- أحاديث رمضان
- /
- ٠01رمضان 1415 هـ - قراءات قرآنية
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
انقلاب الأعمال المباحة مع النوايا الطيبة إلى عبادات :
قال تعالى :
﴿مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾
أي مخمصة الجوع :
﴿ مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ ﴾
أنت انظر إذا تعرفت إلى الله عز وجل معرفة صحيحة ، وأخلصت له ، الآن كل أعمالك أعمال صالحة ؛ جلست مع أهلك ، داعبت أولادك ، أخذتهم إلى نزهة ، اشتريت طقماً على العيد ، أمنت لأولادك ألبسة ، طلبوا أكلة طيبة أمنتها لهم ، كل نشاطك الأسري ، كل نشاطك من العمل الاجتماعي أعمال صالحة .
يأتي الإنسان الجاهل ، حتى لو قام بأعمال صالحة ، هدفه شخصي ، يقول لك : هذا يلزمني ، أنا أخدمه ، أنا يلزمني بوقت معين ، ليس هدفه الله عز وجل ، كما أن الأعمال المباحات تصبح مع النوايا الطيبة عبادات ، الآن : الأعمال الصالحة بالنوايا الخبيثة تصبح آثاماً .
يوجد أعمال صالحة كثيرة ، ظهرها صالح ، لكن الإنسان من جهله ينوي نوايا لا ترضي الله عز وجل ، فانظر الإيمان ما أعظمه ! يجعل لك أعمالك المباحة كلها ، النشاط العادي عبادة .
الآن : هل يوجد إنسان لا يأتي بطعام إلى بيته في الأرض كلها ؟ المؤمن يأتي بهذا الطعام ، ويضع اللقمة في فم زوجته ، هي له صدقة ، السلوك العادي المألوف الذي يفعله ملايين الآباء ، إذا المؤمن فعله له فيه عمل صالح ، والسلوك الكامل إذا فعله الغافل وفعله الجاهل كان آثماً به .
أحياناً يطعم طعاماً بنيته ينم ويؤذي ، أحياناً يتصدق ليقال عنه محسن كبير ، فالأعمال الصالحة مع ضعف الإيمان تغدو آثاماً ، والأفعال الطبيعية المباحة ، العادية ، إذا فعلها المؤمن تغدو أعمالاً صالحة :
﴿ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ﴾
﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى﴾
في الكهف ؛ آمنوا واهتدوا .
أنواع الهداية :
الهداية أربعة أنواع ؛ هداية عامة : الله عز وجل أعطاك الحواس ، تهتدي بها إلى الأخطاء ، وإلى المنافع ، أعطاك لكل شيء علامة . قال الله تعالى :
﴿وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾
نضوج الفاكهة له علامة ، المرض له علامة ، لولا هذه العلاقات لهلك الناس ، علامات لكل شيء ، كل شيء له علامة ، فوجود علامات لكل شيء ، ولكل ظاهرة ، ولكل تطور ، وجود حواس تهتدي بها إلى المنافع ، وتجتنب المضار ، هذه هداية عامة ، هداية لكل البشر؛ مؤمنهم وكافرهم ، وأما الهداية الثانية فهداية الغريزة ، فالحيوان الله سبحانه وتعالى هداه إلى ما ينفعه للغريزة ، وهناك هداية الهدى ، بمعنى أنك جاءك الهدى ، فآمنت بالله عز وجل ، وهناك هداية التوفيق بعد أن تهتدي توفق إلى الأهداف التي خُلقت من أجلها ، وهناك هداية إلى الجنة :
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ﴾
هو ما دام آمن بالله ؛ آمن بأنه المسير ، بأنه الحكيم ، الرحيم ، العادل ، القوي ، القادر ، بيده كل شيء ، لذلك اتجه إليه ، وطلب منه ، فلذلك :
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ﴾
بعد أن قبل الهدى ، وآمن بالله موجوداً ، وواحداً ، وكاملاً ، وآمن برسوله ، وآمن بكتابه ، وسار على منهجه ، الآن يعرف الطريق إليه ، يعرف كيف يدعوه ، وكيف يسأله ، وكيف يستعيذ به ، وكيف يستهلمه ، وكيف يسترشده ، وكيف يقبل عليه ، وكيف يلتجىء إليه ، صار في معرفة :
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ﴾
أحياناً الإنسان يحتار في قضية ، يسأل الله عز وجل أن يكشفها له :
﴿ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ﴾
القاضي أحياناً يقع في حيرة بين المتخاصمين ، أيهما على حق وأيهما على باطل ؟ يسترشد الله عز وجل ، فيلهمه الصواب .
أحياناً الطبيب يقع في حالة صعبة ، حالة مرضية مستعصية ، هو مؤمن بالله ، يؤمن أن الله يعلم كل شيء ، يعلم خبايا الأمور ، يقول : يا رب ألهمني الصواب .
المحامي أحياناً يأتيه موكل ، يقنعه بأنه على حق ، والمحامي ورع ، يقول : يا رب إن كانت هذه القضية ترضيك فألهمني ذلك .
فالمؤمن دائماً يستلهم الله عز وجل ، لأنه يعرفه ، يعرف أنه خالق كل شيء ، وأنه عليم بكل شيء ، وأنه رحيم بكل شيء :
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ﴾
هناك هداية عامة ؛ هداية الحواس ، هداية ثبات خصائص الأشياء ، هداية العلامات ، هداية القوة الإدراكية ، هذه هداية عامة لكل الخلق ، وهناك هداية الحيوانات ؛ هداية غرائز ، وهناك هداية الإنسان أن يصل إلى الله عز وجل ، وهناك هداية التوفيق :
﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى﴾
﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾
الإنسان مخير معنى هذا أن بداية الإيمان أول خطوة ، بعد أن تؤمن تستلهمه ، تسترشده ، تستغيث به ، تلجأ إليه ، تستعيذ به ، تقبل عليه ، تتصل به ، هذا كله كل هذه النشاطات بعد أن عرفته .
عدد القضايا التي عالجها الدين تامة وطريقة المعالجة كاملة :
أحياناً نسمع صيحات أن هذا الحكم لا يتناسب مع هذا العصر ، هذا الحكم فيه جمود غير مرن ، العصر تطور ، هناك دعوات إلى التبديل ، والتغيير ، والتطوير ، والتعديل ، والإضافة ، والحذف ، حتى أن هناك صيحات للتعطيل يوم الأحد و العمل يوم الجمعة ، لأنه في بعض بلاد الغرب عطلة رسمية ، وأساساً هناك دولة عربية بشمال أفريقيا ، تعطل الأحد ، إذاً هناك دعوة للتبديل والتغيير ، حذف هذه العبادة ، حذف هذه القضية ، هذه لا تناسب العصر، هذه دعوات تريد أن تميع الدين ، وأن تجعله يتقولب بكل قالب ، وأن تلغي شخصية المسلم .
أي جميل بالإنسان أن يفتح نوافذه ليجدد هواء غرفته ، أما أن تأتي الرياح الغربية فتقتلعه من جذوره ، وتحطم بيته ، ليست هذه مرونة ، وليس هذا تجديداً ، ولا تطويراً ، ولا حداثة، ولا عصرنة ، هذه عملية تدمير من الجذور ، أي بداعي العصرنة ، والحداثة ، والانفتاح، واقتباس ما عند الآخرين ، هذه كلها كلمات رنانة ، براقة ، لكن وراءها في الحقيقة تدمير الإسلام. اسمعوا الآية :
﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا عَظِيمٍ ﴾
أي لماذا المال نجمده من دون فائدة ؟ هذا المال إذا استثمرناه يعود علينا بالنفع ، بعد ذلك هذا القرض ليس قرضاً استهلاكياً بل يسمونه قرضاً استثمارياً ، الله عز وجل حرم القرض الاستهلاكي فقط ، أما هذا فاستثماري ، تجد كلمات براقة ، معسولة ، تريد أن تذيب هذا الدين ، تجعله يتمشى مع انحراف العصر ، ومع طغيان العصر :
﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا ﴾
يا أخي ماذا يعني ألا تصافح المرأة ؟ من أين أتيت بهذه الأشياء ؟ المرأة نصف المجتمع ، نصف المجتمع بالتمام والكمال ، قوة كبيرة جداً ، لماذا تحبسها في البيت ؟ هذه كلماتهم طبعاً ، اسمعوا الجواب :
﴿ ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾
الله عز وجل قال :
﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً﴾
إله يقول :
﴿أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾
عدد القضايا التي عالجها الدين تامة ، ولا تحتاج إلى قضية أخرى ، وطريقة المعالجة كاملة :
﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي﴾
الله عز وجل خبرته قديمة و أوامره تتوافق مع طبيعة البشر ليوم القيامة :
لذلك :
﴿ قُلْ مَا يَكُونُ لِي ﴾
أي هذا مستحيل ، ليس من اختصاصي ، ولا من شأني ، ولا من قدرتي ، ولا من طبيعتي ، ولا في رغبتي ، ولا في إرادتي :
﴿ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾
إذا كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يخاف إن عصى ربه عذاب يوم عظيم ، فما بال بعض الناس يقول لك : هذا الحكم لا يصلح لهذا العصر ، أرى أن يلغى ؟ من أنت ؟ من أنت ؟ يقولون هذا عندنا غير جائز - فمن أنتم ؟ من حضرتكم ؟ - فمن أنتم حتى يكون لكم عندُ ؟
ماذا يعني عندنا ؟ يقول لك : قناعتي ، هكذا أرى ، رؤيتي ، شعوري ، كله كلام فارغ ، هناك وحي ، وحي من عند الله عز وجل ، لا يتبدل ، ولا يتغير ، ولا يُطور ، كماله كمال مطلق ، الله عز وجل خبرته ليست مستحدثة مثل البشر ، الله عز وجل خبير ، إلا أن خبرته قديمة قدم ذاته ، إذا قلنا : خبرته قديمة ، لا يبدو له شيء لم يكن بادياً له من قبل ، هذا معنى خبرته قديمة ، فإذا أمر بأمر ، أو نهى عن نهي ، أو حرم شيئاً ، أو أحل شيئاً ، هذا الشيء يتوافق مع طبيعة البشر إلى يوم القيامة .
أي إذا كان الإنسان يملك مسدساً و أيقن أنه إذا أطلق رصاصة ، بأن الجدار سيردها إليه بالضبط ، هل يطلق هذه الرصاصة ؟
الآن إذا افترضنا افتراضاً علمياً أن هناك جداراً ، يرد الرصاصة بالزاوية نفسها هل من الممكن للإنسان أن يطلق رصاصة على نفسه ؟ قال :
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ﴾
إذا الإنسان بغى ، يحسب نفسه ذكياً وشاطراً إذا أكل مال الناس :
﴿إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ﴾
﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ﴾
البغي ، والخداع ، والمكر :
((ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله))
والنكث :
﴿فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ﴾
هم خمسة ، أنا أحفظ : النكث ، والبغي ، والخداع ، والمكر ، بقي الخامسة : الكيد.
فهذه الأشياء الخمسة من كن فيه كن عليه ؛ إذا إنسان مكر ، أو خادع ، أو بغى ، أو ظلم :
﴿وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾
اجمعوا الآيات التي ترد على صاحبها ، فالإنسان يخاف منها ، أي أطلقت هذه الرصاصة ، لا بد من أن تعود إليك ، إذاً : إياك أن تطلق ، لم تفعل شيئاً أنت ، دمرت نفسك، هذا معنى :
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ﴾
الإحسان و الإساءة :
الآن الشيء الذي يشغل الناس كلها الزينة ، يقول لك : بيتك لا يوجد فيه جبصين ، كيف تعيش ؟ لا يعاش ، لا يوجد والله جبصين . قال :
﴿ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
نحن في آخر الزمان ، نحن في زمن الفجور ، زمن الفساد ، زمن أن يأمر الناس بالمنكر وينهون عن المعروف ، زمن ضيعت فيه الأمانة ، زمن يتهم فيه البريء ، يبرأ فيه المتهم ، يكذب الصادق ، يصدق الكاذب ، تكثر الأشجار ، تقل الثمار ، يكون المطر قيظاً ، والولد غيظاً ، ويفيض الوئام فيضاً ، ويغيض الكرام غيضاً ، تتداعى علينا الأمم ، كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها .
إذا الإنسان قرأ الأحاديث الشريفة الصحيحة ، لكن التي تتحدث عن علامات قيام الساعة ، لوجد أننا في آخر الزمان ، لذلك :
((اشتقت لأحبابي ، قالوا : لسنا أحبابك ؟ قال : لا ، أنتم أصحابي ، أحبابي أناس يأتون في آخر الزمان القابض منهم على دينه كالقابض على الجمر....))
أنا أسمع من بعض أخواننا مشكلة : عندما يستقيم ، ليس مع الغريب ، ليس مع الكافر ، مع أهله ، مع أبيه المسلم ، لا يرضيه أن يغض بصره عن النساء اللاتي لا يحللن له، لا يرضيه إلا أن يختلط مع النساء ، إلا أن يفعل فعلهم ، لذلك :
(( بَدَأَ الإِسلامُ غريباً ، وسَيَعُودُ غريباً كما بدَأَ ، فطُوبَى للغرباءِ ))
كل إنسان كرامته غالية عليه ، غالية جداً ، ولا يوجد شيء يجرح النفس كأن يسمع الإنسان كلمة قاسية ، فيها إهانة من إنسان أقوى منه .
ومعنا بهذه الآيات قانون ، قانون إذا الإنسان طبقه ، لا يستطيع أحد كائناً من كان أن يناله بكلمة ، قانون التيسير ، ومعنا سابقاً قانون التوفيق ، و هناك قانون الكرامة :
﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ﴾
إذا الإنسان قصر بعمله ، لم يتقن عمله ، أخلف موعده ، لم يسدد ما عليه ، أي عاهد ونكث ، وعد ولم يوف ، أساء ، إذا الإنسان أساء ، عليه أن يتحمل الكلمات القاسية ، يتحمل الإهانة أحياناً ، يتحمل الموقف الذي يرده :
﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى ﴾
أحسن بكل شيء مطلقة ، أحسن بعمله ، أتقن عمله ، أتقن طبابته ، أتقن دفاعه ، إذا كان محامياً أتقن بناءه ، إذا كان مهندساً تجد البناء قد وقع ، أين المهندس ؟ هرب ، حسناً : لماذا هرب المهندس ؟ لأنه خاف على نفسه ؛ ما أحسن ، ما وقف على الصبة ، ما تفقد الحديد، لمَ لم يأت ويحضر الصبة ؟ يجوز أن يخففوا الإسمنت ، يخففوا الحديد ، يسحبوا الحديد بعد ما يراقبوا ؛ فإذا الإنسان أساء ترهقه ذلة ، وإذا أحسن له العزة والكرامة :
﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ ﴾
إلى آخر الآية .
رفض الفاسق الحق بسبب معاصيه :
حسناً : الآن يوجد عندنا قانون ثان ؛ تناقش إنساناً ، تجده يتقبل الحق منك كأنه غذاء ، تناقش إنساناً آخر ، وتلقي عليه الكلام أوضح من الشمس ، مع الأدلة والبراهين ، لا يقبل منك ، ما العامل ؟ لماذا اختلف هذا عن هذا ؟
يوجد عندنا قانون ؛ إذا إنسان سمع الحق ، ولم يؤمن ، يكون عنده مشكلة .
﴿كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾
إذا الإنسان آكل مالاً حراماً ، أطلق بصره في الحرام ، تفلت من منهج الله ، لو كان ذكياً ، لو جئته بكلام كالشمس في رابعة النهار ، يقول لك : لا ، غير معقول هذا الكلام ، هو يرفض الكلام ، لأنه إذا قبله انكشف أمام نفسه ، رفض الحق بسبب معاصيه .
مثلاً آكل الربا ، لا يقنع أن الربا حرام ، يقول لك : غير معقول هذا الكلام ، الله عز وجل يتفلسف ، يقول لك : الله عز وجل ما نهانا عن النسب القليلة ، نهانا عن الأضعاف المضاعفة ، اقرأ القرآن يقول لك :
﴿لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً﴾
لا يقنع معك أن الربا حرام ، لأنه هو يأكلها .
إذا الإنسان يشرب خمر ، تعرف ماذا يقول لك ؟ من حرم الخمر ؟ الخمر ليس حراماً ، هات لي آية أنها حرمت عليكم ، فقط اجتناب ، أي مكروهة فقط ، كل إنسان متلبس بمعصية ، يدافع عن نفسه ، ويرفض الحق ، فإذا وجدت شخصاً قبل الحق بسهولة ، ولما يعترض ، معنى هذا أنه مستقيم ، استقامته أعانته على الحق ، وإذا إنسان رفض الحق ، معنى هذا أنه متلبس بمعاص كثيرة :
﴿كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾
إذا كان سيدنا محمد الذي هو سيد الخلق وحبيب الحق ، ربما لا سمح الله له أن يمتعه بمصير الظالمين ، نحن من باب أولى أن نترك الأمر إلى الله ، كفاك على عدوك نصراً أنه في معصية الله :
﴿وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ﴾
معنى هذا أنه من الممكن أن يقبض الله عز وجل النبي عليه الصلاة والسلام ، دون أن يرى بأم عينه مصير الظالمين ، فإذا النبي ربما لم يسمح له بذلك ، فمن أنت حتى تشترط على الله أن ترى مصير الظالمين ؟
الهداية بيد الله وحده :
بعد ذلك سبحان الله ! الإنسان عندما يقرأ الآيات ، لا يفهمها فهماً كما أراد الله ، إذا كان نبياً كريماً ، سيد الأنبياء والمرسلين ، سيد ولد آدم ، لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ، يقول لك: شيخنا نظر لإنسان فاهتدى ، هذه حتى النبي لا يملكها :
﴿لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً﴾
دائماً الإنسان :
﴿لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ﴾
﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾
﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾
الإنسان مخير ، والنبي عليه الصلاة والسلام :
﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾
لا تستطيع أن تهتدي من تريد . عمه أبو لهب :
﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾
وليس عليك هداهم ، ولست مسؤولاً عنهم :
﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾
دعوتك حق ، الإبلاغ حق ، أما الاستجابة فليست بيدك ، فإذا كان النبي لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ، أيملك هذا شيخ من شيوخ الأرض ؟ إطلاقاً .
من آمن بالله لا يندم على ما فات ولا يخشى مما هو آت :
مرة أخيرة : اسأل نفسك : ما الذي يفرحك ؟ تفرح بالقبض أم بالدفع ؟ بالنوم أم باليقظة ؟ بخدمة الخلق أم أن الخلق يخدموك ؟ بالعطاء أم بالأخذ ؟ :
﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾
قل لي ما الذي يفرحك أقل لك من أنت ، متى قلبك يهتز بالسرور ؟ إن وجدت نفسك في طاعة الله ؟ إن وجدت نفسك في مرضاة الله ؟ إن وجدت نفسك في الأمر والنهي ؟ إن وجدت نفسك قد أطلق الله لسانك ؟ إذا أجرى الله على يديك الخير ؟ إذا اشتريت أرضاً فتضاعف ثمنها ألف ضعف ؟ يقول لك : ثمن هذه الأرض ثمانون مليوناً ، ويرفع أنفه للأعلى ، خير إن شاء الله ، الإنسان يموت ، ولا يستطيع أن يأخذ معه شيئاً .
والحقيقة يوجد عندنا تصور غير صحيح أن الأولياء فئة قليلة ، نخبة ، يجب أن يكون كل مؤمن ولياً ، كل شخص منكم يجب أن يكون ولياً لله ، لأن التعريف دقيق . قال :
﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾
كل شخص آمن واستقام ولي :
﴿لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾
لا يندم على ما فات ، ولا يخشى مما هو آت ، أبداً :
﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾
ما الذي يثبتهم ؟ قال :
﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
الله يتجلى على قلبهم ، يسعدهم ، يطمئنهم ، يثبت قلوبهم ، ينصرهم ، يؤيدهم ، يوفقهم ، هذه تشجع المؤمن .
أحياناً الإنسان يؤمن ، ليس لأن الحق واضح ، لأن الله عز وجل تجلى على قلبه ، أمده بمدد منه ، هذا معنى :
﴿ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ﴾
تقول أنت : صدق الله العظيم ، حسناً ، قال :
﴿ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾
إذا شخص لا يوجد في جيبه ليرة واحدة ، وكان من أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، وله رفيق معه ألف مليون ، لكنه ليس ديناً ، إن رأى نفسه من المحرومين ، و صديقه هو الموفق، يكون لا يفهم شيئاً بالدين إطلاقاً . يقول الله لك :
﴿ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾
هذا هو الفوز عندي ؛ أن تعرفني ، وأن تقبل عليّ ، وأن تستقيم على أمري ، وأن تكون وفق المنهج الإلهي .