وضع داكن
18-04-2024
Logo
نظرات في آيات الله - الدرس : 47 - من سورة الواقعة - مضامين سورة الواقعة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

ضرورة اعتماد الإنسان على المقاييس التي سيقيّم بها عند الموت :

 أيها الأخوة الكرام؛ الإنسان شاء أم أبى يتخذ مقاييس، يقيس بها نفسه والناس معاً، هذه المقاييس إن نبعت من الدنيا هناك مفاجأةٌ عند الموت، هذه المفاجأة أنه سيجد مقاييس أخرى، لا تمت إلى الدنيا بصلة، فالعاقل هو الذي يعيش المستقبل، والأقل عقلاً يعيش الحاضر، والغبي يعيش الماضي، مقاييس الدنيا الواقعة يجب ألا تعبأ بها، لأنها مؤقتة، أما المقياس الذي ستقيم به عند الموت هذا هو المقياس الذي يمكن أن ينفعك في دينك ودنياك، فربنا سبحانه وتعالى يقول:

﴿ إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ ﴾

[ سورة الواقعة : 1 ]

 وقال:

﴿ إِذَا ﴾

  لأن

﴿ إِذَا ﴾

 تفيد تحقق الوقوع، لو قال: إن وقعت، تقع أو لا تقع، أما:

﴿ إِذَا وَقَعَتِ ﴾

 فستقع حتماً:

﴿ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ* خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ ﴾

[ سورة الواقعة : 1 - 2 ]

 من أين يأتي الخفض والرفع؟ من تغير المقاييس، يأتي الخفض والرفع من تغير المقاييس، أي أنت إذا طلبت الأسماء بحسب تسجيلها يقول لك: أنا أول واحد، لو طلبتها بحسب الأحرف الهجائية، قد يصبح هذا الشخص آخر واحد إذا كان اسمه بالياء، بالتسلسل الزمني أول واحد، لو غيرت المقياس فجأةً صار الأول أخيراً.
 فالنقطة الدقيقة: أن الواقعة

﴿ خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ ﴾

 الذي كان في الحضيض سيغدو في الأوج، والذي كان في الأوج، ولم يكن على منهج الله مستقيماً، سيغدو في الحضيض، فالعقل يقتضي أن تتخذ مقياس الآخرة، والعقل يقتضي ألا تندم، ولا بد من أن تندم إذا اعتمدت مقاييس الدنيا، مقاييس الدنيا للدنيا، عند الموت تأتي مقاييس جديدة، فهذه إشارة من الله عز وجل أن الإنسان لا يغتر بما هو عليه في الدنيا، إن الله يعطي الذكاء، والصحة، والمال، والجمال للكثيرين من خلقه، عليه أن يهتم بما ينبغي أن يكون عليه يوم القيامة.
 أيها الأخوة؛ ربنا عز وجل ذكر مصير أهل الجنة، بما فيهم:

﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ﴾

[ سورة الواقعة : 10]

 وأصحاب اليمين، وذكر مصير أهل النار، فالآيات كلكم يعلم أن هناك آية قرآنية، وآية كونية، وآية تكوينية، التكوينية أفعال الله، والكونية خلق الله، والقرآنية كلام الله، والآية العلامة، الله عز وجل غابت ذاته عنا، لكن ظهر لنا من خلال آياته الكونية والتكوينية، والقرآنية.

 

التفكر في آيات الله عز وجل :

 الآن أقول كلمة: المؤمن لا يعطل كلام الله، لو أن الله عز وجل أمرك بالصلاة ولم تصلِّ، أنت عطلت هذا الأمر، لم تعبأ به، أما الصلاة، والصوم، والحج، والزكاة فأوامر يعرفها كل الناس، لكن الأوامر الأخرى التي تقتضي التفكر، هذه الآيات إن لم نتفكر بها فقد عطلناها، وتعطيل كلام الله عز وجل معصية، لأن الله عز وجل يقول:

﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ ﴾

[ سورة الواقعة : 58]

 يدعوكم إلى الرؤية، إلى التأمل، إلى التبصر، إلى البحث، إلى التنقيب.

﴿ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ ﴾

[ سورة الواقعة : 59]

 معنى ذلك أنت مأمورٌ أن تتأمل في هذا الماء الذي يخرج منك، وكيف أن الله سبحانه وتعالى خلقه، وأنضجه، وجعله عاطلاً، فإذا خرج من مكانه صار فعالاً، الحوين منزوع الفتيل، إذا انتقل إلى الرحم أصبح فعالاً، والحوين يمضي على تصنيعه وإنضاجه ثمانية عشر يوماً، فالذي يخرج اليوم مهيئاً، ومصنوعاً، وناضجاً من ثمانية عشر يوماً، وهو في مكان منفصل عن الجسم، لأنه يتحمل حرارة معينة، فإذا ارتفعت الحرارة درجتين مات، لذلك ربنا عز وجل هيأ مكان التصنيع، مكان النضج، قال:

﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ* أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ ﴾

[ سورة الواقعة : 58 - 59 ]

 هذه الخمسمئة مليون حوين، ولكل حوين رأس، ومادة نبيلة، وغشاء، وعنق، وذيل، الرأس هو خلية لها غشاء خارجي، لها هيولى، لها نوية، والنوية عليها مورثات، والمورثات خمسة آلاف مليون مورث، أنا لا أتكلم عن رقم عشوائي، هذا رقم علمي، خمسة آلاف مليون مورث، والآن شغل العالم الشاغل في الهندسة الوراثية، كل شيء بالإنسان يقابله مورث، مبرمج:

﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ* أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ ﴾

 أردت من هذا الكلام أنك إن لم تفكر في الكون عطلت آيات الكون، عد آيات الكون تجدها أكثر من ربع القرآن، ربع القرآن معطل.

﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ﴾

[ سورة الروم : 31 ]

 تصلي، حسناً هذه آية عملت بها.

﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ﴾

[ سورة البقرة : 183 ]

 صمت رمضان.

﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ﴾

[سورة آل عمران : 97 ]

 حججت، لما قال لك:

﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ﴾

[ سورة الغاشية : 17]

 لِمَ لم تنظر؟

﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ ﴾

[ سورة عبس : 24 ]

 لِمَ لم تنظر؟

﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ ﴾

[ سورة الطارق : 5 ]

 لِمَ لم تنظر؟ فكلما ابتعدت عن التفكير عطلت آيات الكون، والقرآن الكريم ينبغي ألا يعطل، ينبغي أن يعمل به.

 

التفكر في الماء العذب :

﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ* أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ ﴾

[ سورة الواقعة : 63 -64 ]

﴿ أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ ﴾

[ سورة الواقعة : 68 ]

 أي من قال إن الماء لا لون له؟ لا طعم له؟ لا رائحة له؟ إذا تمدد لا يوجد بالكون قوة يمكن أن تقف أمامه، أحدث طريقة لقلع الرخام من الجبال، وضع ثقوب، وملؤها بالماء، ثم تبريد الماء، الرخام القاسي أقسى أنواع الصخر، هذا ينشطر إذا الماء تمدد، أقسى أنواع الخلائط في المحركات، لو كان هناك ماء، وصار صقيع، المحرك يتصدع، يتشقق، من صمم هذا؟ الماء لا يضغط، لو أردت أن تضغط الماء، وضعوا متراً مكعباً من الماء فوقه ثمانمئة طن، أنا رأيت المكابس ببعض الصناعات، قالوا لي: المكبس ثمانمئة طن، طبعاً ليس بالوزن فقط بالضغط، بالوزن ليس معقولاً، و لكن هناك كتلة معدنية كبيرة جداً وسطها إسمنت وهناك دفع هيدروليك، هذا الدفع يساوي وزن ثمانمئة طن، ثمانمئة طن ولم يضغط الماء ولا ميلمتر، ما هذا الماء لا يضغط؟! أما إذا تمدد لا تستطيع قوة أن تقف في وجهه، لا لون له، لا طعم، لا رائحة، نفوذ، ينفذ في أدق المسام، يتبخر في الدرجة الرابعة عشرة، لو كان بالدرجة مئة، إذا الإنسان نظف بيته الماء طوال الشتاء لا يزول، أما بالدرجة الرابعة عشرة فيتبخر.

﴿ أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ* أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ ﴾

[ سورة الواقعة : 68 - 69 ]

 من جعله مذيباً لما فيه؟ أي كل شيء تأكله، كأس شاي، ما هو كأس الشاي؟ أي ماء مذاب في ورق الشاي، كل الشرابات هي مواد مذابة بالماء، معنى ذلك أنه يقبل أن يذيب المواد في داخله.

﴿ لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً ﴾

[ سورة الواقعة : 70 ]

 النقطة الدقيقة أن الإنسان أحياناً في البحر ينقطع من الماء العذب، يموت، هو فوق الماء، فوق كتلة مائية مذهلة، أي أربعة أخماس الأرض ماء، والأعماق تصل إلى اثني عشر كيلو متر، ومع ذلك الإنسان يموت عطشاً وهو على سطح البحر.
 قرأت مرة قصة واقعية باخرة غرقت، قارب نجاة فيه خمسون شخصاً، وهناك كمية ماء عذب محدودة جداً، وصل من الخمسين راكباً راكبان فقط، لأن الإنسان كان يقتل أخاه بالليل وهو نائم، من أجل أن يشرب ملعقة شاي تخصه، قتلوا بعضهم بعضاً من أجل ملعقة شاي من الماء العذب، ربنا عز وجل عندما قال:

﴿ لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ ﴾

[ سورة الواقعة : 70 ]

 الماء العذب شيء لا يقدر بثمن، الله يدعونا للتفكر.

حاجة الإنسان إلى النار :

﴿ أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ ﴾

[ سورة الواقعة : 71 ]

 تصور حياة بلا نار، الصناعات تتعطل، يمكن السكين التي تستعملها في المطبخ تدخل النار فيها، وإلا لما كان هناك سكين، هذا الحديد كان فلذات، كيف انقلب من فلزات إلى حديد؟ بالنار، كل الأدوات المعدنية تحتاج إلى نار، إنضاج الطعام يحتاج إلى نار، طبخ الطعام يحتاج إلى نار، توليد الحرارة يحتاج إلى نار:

﴿ أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ* أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ* نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً ﴾

[ سورة الواقعة : 71-73 ]

 لنار جهنم، أي كان السلف الصالح يضع يده على النار، فإذا لم يحتملها، كيف يعصي الله؟ كيف سيذوق النار إلى أبد الآبدين؟

﴿ نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِلْمُقْوِينَ* فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ﴾

[ سورة الواقعة : 73 - 74 ]

الخاسر من رفض الدين و كذب به :

 النقطة الدقيقة هنا:

﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ* وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ* إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ﴾

[ سورة الواقعة : 75 - 77]

 أي الذي خلق الكون هو الذي أنزل هذا القرآن، والكتاب من شرف الكاتب، والرسالة شرفها من شرف المرسل، الآن دققوا في هذه الكلمة:

﴿ أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ* وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ﴾

[ سورة الواقعة : 81 - 82 ]

 نصيبك من الله أنك مكذب لا سمح الله، أما نصيب الآخر فأنه آمن بالله، وعرفه، وأطاعه، وتقرب إليه، يوجد نصيب إيجابي، ونصيب سلبي، أي جهة تعطي أنت كذبتها نصيبك منها أنك كذبتها فحرمت منها، الثاني صدقها فأخذ منها، فمن المؤسف جداً أن الإنسان تكون علاقته بالدين سلبية، يقول لك: الدين غيبيات، ما وراء الطبيعة، نحن واقعيون، نريد تنمية، نريد صناعة، نريد رفاهاً، نريد أن نعيش وقتنا، أن نمتع أجسامنا بمنجزات الحضارة، هذا كلام، فلما رفض الإنسان الدين كان خاسراً أشدّ خسارة، جعل علاقته بالدين التكذيب، الرفض، الرد، قال النبي الكريم:

(( الكبِرْ بطَرُ الحقِّ، وغمطُ الناس ))

[ أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي عن عبد الله بن مسعود ]

((بطَرُ الحقِّ ))

 رده:

(( وغمطُ الناس ))

 احتقارهم، هذا الكبر، ألا تنصف الناس، وأن ترفض الحق:

(( الكبِرْ بطَرُ الحقِّ، وغمطُ الناس ))

 البطر: الرد، فالمؤمن رزقه من هذا الدين أنه قبله، وتبناه، واعتقده، وطبقه، فأثمر ثماراً يانعة، نصيب الكافر أنه كذبه.

 

العاقل من يعد العدة للمستقبل :

 الآن مشهد من مشاهد النزاع:

﴿ فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ ﴾

[ سورة الواقعة : 83 ]

 والله يا أخوان أعرف رجلاً، عنده محل بأشهر أسواق دمشق، وإذا مررت على المحلات كلها التي تبيع الأصناف نفسها المحلات فارغة، محله فيه عشرون أو ثلاثون زبوناً، أي عنده قدرات على الشراء والبيع عجيبة، خلال سنتين ثلاثة شركاء، اشترى كل واحد بيتاً بالشام وبيتاً بالمصيف، وسيارة، عمر أحد الشركاء ثمان وثلاثون سنة، طبعاً بعيد عن الدين بعداً شديداً أصيب بسرطان بالدم، لم يبلغوه أول الأمر، هو مرح جداً، أما حينما بلغه أنه مصاب بسرطان بالدم كانت تأتيه حالات هستيرية كل ربع ساعة يبحت ويقول: لا أريد أن أموت، يقول لي جار له سكن بالبناية أقسم بالله لما جاءه ملك الموت، ولفظ أنفاسه الأخيرة صاح صيحةً ما بقي في البناء كله إنسان إلا وسمعها، البناء كله، الإنسان عندما ينتقل إلى الآخرة هذا شيء مخيف، من كل شيء إلى لا شيء، بل إلى عذاب، بل إلى ألم، هناك وحشة بالقبر، وازن بين بيتك وبين القبر، لا يوجد نسبة، خمس غرف، نظيف، مرتب، زينة، أثاث، طعام، شراب، لك مكتب، مركبة، فجأةً تصبح في متر بمترين، بلا مؤنس، بلا زوجة، بلا أولاد، بلا أتباع، بلا أصحاب، بلا إخوان، بلا تسلية، فجأةً.
 فلذلك الكافر حينما يرى مكانه من النار عند النزع يصيح صيحةً لو سمعها أهل الأرض لصعقوا، صيحة الندم، ربنا يقول:

﴿ فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ ﴾

[ سورة الطور : 45]

 يصعق، إذا الإنسان فرضاً- نأتي بمثل - باع بيته، وباع معمله، وباع بيته بالمصيف، وباع مركبته، وباع محله التجاري بالحميدية، حصل على مبلغ بمئات الملايين اشترى فيه عملة أجنبية، ثم اكتشف فجأةً أن العملة كلها مزورة، أي تصور هذا الخبر كيف يأتي، يقول لك: لقد أصبت بالشلل، كل ثروته عملة مزورة، لذلك الإنسان إذا تلقى خبر الموت، أو النزع الأخير، أنا والله أقسم بالله إذا الإنسان لم يكن منضبطاً، وكان متفلتاً، وأصابه مرض بعضو أساسي في جسمه، وليس في جلده، مرض بعضو أساسي، وشعر أنه قريب من الموت، والله ينسى الحليب الذي رضعه من أمه، آلام لا تحتمل، فالإنسان يجب أن يخاف من الله، أن يخاف من مواجهة الحق، أن يكون وقافاً عند كتاب الله، أن يأخذ ما له، ويدع ما ليس له، أن يكون محسناً.

﴿ فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ ﴾

[ سورة المعارج : 42 ]

 هناك قصة نموذجية وقعت في الشام- ذكرتها لكم كثيراً اعذروني- شخص يركب سيارته في الحجاز، فجأةً أصيب بجلطة، لحكمةٍ بالغةٍ هيأ الله إنساناً وراءه، هو صديقه وبجانبه زوجته، وهو واقف على الإشارة جاءته هذه الأزمة، أخذوه إلى مشفى الشامي، أول شيء بعد أن صحا طلب مسجلة، المحل الفلاني لأخواتي وليس لي، هو كان قد اغتصب محلات تجارية، ودكاكين، كله اعترف به على المسجلة، لأنه واجه الحق، بعد يومين أخذ مذيبات للدم، لم يبقَ فيه شيء، أين الشريط؟ أعطوني إياه فكسره، وعاد إلى ما كان عليه، بعد ثمانية أشهر جاءته المنية القاضية، الله عمل له إنذاراً مبكراً، فهناك إنسان ينجو من الموت يا أخوان، لكن هل هناك إنسان ينجو من أن يدفن تحت الأرض؟ تدخل وتخرج إلى البيت، داخل خارج، واقف هكذا وهكذا، لكن مرة تخرج بشكل أفقي، متى؟ لا نعلم، تدخل للمسجد، داخل، خارج، أين كنا؟ بالجامع، لكن هناك دخولاً بشكل أفقي للجامع.
 كنت مرة بالمغرب وجدت محلاً كان قد كتب كلمة، قال: صلِّ قبل أن يصلى عليك، فالإنسان ليعمل عقله، ليعد العدة للمستقبل، ليعيش المستقبل.
 قال:

﴿ فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ ﴾

 الروح وصلت إلى هنا، وحوله أهله، وأخواته، وزوجته، وهذا يده على جبينه، ويقول لك: برد؟ تقول: نعم برد، انظر إلى عينه لقد جحظت، هاتوا مرآة، لم يبقَ به نفس، مسك النبض صفر، قال:

﴿ فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ* وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ* فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ* تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ* فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ* فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ* وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ ﴾

[ سورة الواقعة : 83 - 90 ]

 لابأس، مقبول، هناك امتياز، ومقبول:

﴿ فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ* وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ* فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ* وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ* إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ* فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ﴾

[ سورة الواقعة : 91 - 96 ]

متابعة السير إلى الله في رمضان و بعده :

 لعل هذا اللقاء آخر لقاء قبل العيد، إذا الإنسان قصر برمضان، رمضان يشبه مذاكرة أثناء العام الدراسي، العلامات قليلة، في الفصل الثاني، هناك جولة ثانية، في شهر شوال، في شهر ذو القعدة، في شهر ذو الحجة، محرم، كل شهر قد يكون معك رمضان، يا أخي انتهى رمضان ولو انتهى، لك أن تعاهد الله على متابعة السير، لك أن تعاهد الله على صلاة الفجر في المسجد، على غض البصر، على إنفاق المال، على تلاوة القرآن، بيدك الأمر، انتهى رمضان، من فاز به فاز، ومن قصر هناك دورة ثانية، ودورات ثانية، كل شهر قد يكون رمضان، والمؤمن الصادق يجعل من كل شهر من أشهر العام رمضان، بطاعته، واستقامته، وإقباله.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور