- أحاديث رمضان
- /
- ٠01رمضان 1415 هـ - قراءات قرآنية
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
النّجاح الحقيقي أن تصل إلى دار السلام بسلام :
أيها الأخوة الكرام ؛ لا يوجد شعور يسعد النفس كأن يشعر الإنسان أنه نجح في موضوع ما ؛ النجاح في الدراسة مسعد ، والنجاح في الوظيفة مسعد ، والنجاح في التجارة مسعد، والنجاح في الزراعة مسعد ، يشعر الناجح في عمله بنشوة ، لكن هذه النجاحات كلها نجاحات مؤقتة ، تنتهي عند الموت ، النجاح المطلق ، الحقيقي ، الأوحد هو أن تنجح في الوصول إلى دار السلام بسلام ، أن تتجاوز الدنيا إلى الآخرة ، وأن يكون لك في الآخرة مقعد صدق عند مليك مقتدر .
حسناً : ما هو النجاح ؟ يوجد آيتان في القرآن الكريم :
﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى* وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ﴾
﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾
أي إذا آمنت بالله فقد أفلحت ، أفلحت الفلاح المطلق ، نجحت النجاح المطلق ، تفوقت ، اجتزت المخاطر ، وصلت إلى الأهداف :
﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾
الشيء كلما وصف ضاقت دائرته :
إلا أن في القرآن الكريم وفي هذه الآية بالذات حقيقة منطقية ، هذه الحقيقة المنطقية أن الشيء كلما وصف ، كان الوصف قيداً ، وضاقت دائرته .
الآن إذا قلنا : إنسان ، خمسة آلاف مليون ، قل : إنسان مسلم ، ألف و مئتا مليون، قل : إنسان مسلم عربي ، مئة و خمسون مليوناً ، قل : إنسان مسلم عربي مثقف ، عشرة ملايين ، إلى آخره . كلما أضفت صفة ، تضيق الدائرة :
﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾
أي مؤمن؟ لا :
﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾
هذا أول قيد :
﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾
هذا قيد ثان :
﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُون﴾
قيد ثالث :
﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ﴾
قيد رابع :
﴿إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ﴾
قيد خامس :
﴿فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾
﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾
هذا قيد سادس :
﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾
بالطاعة والاستقامة ، هذا قيد سابع :
﴿أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ﴾
﴿الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾
فالفلاح ليس لمطلق المؤمنين ، للمؤمنين وهذه صفاتهم ، وكل صفة قيد .
أحياناً الإنسان يجد إعلاناً في الجريدة ، يقول لك : وظيفة راتبها يقدر بعشرين ألف ليرة، يسيل لعابه لها ، فإذا قرأ الشروط يجد أنهم يريدون أن يكون معه دكتوراه ، وخادم عسكرية، ومجتاز الفحوص الفلانية ، أي يضعون شروطاً لا تتواجد في كل القطر إلا في سبعة أو ثمانية أشخاص ، فالصفات قيد ، كل صفة قيد . فالله عز وجل لما قال :
﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾
هذه صفاتهم ، فإذا توافرت كل هذه الصفات كنت ممن أفلح .
العلم الصحيح هو العلم الذي توافقت حقائقه مع القرآن الكريم :
لي صديق طبيب عظمي ، درس في بريطانيا ، عندهم أستاذ يعد من أعلى الأساتذة في اختصاصه ، وله كتاب يسمى هناك في بريطانيا الإنجيل - علم الأجنة - لأنه كتاب مشهور جداً ، مطبوع طبعات كثيرة جداً ، يُدرّس في أكثر من جامعة ، وهذا الكتاب يؤكد أن تشكل اللحم قبل تشكل العظم ، وهذا الشيء بديهي ، ومقطوع به ، ولا يتناقش به اثنان على الإطلاق .
يقول لي هذا الصديق : فجأة دخل علينا هذا الأستاذ الكبير - أستاذ علم الجنين- وقال : لقد اكتشفت حقيقة خلاف ما تعلمون في كتابي ، هذه الحقيقة هي أن تشكل العظام قبل تشكل النسيج اللحمي ، فقام طالب باكستاني ، قال له : هذه الحقيقة موجودة في كتابنا ، الأستاذ لم يصدق ، في اليوم التالي جاء بالقرآن الكريم مترجماً إلى اللغة الأجنبية وقرأ عليه هذه الآية :
﴿فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً﴾
معنى هذا أن العظم مشكل قبل اللحم ، يُستنبط أنه كلما تقدم العلم اقترب من القرآن الكريم .
هناك أشخاص إن جاء في العلم آية تؤكد كلام الله يفرح ، لا ، على العلم أن يفرح إذا توافقت حقائقه مع القرآن الكريم ، كلام الله هو الأصل ، لأنه كلام خالق الكون .
يوجد مسلمون كثر يعكسون الآية ، يجعل العربة أمام الحصان ! العلم الحديث إذا اقترب من القرآن يكون علماً صحيحاً ، أما إذا ابتعد فهو علم ساقط لا قيمة لها ، الأصل هو القرآن الكريم .
العاقل لا يندم أبداً :
الحقيقة كنت أقول لكم دائماً : إن العاقل لا يندم ، والندم معناه ضعف في العقل . فربنا عز وجل قال :
﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ ﴾
ورد في الحديث أن السيدة عائشة -رضي الله عنها - سألت النبي - صلى الله عليه وسلم– قالت : يا رسول الله ، أيعرف بعضنا بعضاً يوم القيامة ؟ قال : نعم يا أم المؤمنين إلا في ثلاثة مواطن - وذكر هذه المواطن الثلاثة - عند الصراط ، وإذا الصحف نشرت ، وعند الميزان ، قال : وفيما سوى هذه المواقف الثلاثة ، قد تقع عين الابن على أمه ، وقد تقع عين الأم على ابنها في الآخرة ، تقول له : يا بني ، لقد جعلت لك بطني وعاء ، وصدري سقاء، وحجري غطاء ، فهل من حسنة يعود عليّ خيرها اليوم ؟ يقول : ليتني أستطيع ذلك يا أماه ، إنني أشكو مما أنت منه تشكين .
﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ ﴾
يأتون فرادى ، الإنسان في الدنيا له جماعة ، له عزوة ، له أهل ، له أقرباء ، يتحرك أحياناً الكل لإنقاذه ، أما في الآخرة فكل إنسان يأتي وحده ، ويسأل عن عمله ، ولا تزر وازرة وزر أخرى .
أحياناً أهل الدنيا يسخرون من المؤمنين ، يرونهم ضيقي الأفق ، حرموا أنفسهم مباهج الدنيا ، عكفوا في بيوتهم يذكرون الله ، يرونهم ضعاف التفكير ، أما هؤلاء الكفار الفجرة ، فهم عرفوا كيف يعيشون ؟ كيف ينغمسون في الملذات إلى قمم رؤوسهم ؟ لكن البطولة في الموقف الأخير . قال :
﴿ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ * إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾
وفي آية أخرى :
﴿فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ﴾
أي أنت يجب أن تطمئن أنك إذا عرفت الله ، واستقمت على أمره ؛ أنت السعيد، وأنت الفالح ، وأنت الناجح ، وأنت المتفوق ، وأنت الفائز ، والشعور بالفوز ، والنجاح ، والتفوق شعور لا يوصف .
تسوية الحقوق يوم القيامة :
ثم يقول الله عز وجل :
﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً﴾
هذا الإله العظيم ، وهذا الكون يشهد له بالكمال ، أيعقل أن يُخلق إنسان بلا هدف ؟
الآن نحن في حياتنا المعاصرة جامعة ضخمة ، كلفت ألف مليون ؛ مخابر، قاعات تدريس ، مدرجات ، مكتبة ضخمة ، حدائق ، بيوت للطلبة ، خمسمئة ، ستمئة بروفيسور ، بأعلى الدرجات ، ميزانية ضخمة ، ولا يوجد امتحان آخر السنة ؟ غير معقول ، معنى هذا أن هذه الجامعة عبث :
﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً﴾
إنسان يكسب مالاً حراماً ، يلعب على الناس ، يحتال عليهم ، وتنتهي الحياة هكذا ؟
إذا شخص دخل لمسرحية ، وفي أول فصل الأمور تعقدت ، إنسان قتل ، أو إنسان خان ، ثم أرخي الستار ، لا أحد يقوم من مكانه ، يقول لك : لم تنته بعد ، تفضلوا ، المسرحية انتهت ، يقول لك : لا لم تنته ، هذا أول فصل فقط ؛ لأن هناك أشياء لم تحل بعد ، حسابات لم تسوَّ ، حقوق لم تؤدَّ ، مصير لم يظهر ، إذا كنت أنت بمسرحية ، ووجدت الأمر تعقدت ، وصار هناك جريمة ، أو صار خيانة ، ينبغي ألا تنتهي المسرحية ، حتى تظهر نتيجة المجرم أو الخائن ؛ فكيف كون خالقه عظيم وفيه ظلم ظاهري ؟ طبعاً وفيه غني وفقير ، وقوي وضعيف، وحاكم ومحكوم ، وظالم ومظلوم ، ويأتي الموت وتنتهي الحياة هكذا بهذه البساطة ؟ مستحيل ، لا بد من يوم تسوى فيه الحقوق ، لا بد من يوم الدين ، بالفاتحة :
﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾
يوم الجزاء ، يوم الدينونة ، يوم الحكم بين الخلائق :
﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾
في آية أخرى :
﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى﴾
﴿أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى﴾
﴿ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى ﴾
فعل الله كلّه خير :
أخواننا الكرام ؛ تعقيب على درسين سابقين ، لما قلنا :
﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾
قلت لكم : إن فعل الله خير كله ، ولو بدا في ظاهره شراً ، لأنه من أركان الإيمان أن تؤمن بأن القدر خيره وشره من الله تعالى ، أما الشر فنسبي ، الشر بالنسبة للإنسان في حياته الدنيا المحدودة ، أما لو نسبت هذا الفعل للآخرة لانقلب إلى خير :
﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاؤوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾
حادث الإفك ؛ السيدة عائشة تأخرت عن القافلة ، واتهمت في عفتها ، وفي شرفها، وهي زوجة رسول الله ، والألسنة لاكت هذا الموضوع ، والمنافقون روجوا هذا الخبر ، والمدينة ضجت بهذا النبأ ، وبقي هذا النبأ شهراً بأكمله ، ولم يأت وحي ينفي عنها هذه التهمة ، والله هذا شيء صعب ، ومع ذلك يقول الله عز وجل :
﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاؤوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾
أحياناً يكون هناك حادث معين ، يمتحن الجميع ، المؤمن ظهر حسن ظنه برسوله وبزوجته ، والمنافق ظهر سوء ظنه .
يقولون طرفة ؛ حينما ألقي سيدنا إبراهيم في النار ، جاء أبو بريص ، بدأ ينفخ حتى يزيد النار اشتعالاً ، جاءت ضفدعة ، تملأ فمها ماء ، من أجل أن تطفئها ، لم يستطع أبو بريص أن يزيدها ، ولا الضفدعة أن تطفئها ، لكن كل واحد عمله .
أي الذي روّج الخبر جاءت التبرئة حاسمة ، والذي قال : غير معقول ، هذه أم المؤمنين ، أيضاً ظهر معدنه ، فحادث واحد كشف الكل ، والله أحياناً الإنسان يكون موهوماً بحاله ، وقد ينكشف الإنسان فيغير سلوكه ، يتوب مثلاً ، المؤمن يزداد إيماناً ، والمقصر يتلافى تقصيره ، والمنافق ينكشف لعله يتوب ، فهذا الذي وقع هو خير مطلق ، لا تحسبوه شراً لكم؛ لكن بالمناسبة إنسان له دعوة إلى الله ، له قياس ، عد للمليون قبل أن تقول : فلان سيئ ، لأنه يوجد أناس استفادوا منه كثيراً ، تأكد ؟
دائماً المنحرفون ، والفاسقون ، والفجار ، يتلذذون بالطعن بأهل الدين ، هم عندهم اختلال توازن ، ما دام عندهم معصية ، وانحراف ، وانغماس في الملذات ، بحسب فطرتهم السليمة اختل توازنهم ، ما الذي يعيد لهم هذا التوازن ؟ أن يطعنوا بالصالحين .
تسمع قصصاً ليس لها أصل ، إطلاقاً ليس لها أصل ، تجد قصة كلها افتراء ، فهذا الذي يروج قصصاً تطعن بأهل الدين ، بالدعاة إلى الله ، عليه أن يتوب .
أي إذا كان هذا الإنسان داعية - لا أحد معصوم - ويستفاد منه ؛ لا تحطمه ، لا تشكك الناس فيه ، لا تطعن به ، هذا عمل شيطاني .
توعّد الله من أحبّ أن تشيع الفاحشة بين المؤمنين بالعذاب الأليم :
اسمع الآية الكريمة :
﴿وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾
نعم ، أما الشيء الذي لا يصدق في هذه الآية ، وأنا قلتها كثيراً :
﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾
ما فعلوا شيئاً ؛ ما تكلم ولا كلمة ، ولا لفظ لفظة ، ولا أشار إشارة ، ولا تصرف تصرفاً ، إلا أنه فرح بفاحشة سرت بين المؤمنين ، فرح بفضيحة مؤمن ، ارتاح ، معنى ذلك أن هذا الإنسان ليس مؤمناً ، إنه مع المنافقين .
أي هل هناك أم على وجه الأرض من دون استثناء تتمنى فضيحة ابنتها ؟ لا ، فإذا وجدت أماً تتمنى ذلك فهذه ليست ابنتها ، وهذه ليست أماً قطعاً ، بحسب الفطرة لا يوجد أم بالأرض تتمنى فضيحة ابنتها ، فإن وجدت مثل هذه الحالة ، فالدليل أن هذه الفتاة ليست ابنتها، وأن هذه الأم ليست أمها .
الآن الشيء الخطير أن الإنسان إذا سمع خبراً من مؤمن ، قد يكون غضِباً :
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾
أخواننا الكرام ؛ هذا سلوك شريف جداً ، سمعت قصة لم ترتح لها أنت ، اسأل يا أخي ، تأكد ؛ هذا قد يكون فاسقاً ، قد يكون جاهلاً ، قد يكون غير عدل ، غير ضابط ، قد يكون بسذاجة روّج خبراً ، ليس له أساس من الصحة ، والله الذي لا اله إلا هو آلاف الأخبار التي سمعتها عن أناس صالحين ليست صحيحة ، أما الآن فالشيء الشائع كلما رأوا شخصاً دعا لله يتهمونه ؛ إما بأمانته ، أو باستقامته ، أو بمطامع معينة ، هذا عمل شيطاني لا يرضي الله أبداً ، فالذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم .
أنت موقفك إذا استمعت إلى قصة ألا تطعن بإنسان تظنه صالحاً ، اذهب إليه ، واسأله ، قل : يا أخي أنت مؤمن ، وأنت أخي حقاً ، وهذه القصة آلمتني جداً ، ما حقيقتها ؟ فإن كانت وقعت ، تعرف حجمها الحقيقي ، و قد تكون غير واقعة أصلاً ، تطمئن أنت ، وترد عنه ، فإذا شخص سمع قصة فهو مؤاخذ إن لم يتحقق ، لعل ليس لها أصل :
﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾
نعم الطيبون للطيبات ، الطيبات للطيبين ، والطيبون للطيبات ، هذا ليس حكماً تكوينياً ، هذا حكم تكليفي ، أن آلاف الأسر ؛ الزوج طيب جداً ، وزوجته غير طيبة ، ويوجد آلاف الأسر الزوجة طيبة ، والزوج غير طيب ، معنى ذلك أيها المؤمنون اجهدوا ، وينبغي أن تزوجوا الطيبات للطيبين ، يقع أحياناً إشكال : يأتي إنسان غني ، يحل كل مشاكل الأسرة ، لكن دينه قليل ، وابنتك تربت تربية عالية ، إياك أن تطمع بماله ، ابحث لها عن مؤمن ، فإن أحبها أكرمها ، وإن لم يحبها لم يظلمها .
الابتعاد عن الازدواجية في الحياة :
أحياناً الإنسان يدرك بالفطرة ، أو بالحاسة السادسة ، أن قضيته تحل بالمحاكم ، لم يعد يريد أهل الدين ، أخي هناك قانون ، نحن نعيش في بلد فيه قوانين ، وفيه قضاء .
أحياناً يشعر أنه لا تحل مشكلته مع خصمه بالقانون ، تحل عند رجال الدين ، أخي أنا أريد شرع الله ، يتلبس ، أنا أريد حكم الله في الموضوع . انظر الآية ما أجملها :
﴿وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ﴾
﴿وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ﴾
على هواه ، إذا القضية تحل بالقانون يريد القانون ، تحل بالشرع يريد الشريعة ، هو يريد مصلحته ، هذا بعيد عن الورع ، هذا النموذج موجود ، وكثير جداً ، يحيرك ؛ هذا الانسان ساعة يريد القانون ، يريد المحاماة والقضاء ، ساعة يريد أهل الدين ، أخي أنا أريد فقط حكم الشرع في الموضوع ، يكون يعرف أن القانون ضده ، بقي الشرع معه ، هذه الازدواجية هذه لا تخفى على أحد ، أنت تختار الشرع ولو كان ضدك أو تختار القانون .
من تاب إلى الله واستقام على أمره يقطف الثمار التي أرادها الله :
يوجد في الآية الأخيرة :
﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ﴾
يوجد بكلمة جميعاً لفتة لطيفة جداً ؛ لو فرضنا أن الناس كلهم تابوا إلى الله ، واستقاموا على أمره ، والكل حجبوا نساءهم ، والكل غضوا أبصارهم ، تقطف عندئذ ثمار هذا الدين ، أما أربعة أخماس الناس فسقة ، ونساء كاسيات عاريات ، المؤمنون يعيشون بوضع صعب جداً ، طبعاً مكلفون أن يغضوا من أبصارهم ، لكن لو تصورت مجتمعاً لا يوجد فيه انحراف فهذا من تمام هذا التشريع .
أي لو فرضنا عشرة أصدقاء ، أو خمسين صديقاً ، يوجد عند شخص واحد منهم هاتف فقط ، فهذا الهاتف ليس له قيمة ، ليس له قيمة أبداً ، متى يكون للهاتف قيمة ؟ إذا كان عند الخمسين هواتف ، صار له قيمة ، عندك هاتف لوحدك ، والكل لا يوجد عندهم هواتف ، لم تستفد شيئاً ، فلما الجميع يطبق الدين نقطف الثمار التي أرادها الله عز وجل .
أي نحن هذه لفت نظر ، مع أن أخواننا مؤمنين ، ومستقيمين ، ويغضوا أبصارهم ، وأمورهم دقيقة ، لكن لأنهم يعيشون في مجتمع فيه تقصير ، لا يقطف الإنسان الثمار اليانعة للدين ، لأنه كيفما تحرك يوجد فسق وفجور ، أما لو تخيلنا مجتمعاً مؤمناً كاملاً فالحياة في جنة، لهذا ورد في بعض الأحاديث :
(( إذا كان أمراؤكم خياركم ، وأغنياؤكم سمحاءكم ، وأمركم شورى بينكم ، فظهر الأرض خير لكم من بطنها ، وإذا كان أمراؤكم شراركم ، وأغنياؤكم بخلاءكم ، وأمركم إلى نسائكم، فبطن الأرض خير لكم من ظهرها ))