وضع داكن
28-03-2024
Logo
أدعية مأثورة - الدرس : 23 - أدعية النبي للموتى، اللهم اغفر له وارحمه، كافه واعفُ عنه ……
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

الزمن في حياة الإنسان خطير جداً :

 أيها الأخوة الكرام: في قوله تعالى:

﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾

[سورة هود: الآية 7]

 قدم الموت على الحياة لأن الإنسان حينما يولد أمامه خيارات لا تنتهي، أما حينما يموت فأمامه خياران لا ثالث لهما، إما إلى جنة يدوم نعيمها أو إلى نار لا ينفد عذابها.
 لذلك الزمن في حياة الإنسان خطير جداً، هناك زمن مضى، ما مضى فات، الذي مضى مضى ولا جدوى من الحديث عنه، والمؤمل غيب، والمستقبل لا تملكه، وما من إنسان توفاه الله عز وجل إلا وفي ذهنه مشاريع لا تنتهي، غادر الدنيا ولم تنجز، كم من إنسان حصل شهادة فلم ينتفع منها؟ كم من إنسان مات قبل يوم زواجه؟ كم من إنسان بنى بيتاً ولم يسكنه؟ فالمستقبل غيب، ماذا تملك أنت؟ لك الساعة التي أنت فيها، لا تملك إلا هذه الساعة، ما مضى فات والمؤمل غيب ولك الساعة التي أنت فيها.
 وأنت بين يوم مفقود هو الماضي، ويوم مشهود، ويوم مورود، ويوم موعود، ويوم ممدود، اليوم الممدود هو الخلود في النار أو في الجنة، واليوم الموعود يوم القيامة، واليوم المورود ساعة الموت.

 

حقائق علمنا إياها النبي الكريم من أدعيته للموتى :

 من هو العاقل؟ هو الذي يعيش المستقبل، هو الذي يتوقع المتوقع فلا يفاجأ به، هذا هو العاقل، أن تصل إلى الشيء بعقلك قبل أن تصل إليه بجسمك، أكثر الناس يعيشون الحاضر، يأكلون ويشربون ويتمتعون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم، بينما المؤمن يعيش المستقبل، يعيش ساعة لقاء الله عز وجل، ماذا أعد لهذا اللقاء؟ فالنبي عليه الصلاة والسلام من أدعيته للموتى علمنا حقائق كثيرة، فقد دعا لأحد الصحابة وقد توفاه الله قائلاً:

(( عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ سَمِعَهُ يَقُولُ سَمِعْتُ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَنَازَةٍ فَحَفِظْتُ مِنْ دُعَائِهِ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَنَقِّهِ مِنْ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنْ الدَّنَسِ وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ أَوْ مِنْ عَذَابِ النَّارِ قَالَ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ أَنَا ذَلِكَ الْمَيِّتَ))

[مسلم، الترمذي، النسائي، ابن ماجه، أحمد عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ]

 اغفر وارحم، سامحه بذنوبه، وأدخله الجنة، المغفرة تطهير، والرحمة عطاء، وأنت بشكل بسيط الإناء ليس نظيفاً، أول عملية أن تغسله، العملية الثانية أن تملأه، عملية تطهير وعملية تعطير، عملية تنظيف وعملية إملاء.

(( اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ ))

 عافه من عذاب القبر، ومن عذاب النار، واعف عنه.
 لقه الأمن والبشرى وعافه واعف عنه، عافه من عذاب القبر ومن عذاب النار واعف عنه، لقه الأمن والبشرى.
 أكرم نزله ووسع مدخله، ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن القبر إما أن يكون روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار بحسب عمل الإنسان .
 أكرم نزله ووسع مدخله، قد يأتي ملك الموت بصورة أحب الناس إلى الإنسان وقد يأتي ملك الموت بشكل مرعب، هذا عمله يتجسد في ملك الموت.

((اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ))

 حتى يكون القبر مد بصره:

(( وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَنَقِّهِ مِنْ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنْ الدَّنَسِ))

 إذا المؤمن ابتلاه الله في الدنيا وانتهى به الأمر على أن يموت طاهراً فهو الرابح الأكبر.

 كل جهود المؤمنين وكل جهادهم لنفسهم وأهوائهم إذا انتهى بهم المقام إلى أن يموتوا مغفوراً لهم، إلى أن يموتوا كيوم ولدتهم أمهاتهم، فهذا أكبر ربح يربحه الإنسان في الدنيا.

(( وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَنَقِّهِ مِنْ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنْ الدَّنَسِ وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ.....))

اختلاف نظام الآخرة عن نظام الدنيا :

 الحقيقة نظام الآخرة يختلف عن نظام الدنيا، كيف أن الساعة التي في يدك إما أن تكون بيانية على أساس ميكانيكي، أو أن تكون رقمية على أساس إلكتروني، فرق كبير بين النظامين، هذا نظام وذاك نظام، ولا مجال للموازنة بينهما إطلاقاً، نظام الآخرة النفس هي التي تحيط بالجسم، بعكس الإنسان في الدنيا، الإنسان في الدنيا يرى بثقبين هما عيناه، يسمع من أذنيه، يتحرك برجليه، يعبر عن أفكاره بلسانه، يبطش بيده، الجسم أداة لكن النفس في الآخرة تحيط بالجسم قال تعالى:

﴿ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ * قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ * فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ *﴾

[سورة الصافات]

 أما في الدنيا فكان لك صاحب في حلب لا يمكن أن تراه إلا أن تركب إليه خمس ساعات حتى تشاهده، أما في الآخرة فأي خاطر يأتيك تراه أمامك، النفس كلها أعين، كلها آذان، في الدنيا تأكل الفاكهة، تأكل تفاحة الثانية الثالثة لا تستطيع لأنها دخلت إلى جسمك، بينما في الآخرة والله أعلم يكفي أن تنظر إلى الفاكهة فتأخذ كل طعمها دون أن يرهق جسمك بها، قد تأكل ما لا ينتهي من كل أنواع الفاكهة وأنت في أعلى درجة من الصحة.
vنظام الآخرة عجيب، لهم ما يشاؤون، أي شيء يخطر في بالهم هو أمامهم ،هذا نظام الآخرة، فلذلك إذا مات المؤمن على الإيمان وكان مغفوراً له وكان الله راضياً عنه :

((وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ.....))

 ورد في بعض الأحاديث:

((إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ))

[متفق عليه عن ابن عمر]

 مما فهمه بعض علماء الحديث من هذا الحديث أن الميت حينما يكون مؤمناً وحينما يرى مقامه في الجنة ويرى أهله يبكون يتألم من بكائهم لأنه في نعيم مقيم.
 إنسان ساكن في بيت فرضاً بحي فقير، بيت مساحته تقدر بستين متراً تحت الأرض، شمالي، رطوبة عالية، كسوته من الدرجة العاشرة، مئة مشكلة فيه، نقل إلى بيت في أرقى أحياء دمشق، مساحته أربعمئة متر، له إطلالة رائعة، فيه كل وسائل الرفاه، التدفئة والتكييف والأثاث والأجهزة، أثناء انتقاله من هذا البيت القميء إلى ذلك البيت القصر هل يشعر بضيق؟

((إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ))

[متفق عليه عن ابن عمر]

 بل ورد في بعض الأحاديث القدسية:

((....ما تردَّدتُ عن شيء أنا فاعله، تردّدي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مَساءَتَه ))

[ أخرجه البخاري عن أبي هريرة ]

 والله لا يتردد لكن هذا تعبير عن رحمته.

 

بطولة الإنسان أن يستقيم على أمر الله عز وجل :

 والله عز وجل قال أيضاً في الحديث القدسي:

(( أعْدَدْتُ لعباديَ الصالحين ما لا عين رأتْ ولا أذن سمعتْ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ ))

[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة ]

 لكن المشكلة أن الإنسان حينما يموت ختم عمله، هناك حقوق، هناك أموال، هناك اغتصاب لأموال، هناك علاقات شائنة مع النساء، هناك اختلاط، كل هذا سوف يحاسب عنه في القبر أولاً وفي الآخرة ثانياً، فالبطولة أن تستقيم على أمر الله، وقد قال عليه الصلاة والسلام:

(( قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ شِبْتَ قَالَ شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَالْوَاقِعَةُ وَالْمُرْسَلَاتُ وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ صَالِحٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي إِسْحَقَ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ نَحْوَ هَذَا وَرُوِي عَنْ أَبِي إِسْحَقَ عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا مُرْسَلًا وَرَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي إِسْحَقَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ حَدِيثِ شَيْبَانَ عَنْ أَبِي إِسْحَقَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدَّثَنَا بِذَلِكَ هَاشِمُ بْنُ الْوَلِيدِ الْهَرَوِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ))

[الترمذي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ]

 ما الذي شيبه في هود؟

﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا ﴾

[سورة هود: الآية 112]

ما من حدث أخطر في حياتنا من المستقبل :

(( وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ أَوْ مِنْ عَذَابِ النَّارِ))

 الناس يألفون الجنازة، هل تدري أن هذا الذي في النعش إلى أين سيذهب؟ هل تدري كيف سيحاسب؟ كيف سيكون القبر؟ ما منا واحد إلا يعزي بعض من يلوذ به، أحياناً تدخل إلى بيت لتعزي المتوفى في هذا البيت، البيت ثمنه ثمانون مليوناً، تعجب بهذا الذوق الذي في البيت، هذا ذوق من؟ ذوق المتوفى، هو الذي اشترى البيت هو الذي كسا البيت، هو الذي أثث البيت، أين هو الآن؟
 مرة أحد كبار أغنياء البلد توفي، كان تاجر تحف، جال أقطار الدنيا، في بيته من التحف ما يفوق ثمن البيت، وله أذواق عالية جداً، لحكمة أرادها الله عز وجل القبر الذي سيدفن فيه فيه مياه مالحة سوداء بأيام ماطرة جداً، وهناك ارتباط بين قنوات المجاري وبين القبر، فلما فتح القبر الماء الآسن يجري فيه، سئل ابنه ماذا نفعل؟ قال: ادفنوه.
 يقول لي مدير معمله: أنا لم أذق الطعام أسبوعاً من هول ما رأيت، معلمي صاحب المعمل هنا يدفن؟ القبر مخيف، نقلة مفاجئة، من كل شيء إلى لا شيء.
 مرة كنت أحضر دفن ميت، وأنا أعرف عنه النظافة الفائقة حتى الوسوسة، بعد أن وضع الحجر فوق القبر، وأهيل التراب، أظن أن أربعة أو خمسة كيلو تراب نزلوا فوق رأسه، هذا القبر بيت الدود، بيت الوحشة، أنا ما رأيت عاقلاً أعقل ممن يسعى إلى هذه الساعة التي لابد منها، ينبغي أن تعمل لأن تكون في القبر في جنة، وفي بحبوحة، والقبر مد بصرك ينبغي أن تعمل لهذه الساعة ليلاً نهاراً، من هو السعيد؟ هو الذي يعيش المستقبل قبل أن يصل إليه، ما من حدث أخطر في حياتنا من المستقبل هذه من أدعية النبي.

 

الموت يأتي بغتةً والقبر صندوق العمل :

 يقول راوي الحديث: "لقد تمنيت أن أكون ذلك الميت الذي ظفر بهذه الدعوات المباركات".
 هناك دعاء آخر نقله الإمام الشافعي: "اللهم هذا عبدك وابن عبدك خرج من روح الدنيا وسعتها ومحبوبه وأحبائه إلى ظلمة القبر وما هو لاقيه".
 الواحد منا عنده بيت، غرفة نوم، غرفة جلوس، غرفة ضيوف، غرفة مكتب، مطبخ، حمام مئة متر، أو مئتان، أو أربعمئة، أنا زرت قصراً لشاه إيران، المساحات تفوق حدّ الخيال، ساعة نمشي في الغابات، فيها أشجار عملاقة، وفيها مسطح أخضر، وبحيرات وبط وما إلى ذلك، دخلنا إلى القصر أثاث بعض الغرف من عاج الفيل، غرف النوم عشرة أمتار بعشرة أمتار، الستائر، الأسرة، شيء لا يصدق، وهذا أقل قصر موجود هنا، أين المصير في النهاية؟ إلى القبر، هذا مصير كل حي، فالبطولة أن تجعل من قبرك روضة من رياض الجنة بعملك الصالح.
 الموت يأتي بغتةً والقبر صندوق العمل، كم من إنسان سافر ولم يعد إلا كبضاعة في نعش، وله أوراق كالبضاعة تماماً، يخلص، يدفع الرسوم، كان إنساناً راكباً صار بضاعة، كم من إنسان دخل إلى البيت ولم يخرج إلا في نعش؟ كم من إنسان خرج ولم يعد؟ كم من إنسان نام ولم يستيقظ؟ استيقظ ولم ينم؟
 مرة قرأت في مدينة فاس في المغرب كلمة: صلِّ قبل أن يُصلى عليك، الإنسان يدخل المسجد كل يوم ليصلي أما في مرة يدخله ليصلى عليه، كل مرة يخرج من بيته قائماً وهناك مرة يخرج أفقياً بالنعش، و الدعاء المشهور هو: "اللهم هذا عبدك وابن عبدك خرج من روح الدنيا وسعتها ومحبوبه وأحبائه فيها إلى ظلمة القبر وما هو لاقيه، كان يشهد أن لا إله إلا أنت، وأن محمداً عبدك ورسولك وأنت أعلم به، اللهم إنه نزل بك وأنت خير منزول به، وأصبح فقيراً إلى رحمتك وأنت غني عن عذابه، وقد جئناك راغمين إليك شفعاء له، اللهم إن كان محسناً فزد في إحسانه، وإن كان مسيئاً فتجاوز عنه، ولقه برحمتك رضاك وقه فتنة القبر وعذابه".

الإنسان أسير عمله :

 فتنة القبر ثابتة في الكتاب قال تعالى:

﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً ﴾

[سورة غافر: الآية 46]

 تصور إنساناً محكوماً بالإعدام، لا يعلم متى يعدم، فكلما جاء حارسه و وضع المفتاح في الزنزانة قال: جاؤوا ليأخذوني، صباحاً هناك زيارة ومساءً زيارة، وفي كل زيارة يظن أنه أوتي به ليعدم.

﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴾

[سورة غافر: الآية 46]

 ورد أن الميت روحه ترفرف فوق النعش تقول: يا أهلي يا ولدي لا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بي، جمعت المال ما حلّ وحرم، فأنفقته في حله، وفي غير حله، فالهناء لكم والتبعة علي.
 وورد في الأثر:

(( فو الذي نفس محمد بيده ما من بيت إلا وملك الموت يقف فيه في اليوم خمس مرات، فإذا انقطع رزق العبد وانقضى أجله ألقى عليه غم الموت فغشيته سكراته، فمن أهل البيت الضاربة وجهها، والصارخة بويله،ا والممزقة ثوبها، فو الذي نفس محمد بيده لو يرون مكانه -ملك الموت -أو يسمعون كلامه لذهلوا عن ميتهم ولبكوا على أنفسهم))

[ورد في الأثر]

 أبو الدرداء قال: "لو تعلمون ما أنتم تلقون بعد الموت ما أكلتم طعاماً عن شهوة، ولا دخلتم بيتاً تستظلون فيه، ولخرجتم إلى الصعيد تضربون صدوركم، وتبكون على أنفسكم"
 دعك من كل هذا المناصب، والثروات، والبيوت، والنساء، والحفلات، والسفر، و المركبات، هذا كله ينتهي، أنت أسير عملك، قال تعالى:

﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * ﴾

[سورة المدثر]

 "اللهم إن كان محسناً فزد في إحسانه، وإن كان مسيئاً فتجاوز عنه، ولقه برحمتك رضاك، وقه فتنة القبر وعذابه، وافسح له في قبره، وجاف الأرض عن جنبيه، لقه برحمتك الأمن من عذابك حتى تبعثه إلى جنتك يا أرحم الراحمين"

 

أعظم عطاء إلهي أن تتصل نعم الدنيا بنعم الآخرة :

 أعظم عطاء إلهي أن تتصل نعم الدنيا بنعم الآخرة، أن تكون في الدنيا معافى في جسمك، آمناً في سربك، عندك قوت يومك.
 ملك جبار غشوم سأل وزيره: من الملك؟ قال له: أنت و هل هناك ملك غيرك؟ قال له: لا، الملك رجل لا نعرفه ولا يعرفنا، له بيت يؤويه، ورزق يكفيه، وزوجة ترضيه، إنه إن عرفنا جهد في استرضائنا، وإنا إن عرفناه جهدنا في إذلاله.
 فإن تكون مؤمناً عفيفاً صادقاً مكتفياً معافى في جسمك أنت ملك من ملوك الدنيا.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور