وضع داكن
19-04-2024
Logo
قراءات قرآنية - الدرس : 30 - من سورة الفرقان - مقاييس أهل الدنيا.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .

اختلاف مقاييس أهل الدنيا عن أهل الآخرة :

 أيها الأخوة الكرام ؛ ربنا سبحانه وتعالى في سورة الفرقان يبين لنا أن أهل الدنيا لهم مقاييسهم ، وأن هذه المقاييس ليست بشيء إذا قيست بما عند الله عز وجل . يقول الله عز وجل:

﴿وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ﴾

[سورة الفرقان:7]

 والحقيقة أن هذا الكلام ورد مرات عديدة في القرآن الكريم ؛ يأكل الطعام ؛ أي أنه مفتقر في وجوده إلى شيء خارج عنه ، إذاً : هو عبد لله ، أي إنسان الآن بلا طعام ولا شراب يموت ، فكل شيء يأكل يستمد وجوده من شيء خارج عنه ؛ هذا ليس إلهاً ، هذا عبد لله ، هذا حادث ، هذا مفتقر .
ويمشي في الأسواق ؛ مفتقر مرتين ؛ مرة إلى طعام يقيم أوده ، ومرة إلى ثمن الطعام ، يجب أن يسعى ، فالإنسان مفتقر مرة إلى أن يأكل ، ومرة إلى أن يكسب رزقه أو :

﴿ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا * أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا ﴾

[سورة الفرقان: 7-8]

 بمقياس أهل الدنيا هذا الإنسان لا يكون نبياً ، إلا إذا كان غنياً ، عنده جنات ، عنده قصور ، عنده ملك كبير ، حتى يكون بنظر أهل الدنيا نبياً دقق في قوله تعالى :

﴿تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً﴾

[سورة الفرقان:10]

 إذاً الإنسان عندما يثق بما عند الله ، الله عز وجل اختار لك الآخرة ، خلقك لها ، أعدك لها ، فالذين يحبون الاستمتاع في الدنيا خالفوا خطة الله عز وجل .
 لما سيدنا عمر يأكل أكلاً طيباً يقول - يخشى أن تنطبق عليه هذه الآية- :

﴿أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا﴾

[سورة الأحقاف:20]

 أي أنت مخلوق لسعادة أبدية ، وجئت إلى الدنيا كي تهيئ نفسك لهذه السعادة ، معظم الناس جاؤوا إلى الدنيا ، وأسقطوا من حسابهم الآخرة ، وجعلوا همهم الاستمتاع في الدنيا :

﴿تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً﴾

[سورة الفرقان:10]

التلازم بين الاستمتاع البالغ في الدنيا وبين نسيان الذكر :

 يوجد حقيقة دقيقة ؛ أحياناً الإنسان الغنى الفاحش يحجبه عن الله عز وجل ، وأحياناً المشكلة تسوقه إلى باب الله . قال تعالى :

﴿وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْماً بُوراً﴾

[سورة الفرقان:18]

 انظر التلازم بين الاستمتاع البالغ في الدنيا وبين نسيان الذكر ، يا ترى أيهما أولى أن يذكر الإنسان الله عزّ وجل أم أن يأتيه النعيم في الدنيا فيحجبه عن الله عز وجل ؟
 جاء سيدنا جبريل إلى النبي عليه الصلاة والسلام قال :

(( يا محمد إن الله يخيرك بين أن تكون نبياً عبداً أو نبياً ملكاً ؟ فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جبريل عليه السلام كالمستشير، فأومأ إليه : أن تواضع . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بل نبياً عبداً ))

[الطبراني عن عبد الله بن عباس ]

 معنى هذا أن الحاجة إلى الشيء ، والمشكلات في الدنيا ، هذه تسوق العبد إلى الله و هذا أفضل في مصيره الأخروي ، من أن يكون غارقاً في النعيم ، ويكون هذا النعيم حجاباً بينه وبين الله .
 أخواننا الذين زاروا مثلاً بلاداً نفطية ، غارقة في الترف والنعيم ، تشعر أن الغنى الفاحش حجاباً بينهم وبين ربهم ، لا تسمع كلمة الله ، والذين عاشوا في حياة خشنة ، وأقبلوا على الله عز وجل ، ربما كانت هذه الحياة بحقّ هؤلاء أفضل من ذلك الغنى في حقّ هؤلاء ، فالإنسان يترك أمره إلى الله عز وجل ، وليستسلم لنصيبه من الله عز وجل ، فهو خير له :

﴿وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْماً بُوراً﴾

[سورة الفرقان:18]

 هذه الآية :

﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً﴾

[سورة الفرقان:23]

 أنت قيمتك بإنجازك ، بعملك ، هذا العمل إذا كان مبنياً على منهج الله مع إخلاص، هذا العمل يتنامى يوم القيامة ، يتنامى ، يتنامى إلى ما لا نهاية ، أي كلما نظر إلى عمله ، أقبل على ربه ، فازداد سعادة .

 

حياة الإنسان حياة مديدة وأخطر مرحلة فيها الحياة الدنيا :

 أنت الآن بأخطر مرحلة ، أنت حياتك تبدأ منذ أن كنت في عالم الذر ، يوجد عندنا عالم الصور ، هذا العالم ، وفي عالم الذر ، بدأت حياتك منذ أن كنت في عالم الذر، وإلى أبد الآبدين ، هذه حياة مديدة لا نهائية ، أخطر مرحلة فيها الحياة الدنيا ، لماذا ؟ لأن نصيبك الأبدي متعلق بعملك في الدنيا ، المصير الأبدي متعلق بهذه السنوات التي تعيشها ؛ فبين أن يكون لك عمل ترقى به إلى أبد الآبدين ، وبين أن يكون عملك عند الله لا قيمة له ، فإذا جئت الآخرة :

﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً﴾

[سورة الفرقان:23]

 فالأعمال التي يعملها الإنسان من أجل الدنيا تنتهي في الدنيا .
 يوجد عندنا مقياس دقيق كل عمل الآن ، أنت خرجت من البيت صباحاً ، أنت الآن كائن متحرك ، هناك نشاط ؛ نشاط قولي ، نشاط عضلي ، حركة ، مشي ، جلسة ، اجتماع ، صفقة ، بيع ، شراء ، مجموع نشاطك اليومي ، إذا كان هدفه شيئاً ينتهي عند الموت ، فهذا من الدنيا ، وإذا كان نشاطك اليومي يهدف إلى عمل تنتفع به بعد الموت فهذا من الآخرة ، فحبذا لو الإنسان كل دقيقة يراقب نفسه ، أنا الآن في عمل من أجل كسب المال ، وهذا المال ينتهي عند الموت ، هذا في الدنيا ، أما الآن أنا في مجلس علم ، الآن في خدمة إنسان ، الآن في الدعوة إلى الله ، الآن في الأمر بالمعروف ، في النهي عن المنكر ، في تلاوة كتاب الله ، في طلب معرفة السنة النبوية ، في زيارة أخ ، في عيادة مريض ، ما دام عملك متعلقاً بالآخرة ، هذا العمل الناجح ، والرابح ، ما دام تنتهي مكاسبه في الدنيا فهذا هو العمل الخاسر .
 فدائماً راقب نفسك ؛ هذه الحركة ، هذا الكلام ، هذا اللقاء ، هذه الوليمة ، هذا السفر ، هذه الإقامة ، هذه السهرة ، هذه الصفقة ، هذا الشيء ، ما نوع هذا العمل ؟ للدنيا أم للآخرة ؟ للدنيا ينتهي عند الموت ، وللآخرة يبدأ بعد الموت ، يبدأ بعد الموت ، فهذا مقياس دقيق لئلا يفاجأ الإنسان أن كل إنجازه في الدنيا لا قيمة له عند الله عز وجل .
 إذا الإنسان عمل تجارة ، ربح منها مبلغاً ضخماً ، و كان هذا المبلغ مزوراً ، كان في بلد أجنبي ، وأخذ المبلغ ، وجاء ، وكان مزوراً ، ليس له قيمة ، بالعكس معه مسؤولية ، ألا يندم أشدّ الندم ؟

 

ضرورة طلب العلم من عالم موثوق بعلمه وإخلاصه :

 الآن يقول الله عز وجل :

﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ﴾

[سورة الفرقان:27-29]

 يبدو من هذه الآية أنه لا بد لك من قرين ؛ إما قرين مؤمن يأخذ بيدك إلى الله عز وجل ، وإما قرين كافر ، أو فاسق ، أو فاجر ، يرديك إلى النار لا سمح الله ، إذاً يوجد شخصان: الظالم يعض على يديه :

﴿ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا ﴾

[سورة الفرقان:27]

 لم لم يقل الله عز وجل : يا ليتني اتخذت سبيلاً مع الرسول ؟ ماذا نستفيد من تقديم الرسول ؟
 نستفيد أنه لا بد في طريق الإيمان من أن تكون مع المؤمنين :

﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ﴾

[سورة الكهف:28]

 لا بد من أن تتلقى العلم من إنسان حيّ .
 الإمام الشاطبي في الموافقات يقول : "لا بد في طلب العلم من عالم تثق بعلمه وإخلاصه ".
 لأنه من دون تلقي العلم عن إنسان ، الإنسان أحياناً يضيع بمتاهات كثيرة ، فربنا قدم الرسول على طريق الإيمان ، لأنه أصل في طريق الإيمان :

﴿ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا ﴾

[سورة الفرقان:27]

 والندم دائماً يفيد إذا الإنسان مخير ، آيات الندم تفيد قطعاً لأن الإنسان مخير ، ولولا أنه مخير لما ندم :

﴿ يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا ﴾

[سورة الفرقان:28]

 فلذلك أخطر شيء بالإيمان أن تفحص أصدقاءك ؛ هناك أصدقاء يرقون بك إلى الله ، وأصدقاء يقربون صديقهم من النار ، أو من العذاب ، أو من غضب الله عز وجل ، فأخطر شيء في حياتك من تصاحب ؟ إلى من تجلس ؟ مع من تسهر ؟ من الذي توده ؟ من الذي تمحضه حبك ؟ هذا الإنسان خطير جداً ؛ فإما أن تختاره مؤمناً أرقى منك ، يرقى بك إلى الله ، وإما أن يكون هذا من أهل الدنيا ، فيقربك من الشقاء والعذاب :

﴿ لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا * وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ﴾

[سورة الفرقان:29-30]

هجر القرآن الكريم بعدم تنفيذ أحكامه :

 الحقيقة :

﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً﴾

[سورة مريم:59]

 اتخاذ القرآن مهجوراً لا يعني أننا لا نقرؤه ، أو أننا لا نستمع إليه ، أو أنه ليس في مكان راق من بيوتنا ، لا يوجد بيت إلا و فيه آيات قرآنية ، في صدر البيت مصحف ، موضوع بعلبة فخمة جداً ؛ أحياناً مذهبة ، أحياناً مخمل ، فالقرآن موجود عندنا في بيوتنا ، وفي أماكن عملنا ، وفي مركباتنا ، ونقرؤه ، ونستمع إليه ، وفي التعزية نقرأ القرآن ، وفي كل مناسبة نقرأ القرآن ، أما اتخاذ القرآن مهجوراً فأن تهجر أحكامه ، ألا يكون بيتك إسلامياً ، ألا تكون تجارتك إسلامية ، ألا يكون نشاطك الاجتماعي إسلامياً ، هجران القرآن يعني أن تدع تطبيق أمره ونهيه.
 فأحياناً تجد شخصاً مسلماً ؛ حياته ، تجارته ، نشاطه ، حتى قضاء إجازاته بعيدة عن الدين ، بعيدة عن أحكام القرآن الكريم ، فهذا هو الهجران ، الهجران أن تهجر تنفيذ أحكامه، تجد ليس له قيمة ، لأنه :

((مَا آمَنَ بالقرآنِ مَن استحلَّ مَحَارِمَهُ))

[الطبراني في المعجم الكبير عن صهيب]

 ورب تال للقرآن والقرآن يلعنه ، أنا مرة استوقفني شخص في أحد أسواق دمشق ، كنت أمشي في الطريق ، فلمحني ، فدعاني إلى محله التجاري ، عرض عليّ سؤالاً أنه خطب ابنته شاب من أهل الغنى واليسار ، إلا أنه في دينه رقة ، قلت له : اسمع الآية الكريمة :

﴿وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ﴾

[سورة البقرة:221]

 قال لي : جزاك الله خيراً ، ثم علمت أنه زوّج ابنته لهذا الشاب الغني غير المستقيم، وبعد حين طلقها .
 فقلت : الإنسان عندما يقرأ القرآن الكريم ، ولا ينفذ أحكامه ، يقول : صدق الله العظيم ، لسان حاله لا يصدق كلام الله عز وجل ، إذا الإنسان ما طبق أحكامه ، لسان حاله لا يصدق القرآن ، الدليل فعل عكس ما جاء في القرآن الكريم ، لو لم يفعل عكس ما جاء في القرآن الكريم لربح ، طبعاً : بعد فترة بسيطة - أعتقد أقل من شهر- كان الطلاق لا يحتمل ، الإنسان الفاسق لا يحتمل . إذاً ربنا قال :

﴿وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ﴾

[سورة البقرة:221]

 أنت إذا قلت : صدق الله العظيم ، أي هذا الحكم صحيح ، فإذا خالفته ، معنى هذا أنك ما صدقت ربك عز وجل ، حينما تفعل عكس القرآن معنى هذا أنك ما صدقت الواحد الديان:

﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً﴾

[سورة الفرقان:31]

 أحياناً إنسان يدلك على شيء ، لكن لا يملك أن يدعمك بالأدلة ، أما ربنا عز وجل إذا هداك ، إذا هداك إلى بابه ، فهو إله يحميك من خصومك :

﴿هَادِياً وَنَصِيراً﴾

[سورة الفرقان:31]

 أحياناً يوجد دلالة ، ومعها مؤيد قانوني ، أحياناً يظهر قانون معه عقوبات ، الذي أصدر القانون يتمتع بالقوة ، فإذا شخص خالفه ، يعاقب ، فأنت ترتاح إذا كان الله هو الهادي ، وهو القوي .
 أحياناً شخص ضعيف يدلك على شيء تنفذه ، تقع بورطة ، يقول لك : أنا لا أستطيع أن أساعدك ، لكن عندما الإله تكون معه ، وأنت تمشي بدلالته ، وبهدايته ، هو يحميك، لا يتخلى عنك ، هذا الازدواج بالاسمين (هادياً ونصيراً) .
 يقول لك شخص أحياناً : إذا فعلت هكذا يصبح معي كذا ، أي إذا نفذ حكم الله عز وجل يخسر ، أقول له : هكذا ظنك بالله ؟ ألأنك أطعته عاقبك ؟ هل هذه أخلاق الله عز وجل؟:

﴿وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً﴾

[سورة الفرقان:31]

آيات الله الدالة على عظمته :

 الآية قبل الأخيرة :

﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً﴾

[سورة الفرقان:45]

 إذا الإنسان جلس في بستان ، والشمس ساطعة ، يرى ظلّ الشجرة ، لكن لو تأمل هذا الظل ، الظل يتحرك ، حركة الظل دليل حركة الأرض في دورتها حول نفسها ، طبعاً حتى لا ندخل في التفاصيل هناك حركة إما من الشمس ، أو من الأرض ، العين الظاهرة ترى الشمس تتحرك ، تنتقل في قبة السماء من مكان إلى مكان ، أما الحقيقة فالأرض تدور حول نفسها ، لكن هذا دليل قطعي على أنك على كوكب يتحرك :

﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً﴾

[سورة الفرقان:45]

 إن لم يكن هناك حركة من الأرض كان الظل ساكناً ، هناك حركة من الشمس ، أو في الأرض ، بعد ذلك :

﴿ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً﴾

[سورة الفرقان:46]

 إذا الإنسان فكر ، أي شكل هندسي - مكعب ، متوازي مستطيلات ، موشور ، أسطوانة - له حروف ، فلو كانت الأرض أحد هذه الأشكال الهندسية ، لها حروف ، لجاء الضياء فجأة ، إذا كنا نحن على مكعب ، والمكعب يدور ، نكون بالظل و بعد ثانية واحدة نكون في الشمس ، لأنه يوجد له حرف ، أما الأرض فهي شكل هندسي وحيد يتداخل فيه الظل مع الضوء، هذا معنى :

﴿ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً﴾

[سورة الفرقان:46]

 الآن : يؤذن المغرب ، الدنيا ما زالت مضيئة ، أنا ألاحظ أحياناً ثلث ساعة ، أو نصف ساعة إلا خمس دقائق ، حتى يصير الليل ، واضح أن هناك تدرجاً لطيفاً ، لولا أن الأرض كرة لما كان هذا التدرج ، أي شكل هندسي آخر ، يأتي الضوء فجأة ، والظلام فجأة ، و هذا شيء يؤذي الإنسان ، أما طلوع الفجر إلى شروق الشمس ، هذا :

﴿ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً﴾

[سورة الفرقان:46]

 غياب الشمس إلى غياب الشفق الأحمر :

﴿ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً﴾

[سورة الفرقان:46]

 هذه أيضاً آية من آيات الله الدالة على عظمته :

﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ﴾

[سورة الفرقان:45]

 بعد ذلك الله لطيف ، انظر إلى الظل تجده ساكناً ، ضع حجرة عند الظل ، وتحدث مع أخيك خمس كلمات ، تجد الظل مشى مثل عقرب الساعة ، طبعاً عقرب الساعات ليس الدقائق يبدو ساكناً ، وهو في الحقيقة متحرك ، هذا من لطف الله عز وجل ، تجد الظل وأنت واقف ، لكن ضع علامة ، والتفت لعمل ، تجد أن الظل مشى :

﴿ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً﴾

[سورة الفرقان:46]

من قرأ القرآن وفهم معانيه وتدبر آياته فقد جاهد جهاداً كبيراً :

 آخر آية :

﴿فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً﴾

[سورة الفرقان:52]

 على من تعود هذه الهاء ؟ على القرآن الكريم أي إذا الإنسان قرأ القرآن ؛ قرأه مجوداً، وفهم معانيه ، وتدبر آياته ، وشرحه للناس ، وطبقه ، هذا جهاد :

﴿فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً﴾

[سورة الفرقان:52]

 بالقرآن ، والنبي الكريم يقول :

((خيرُكمْ من تعلّمَ القُرآنَ وعَلَّمَهُ))

[البخاري عن عثمان بن عفان]

 فهذا من الجهاد ؛ أن تطلب علم القرآن ، وأن تفهم آيات القرآن ، وأن تتدبر آيات القرآن ، وأن تعلم القرآن ، وأن تطبق القرآن ، فهذا من الجهاد :

﴿وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً﴾

[سورة الفرقان:52]

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور