وضع داكن
23-04-2024
Logo
هدي النبي صلى الله عليه وسلم - الدرس : 45 - هديه في الدعاء.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، و الصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

الله عز وجل بيده كل شيء وبيده حلّ أية مشكلة :

أيها الأخوة: هناك عدة أحاديث متعلقة بالدعاء, سبب اختياري لها أنه قبل يومين جاءني أخ كريم من بلاد بعيدة, وعرض عليّ مشكلة, كلما فكرت في حلّ لهذه المشكلة أغلق الباب, أو أعلمني أن الباب مغلق, أفكر في هذا الاتجاه هناك باب مغلق, في هذا الاتجاه باب مغلق, والمشكلة كبيرة جداً, ولا تحتمل, وليس لها حل, فقفز ذهني إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما يقول:

((ينْزِلُ رَبّنَا كُلّ لَيْلَةٍ إِلى السّمَاءِ الدّنْيَا حَتّى يَبْقَى ثُلثُ اللّيْلِ الآخر، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فأسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْألُنِي فأُعْطِيَهُ؟ وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فأَغْفِرَ لَه؟ حتى ينفجر الفجر ))

[ مسلم عَنْ أبي هُرَيْرَةَ ]

مهما ضاقت بنا الحياة فالله بيده كل شيء
أي إذا ضاقت بك الحيل, وعسر عليك الأمر, ورأيت الطرق مسدودة, والحلول مفقودة, ورأيت أن هذه المشكلة لا قدر لك بها, الله يوجد عنده حل, لكن نحن لا نعلم, لا يوجد مشكلة إلا ولها عند الله حل, لأنه هو الذي خلقها, وخلقها لحكمة بالغة, وما أمرنا أن ندعوه إلا ليستجيب لنا, وإلا هذه الآية لا معنى لها:

﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾

[سورة غافر الآية:60]

أنت مع إنسان تدعوه, يقول لك: لا أقدر, هذا فوق إمكاناتي, فوق اختصاصي, لا يوجد شواغر, لا يوجد سماح, لا يوجد موافقة, هناك مادة بالقانون تمنعني من أن أخدمها, فأمام الإنسان مليون عقبة وعقبة, إلا أن الله عز وجل بيده كل شيء, وبيده حل أية مشكلة.

 

الدعاء أكبر سلاح بيد المؤمن :

الإنسان إذا ضاقت به الحيل, وعسر عليه الأمر, وسدت أمامه الطرق, ووقع وأُسقط من يده, ورأى عجزه وضعفه, ليس له إلا باب الله عز وجل يطرقه.
الدعاء أكبر سلاح بيد المؤمن
فكلما وضعني أخ كريم أمام مشكلة, ليس لها حل, وإمكاناته لا تمكنه من حلها, والذين من حوله ليس بإمكانهم أن يحلوا له هذه المشكلة, ليس أمامي إلا هذا الحديث:

(( ينْزِلُ رَبّنَا كُلّ لَيْلَةٍ إِلى السّمَاءِ الدّنْيَا حَتّى يَبْقَى ثُلثُ اللّيْلِ الآخر، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فأسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْألُنِي فأُعْطِيَهُ؟ وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فأَغْفِرَ لَه؟ حتى ينفجر الفجر ))

[ مسلم عَنْ أبي هُرَيْرَةَ ]

والدعاء أكبر سلاح بيد المؤمن, إلا أن الإنسان قد يخجل أن يسأل الله, خجله مبعثه عدم استقامته, عدم الاستقامة تكون حجاباً بينك وبين الله .
فالإنسان غير المستقيم لا يدعو الله عز وجل, ولو دعاه بلسانه, دعاؤه أجوف, دعاؤه فارغ, أما حينما تصطلح معه, فتشعر أن لك حقاً عليه, هو أنشأ لك هذا الحق, قال لك: حق الله على عباده ألا يعذبهم.

 

الشدائد تسوق الإنسان إلى باب الله عز وجل :

الحديث الطويل المشهور في الصحاح, المتفق عليه يقول:

((يا عبادي, إني حرمت الظلم على نفسي, وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا, يا عبادي, كلكم ضال إلا من هديته, فاستهدوني أهدكم - اطلب من الله الهداية, الأرض كلها ضلالات, الأرض كلها فتن, الأرض كلها ظلمات- استهدوني أهدكم, -اطلبوا الهداية مني، إذا الإنسان قال: يا رب دلني بك عليك, دلني عليك, أو دلني على من يدلني عليك, خذ بناصيتي إليك, نور قلبي-، فاستهدوني أهدكم, يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته, فاستطعموني أطعمكم))

نعمة كبيرة أن تتقن حرفة لك منها دخل
إذا أتقن الإنسان حرفة, وله منها دخل, هذه نعمة كبيرة, لولا هذا الإتقان, ولولا هذه الحرفة, لمات من الجوع, فربنا عز وجل رزاق, يمنحك أسباب الرزق؛ هذا مهندس, هذا مدرس, هذا طبيب, هذا صانع, هذا مهني, هذا حرفي, هذا مزارع, لو الله عز وجل أصاب الدماغ بخلل, انتهى, صار عبئاً.
لي صديق يعمل في وزارة الصناعة, وله مرتبة عالية هناك, لديه صديق درس بفرنسا, معه دكتوراه بالجيولوجيا, وزوجته فرنسية, ويبدو أنه على جانب من المال, له بيت في حي راق من أحياء دمشق, وصل إلى مرتبة قريب من معاون وزير؛ ذكاء, وعلم, وغنى, ومال, وهيمنة, فقد بصره, خلال عملتين جراحيتين فقد بصره كلياً, جلس في بيته, البريد يأتيه كل يوم مع موظف من موظفيه, الموظف يشرح له مضمون الاستدعاء, ويعطيه توجيهاً, وينفذه خلال شهرين, طبعاً الإنسان لا يحتمل, لا يقرأ, فقد بصره, ممكن أن يقول له الموظف أي شيء خلاف مضمون الرسالة, ويأخذ توجيهاً منه, فمستحيل أن يستمر, فسرح.
الشدائد تسوق الإنسان إلى باب الله عز وجل
صديقي زاره, قال له بالحرف الواحد: والله أتمنى أن أجلس على الرصيف أتسول, ولا أملك من الدنيا إلا هذا المعطف الذي على كتفي, ولا أملك لا هذا البيت, ولا هذه الشهادة, ولا هذه المرأة, وأن يرد الله إلي بصري.
فالله عز وجل رزاق, مكنك من عمل, والناس اتجهوا نحوك, و ممكن أن ينصرفوا عنك.

((فكلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم, يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم, يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار, وأنا أغفر الذنوب جميعاً, فاستغفروني أغفر لكم, يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني, ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني, يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم, كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم, ما زاد في ملكي شيئا, يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم, كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم, ما نقص ذلك من ملكي شيئا, لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم, قاموا على صعيد واحد فسألوني, فأعطيت كل إنسان منكم مسألته, ما نقص ذلك مما عندي, إلا كما ينقص المخيط إذا أُدخل البحر, يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم, ثم أوفيكم إياها, فمن وجد خيراً فليحمد الله عز وجل, ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه))

[أخرجه مسلم في الصحيح والترمذي في سننه عن أبي ذر الغفاري]

تقنين الله عز وجل تقنين تأديب وليس تقنين عجز :

الفقرة الأخيرة رائعة:

((ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه))

تقنين الله عز وجل تقنين تأديب وليس عجز
حدثني أخ مهندس, قال لي: لي ثماني أخوات, والدنا فقير جداً, ولم يدع لنا شيئاً, هو أكبرهم, وتوفي والده, قال لي: نويت إذا الله أكرمني أن أعلم كل أخواتي, و أن أوصلهم إلى أعلى مرتبة, ذهب إلى السعودية, اشتغل, حكى لي قصة طويلة, لم يزل يتقلب من منصب إلى منصب, إلى أن أصبح مدير مشروع توسعة الحرم, وأكرمه الله إكراماً شديداً, علم ثماني أخوات, وزوجهم.
فأنا تأثرت من هذه القصة, نيته وحدها سبب التوفيق؛ نوى أن يكون أباً لأخواته, أن يمنحهم العلم, ويزوجهم, فأكرمه الله بمنصب رفيع جداً، إذاً:

((فمن وجد خيراً فليحمد الله عز وجل, ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه))

لا تقل: قدر, لا تقل: دهر, لا تقل: ليس لي خط, لا تقل: الطرق مغلقة, لا تقل: الظروف صعبة, الله لا يوجد عنده ظرف صعب, هذه عندنا, وتقول: لا يوجد سوق, الله يوجد عنده سوق, يخلق الرواج من وسط الكساد, ويخلق البيع من وسط الجمود, الله عز وجل هو الحاكم, ولا يوجد شيء ناقص عند الله:

﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ﴾

[سورة الحجر الآية:21]

فالله عز وجل يقنن تقنين تأديب وليس تقنين عجز.

 

الدعاء مفتاح النجاة :

الحديث الثاني:

((أقرب ما يكون العبد من ربه عز وجل وهو ساجد فأكثروا الدعاء))

[أخرجه مسلم في الصحيح وأبو داود والنسائي في سننهما عن أبي هريرة]

الدعاء مفتاح النجاة
أي افتح الخط مع الله عز وجل, أحياناً الإنسان يكون له عمل تجاري, يفتح خطاً مع شركة, أرسلوا لي البضاعة, يبيعها, و يربح, يقول لك: أكرمنا الله بهذا الخط.
فأنت افتح خطاً مع الله عز وجل بالدعاء, عندك مشكلة؛ مشكلة ولد, مشكلة بنت, مشكلة عمل, مشكلة صحية, مشكلة اجتماعية, هناك إنسان قوي يهددك, إنسان يتربص بك, يكيد لك, وأنت ضعيف, لا تقدر عليه, أقوى منك, عندك مشكلة داخل البيت, عندك زوجة غير جيدة, الله عز وجل بيده كل شيء, افتح خطاً ساخناً مع الله
أعجبني أخ مرة قال لي على الهاتف: فتحت خطاً ساخناً مع الله، أناجيه كل يوم, و أسعد لحظات حياتي حينما آتي إلى البيت لأصلي, فأنا أصلي كل يوم قيام الليل, مع أني لخمسة وثلاثين عاماً لم أصلِّ ركعة, ولم أصم يوماً, ثم تاب إلى الله عز وجل.

 

شرف المؤمن قيامه بالليل وعزه استغناؤه عن الناس :

والحديثين الأخيرين:

((ينْزِلُ رَبّنَا كُلّ لَيْلَةٍ إِلى السّمَاءِ الدّنْيَا حَتّى يَبْقَى ثُلثُ اللّيْلِ الآخر، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فأسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْألُنِي فأُعْطِيَهُ؟ وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فأَغْفِرَ لَه؟ حتى ينفجر الفجر ))

[ مسلم عَنْ أبي هُرَيْرَةَ ]

الله جعلك عزيزا فلا تتضعضع أمام غني
قال لي أخ مرة: هناك جهة تعطيني مبلغاً من المال شهرياً, ومع شروط قاسية, و فظاظة, و تكبر، نفسي أبت عليّ, فصليت ركعتين قبل الفجر, وسألت الله في السجود أن يرزقني رزقاً من جهة أخرى, ويكون أوسع, وفيه كرامة أكثر، خلال يومين تهيأ لي عمل, والله وفقني فيه, فالاستجابة خلال يومين, ورفضت هذا المبلغ الذي تقدمه لي هذه الجهة, بإباء, ورفعت رأسي.
فالله عز وجل جعلك عزيزاً؛ لا تخضع لغير الله, لا تتضعضع أمام غني.:

((من جلس إلى غني فتضعضع له ذهب ثلثا دينه))

[ البيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود]

لا تتمسكن, لا تعرض همك دائماً للناس, لا تتشكى, لك رب لن ينساك, لا ينسى من فضله أحد, والأمر كله بيده, لذلك: شرف المؤمن قيامه بالليل, وعزه استغناؤه عن الناس.
شرف المؤمن قيامه بالليل
استغن عن الرجل تكن نظيره, احتج إليه تكن أسيره, أحسن إليه تكن أميره.
قد يملك إنسان ألوف الملايين, استغن عنه, تصبح نظيره, لا تطمع بما عند الناس إطلاقاً, ما عند الناس يفنى, وما عند الله باق, لا تضع نفسك موضع الذل أمام إنسان, الله هو الغني, هو الرزاق ذو القوة المتين.
الحديث الشريف:

((ابتغوا الحوائج بعزة الأنفس فإن الأمور تجري بالمقادير ))

[ابن عساكر عن عبد الله بن بسر]

الرواية الثانية:

((إذا مضى شطر الليل أو ثلثاه ، ينزل الله إلى السماء الدنيا فيقول : هل من سائل يعطى ؟ هل من داع يستجاب له ؟ هل من مستغفر يغفر له ؟ حتى ينفجر الفجر ))

[ الدار قطني عن أبي هريرة]

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور