما في عندنا طائرة تمشي بلا توقف ، كيف يتزود بالوقود ؟ من يهديه في ظلمات البر والبحر ؟.
 أيها الإخوة ؛ هذا الموضوع لا ينتهي ، قال :

﴿ الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾

 أنت الغي هذا المفصل فقط ، ماذا يحصل معك ؟ لازم تأكل مثل القطة ، تنبطح ، وتأكل بلسانك ، ما في طريقة ثانية ، إذا المفصل هذا ألغي ، فالمفاصل ، الرسغ ، الأصابع ، السلاميات العين ضمن محجر ، لو كانت العين بالجبين ، تسعين بالمئة يصبح الناس عميان ، أكل ضربة راحت عينه ، قاعدة بحصن حصين ، الرحم خطير جداً ، قاعد بالحوض ، القلب خطير قاعد بالقفص الصدري ، النخاع الشوكي خطير قاعد ضمن عظام الفقرات ، الدماغ ضمن الجمجمة الأعضاء النبيلة قاعدة بحصون ، بحصون وبمخمدات صدمات ، وفي سوائل ، القضية معقدة جداً ، فهذه الآية وحدها ، كل ما في الكون يؤكدها .

والحمد لله رب العالمين

 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، أثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وأرضَ عنا ، وصلى الله على سيدنا محمد النبيِّ الأميِّ ، وعلى آله وصحبه وسلم .

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور