وضع داكن
19-04-2024
Logo
نظرات في آيات الله - الدرس : 15 - من سورة الصف - الإضلال الجزائي المبني على ضلال اختياري.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

الإضلال الجزائي المبني على ضلال اختياري :

 أيها الأخوة ؛ قاعدة في التفسير أن القرآن الكريم إذا عزا إلى الله الإضلال فهو الإضلال الجزائي المبني على ضلال اختياري، قياساً على قوله تعالى:

﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ﴾

[ سورة الصف : 5 ]

 الإنسان مخير:

﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ﴾

[ سورة الإنسان: 3 ]

﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾

[ سورة البقرة: 148 ]

﴿ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى ﴾

[ سورة فصلت: 17 ]

﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾

[ سورة الكهف: 13 ]

 هذا حقيقة معرفة لديكم من قبل، إذا عزا إلى الله الإضلال فهو الإضلال الجزائي المبني على ضلال اختياري، وأوضح آية:

﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ﴾

[ سورة الصف : 5 ]

 الآن إذا قرأت في القرآن الكريم، أو إذا ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام أن الله أراد بعبد خيراً، لماذا أراد بهذا العبد خيراً ولم يرد لهذا العبد خيراً؟ قياساً على المقدمة الأولى إذا عزي الخير إرادة إلى الله عز وجل فهو الخير الناتج عن أن هذا العبد طلب الهداية، أقوى دليل:

﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾

[ سورة الكهف: 13 ]

أنواع الهداية :

 لذلك قال العلماء: هناك أربعة أنواع من الهداية، الهداية الأولى هداية الغريزة، الله عز وجل أودع في الإنسان خصائص تجلب له المنافع، جهاز التوازن يجعله قائماً، في عينيه يرى ما حوله، في أذنه يسمع الأخطار، ويسمع الحقائق، بلسانه الطعام الفاسد لا يأكله، كل شيء يؤذيه ينفر عنه، هذه هداية الغرائز.
 الهداية الثانية هداية الوحي، الهداية الثالثة هداية التوفيق، الآن عندنا في الجامع الصغير مجموعة أحاديث تزيد عن أربعين حديثاً كلها تبدأ بقول النبي عليه الصلاة والسلام: إذا أراد الله بعبد خيراً فعل كذا وكذا، لماذا أراد بهذا العبد خيراً؟ الشيء المنطقي أن الله عز وجل علم فيه طلب الخير فأكرمه بهذا الخير، والدليل قوي:

﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ ﴾

[ سورة الأنفال: 23]

 لماذا أسمعهم؟ لأنه علم فيهم خيراً:

﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾

[ سورة الكهف: 13 ]

 لماذا زادهم هدى؟ لأنهم آمنوا بربهم، والإنسان مخير، إذا عزي الإضلال إلى الله فهو الإضلال الجزائي المبني على ضلال اختياري، وإذا أراد الله بعبد خيراً معنى ذلك أن هذا العبد اطلع الله على قلبه فرأى فيه طلباً للحقيقة يؤكد ذلك:

﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ ﴾

[ سورة الأنفال: 23]

 يؤكد ذلك:

﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾

[ سورة الكهف: 13 ]

مرتبة العلم أعلى مرتبة على الإطلاق :

 الآن:

(( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين))

[البخاري عن حميد بن عبد الرحمن]

 أعلى مرتبة على الإطلاق مرتبة العلم، فإذا أراد الله بالإنسان خيراً يعرفه بالله، يفقهه بالدين، والفقه في الدين لا يعني أن تعرف الأحكام يعني أن تفقه سرّ التشريع، أعرابي قال للنبي عليه الصلاة والسلام: يا رسول الله عظني ولا تطل، فتلا عليه قوله تعالى:

﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ﴾

[ سورة الزلزلة:7-8]

 فقال: كُفيت، فقال عليه الصلاة والسلام: فقه الرجل، ما قال فقه الرجل بمعنى عرف الحكم، بمعنى أنه أصبح فقيهاً، أول علامة من علامات أن الله علم فيك الخير التفقه في الدين:

(( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين))

[البخاري عن حميد بن عبد الرحمن]

 وزهده في الدنيا، وبصره عيوبه.

 

من اتسع صدره لحاجات الناس نال خيراً كثيراً :

(( وإذا أراد الله بعبد خيراً- اطلع على قلبه فرأى فيه الخير فألهمه الخير- جعل له واعظاً من نفسه يأمره وينهاه))

[ورد في الأثر]

 الله عز وجل يسخر له ملائكة يحفظونه، يلهمونه الخير:

(( وإذا أراد الله بعبد خيراً جعل له واعظاً من نفسه يأمره وينهاه))

 يقول لك: تضايقت، هذه القضية انشرح لها صدري، فإذا أراد الله بعبد خيراً علامة ذلك أن هذا العبد طلب الخير.

(( إذا أراد الله بعبد خيراً عسله، قيل: وما عسله؟ قال: يفتح له عملاً صالحاً قبل موته ثم يقبضه عليه))

[ابن حبان عن عمرو بن الحمق الخزاعي]

 يقول لك توفي وهو ساجد، توفي في الحج، ضمن عملاً صالحاً في نهاية حياته، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام يدعو ويقول:" اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك وأنت راض عنا".

(( إذا أراد الله بعبد خيراً سير حوائج الناس إليه))

[ورد في الأثر]

 يصير مقصوداً، يطرقون بابه ليلاً ونهاراً، فإذا اتسع صدره لحاجات الناس وتلقى هذه الوظيفة بالصبر وبالشكر نال خيراً كثيراً.
 مرة أخ تبرع ببيت بثمانية ملايين لجمعية خيرية، أقيم له حفل تكريم، فكل الخطباء أثنوا على هذا الأخ الكريم، لكن أحدهم لفت نظره إلى قضية قال له: لولا فضل الله عليك لكنت آخذاً من جمعيتنا ولست معطياً، الذي يأخذ إنسان مثلك، الإنسان إذا عرف فضل الله عليه يشكر.

(( إذا أراد الله بعبد خيراً سير حوائج الناس إليه))

[ورد في الأثر]

معاتبة الله لمن أراد بهم خيراً :

 الله عز وجل أحياناً يقر عباداً على نعم، يقرها عليهم ما بذلوها، فإذا منعوها صرفها عليهم وحولها إلى غيرهم.

(( إذا أراد الله بعبد خيراً عاتبه في منامه))

[ورد في الأثر]

 يصير في متابعة، ضمن العناية المشددة، إذا أخطأ يرى مناماً مزعجاً، عاتبه في منامه، وأكرر وأعيد، إذا أراد الله بعبد خيراً اطلع على قلبه فرأى فيه الخير، والدليل:

﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ ﴾

[ سورة الأنفال: 23]

 والدليل:

﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾

[ سورة الكهف: 13 ]

(( إذا أراد الله بعبد خيراً عجل له العقوبة في الدنيا))

[ الترمذي عن أنس]

 لا يجمع له، أول غلطة يحاسبه عليها، تكلم كلمة غير لائقة يعاتبه، يضيق عليه، يحجبه أحياناً، أحياناً إنسان من الحكمة أن يكون بمكانته، والله يريد أن يعالجه فيحجبه، أحياناً من المناسب ألا تتغير مكانته، فإذا أخطأ فيما بينه وبين الله عاقبه الله بالحجاب، قال : يا رب لقد عصيتك ولم تعاقبني؟ قال: وقع في قلبه أن يا عبدي لقد عاقبتك ولم تدرِ، ألم أحرمك لذة مناجاتي؟

(( إذا أراد الله بعبد خيراً عاتبه في منامه))

[ورد في الأثر]

(( إذا أراد الله بعبد خيراً عجل له العقوبة في الدنيا، إذا أراد الله بعبده شراً أمسك عنه بذنبه حتى يوافى به يوم القيامة))

[ الترمذي عن أنس]

من أحبه الله فقهه في الدين وألهمه رشده :

(( إذا أراد الله بعبد خيراً فقهه في الدين وألهمه رشده))

[ورد في الأثر ]

 عمله سديد، موقفه رائع، حكيم في الأماكن التي ينبغي أن يتكلم، وفي المواطن التي ينبغي أن يسكت، يسكت، يعطي بحكمة، يمنع بحكمة، يصل بحكمة، يقطع بحكمة، يغضب بحكمة، يرضى بحكمة:

(( إذا أراد الله بعبد خيراً فقهه في الدين وألهمه رشده))

[ورد في الأثر ]

 أعماله رشيدة مصوبة، لأن:

﴿ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيراً ﴾

[ سورة البقرة: 269 ]

(( إذا أراد الله بعبد خيراً فتح قفل قلبه))

[ورد في الأثر ]

﴿ وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ ﴾

[ سورة البقرة: 88 ]

 الإنسان عندما يستقيم يفتح له قفل قلبه، يتأثر بالمواعظ، يفتح قفل القلب بطاعة الله، ويقفل بالمعاصي، كل معصية تغلق القلب:

﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾

[سورة المطففين: 14]

 أعمالهم الشريرة كانت حجاباً بينهم وبين ربهم:

(( إذا أراد الله بعبد خيراً فتح قفل قلبه، وجعل فيه اليقين والصدق، وجعل قلبه واعياً لما سلك فيه، وجعل قلبه سليماً، ولسانه صادقاً، وخليقته مستقيمةً، وجعل أذنه سميعة، وعينه بصيرة))

[ورد في الأثر ]

 دعا النبي عليه الصلاة والسلام فقال:

((اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن عين لا تدمع، ومن نفس لا تشبع))

[مسلم عن زيد بن أرقم]

(( إذا أراد الله بأهل بيت خيراً فقههم في الدين))

[ورد في الأثر ]

ضرورة توقير الصغير للكبير و إكرام ذي الشيبة المسلم :

 في البيت الزوجة تقرأ القرآن الكريم، تدرس العلم وتعلم أولادها، هذا البيت فيه علم، جو البيت جو علم، جو صلاح، جو طهر، جو تقوى، ليس جو أفلام، ومحطات فضائية:

(( إذا أراد الله بأهل بيت خيراً فقههم في الدين ووقر صغيرهم كبيرهم))

[ورد في الأثر ]

 صدقوني أيها الأخوة، الصغير إن لم يوقر الكبير فلسنا من الإسلام في شيء:

(( لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا ))

[ الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ]

 مما ينفي عنك انتماؤك للإسلام ألا ترحم الصغير، وألا توقر الكبير، وألا توقر من جعله الله لاصقاً بك.
 وهناك حديث آخر يجب أن نعيه:

(( إن من إجلال الله عز وجل إكرام ذي الشيبة المسلم ))

[ السنن الكبرى للبيهقي عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَريِ]

 أنت إذا أكرمت شيخاً لسنه، لجلال قدره، لاستقامته، لورعه، ما أكرمت إلا الله:

(( إن من إجلال الله عز وجل إكرام ذي الشيبة المسلم ))

[ السنن الكبرى للبيهقي عَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِي]

(( إذا أراد الله بأهل بيت خيراً فقههم في الدين، ووقر صغيرهم كبيرهم، ورزقهم الرفق في معيشتهم))

[ورد في الأثر ]

إذا أراد الله قبض عبد بأرض جعل له فيها حاجة :

((إذا أراد الله قبض عبد بأرض جعل له فيها حاجة))

[ابن حبان عن أبي عزة ]

 قصة رمزية تروى أن سيدنا سليمان كان عنده ملك الموت، وقد أحدّ النظر بأحد الأشخاص، هذا الشخص سأله: من هذا الذي ينظر إلي؟ قال: هذا ملك الموت، فانخلع قلبه خوفاً، قال: يا سليمان خذني إلى طرف الدنيا الآخر من شدة خوفه، وقد أوتي الريح، نقله إلى الهند، بعد يومين قبض هناك، فقال له سليمان: يا ملك الموت لماذا كنت تنظر إليه هكذا؟ قال عجيب أنا معي أمر أن أقبض روحه في الهند ما الذي جاء به إلى هنا؟

((إذا أراد الله قبض عبد بأرض جعل له فيها حاجة))

[ابن حبان عن أبي عزة ]

المنحرف عن الله يجمع بين الهلاك و الندم :

((إذا أراد إنفاذ قضاءه وقدره سلب من ذوي العقول عقولهم))

[ورد في الأثر ]

 مع الله لا يوجد ذكي، إذا الإنسان منحرف عن منهج الله، واستحق العقوبة، لا ينفعه ذكاؤه مع الله، يورطه الله عز وجل.

((فإذا مضى أمره ردّ إليهم عقولهم فوقعت الندامة))

[ورد في الأثر ]

 هذه مشكلة الأذكياء غير المستقيمين، ذكي جداً، خبراته واسعة جداً، يرتكب حماقة ما بعدها حماقة، وبعد هذه الحماقة يأتيه عقله فيندم، فجمع الله له بين الهلاك وبين الندم، لأنه ما استقام على أمر الله.

 

الخلق الحسن الأصيل هو اقتباس من الله عز وجل :

 وقال:

((إن هذه الأخلاق مخزونة عند الله عز وجل، فإذا أراد الله بعبد خيراً منحه خلقاً حسناً))

[ورد في الأثر ]

 معنى هذا أن الخلق الحسن الأصيل هو اقتباس من الله عز وجل، هناك خلق حسن أساسه الذكاء، سلوك اجتماعي، أحياناً الإنسان بذكائه يرى أن يكون حليماً، هذا حلم تجاري، هذا الحلم أردت به الدنيا، ولكن هناك حلماً أساسه الاتصال بالله:

((قال: إن هذه الأخلاق مخزونة عند الله عز وجل، فإذا أراد الله بعبد خيراً منحه خلقاً حسناً))

[ورد في الأثر ]

((خلقان يحبهما الله عز وجل، وخلقان يبغضهما الله عز وجل، فأما الذي يحبهما الله السخاء والسماحة، وأما اللذان يبغضهما الله عز وجل فسوء الخلق والبخل))

[ورد في الأثر ]

 سوء الأخلاق، الشراسة، التحدي، الضرب، الإهانة، القسوة في المعاملة، هذا الخلق يبغضه الله عز وجل:

((خلقان يحبهما الله عز وجل، وخلقان يبغضهما الله عز وجل، فأما الذي يحبهما الله السخاء والسماح…))

[ورد في الأثر ]

الرفق لا يكون في شيء إلا زانه :

 و:

((إذا أراد الله بأهل بيت خيراً أدخل عليه باب الرفق))

[ورد في الأثر]

 اعتدال في الطعام والشراب، اعتدال في ملبسهم، اعتدال في لقاءاتهم، لا يوجد اختلاط، اعتدال في لهو بريء، جلسة عائلية ليس فيها امرأة أجنبية، كلام لطيف، شيء من المرح، أما إذا كان المزح عنيفاً فتكون ردود الفعل قاسية، خصومات يومية، لا يوجد بركة في الطعام، لا يوجد اعتدال في الإنفاق، إسراف في الإنفاق ثم ديون متراكمة، هؤلاء لم يكونوا رفقاء بمعيشتهم:

((إذا أراد الله بأهل بيت خيراً أدخل عليه باب الرفق، فإن الرفق لم يكن في شيء قط إلا زانه، وإن الخرق لم يكن في شيء إلا شانه ))

[ورد في الأثر ]

الحلم سيد الأخلاق :

 حتى لو أردت الخير بطريقة عنيفة، الله لا يحب العنف:

(( علموا ولا تعنفوا فإن المعلم خير من المعنف ))

[البيهقي عن أبي هريرة ]

 النبي عليه الصلاة والسلام أرسل خادمه لحاجة، فغاب كثيراً فغضب النبي، فلما عاد قال له:

((والله لولا خشية القصاص لأوجعتك بهذا السواك))

[ورد في الأثر]

 ماذا يفعل السواك؟ السيدة عائشة جاءها طبق طعام من ضرتها صفية، أصابتها الغيرة، فأمسكت بالطبق وكسرته، النبي فما زاد على أن لَمَّ أشتات الطبق وقال:

(( غضبت أمكم، غضبت أمكم ))

[ أحمد ]

 لذلك كاد الحليم أن يكون نبياً، الحلم سيد الأخلاق، كان النبي عليه الصلاة والسلام يصلي صلاة الفجر، ومن عادته أنه يطيل، ومن غير عادته أن يقرأ أقصر سورة ويسلم، عجبوا، سألوه، قال: سمعت طفلاً يبكي ينادي أمه ببكائه، فرحمت أمه.
 سيدنا الصديق له خدمة لبعض جيرانه، يحلب لهم الشياه، فلما أصبح أمير المؤمنين، طبعاً جارته حزنت، لأنه هذه الخدمة سوف تتوقف، في صبيحة تسلمه منصب الخلافة طُرق باب هذه الجارة، صاحبة البيت قالت لابنتها: يا بنيتي افتحي الباب، فلما فتحت الباب قالت: من الطارق؟ قالت: جاء حالب الشاة يا أماه، أي جاء سيدنا الصديق ليحلب الشياه، هكذا كان أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام.

 

الحياء من الإيمان :

(( الإيمان في الجنة، الحياء من الإيمان ))

[ورد في الأثر]

 والحياء لا يأتي إلا بخير، الحياء والإيمان قرنا جميعاً فإذا رفع أحدهما رفع الآخر، إن كان هناك إيمان فهناك حياء، استح:

(( اسْتَحْيُوا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ، قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، قَالَ: لَيْسَ ذَاكَ، وَلَكِنَّ الِاسْتِحْيَاءَ مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلْتَذْكُرْ الْمَوْتَ وَالْبِلَى))

[أحمد عن عبد الله بن مسعود ]

(( إِنَّ رَبَّكُمْ حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَستَحي من عبده إذا رَفَعَ إليه يديه أنْ يَرُدَّهُما صِفْرا خَائِبَتَيْنِ ))

[أبو داود والترمذي عن سلمان الفارسي ]

((الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في النار))

[ الترمذي عن أبي هريرة ]

 المزح البذيء، المزح الغليظ، أحياناً كلمات قاسية، هذا رفيقي، مرفوعة الكلفة بيننا، ليس هذا من أخلاق المؤمنين في شيء، لَوْ كَانَ الْفُحْشُ رَجُلاً لَكَانَ رَجُلَ سَوْءٍ، وإن الله لم يخلقني فحاشاً.

 

الدعاء نصف العبادة :

 آخر حديث:

((إن عمل البر كله نصف العبادة، والدعاء نصف العبادة الآخر))

[ورد في الأثر]

 الدعاء يعني اتصال بالله مستمر، الله عز وجل قال:

﴿ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ ﴾

[سورة المعارج : 23]

 كيف دائمون؟ بالدعاء، خرجت من بيتك، دخلت إلى محلك، واجهت إنساناً، اللهم إني تبرأت من حولي وقوتي، والتجأت إلى حولك وقوتك يا ذا القوة المتين، قضية معقدة:

(( اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً ))

[أخرجه ابن حبان عن أنس بن مالك ]

 الدعاء نصف العبادة، فعمل البر كله نصف العبادة، والدعاء نصف العبادة، وإذا أراد الله بعبد خيراً انتحى قلبه للدعاء، صار الدعاء ديدنه، النبي عليه الصلاة والسلام كان يدعو ليلاً ونهاراً، كتاب الأذكار كله أدعية، إذا لبس ثوباً جديداً، كانت تعظم عنده النعم مهما دقت، دخلت إلى بيتك، وجدت الأولاد بصحة جيدة، يوجد طعام، و دفء عندك ثمن وقود، و سرير تنام عليه، هذه نعمة، كان إذا دخل بيته:" الحمد لله الذي آواني وكم من لا مأوى له" معك مفتاح بيت أجرة، ملك، عال، منخفض، لابأس، لك زوجة تحصنك عن الحرام، لك أولاد تأنس بهم، لك دخل يغطي نفقاتك، كانت تعظم عنده النعم مهما دقت.
إنسان نزع عن صدر النبي عليه الصلاة والسلام قشة، فلما نزع القشة من على صدره الشريف رفع يديه وقال:" اللهم زد عني خيراً "، كانت تعظم عنده النعم مهما دقت.
 تروي كتب السيرة أن أبا جهل طرق بيت النبي عليه الصلاة والسلام قبل البعثة، ابنته فاطمة فتحت، قال: أين أبوك؟ قالت: ليس في البيت، فضربها- وحش- سمع بهذا أبو سفيان فتأثر بهذا السلوك الشرس، أخذ فاطمة وحملها وذهب إلى أبي جهل وقال: اضربيه، كانت طفلة صغيرة، بلغ النبي عليه الصلاة والسلام" ذلك، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: اللهم لا تنسها لأبي سفيان" مات مسلماً مع أنه حارب النبي عليه الصلاة والسلام عشرين سنة.

 

من علامة الإيمان أن النعم لا تضيع عند الإنسان :

 من علامة الإيمان النعم لا تضيع عندك، والحديث هو:" إذا أراد الله بعبد خيراً جعل صنائعه ومعروفه في أهل الحفاظ" أحياناً شخص يربي ابناً، يتعب به، يذهب إلى أمريكا يتزوج أمريكية ولا يأتي، أحياناً يتنصر، أين تعبت به ثلاثين سنة؟ أحياناً يخون شريكه، يتآمر عليه، إذا أراد الله بعبد خيراً جعل صنائعه ومعروفه في أهل الحفاظ، وإذا أراد الله بعبد شراً جعل صنائعه ومعروفه في غير أهل الحفاظ، إنسان يكون معروفه عند أناس لا ينسون ويشكرون، هذه من نعم الله الكبرى، إذا أراد الله بعبد خيراً علم فيه الخير فأراد له الخير:

﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ ﴾

[ سورة الأنفال: 23]

﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾

[ سورة الكهف: 13 ]

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور