- أحاديث رمضان
- /
- ٠01رمضان 1415 هـ - قراءات قرآنية
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
الانتصار لدين الله سبب انتصار الإنسان على خصمه :
أيها الأخوة الكرام ؛ النصر على إطلاقه ؛ قد تنتصر على عقبة في طريق الحياة ، وقد تنتصر على عدو ، وقد تنتصر على خصم ، وقد تنتصر نصراً فردياً ، وقد تنتصر نصراً جماعياً ، النصر على إطلاقه محبب إلى الإنسان . وربنا عز وجل يقول :
﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ﴾
أي شعور المنتصر شعور لا يوصف . ربنا عز وجل في هذه الآيات يقول :
﴿ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾
قانون ، أي حتى على المستوى الفردي دعك من الأمور العامة ، أنت لك منافس ، لك خصم ، لك عدو ؛ في عملك ، في حيّك ، في بيتك ، إذا أنت نصرت دين الله بإقامة أمره ، وترك نهيه ، هذا الانتصار لدين الله سبب انتصارك على خصمك ، فكلّ إنسان أراد أن ينتصر ، أراد أن يوفقه الله ، أن يؤيده الله ، أن يرفعه الله ، عليه أن ينتصر لدين الله .
من الأدعية التي يقشعر لها الجلد : " اللهم إنا نعوذ بك من عضال الداء ، وشماتة الأعداء" .
نظام الحياة مبني على الخصومات :
بالمقابل : كما أن النصر مسعد للإنسان ، أن يشمت العدو من أكبر المصائب ، العدو اللدود يشمت بمصيبة وقعت بك ، فربنا عز وجل يبين ، و هذا الإله العظيم التعامل معه مقنن بقوانين .
يوجد شخص مزاجي ، لا تستطيع أن تتعامل معه ، يرضى بلا سبب ، ويغضب بلا سبب ، هذا الإنسان المزاجي التعامل معه صعب ، إلا أن الخالق العظيم أعطاك قوانين ، قال لك : أنا أنصرك إذا نصرت ديني ، وأخذلك إذا خذلت ديني ؛ فكل أمة ترجو النصر من الله، ولا تقيم أمر الله في حياتها ، هذا الرجاء ساذج ، وكل أمة ترجو نصر الله عز وجل ، وتقيم أمر الله في حياتها ، هذا رجاء حقيقي ، على مستوى أمة ، وعلى مستوى فرد ، فلا يوجد إنسان ليس له خصوم على الإطلاق ، هكذا شاءت حكمة الله عز وجل ، وكذلك في الأنبياء ، أعظم الأنبياء ، الأنبياء كمل ، معصومون . قال :
﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ﴾
أي كان من الممكن أن يأتي النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى مكة دون أي خصم، هؤلاء أبو جهل ، وأبو لهب ، هؤلاء الأعداء الألداء ، لو أن الله أخّر ولادتهم لبعد حوالي مئة سنة ، نشأ مع أصحابه فقط ، لا يوجد أي مشكلة ؛ لكان ليس هناك حرب بدر ، ولا أحد ، ولا الخندق ، ولا الهجرة ، إذا ألغيت الخصم ألغيت وجودك ، لأن الخصم يبرز فضائلك ؛ الخصم يبرز ثباتك على الإيمان ، الخصم يبرز صبرك ، الخصم يبرز محبتك لله عز وجل ، الخصم يبرز صدقك بطلب الحق ، فالخصم له فائدة كبيرة جداً ، هو الذي يدفعك في طريق الإيمان ، لكن حياة بلا خصوم ، حياة بلا حركة ، تُلغى الحركة ، لو ألغيت الخصم ، ألغيت الحركة ، لم يبق هناك حركة .
الآن حتى في التجارة ، إذا كان هناك تنافس ، تجد أن هناك إتقاناً ، الغ التنافس ، لم يبق هناك إتقان ، تهمل الصناعة ، تهمل التجارة ، أما وجود خصم لك في التجارة ، في الصناعة ، فهذا الخصم يدفعك إلى مزيد من الإتقان ، فليس كل شيء أنت تنزعج منه هو سيئ:
﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾
نظام الحياة مبني على الخصومات ، فإذا أردت أن تنتصر على خصمك ، فانصر دين الله ، ثمن النصر أن تنصر دين الله . قال :
﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾
الله هو القوي ، أنت حينما تنصر دين الله ، قوة الله عز وجل معك ، أي هذه القوة الكبرى ، القوة المطلقة ؛ إما أنها معك ، وإما أنها عليك ، فإذا كان الله معك ، لا تستطيع جهة في الأرض أن تقهرك ، وإذا كانت هذه القوة المطلقة عليك لا تستطيع أي جهة أخرى أن تنصرك.
كيفية الانتصار لدين الله :
كيف ينتصر الإنسان لدين الله ؟ قال :
﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ﴾
من خلال هذه القوة التي مكنهم الله منها ، يقيمون الصلاة ، يدعون إلى إقامة الصلاة ، يسهلون إقامة الصلاة .
الآن أحياناً يكون الشخص ناجحاً في عمله ، عنده صانع ، لا يسمح له أن يصلي أبداً ، ومسلم ، وناشئ في بيئة مسلمة ، يقول له : لا أسمح لك أن تصلي ، هذا مكنه الله في الأرض ، لكن لم يسمح أن تقام الصلاة على مستوى فردي ، فمن علامة أن تنتصر لدين الله إذا مكنك الله في الأرض أن تمكن لدينه ، أن تقيم شعائره :
﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾
والحقيقة هناك معنى آخر هو أن الله سبحانه وتعالى لا يحتاج إلى أن تنصره ، هذا معنى غير مقبول ، معنى فاسد ، لكن الآية تشير إلى أنّ عليك أن تنصر دين الله ، ونصر دين الله أن تقيم أنت شعائر الله ، أو أن تسمح بإقامتها ، أو أن تشجع عليها ، إذا شجعت على الاستقامة ، وعلى أداء الصلوات ، وعلى دفع الزكاة ، وعلى الأمر بالمعروف ، فأن تفعل أنت هذا الشيء نوع ، وأن تسمح له نوع ثان ، أو الأصل أن تسمح له أولاً ، هذه أقل مرتبة ، ثم أن تفعله أنت ، ثم أن تشجع عليه ، أن تسمح له ، ثم تفعله ، ثم تشجع عليه ، فالذي يريد أن ينتصر على خصمه ، ويذوق طعم النصر عليه بنصر دين الله عز وجل ؛ إما بإقامة شعائره ، أو بالدعوة إليه .
الظلم الاجتماعي سبب هلاك الأمم :
يوجد سورة رائعة جداً . يقول الله عز وجل :
﴿فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا﴾
طبعاً من معاني هذه الآية ، أو أحد أسباب هلاك هذه القرية ما كان فيها من ظلم اجتماعي كبير ، أي فئة ، أو طبقة تتمتع بأعلى درجات الغنى ، طبعاً الغنى غير مشروع ، وفئة محرومة من أبسط مرافق الحياة :
﴿وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ﴾
فئة في المجتمع بأعلى درجات الرفاه ، وفئة أخرى محرومة من أدنى مرفق من مرافق الحياة وهو البئر :
﴿وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ﴾
هذا الظلم الاجتماعي يسبب هلاك الأمم .
آيات الله عزّ وجل امتحان لكلّ إنسان :
أحياناً الإنسان يفهم القرآن فهماً ما أراده الله أبداً ، لكن ربنا عز وجل لحكمة بالغة يصوغ الآيات صياغة ، إذا الإنسان نفسه خبيثة ، يفهم المعنى الذي ما أراده الله ، وكأن في آيات القرآن الكريم امتحاناً لهذا الإنسان . انظر هذه الآية :
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ﴾
أي إذا الشيطان تمكّن أن يلقي في أمنية النبي شيئاً ، النبي إذاً غير معصوم، والنبي إذا تكلم كلاماً فلعله مسحور ، أما هذه الهاء ؛ إما أن ترجعها إلى النبي ، وإما أن ترجعها إلى الشيطان ، أي :
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ﴾
هذا النبي هداية قومه ، إضلالهم ، الهاء تعود على الشيطان ، النبي تمنى هداية الخلق ، والشيطان تمنى إضلالهم ، هو شيء صحيح ، وثابت ، أما أن يصل الشيطان إلى النبي فيلقي في أمنيته شيئاً فالنبي لم يعد معصوماً :
﴿إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ﴾
إذا كان المؤمن بسيطاً جداً ، إذا قال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، فالشيطان يحترق ، قل : أعوذ بالله ، قل أعوذ برب الفلق :
﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ﴾
إذا كان المؤمن بسيطاً ، إذا استعاذ يطرد الشيطان ، ويحرقه ، فكيف بالنبي العظيم؟ إذاً: هذه الهاء لا تعود على النبي ، إنما تعود على الشيطان ، وفرق كبير جداً بين المعنيين :
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ﴾
الله عزّ وجل لا يتخلى عن المؤمنين :
أحياناً الناس ييئسون ، يقول لك : أخي هكذا خطط اليهود ، والصهيونية العالمية ، والماسونية ، والاستعمار ، صحيح ، هذا كله صحيح :
﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾
لكن أين الله ؟ الله عز وجل موجود ، ينسخ تخطيطهم ، انظر ؛ ينسخ ، يلغي خططهم ، يلغي مكرهم ، يلغي تدبيرهم ، يلغي أعمالهم السيئة :
﴿فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾
إذا الإنسان قرأ الآيات بتدبر ، لم يعد عنده أمراض نفسية ، لأن هذا القرآن شفاء ، ما هذا المرض النفسي ؟ اليأس أحياناً ، الشعور بالحرمان ، القهر ، هناك مشاعر إنسانية تحكم الإنسان ، إذا قرأت القرآن الكريم ما عندك شعور باليأس ، لا يوجد عندك شعور بالقهر ، لأن الله عز وجل لا يتخلى عن المؤمنين :
﴿فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾
تسخير السموات و الأرض للإنسان :
الشيء الآخر ؛ أن الله عز وجل سخر لك أيها الإنسان ما في السموات وما في الأرض ، أي أنت عند الله أعلى مخلوق ، تجد شعوباً تعبد بقرة ، شعوباً تعبد نجماً ، شعوباً تعبد الشيطان ، شعوباً تعبد الأصنام ، فهل من المعقول الإنسان هو سيد المخلوقات ، والكون كله مسخر له ، يصبح هذا الإنسان بعقله وفهمه وذكائه يعبد هذه الأشياء ؟
هناك أناس ذهبوا إلى بلاد آسيا ، واليابان ، يستغربون دكتور ، إنسان يحمل أعلى شهادة ، يدخل إلى معبد بوذا ، ويقيم الطقوس التي لا معنى لها إطلاقاً ، والصنم أمامه .
أنا حدثني أخ ، زار معبداً من معابد بوذا ، وجد فاكهة من أعلى مستوى في حضرة هذا الصنم ، أو هذا الإله المزعوم عندهم ، فسأل : لماذا هذه الفواكه هنا ؟ قالوا : يأتي بها الناس من الليل ليأكلها هذا الصنم ، سبحان الله ! بعد ذلك فهم أن رجال الكهنة هم الذين يأكلونها في الليل ، أي من يقوم على هذا المعبد اخترع هذه الفكرة ، حتى تأتيه الفواكه ، تأتيه الأشياء الطيبة ، فيأكلها بدل الآلهة في الليل ، فالإنسان مسخر له الكون ، هو ينقلب إلى أداة بيد حجر ! يعبد حجراً ؟ يعبد قمراً ؟ يعبد شمساً ؟ هناك عباد الشمس ، وعباد القمر ، وعباد الحجر ، فالإنسان عندما يعبد غير الله يضع نفسه في أحط مرتبة في المخلوقات ، أنت مكرم .
تحرك الكون بانتظام متوازن :
عندما تقول فكرة ، أخي من أين جاءت الفكرة ؟ هذه ليست فكرة ، هذه من عندنا ، القرآن يقولها :
﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾
بعد ذلك أنت تلاحظ أن هذا الكون يتحرك بانتظام متوازن ، وأي خلل فيه يجتمع بعضه على بعض ، وتنتهي الحياة .
أحياناً الناس يقلقون من الأمطار ، يوجد شيء مقلق أكبر ، لكن ربنا عز وجل رحمة بنا ثبت الأشياء ، الدوران لو وقف ، انتهت الحياة ، ممكن نجم كبير يتجه نحو بالأرض فينهيها نهائياً .
دائماً يوجد في الكون نظام دقيق ، لكنه ثابت ، ثبت الله هذا النظام رحمة بنا ، نحن ما عندنا أن تشرق الشمس اليوم و لا تشرق في اليوم الثاني ، لا حول الله ، هذه غير واردة إطلاقاً ؛ شروق الشمس ثابت ، الليل والنهار ثابت ، السنة الشمسية ثابتة ، لكن هناك قلقاً من جهة الأمطار ، الله حرك الأمطار ، أيضاً حركها رحمة بنا ، الذي ثبته رحمة بنا ، الذي حركه رحمة بنا ، الذي ثبته من أجل أن تنتظم حياتنا ، والذي حركه من أجل أن نلتجئ إليه ، الثبات له حكمة ، والحركة لها حكمة .
الحقيقة الإنسان يجد نفسه إذا عرف الله ، ومشاعر الحرمان ، ومشاعر الإحباط ، تنتهي من حياة المؤمن ، والإنسان بمعنوياته العالية ينتصر على العقبات التي أمامه ، وبمعنوياته العالية يؤيده الله عز وجل ، لذلك :
﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾