وضع داكن
29-03-2024
Logo
نظرات في آيات الله - الدرس : 32 - من سورة فاطر - الكتابة لاحقة الفعل والأجر بعد العمل.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

المعاني التي تحتملها كلمة نذير :

 أيها الأخوة؛ الله سبحانه وتعالى لا يأخذ على حين غرة، ولكن ينذر، قال تعالى:

﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ﴾

[ سورة فاطر: 37 ]

 إذاً قبل الحساب، وقبل العذاب عناك نذيرٌ من الله عز وجل، والنذر كثيرة، أحياناً المصيبة نذير، وأحياناً موت الأقارب نذير، وأحياناً الشيب نذير، وأحياناً القرآن نذير، والنبي نذير، فالمصائب، وموت الأقارب، وسن الأربعين، والشيب، والقرآن، والنبي، هذه هي المعاني التي تحتملها كلمة نذير، فنحن في حالة إنذار مستمر، تقدمنا بالسن ربنا عز وجل لحكمةٍ بالغةٍ بالغة الإنسان بعد الخمسين يضعف بصره، يحتاج إلى نظارة، يشيب شعره، يبدل أسنانه، يشعر بألمٍ في مفاصله، بثقلٍ في حركته، هذه الأعراض الطارئة إشاراتٌ لطيفةٌ من الله، أن يا عبدي قد اقترب اللقاء، فهل أنت مستعد؟ هذا نذير، عندما الخط البياني للصحة ينزل، معنى هذا أن نهايته الموت.
 فلذلك أجمل كلمةٍ قالها أحد الخلفاء سيدنا عمر بن عبد العزيز: الليل والنهار يعملان فيك، فاعمل فيهما، أي إن لم تعمل فيهما عملا فيك، وأفنياك، إن عملت فيهما استثمرت الوقت، وانتفعت بالعمل الصالح بعد مضي الوقت.

 

من صدّق الله بأعماقه نجا من عذابه :

 أيها الأخوة؛ إذا الإنسان صدق الله عز وجل بأعماقه، ينجو من عذابه، يقول الله عز وجل:

﴿ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ﴾

[ سورة فاطر : 43 ]

 كل إنسان يخدع، يمكر، يضع مطباً للآخرين، هذا المكر سيعود عليه وحده، فإذا خدعت المؤمنين تخادع نفسك:

﴿ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ ﴾

[ سورة البقرة : 9 ]

 حينما ينتكس الإنسان هناك ظاهرة عجيبة جداً، يكون هناك أخ مثلاً بالمسجد، يقع مع أخ من إخوان المسجد سوء تفاهم، أو خطأ، أو سوء تصرف، أو مشكلة، ينتقم من هذا الأخ بترك المسجد، وترك الصلاة، ما علاقة المسجد وعلاقة الخالق العظيم الذي أوجدك من عدم بهذه المشكلة؟ فإذا الإنسان انتكس صار معه نكسة مفاجئة، هذه النكسة يدفع هو وحده ثمنها، وإذا مكر يدفع وحده ثمن المكر، وإذا خدع يدفع وحده ثمن الخداع:

﴿ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ ﴾

[ سورة البقرة : 9 ]

﴿ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾

[ سورة الأنفال:30 ]

﴿ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً* وَأَكِيدُ كَيْداً ﴾

[ سورة الطارق: 15-16]

 فالإنسان لا يخطر بباله أبداً أن يقف في خندق معاد للدين، أو معاد للمؤمنين، لأن النتيجة معروفة، سيصبح في مزابل التاريخ، أما إذا كنت مع الحق فلك النصر، ولك التأييد

﴿ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ﴾

.

 

حساب الإنسان الدقيق ورصيده التام يوم القيامة :

 شيء آخر: ربنا عز وجل عندما يرسل مصائب، إياكم أن تظنوا أن هذه المصائب هي حساب ختامي، مصائب لذنوب منتقاة بشكل نموذجي، أما:

﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ ﴾

[ سورة فاطر: 45 ]

 تجد بلاداً فيها فسق، فيها فجور، فيها أمطار، فيها خيرات، فيها مزروعات، والناس يأكلون، ويشربون، ويتمتعون:

﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ﴾

.
 أحياناً الله عز وجل يحاسب بعض الناس ليكون حسابه لهؤلاء ردعاً لبقية المسيئين، يحاسب بعض المسيئين ليكون حسابه ردعاً لبقية المسيئين، ويكافئ بعض المحسنين لتكون مكافأته تشجيعاً لبقية المحسنين، أما الحساب الدقيق والرصيد التام فيوم القيامة:

﴿ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾

[ سورة آل عمران : 185 ]

 وفي سورة يس آيةٌ لطيفةٌ جداً، يقول:

﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا ﴾

[ سورة يس : 12 ]

 نكتب عليهم ما فعلوا، فالكتابة هنا لاحقةٌ للفعل، وليست سابقةً له، يفعل هذا الشيء، يصر عليه، لا يتوب منه، يتباهى به، يُسجل عليه، أما إذا ندم فيمحى، إذا استغفر يمحى، إذا فعل حسنةً يمحى، إذا شعر أنه أخطأ، وقال: يا رب لقد تبت إليك، يقول: يا عبدي وأنا قبلت، أما إذا فعل السيئة، وافتخر بها، وأصرّ عليها، ولم يتب منها عندئذٍ تسجل.

﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ﴾

[ سورة يس : 12 ]

الغنى غنى العمل الصالح والفقر فقر العمل الصالح :

 أخواننا الكرام؛ مقولةٌ يقولها أناسٌ كثيرون ذكرتها في الخطبة اليوم: أخي لا يكفي العباد إلا رب العباد، أي هو يكون في بحبوحة، والناس من حوله في ضيق شديد، يقول لك: إن الرب يتكفل برزقهم، هذا الكلام إذا قاله إنسان يلتقي مع الكافر تماماً، الآية:

﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾

[ سورة يس: 47 ]

 الرد على مقولة هؤلاء أنك مستخلفٌ في الأرض، أن الله سبحانه وتعالى ما أغناك إلا لتكون معيناً للفقراء، لأن النعمة التي أنعم الله بها عليك يقرها بك ما بذلتها، فإذا منعتها حولها إلى غيرك، إذا إنسان بنعمة، أحياناً إنسان يكون له مكانة، وبهذه المكانة ينصر الضعفاء، فإذا امتنع عن نصرتهم أذهب عنه هذه المكانة، يكون له مال، إن أنفقه على الفقراء أقره عليه، فإن بخل حرمه منه.
 قصة رمزية أذكرها كثيراً، في بيت من بيوت دمشق القديمة يوجد ليمونة تحمل أربعمئة حبة أو خمسمئة، لا يوجد إنسان طرق هذا البيت يريد إلا وأعطوه، توفت السيدة جاءت زوجة ابنها، أول من طرق الباب قالت له: لا يوجد، في السنة الثانية يبست الليمونة.
 إذا الشخص أعطى الله يعطيه، إذا قال: لا أريد أن أعطي، جرب وانظر، يمنع عنك، هذا مثل، لكن وسعه تراه يشمل كل شيء.
 أحياناً الشخص يكون له أخوات، أزواجهم فقراء يساعدهم، يعطيهم، ما دام يفعل هذا فله رزق خاص، أما إذا قال: أنا لا دخل لي بهم، عندما يتخلى عنهم فالله يتخلى عنه، فإذا كان الإنسان بنعمة، يقوم ببذلها، لأنه يخاف خوفاً شديداً أن يمنعها، فإذا منعها حولها الله إلى غيره، هؤلاء العباد الذين اختصهم الله بالنعم، هكذا الحديث:

(( إن لله أقواماً اختصهم بالنعم لمنافع العباد، يقرهم فيها ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها منهم فحولها إلى غيرهم ))

[ أخرجه الطبراني عن عبد الله بن عمر ]

﴿ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم ﴾

[ سورة محمد:38 ]

 لا أحد يمن على الله عز وجل بأعماله الصالحة، أعماله الصالحة له، وسوف يكتشف بعد حين أنه هو الفائز، بكل جهدك، وبذلك، وعطائك، وتعبك، وسهرك، ومجاهدتك، ومعاونتك، هذه الجهود الجبارة إذا كشف الغطاء هي لصالحك.

﴿ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ ﴾

[ سورة الحجرات : 17 ]

 أحياناً الإنسان يتأفف، يقول لك: أنا لم أعد أتحمل، لكن الله عز وجل أكرمك، سيدنا موسى نبيٌّ عظيم، لما سقى للفتاتين:

﴿ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾

[ سورة القصص:24 ]

 يجب أن تعرف أن الفقر فقر العمل الصالح، والغنى غنى العمل الصالح، وما سوى ذلك لا قيمة له إطلاقاً، أنا هذا الكلام أقوله:

(( إذا أحبّ الله عبداً جعل حوائج الناس إليه ))

 إذا إنسان مقرب من الله، يحب الخير، الناس يطرقون بابه كثيراً، إذا ضجر، وإذا تأفف، وإذا أراد أن يضع خطة جديدة، الله عز وجل يسلب منه ما كان قد أعطاه إياه.

 

الذاكرة عند الإنسان من نعم الله العظيمة :

 بعد ذلك الإنسان بذاكرته، لو الله عز وجل أضعف لك ذاكرتك تفقد معلوماتك كلها، الآن أي صاحب محل تجاري، يقول لك: اصعد إلى الرف الرابع، على اليمين، يوجد علبة دواء بقيت أحضرها لنا، كل شيء بالصيدلية بذهنه، والذي عنده محل قطع، كل القطع بذهنه، كل إنسان بذهنه كل أعماله، لو أن هذه الذاكرة ضعفت، تركب مركبتك، وتأتي إلى البيت ببساطة، لا ليس ببساطة، هناك من فقد ذاكرته ما عرف بيته، أحد أخواننا رحمه الله توفي خرج من معمله، بيته في خورشيد، ساعة لم يعرف أين بيته، ذهب إلى بيت ابنه، له ابن ساكن بالجسر، قال له: أين بيتي يا بني؟ أين بيتي؟ قال:

﴿ وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيّاً وَلَا يَرْجِعُونَ ﴾

[ سورة يس:67 ]

 هناك رجل كان بالعهد العثماني من كبار الشخصيات، بآخر حياته ضعفت ذاكرته يخرج من بيته بالمهاجرين لا يرجع، تخبر زوجته الشرطة، يجدونه ضائعاً بالقنوات، أي كان يهز بلداً فضعفت ذاكرته، انتهى:

﴿ وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيّاً وَلَا يَرْجِعُونَ ﴾

  الإنسان عندما يرجع إلى بيته نعمة كبيرة، أنت تعرف البيت، تعرف الطرقات.
 النقطة الدقيقة أخواننا أن هذه النعم كلها، الإنسان إذا كانت هذه النعم متوافرة لا يلتفت إليها، ربنا عز وجل عندما يخلق حالات مرضية، الإنسان يفقد ذاكرته، بقرة تتوحش مثلاً، طفل يأتي وثقب بوتال عنده مفتوح، هذه الأحوال الاستثنائية، هذه لها أهداف تربوية كبيرة، من أجل لفت النظر إلى الأصل، البطولة أن تعرف الأصل من دون استثناءات، أما إذا الإنسان تعامى، شخص مجنون، لا تعرف نعمة العقل إلا بالمجنون، لا تعرف نعمة الأجهزة إلا بتعطلها.

 

الإعجازات العلميّة في القرآن الكريم :

 القرآن الكريم من إعجازاته العلمية أن نظرية النفط في العالم، هناك عصور مطيرة جداً، دفنت فيها أشجار عملاقة، هذه الأشجار العملاقة تحولت بعد حين إلى حقول نفط، والآية الكريمة:

﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً ﴾

[ سورة يس : 80 ]

 هذه لو كانت من الشجر اليابس ناراً واضحة، نفهمها على معناها الظاهر، أن الشجر اليابس يحترق ، نحن نشعله، أما الآية:

﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ ﴾

[ سورة يس:80 ]

 هذه الطاقة – النفط- التي أودعها الله في بطن الأرض أساسها أشجارٌ خضر، وهي طبعاً نظرية معتمدة من نظريات تفسير حقول النفط في العالم، عصور مطيرة جداً، هذه العصور تركت غابات عملاقة، من خلال بعض الزلازل، هذه الغابات دفنت في أعماق الأرض وأصبحت حقول نفطٍ، نستفيد الآن من هذه الطاقة.

 

اختلاف نظام الدنيا عن نظام الآخرة :

 نظام الآخرة نظام عجيب، لمجرد أن يخطر في بالك شيء، تراه أمامك، شخص خطر بباله صديق له، منحرف، قال:

﴿ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ ﴾

[ سورة الصافات:51 ]

 هو بالجنة جالس، وذاك في النار، قال:

﴿ فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ ﴾

[ سورة الصافات:55 ]

 أي أنت ممكن أن يكون لك قريب في حلب، يخطر ببالك تجده جالساً ببيته تحاكيه؟ هذه مستحيلة، إلا أن تركب إليه خمس ساعات، أما نظام الجنة فنظام عجيب، أي شيءٍ يخطر في بالك تراه أمامك.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور