وضع داكن
19-04-2024
Logo
قراءات قرآنية - الدرس : 26 - من سورة محمد والأنعام وص والقصص وطه - أنواع الحقائق في القرآن الكريم - مباشرة وتقريرية.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .

تنوع الأساليب في القرآن الكريم :

 أيها الأخوة الكرام ؛ هذه القصة ؛ قصة سيدنا موسى مع فرعون من أطول القصص في القرآن ، مِن : للتبعيض ، لأن يوسف أطولها ، ومن أكثرها تكراراً في القرآن ، وفي كل مرة جاءت هذه القصة من زاوية خاصة .
 الذي يعنينا أن الله سبحانه وتعالى يذكر الحقائق في القرآن بطريقتين ؛ بطريقة مباشرة ، طريقة تقريرية ، كقوله تعالى :

﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾

[سورة محمد :19]

 وبطريقة قصصية تمثيلية ، الطريقة القصصية التمثيلية أطول ، لكن تأثيرها يتغلغل في أعماق النفس ، الطريقة التقريرية أقصر ، لكن قد لا تُستوعب ، فربنا عز وجل ينوع الأساليب في القرآن الكريم .

 

اختلاف الناس في الإيمان بألوهية الله عز وجل :

 الذي أريد أن أقوله لكم في هذه القصة : إن إيمان الناس جميعاً بأن لهذا الكون إلهاً خالقاً ، هذه قضية مسلم بها ، لا يختلف فيها اثنان ، إلا من ركب رأسه ، وإلا من جحد الواقع :

﴿وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾

[سورة الأنعام:23]

 قال :

﴿انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾

[سورة الأنعام:24]

 فقضية أن تقول : إن لهذا الكون خالقاً ، هذه قضية لا تقدم ولا تؤخر ، إلا أن إبليس قال له :

﴿فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾

[سورة ص:82]

 لكن أين يختلف الناس ؟ يختلف الناس في الإيمان بألوهية الله عز وجل ، أنه معنا، والأمر كله بيده ، وحركاتنا ، وسكناتنا بعلمه ، ولا يقع شيء في ملكه إلا بإرادته ، إذا آمنت هذا الإيمان ، هذا هو التوحيد ، أما الآن فأنت مخلص بقدر ما أنت موحد ، أنت مستقيم بقدر ما أنت موحد ، ترقى عند الله بقدر ما أنت موحد ، أنت ثابت بقدر ما أنت موحد ، قلبك ممتلئ طمأنينة بقدر ما أنت موحد ، أي كل خيرات الدين لا يجنيها إلا الموحد ، وهذه القصة من ألفها إلى يائها تؤكد لكم : أنه لا إله إلا الله .
 مثلاً : صندوق في نهر النيل ، كيف يتحرك هذا الصندوق ؟ يتحرك ، ثم يقف أمام قصر فرعون ، من ألهم امرأة فرعون أن تنزل إلى الشط في الوقت المناسب ؟ الله عز وجل ، من ألقى حبه في قلبها ؟ الله عز وجل ، من جعل فرعون يتساهل في هذا المولود ؟ لم لم يأمر بذبحه كما هي العادة ؟ الله عز وجل ، من حرم المراضع تحريم منع لا تحريم تشريع ؟ :

﴿وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ﴾

[سورة القصص:12]

 الله عز وجل ، من ألهم أمه أن ترسل أخته كي تتقصى الخبر وكيف تقول ؟ :

﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ﴾

[سورة طه:40]

 معنى هذا أن الأمر بيد الله ، و أن الله عز وجل أمره نافذ بدقائق الأمور ، ليس الأمر بمعنى أن الأمور الكبرى بيد الله بل أيضاً أدق الدقائق ، لذلك قالوا :

كـــن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو
***

 سيدنا موسى قال :

﴿لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى﴾

[سورة طه:10]

 هناك نجاه الله عز وجل .

 

الأمر كله بيد الله ؛ جليله وصغيره :

 لذلك : اجتماع الناس ، أحياناً هذه اللقاءات ، لا يوجد لقاء عفوي ، نحن نظنه لقاء عفوياً ، أي لقاء صدفة ، كل شيء يقع في ملك الله عز وجل وفق تصميم دقيق .
 أنا مرة أخ حكى لي قصة ، أم أمرت ابنها المصاب بمرض السرطان أن يسجل البيت ، والسيارة لأخيه ، وهذا الرجل عنده زوجة ، وعنده أولاد ، طبعاً الأم جاهلة ، لأنه توقعت أن يموت هذا الابن ، و تتزوج امرأته زوجاً آخر ، فيأخذ هذا البيت ، وهذه السيارة ، أعطت أمراً لابنها المصاب بمرض الخبيث ، فسجل هذا البيت وتلك السيارة لأخيه ، الابن أيضاً جاهل ، لأنه انصاع إلى أمر لا يرضي الله عز وجل ، بعد شهرين توفي الابن المصاب بهذا المرض ، وبعد شهر آخر توفيت أمه ، فجاء الأخ الذي كتب له البيت والسيارة ، فاغتصب البيت ، وطرد امرأة أخيه وأولادها ، وأخذ السيارة ، ولم يعطهم شيئاً أبداً ، ظلم كالشمس في رابعة النهار .
 حسناً : السيارة تعطل فرامها من مكان مرتفع ، ومنحدر شديد ، وانحدرت إلى ساحة عامة ، وفيها مئات السيارات ، فقتلت كل من فيها ، هم هؤلاء الذين اغتصبوا هذا البيت ، هناك حكمة مطلقة ، لكن نحن لا نعلم .
 أحياناً : نعلم قصة على سبيل المثال ، فلذلك : يجب أن تعلم أنه لا يوجد حركة ، ولا يوجد سكنة ، لا يوجد مرض يقع ، ولا يوجد حادث يقع ، ولا يوجد شيء يقع ، إلا بعلم الله .
 هذه القصة هدفها : أن تؤمن أن الأمر كله بيد الله ؛ جليله وصغيره ، عظيمه وحقيره ، قريبه وبعيده ، إن الأمر لله .
 فانظر إلى هذا الطفل في الصندوق ، حركة الصندوق ، حركة امرأة فرعون ، قلب امرأة فرعون ، تساهل فرعون ، المراضع امتنعت عن إرضاع هذا الغلام ، أخته تقصته و هكذا .
 حسناً : الآن فرعون - فرعون اسم على مسمى - لم لم يقتل موسى ؟ الموقف غير منطقي ، قال له : نحن نعمل موعداً متناظراً ، هذا ليس سلوك فرعون ، اقتلوه ، كلمة واحدة ينهي الأمر ، لا يوجد حاجة للعي ، معنى ذلك : أن فرعون مسير أيضاً ، أوهمه ، أخذ موقفاً أن يعمل مناظراً أمامه ، لماذا المناظرة ؟ هكذا عبد الطغاة ، لا يوجد داع أن تتناظروا ، إذاً لماذا استخدم هؤلاء السحرة ؟ هذا الساحر متفوق بالسحر ، وجد أن هذا الشيء الذي أمامه ليس سحراً، هو أتى بأفعى ولونها ، أي أتى بجلد أفعى ، وركبه على أنبوب مطاطي ، وضع فيه زئبق ، -هكذا يقولون- ، ووضعه على أرض ساخنة الحرارة ، الزئبق تمدد ، هو رجراج ، فهذه الأفاعي تحركت ، جاء الثعبان الذي كان عصا قبل قليل ، فالتقم كل هذه الأفاعي ، لأن المعجزة إذا لم يكن الإنسان متفوقاً بها فلا يؤمن بها ، لو جئنا بهذا الشيء لإنسان غير ساحر لا يؤمن ، أما هذا ساحر فيعرف كل شيء ، فلما رأوا أن هذه العصا أصبحت ثعباناً مبيناً ، وأكلت كل هذه الأفاعي المصطنعة- لذلك سحرة فرعون حرقوا المراحل - الله عز وجل أراهم رؤية فأصبحوا من كبار المؤمنين بثوان .
 هذا الصحابي الجليل الذي جاء زيد الخيل ، جاء إلى المدينة ليستطلع أمر النبي ، دخل عليه المسجد ، والنبي يخطب ، فاستمع إلى الخطبة ، والنبي قال له : " من أنت ؟ قال له: أنا زيد الخيل ، فقال عليه الصلاة والسلام : بل أنت زيد الخير ، النتيجة : كان مشهوراً بالجاهلية ، رجل شهم ، وجميل الصورة ، وكان إذا ركب الفرس ، لامست رجلاه الأرض لطوله، ولجماله ، ولبهائه ، فهذا النبي الكريم قال له : يا زيد ، ما وصف لي رجل فرأيته إلا رأيته دون ما وصف إلا أنت يا زيد ".
 النبي كرمه ، وأخذه لبيته ، أعطاه وسادة ، قال له : اتكئ عليها ، قال له : والله لا أتكئ في حضرتك . متى صار عنده هذا الأدب ؟ أحياناً الإنسان يحرق المراحل ، لذلك الشيوخ يقولون : القضية لا لمن سبق ، ولكن لمن صدق .
 أي المدة الزمنية ليس لها قيمة ، يكون شخص مثلاً بجامع مدة ثلاثين سنة ، يأتي إنسان من ثلاثة أيام يسبقه ، فكلما ازداد الصدق المرحلة تصغر ، أما بنظام تعليمنا نحن فيوجد اثنتا عشرة سنة ، اثنتا عشرة سنة بكالوريا ، و إن كنت ذكياً جداً عليك أن تجتاز هذه السنوات ، بعض البلاد متقدمة بالنواحي المادية ، من أجل أن يرعوا العباقرة ، اثنتا عشرة سنة يصبحون عشر سنوات ، أربع سنوات لسانس يصبحون ثلاث ، إذا كان الإنسان متفوقاً ، أما عند الله عز وجل فإذا إنسان تفوق زيادة ، الخمسون سنة يصبحون خمس دقائق .
 فهؤلاء السحرة فجأة لما رأوا أن هذا ليس بسحر ، إنما هي معجزة ، وأن هذا رسول الله ، آمنوا .
 يبقى الموضوع ؛ ما الذي جعل فرعون يصغر أمام موسى ، ويناظره ، ويسأله ، ويجيبه ، ويقيم موعد يوم الزينة ، يوم الجمعة مثلاً يوم العيد ، وأن يأتي بالناس جميعاً من كل أمصارهم ، لتكون مناظرة بين سحرة فرعون وبين سيدنا موسى ؟ وكيف أن هذا السحر ينتصر؟ هذا فعل الله عز وجل .

قلوب العباد بيد الله :

 الآن نستننج أيضاً من قصة يوسف أن الأمر بيد الله عز وجل ، اثنا عشر أخاً أرادوا أن يضعوا أخاهم في غيابت الجب ليموت ، فكان عزيز مصر . قال :

﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ﴾

[سورة يوسف:21]

 حسناً الآن : حتى الأحداث التي نسمعها كل يوم تؤكد هذه الحقيقة ، تجد دولة عظمى مثل الاتحاد السوفييتي ، لا يمكن أن تنهار بالعقل أبداً ، قلعة من قلاع الكفر ، ومع ذلك تهاوت كبيت العنكبوت ، هذه من آيات الله ، والآن الناس يعظمون أمريكا كثيراً ، والخبراء يتنبؤون لها بالسقوط بعد ثلاثين عاماً ، أو بعد عشر سنوات من الداخل ، لأن الله كبير ، فلذلك موضوع أن تنسى أن الله موجود ، والأمر كله بيده ، موضوع كبير جداً .
 كل ما أريد أن أقوله لكم : يجب أن تعلم أن الأمر كله بيد الله ، عندما أنت تخلص، عندما أنت توحد ، تجد نفسك أخلصت بشكل لا شعوري ، عندما توحد استقمت ، عندما توحد لم تعد تنافق ، عندما توحد تتجه إلى الله وحده ، عندما توحد تنطلق إلى العمل الصالح .
 القصة كلها عوضاً عن أن تكون موزعاً بين مئة جهة ، قال لك : ليس لك إلا إله واحد ، هذه القصص كلها ، لا يوجد قوي مع الله عز وجل ، ولا يوجد ذكي مع الله ، ولا يوجد إنسان مع الله ، أبداً ، مع الله لا شيء ، لكن أحياناً تتوافق خطة الكافر مع خطة الله عز وجل، والتعبير الأدق أن خطة الله تستوعب خطة الكافر ، تجد الكافر فيما يبدو لك أنه أمر ونفذ ، هو أمر ونفذ ، لكن هذا الأمر والتنفيذ ورد بخطة الله عز وجل ، لأن الكافر لا يمكن أن يفعل شيئاً ما أراده الله ، لا يمكن ، هذا معنى :

﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا﴾

[سورة العنكبوت:4]

 الكافر لا يفعل شيئاً ما أراده الله ، ولا يستطيع التفلت من قبضة الله ، الأمر كله بيد الله ، لذلك :

﴿قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى﴾

[سورة طه:45]

﴿قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾

[سورة طه:46]

 هناك نقطة أدق من ذلك ؛ حتى قلب فرعون بيد الله عز وجل ؛ أحياناً يخوفه ، أحياناً يلينه ، أحياناً يجعله قاسياً .
 الآن : أنت موظف بيد الله ، تجد تساهلاً معك ، لا تفهم ما السبب ؟ وأحياناً يؤدبك الله ، لأن قلوب العباد بيد الله عز وجل ، الذي يوافق ، يكون الله قد ألهمه أن يوافق ، والذي يرفض ألهمه لله أن يرفض ، فقلوب العباد بيد الله ، وأنت بيد الله عز وجل .
 وتجد أحياناً الأحداث تجري على خلاف المنطق المادي ، وهذا الشيء ثابت ، كل يوم يوجد ألف قصة تؤكد ذلك ، أحياناً الله ينصر بالرعب ، أحياناً القوي يجعل قلبه هواء فينهار، أحياناً الضعيف يقوي له قلبه فيقوى ، لا يوجد قاعدة ، القاعدة : أن الأمر بيد الله ، و أن نهاية العلم التوحيد .

 

ثمرات الدين كلها تحتاج إلى التوحيد :

 الحقيقة : لا يوجد في القرآن غير التوحيد ، لما ربنا يريد أن يلخص القرآن كله بكلمة ، يقول لك :

﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾

[سورة الكهف:110]

 لما الله يريد أن يلخص دعوة الأنبياء كلها :

﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا﴾

[سورة الأنبياء:25]

 ولما الله يريد أن يلخص الدين كله ، يقول لك :

﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾

[سورة محمد:19]

﴿مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ﴾

[سورة المؤمنون:32]

 الإخلاص أهم شيء ، أنت مخلص بقدر ما أنت موحد ، الاستقامة أهم شي ، أنت مستقيم بقدر ما أنت موحد ، السعادة النفسية أنت سعيد نفسياً بقدر ما أنت موحد ، كل ثمرات الدين تحتاج إلى التوحيد ، وهذه القصة كلها توحيد ، تجده يتحرك حركة غير معقولة ، على خلاف منطقه ، فرعون جبار ، أي الطغاة لا يهمهم ، القتل سهل جداً ، بكلمة ينهيه .
 قلت لكم مرة : الحسن البصري لما دخل على الحجاج ، الحجاج طلبه ليقطع رأسه، والنطع مُد ، والسياف جاهز ، أعطى أمراً بأن يأتوا به ، فلما دخل ، وجد الحجاج نفسه يرحب به و يقول له : أهلاً ، أهلاً بأبي سعيد ، تفضل ، قربه ، قربه ، حتى أجلسه على سريره .
 حسناً : أنت أتيت به لتقتله ، ما الذي حدث معك في الداخل ؟ أجلسه على سريره ، وسأله سؤالاً ، وعطره ، وطلب منه الدعاء ، وشيعه إلى باب القصر ، هذا الحاجب اختل توازنه، الحاجب والسياف لحقوا به : يا أبا سعيد ، لقد جيء بك لغير ما فعل بك !! قال له : والله قلت: يا رب ، يا ملاذي عند كربتي ، ويا مؤنسي عند وحشتي ، اجعل نقمته عليّ برداً وسلاماً ، كما جعلت النار برداً وسلاماً على إبراهيم .
 انقلب الوضع كله ، عملك مع الله ، مع الله وحده ، لا يوجد أحد قوي ، ولا يوجد أحد جبار ، ولا يوجد أحد طاغية .
 ورد في الحديث القدسي : " أنا ملك الملوك ، ومالك الملوك ، قلوب الملوك بيدي ، فإن العباد أطاعوني ، حولت قلوب ملوكهم عليهم بالرأفة والرحمة ، وإن هم عصوني حولتها عليهم بالسخط والنقمة ، فلا تشغلوا أنفسكم بسب الملوك ، وادعوا لهم بالصلاح ، فإن صلاحهم بصلاحكم " .
إن الأمر كله لله .

 

التوحيد هو نهاية العلم :

 وأدق آية في هذا الموضوع : الله أمرك أن تعبده ، ما أمرك أن تعبده إلا بعد أن طمأنك أن الأمر كله بيده . قال لك :

﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾

[سورة هود:123]

 هذا القرآن بين يديك ، يقول لك : لا يوجد غيري يا عبدي ، لا تغلب نفسك ، إذا رضيت عليك عدوك يخدمك ، وإن غضبت عليك أقرب الناس إليك يتخلى عنك ، وهذا الشيء ثابت .
 من أقرب الناس له ؟ ابنه أحياناً يتخلى عنه ، زوجته تتخلى عنه ، وإذا الإنسان استقام ، وأرضى الله عز وجل ، أشدّ أعدائه خصومة تجده يخدمه و ينصحه .
 أنا أريد أن أقول لكم : إن المسلم يجب ألا يكون ضعيف المعنويات ، إذا وجد الطرف الآخر قوياً جداً ، هو ضعيف جداً ، الطرف الثاني قوي بالله ، وأنت أيضاً قوي بالله ، أي الأمر بيد الله عز وجل ، أنت لست مكلفاً أن تأتي بالمعجزات ، مكلف أن تجتهد بإعداد ما هو متاح ، وعلى الله الباقي .
 أنتم الآن بالوضع العام ، هناك دول عظمى ، دول صغيرة ، متخلفة ، متنامية ، بطرف إفريقيا ، هذه تستطيع أن تحارب أمريكا وتغلبها ؟ هذا الشيء خلاف منطق التاريخ ، الذي حدث في مطلع الإسلام هكذا ، بداة ، عرب ، حفاة ، متخلفون ، في أعماق الصحراء ، يغلبون دولتين عظيمتين ، حضاريتين ، هذا نفس الترتيب ، نفس النسبة إطلاقاً ، فلذلك القصة هنا : أحياناً تتحرك الأحداث على خلاف المنطق المادي ، على خلاف منطق توازن القوى ، هذا هو الدين ، الدين أن توحد ؛ ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد .
 والتوحيد نهاية العلم ، والدين كله توحيد ، وأنت بالتوحيد تستقيم ، وتسعد ، وتقوى نفسك ، وترتفع معنوياتك ، وتخلص ، وترقى ، و لكن قبل أن تتحرك ، قل : لا يوجد إلا الله عز وجل ، الله يعطي ويمنع .
 سمعت البارحة قصة ، إنسان طلب من مئة حاج أن يعاونهم معاونة بإجراء بعض المعاملات ، قال لهم : أريد من كل واحد منكم مئة ليرة ، قالوا له : حسناً ، لما أخذ الجوازات ، صار معه مئة جواز ، قل لهم : أريد ألفاً ، لا أعطيكم الجواز إلا بألف ليرة ، أرغموا على ذلك، ورفعوا دعوى عليه ، هذا اشترى فيهم سيارة ، عمل فيها حادثاً ، نجا بأعجوبة و أصبحت السيارة كلها ملقاة على قارعة الطريق .
 تلاحظ أن الأمر كله بيد الله عز وجل ، تستقيم ، تجد الطريق إلى الله سالكاً ، هذه كل القصة ، إذا أنت لم تؤذ أحداً ، تجد الله راضياً عنك ، إذا شعرت أن الله راض عنك ، حققت كل شيء ، أما إذا كنت تشعر أنه من الممكن أن تعمل شيئاً الله لا يعلم به ، أو من الممكن ألا يحاسبك الله عليه ، طبعاً لا تستقيم ، التوحيد هو نهاية العلم .

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور