- أحاديث رمضان
- /
- ٠01رمضان 1415 هـ - قراءات قرآنية
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
نتائج الاستغفار :
﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً ﴾
غفّار صيغة مبالغة ، ومعنى صيغ المبالغة إذا نسبت إلى الله عز وجل تحتمل معنيين اثنين ، الأول : أنه مهما كان الذنب كبيراً يغفره الله ، والمعنى الثاني : أنه مهما كانت الذنوب كثيرة يغفرها الله ، أي كماً ونوعاً :
﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً ﴾
إذاً الأولاد والبنون ، ومطر السماء ، والرزق الوفير ، من نتائج الاستغفار ، لذلك العلماء جمعوا الآيات المتعلقة بزيادة الرزق ، هذه الآية الاستغفار يزيد الرزق، والاستقامة :
﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً ﴾
﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾
الاستغفار ، والاستقامة ، وصلة الرحم تزيد في الرزق وفي الأجل ، إتقان العمل ، الصدقة ، هذه كلها فيها آيات وفيها أحاديث ، فمن أراد أن يزداد رزقه فعليه بتطبيق هذه الآيات وتلك الأحاديث ، أي تعاون بين الإنسان والجن هدفه إضلال البشر ، وهو محرم ، وهو كفر ، من سحر فقد كفر .
﴿ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً ﴾
أي تعاون بين الإنس والجن في سبيل إضلال البشر ، والذي يتعاون مع الجن يزداد رهقاً وشقاءً ، والآية واضحة بالقرآن الكريم :
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ ﴾
الفرق بين التفكر و التفكير :
كما قال تعالى :
﴿ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ﴾
فالتفكر شيء ، والتفكير شيء آخر ، التفكر هدفه معرفة الله عز وجل ، أما التفكير فربما أوصلك الفكر إلى الحقيقة ، أو إلى الباطل .
﴿ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ* فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ ﴾
.
معنى هذا أن العقل يشبه العين تماماً ، ما لم يكن هناك ضوء يكون وسيطاً بينك وبين الشيء فإنك لا تراه ، وما لم يكن هناك هدى من الله عز وجل يكون وسيطاً بينك وبين الحقيقة فلن تراها ، لذلك :
﴿ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾
﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ﴾
أنت أسير عملك ، الآن الإنسان إذا كان مستقيماً طليقاً ، ينام متى يشاء ، يذهب إلى حيث يشاء ، يفعل ما يشاء ، يسافر ، يقيم ، أما إذا كان مرتكباً جريمة فقد حريته ، وأصبح أسير عمله ، طبعاً هذا في الدنيا ، في القوانين ، أما عند الله عز وجل فالذي أكل مالاً حراماً ، المرابي ، الزاني ، شارب الخمر ، المعتدي ، الذي أضلّ الناس ، هذا الإنسان كان حراً أصبح أسير عمله السيئ :
﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ﴾
الصلاة عماد الدين :
إذاً الدين كله صلاة ، أي ما كنا أصحاب دين
﴿ لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ﴾
معنى هذا أن الصلاة هي عماد الدين كما قال عليه الصلاة والسلام :
(( الصلاة عماد الدين من أقامها فقد أقام الدين ، ومن هدمها فقد هدم الدين))
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾
ذكر .
﴿ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ﴾
(( ليس للمرء من الصلاة إلا ما عقل منها ))
(( الصلاة ميزان ، فمن وفى استوفى ))
(( الصلاة معراج المؤمن ، لو يعلم المصلي من يناجي ما انفتل))
(( الصلاة نور ، الصلاة طهور))
هذه الصلاة في القرآن الكريم ، إنها الدين كله ، سيدة القربات ، وغرة الطاعات ، ومعراج المؤمن إلى رب الأرض والسموات .
أحياناً ربنا عز وجل ، أنت تتوقع :
﴿ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ﴾
أي ما كنا أصحاب دين .
الاتصال بالله نتيجة حتمية للمعرفة والسلوك :
إذاً ربنا عز وجل ضغط الدين كله في الصلاة ، أما الصلاة فتحتاج إلى استقامة ، والاستقامة تحتاج إلى معرفة بالله ، فالمعرفة أساس ، والسلوك أساس ، ثم الاتصال نتيجة حتمية للمعرفة والسلوك .
﴿ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ ﴾
الواحد لا يكون مع الخط العريض ، لا يكون مع الأغلبية الشاردة ، مع الأغلبية التي تلهث وراء صرعات الأزياء ، وراء المستجدات ، وراء الأشياء الفارغة المبهرجة ، كن مع الأقلية الواعية ، كن مع الأقلية المستبصرة ، كن مع الأقلية التي عرفت ربها ، كن مع الأقلية التي عرفت منهج ربها وسارت عليه ، هنا الآية :
﴿ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ ﴾
ودقق في كلمة نخوض ، يدلي برأيه بلا علم ، بلا فهم ، بلا تبصر ، بلا دليل ، يجب أن يتكلم ، يجب أن يدلي برأي غير صحيح ، يجب أن يحارب الفكر الصحيح ، موضوع إثبات موجودية ، موضوع ترف فكري أحياناً ،
﴿ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ ﴾
الإنسان أحياناً يخوض في أمور غيره ، ومع الخوض شيء من عدم الذوق ، وأحياناً يوجد حمق .
تسمية الله عز وجل الموت باليقين :
﴿ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ ﴾
لماذا سماه الله يقيناً ، قال تعالى :
﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾
الله عز وجل سمَّى الموت يقيناً لأنه متيقن بوقوعه ، لا يوجد حدث أكثر واقعية من الموت ، ولأن الإنسان عند الموت يتيقن ما يقال له قبل الموت ، أقوال الأنبياء ، المرسلين ، العلماء قرأ القرآن هذه كلها أقوال ، أما عند الموت فتصبح هذه الأقوال كلها عنده حقائق .
﴿ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ﴾
صاحب النفس اللوامة أثنى الله عليه في هذه الآية .
((مَنْ سَرَّتْهُ حسنتُه وسَاءَتْه سَيِّئَتُه فذلكم المؤمنُ ))
علامة المؤمن أنه إذا فعل شيئاً خاطئاً ، تكلم ، أكل شيئاً غير صحيح ، وقف موقفاً غير صحيح ، لا ينام الليل ، هذه حقيقة أساسية ، لذلك ورد في الحديث الصحيح :
((لَو لَم تُذنِبُوا لَذَهَبَ الله بكُمْ وَلَجَاءَ بقوم يُذْنِبُونَ))
ظاهر الحديث فيه مشكلة ، الإنسان إذا فعل ذنباً وقال : ماذا فعلنا ؟ لم يحدث شيء ؟ معنى هذا أنه منته ، أما المؤمن إذا فعل ذنباً فيقلق أشدّ القلق ، يتألم أشدّ الألم ، يرجو الله أن يغفر له ، يستغفر ، يندم ، يبكي ، يتصدق ، يكفر عن ذنبه ، يفعل الصالحات ، فإذا كان عنده شعور بالذنب معنى هذا أنه حيّ ، وإذا لم يشعر بالذنب معنى هذا أنه ميت .
((لَو لَم تُذنِبُوا))
أي لو لم تشعروا بذنوبكم ، أموات إذاً ، وانتهت مهمتكم .
((لَو لَم تُذنِبُوا لَذَهَبَ الله بكُمْ وَلَجَاءَ بقوم يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ ، فَيَغْفِرُ لهم))
﴿ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ ﴾
متيقن وقوعه ، وفي هذا اليوم تنتقل من الإيمان بالغيب إلى الإيمان الشهودي ، أصبح الموت يقيناً .
وصف أهل الدنيا :
ربنا عز وجل وصف أهل الدنيا وهم ينغمسون إلى قمة رؤوسهم في جمع المال ، وجمع الدرهم والدينار ، واقتناص الفرص والشهوات :
﴿ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ ﴾
ورد في الأثر القدسي :
(( عبدي لي عليك فريضة ولك عليّ رزق ، فإذا خالفتني في فريضتي لم أخالفك في رزقك ، وعزتي وجلالي إن لم ترضَ بما قسمته لك فلأسلطن عليك الدنيا تركض فيها ركض الوحش في البرية ، ثم لا ينالك منها إلا ما قسمته لك ولا أبالي ، وكنت عندي مذموماً ))
﴿ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ * بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفاً مُنَشَّرَةً﴾
يريد ديناً تفصيلاً ، يريد ديناً فيه صلاة ، وصوم لكن فيه ربا ، يقول : لماذا حرم الله الربا؟ الله نهى عن الأضعاف المضاعفة ، يحتاج لدين فيه صلاة وصوم لكن فيه اختلاطاً مع النساء، يحتاج لدين فيه تساهل شديد ، يريد الإنسان غير المؤمن ديناً يقلبه على مزاجه ، الدين مقطوع به عقيدةً وسلوكاً ، وأنت عليك أن تشكل نفسك وفقه ، لا أن تشكله وفقك .
كبروا الباهم فوجدوا نقطة ، أي مئة صفة ، إذا كان هناك سبع صفات من مئة تشابهت في باهمين فالإنسان واحد ، و هذا شيء مستحيل ، عرضوا مئة ألف باهم على باهم فلم يجدوا باهماً مثل الآخر ، ومع ذلك :
﴿ بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ ﴾
بعض المجرمين نزعوا جلد الباهم وزرعوا جلداً من مكان آخر بمكانه ، حتى إذا ارتكبوا جريمة كي لا يكون للبصمات معنى ، الذي حصل أن هذا الجلد المزروع من مكان آخر بعد حين أخذ شكل باهمهم الأصلي ، هذا توقيع الباهم .
والإنسان عنده أشياء ينفرد بها ، للآن قزحية العين ليس هناك إنسان على وجه الأرض تشبه قزحية عينه قزحية عينك ، لذلك الآن هناك أقفال إلكترونية على العين فإذا التقط الجهاز ثلث القزحية فتح القفل ، فالقزحية هوية ، والبصمة هوية ، ونبرة الصوت هوية ، وبلازما الدم هوية ، ورائحة الجلد هوية .
ثم الزمر النسيجية نصف هوية ، اثنان ونصف مليار زمرة نسيجية ، فأنت فرد وهذا من تكريم الله لك .
﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ ﴾
وصف المؤمن في الدنيا و الآخرة :
دققوا في هذا المشهد :
﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾
المؤمن المستقيم عمله صالح ، وجهه منير ، وله نظرة إلى الله عز وجل يوم القيامة .
﴿ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ * تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ ﴾
أنت الآن بالدنيا انظر إلى مجرم ألقي القبض عليه ، تجد نظره بالأرض ، وجهه جامد ، القلق باد عليه ، الخوف باد .
﴿ كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ ﴾
الروح :
﴿ وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ ﴾
من يرقى له ؟
﴿ وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ * فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى * وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى * أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى﴾
الآن شقة جامعية فيها مكتبة ، وفيها حديقة ، وفيها بيوت طلبة ، وفيها قاعات محاضرات ، وفيها مخابر ، لكن هناك امتحاناً ، سمعت بحياتك جامعة بلا امتحان ؟ بلا حساب ؟ كل إنسان داوم أخذ دكتوراه ؟
السبق العلمي في الآية التالية :
ثم يقول تعالى :
﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى* أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى ﴾
لذلك هذه الآية فيها سبق علمي ، ما إذا كان الجنين ذكراً أم أنثى ، هو من جهة الحوين المنوي فقط ، ولا علاقة للبويضة في هذا الموضوع إطلاقاً .
أما الحقيقة فأدركتها امرأة في الجاهلية قالت :
ما لأبي حمزة لا يأتينا يظل في البيت الذي يلينا
غضبان ألا نلد البنينـا وإنما نعطي الذي يعطينــا
* * *
أي الجنين إن كان ذكراً أو أنثى من الزوج ، أما المرأة فليس لها علاقة ، هذا يطلق امرأته لأنها أنجبت أنثى ، هو أحمق ، ليس لها علاقة ، طلق حالك . هذه نقطة دقيقة جداً ، هناك إنسان حلف على زوجته الطلاق إن أنجبت أنثى ليطلقها فأنجبت توأم إناث ، طبعاً الطلاق لم يقع .
الغنى والفقر بعد العرض على الله :
آخر آية بسورة الإنسان :
﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً ﴾
ممكن أن يكون قصراً مساحته تقدر بألفي متر ، ضمن غابة كبيرة ، ممكن ، لكن هذا بيت ، هذا ملك عظيم ، طبعاً أثرياء العالم لهم قصور ، ولهم يخوت في البحار ، ولهم طائرات خاصة ، ولهم قصور ضمن غابات ، ضمن غابات كبيرة ، قال لك : تمشي ساعة في الغابة والقصر بالداخل .
أنا دخلت لقصر في بعض البلاد ، غرفة النوم مساحة خمسة بيوت عندنا ، غرفة نوم واحدة فيها سجادة بالميلي متر ، شيء لا يعقل ، هذا في الدنيا فكيف الآخرة ؟ قال :
﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً * عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً * إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً ﴾
الآن ربنا عز وجل لا يطمعنا في الدنيا لكن المؤمن ينتظر عطاء كبيراً ، الآن الأوراق مختلطة كلنا يأكل ويشرب مثل بعض ، نأكل و نشرب و ننام ، والبيوت متشابهة ، غرفة ضيوف ، وغرفة نوم ، مركبة صغيرة ، يلبس بذلة ، قميصاً ، بنطالاً ، يشرب عرق سوس على الإفطار ، مثل بعض كلنا ، أما التفاوت فبالآخرة :
﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً ﴾
ذاك التفاوت ، لذلك :
﴿ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ ﴾
﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾
﴿ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا ﴾
الغنى والفقر بعد العرض على الله ، هذه لها أثر كبير
﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً ﴾
المؤمن ينتظره نعيم وملك كبير ، بسبب أنه ضبط نفسه في الدنيا :
﴿ إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً * إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً * فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً * وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً * إِنَّ هَؤُلَاءِ ﴾
كلمة هؤلاء فيها شيء من التحجيم .
﴿ إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً ﴾
أخواننا الكرام ؛ من حاسب نفسه في الدنيا حساباً عسيراً ، كان حسابه يوم القيامة يسيراً ومن حساب نفسه في الدنيا حساباً يسيراً كان حسابه يوم القيامة عسيراً :
﴿ إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً * نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً ﴾
الله عز وجل خلق الإنسان في أحسن تقويم :
الآن عظم الفخذ عظم عنق الفخذ يتحمل مئتين وخمسين كيلو ، العظمان يتحملان خمسمئة كيلو ، أصله ماء مهين ، شيء غريب ! السن بعد الألماس في القساوة ، من أين جاءت هذه القساوة ؟ وتر العضلات متين جداً ، أحياناً بالسكين لا يقطع معك ، وتر العضلات ، عضلة منتهية بوتر مربوط بنهاية العظم ،
﴿ نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ﴾
تحمل ابنك من يده فلا تخرج من مكانها ، معنى هذا أنها مدروسة ، الأربطة تتناسب مع وزن الطفل لو لم يكن هناك دراسة صحيحة لخرجت اليد من مكانها أثناء حمله أو شده .
﴿ نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً * إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ ﴾
معنى هذا أن الفطرة مؤمنة ، بالقرآن تذكرة ، يذكر بالفطرة .
﴿ إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً ﴾
أنت مخير .
مشيئة الإنسان من فضل الله عز وجل :
لكن :
﴿ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ﴾
لولا أن الله شاء لكم أن تشاؤوا لما شئتم ، مشيئتكم من فضل الله عز وجل ، إن دخلتم الجنة بمشيئتكم الحرة فلأن الله شاء لكم أن تشاؤوا .
﴿ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً * يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ ﴾
اللهم أدخلنا في رحمتك ، يقول : يا أخي ! الله ما كتب لي الهدى ، هكذا الآية ، نقول له أكمل الآية :
﴿ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً ﴾
من الذي لم يدخله في رحمته ؟ الظالم ، معنى هذا أن مشيئته مضبوطة بقواعد :
﴿ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً ﴾
معنى هذا أن الذي لم يدخل في رحمة الله فهو الظالم ، أما المنصف فيدخل في رحمة الله .