وضع داكن
19-04-2024
Logo
ندوة : الخطاب الديني والحوار.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الأستاذ نبيل:
 سيداتي سادتي، أخوتي في كل مكان، حياكم الله، نرحب بكم ونسعد بلقائكم في هذه الجلسة الخاصة، وباسمكم نرحب بضيف الجزائر وابن الأمة العربية الإسلامية الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، الذي يقوم بزيارة إلى ولاية سطيف، وبعض ولايات الوطن، دكتور محمد راتب النابلسي نرحب بكم، ونسعد بلقائكم معنا على أمواج إذاعة سطيف الجوية.
الدكتور راتب:
 بارك الله بكم، ونفع بكم، وجعل هذه الإذاعة منبراً للحق إن شاء الله، يهدي إلى الرشد، وإلى صراط مستقيم.
الأستاذ نبيل:
 إذاً نحن سعداء كذلك بلقائك معنا، وبتلبيتك إلى هذه الدعوى، وهي دعوى من طرف المجتمع الكبير كي تشرفنا بهذه الزيارة.
 دكتور: هل لنا أن نعرف هويتكم بعد الزيارات المتكررة إلى الجزائر بلدكم الثاني؟

سبب زيارات الدكتور محمد راتب النابلسي المتكررة لبلده الثاني الجزائر :

الدكتور راتب:
 بارك الله بكم، أنا والله قلت هذا عشرات المرات، لو أنني خيرت أن أسكن في بلد آخر غير بلدي لما اخترت إلا الجزائر، بسبب هذا الجهاد العريق الذي تمّ في هذا البلد الطيب، فكل مواطن في هذا البلد الطيب يشعر باعتزاز المجاهد، فهناك إنجاز كبير بل هو تحدٍّ خطير قام به هذا الشعب العظيم، فاستحق هذا الاستقلال، وهذه الحرية، فأنا معجب بهذا الشعب وجهاده وبطولاته، لأنه دفع ثمنه باهظاً لاستقلاله، فلذلك يشعر كل مواطن في هذا البلد الطيب بالاعتزاز بالجهاد.
 والحقيقة أن هناك تطابقاً عجيباً وفريداً بين الشعبين في سورية والجزائر، والله أنا حينما آتي إلى هنا كأنني في بلدي، أرى الود، لكن الذي يلفت النظر بشكل صارخ أن هذا الشعب متعلق بالعلم والعلماء، فحينما تعقد ندوة أو محاضرة يكون الإقبال منقطع النظير عليها، وهذا دليل وعي هذا الشعب، ودليل تعلمه بالعلم والعلماء، وهذا وسام شرف له، قد يتعلق الشعب بفنان أحياناً، بمغن، لكن هذا الشعب يتعلق بالعلم والعلماء، وإقبال الناس على المحاضرات الدينية يكاد لا يوصف.
الأستاذ نبيل:
 إذاً هذا ما لمستموه من خلال زيارتكم.
الدكتور راتب:
 وأنا عندي والله في الشام مئات الطلاب الجزائريين، والله يعاملون كأبنائي، والشام مشهورة - وهذا شيء ثابت- بالعناية بطلاب العلم، عندنا طلاب علم من جميع أقطار الأرض تقريباً، لكن طلاب الجزائر بالذات لهم مكانة خاصة عندي، وأنا أعاملهم كأولادي، وتحل مشكلاتهم بأبسط الوسائل.
الأستاذ نبيل:
 وعلاقة الشعبين الجزائري والسوري علاقة طيبة؟

رفع القيود و تذليل الحدود عامل كبير في التقارب بين الشعوب :

الدكتور راتب:
 الحقيقة علاقة رائعة جداً، لكن لا أكتمك أن التنقل بين البلدين لا يحتاج إلى فيزا، هذه ميزة كبيرة جداً، لا يعرفها إلا من ذاقها، لا تحتاج إلى فيزا، ولا إلى معاملات طويلة، تركب الطائرة تأتي إلى الجزائر، يركب الجزائري الطائرة يأتي إلى الشام.
 فلذلك حينما ترفع القيود، وتذلل الحدود بين شعبين هذا عامل كبير في التقارب بين الشعبين.
الأستاذ نبيل:
 دكتور، أنتم تقودون حملة ممكن أن نقول: حملة الإرشاد والإصلاح و الدعوة، وكذلك تنوير الأمة الإسلامية بما جاء في كتاب الله وسنة رسوله، الإعجاز العلمي في القرآن والسنة كيف يستقبل المستقبل- المستمع أو المشارك في الندوات والمحاضرات- طرحكم؟ هل يستقبلونه كقصة أم يستقبلونه كإعجاز ويحاولون إسقاط ما تقولونه على الواقع المعاش؟

أثر الخطاب الديني في حياة الناس :

الدكتور راتب:
 الحقيقة نجاح الخطاب الديني له أثر كبير في قبول الناس له، فحينما تخاطب الناس في قضايا لا تعنيهم، وبأسلوب فيه استعلاء، وبعبرات قديمة من العصور الوسطى، هذا الخطاب لا يلقى القبول، أما حينما تضع يدك على مشكلاتهم النفسية، والاجتماعية، والمادية، حينما يسهم الخطاب الديني بحل مشكلات الأسرة، حينما يسهم الخطاب الديني في تربية الأولاد، حينما يسهم الخطاب الديني في انتماء الإنسان إلى بلده ووطنه، حينما يتصف الخطاب الديني بالسمو الأخلاقي، فهذا هو الخطاب الديني الذي يسهم في حل مشكلات الأسرة أولاً، وفي حلّ مشكلات المجتمع ثانياً.
 حينما يسهم في سمو الإنسان عن أن يكون حيواناً ناطقاً كما يسميه الغرب إلى أن يكون إنساناً نبيلاً، حينما يسهم الخطاب الديني في بناء الإنسان بناء أخلاقياً، وعلمياً، واجتماعياً، ونفسياً، وسلوكياً، ورياضياً، يعد هذا الخطاب مقبولاً عند كل الناس حتى عند غير المسلم.
الأستاذ نبيل:
 دكتور، الأمة الإسلامية في هذه السنوات الأخيرة تعاني كثيراً، لاسيما من جانب الأسرة كما تحدثتم، الانحلال، المخدرات، بعض السلوكيات التي لم نقرأ عنها سابقاً في العهد الذهبي، باعتقادكم هل الأمة الإسلامية ستبقى هكذا؟

الفساد قديم قدم الإنسان لكن البطولة ألا ينفرد بالساحة :

الدكتور راتب:
 أقول بادئ ذي بدء: الفساد قديم قدم الإنسان، لكن البطولة كل البطولة ألا ينفرد الباطل بالساحة، الفساد قديم قدم الإنسان، فالمشكلة ألا ينفرد الباطل، ويسود الفساد في الساحة، فإذا كان هناك نقاط مضيئة فهذه النقاط تنمو، وتنمو وتضيق على الباطل وجوده، الحق موجود لكن الحق يقف في وجه الباطل، الحق يتنامى ويضيق على الباطل مساحته.
 فحينما لا يكون هناك حق فهذه مشكلة كبيرة جداً، فأنا أعتقد أن الفساد قديم قدم الإنسان، أما وجود الحق فهذا يجعله ينمو، لأن الحق يتوافق مع فطرة الإنسان، والدليل قوله تعالى:

﴿ وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً ﴾

[ سورة يونس الآية: 105]

 الدين متوافق توافقاً تاماً مع الفطرة:

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ﴾

[ سورة الروم الآية: 30]

 فالإنسان في الأصل عقل يدرك، وقلب يحب، وجسم يتحرك، فأي منهج يغذي حاجة العقل يعطيه العلم الصحيح، يعطيه اليقينيات، وأي منهج يغذي حاجة القلب إلى الحب، أن تحب الله عز وجل، أن تحب القيم الأخلاقية، أن تحب الصدق والأمانة، وأي منهج يلبي حاجات الإنسان مأكل، مشرب، مسكن، لابد من تأمين حاجاته، فالخطاب الناجح هو الذي يبني الإنسان بناء علمياً، وأخلاقياً، ومادياً.

 

الدعوة إلى الله قمة النجاح البشري :

 المشكلة ليست في الذي يستمع، بالذي يلقي، فإذا كان الإلقاء يغطي حاجاته الأساسية قَبِل الناس هذا الخطاب، قبلوه، ورحبوا به، وتأثروا به.
 فلذلك البطولة أن يأتي الداعية بإخلاصه، وعلمه، وأخلاقه، يضع يديه على جراحات الشعب، فإذا عولج الإنسان من خلال الخطاب الديني رحب بالدين، لذلك:

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً ﴾

[ سورة فصلت الآية: 33]

 أي ليس عند الله في ملكه مخلوق أحسن ممن عمل صالحاً:

﴿ مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

[ سورة فصلت الآية: 33]

 فالدعوة إلى الله قمة النجاح البشري، لأنك تُذكر الناس بفطرتهم، تُذكر الناس برسالتهم، تُذكر الناس بعلة وجودهم في الأرض، تُذكر الناس بآخرتهم، تعرفهم بربهم من خلال آيات كونية، ومن خلال آيات تكوينية، ومن خلال آيات قرآنية، فالخطاب الديني حينما يكون منزهاً عن كل مطلب دنيوي، وحينما يكون المخاطب متمرساً في العلم، وحينما يكون المخاطب متمرساً في الأخلاق، خطاب فيه حقائق، وفيه علم، وفيه أخلاق، هذا الخطاب مقبول حتى عند غير المسلمين.

 

إعراض الناس عن الدين لا لعلة في الدين بل لعلة في الخطاب الديني :

 لذلك أنا أرى أن العلة الأولى في الخطاب الديني إذا كان تقليدياً، بعيداً عن حاجات الناس، بعيداً عن روح العصر، بعيداً عن المشكلات التي يعاني منها المجتمع، أنه خطاب فوقي، خطاب يعيش في عالم آخر غير عالمنا، هذا الخطاب لا ينجح، ولا يؤثر.
 لذلك إعراض الناس عن الدين لا لعلة في الدين، بل لعلة في الخطاب الديني، الدين منهج، الإنسان آلة معقدة جداً، وأية آلة معقدة لها صانع، ولهذا الصانع تعليمات التشغيل والصيانة، فانطلاق الإنسان من حبه لذاته، من حرصه على سلامته، من حرصه على سعادته، من حرصه على استمرار وجوده، يطبق تعليمات الدين، فالعلة ليست بالدين، الدين منهج خالق السماوات والأرض، الدين منهج الخبير، قال تعالى:

﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾

[ سورة فاطر الآية: 14]

 أنا كنت أقول: إذا كنت تسكن في حي، وإلى جانب بيتك بائع خضراوات، وعندك كمبيوتر غال جداً أصابه عطل، هل تعطيه لهذا البائع لإصلاحه أم للوكالة الخبيرة؟
 فأنت أعقد آلة في الكون، ولك صانع عظيم، ولهذا الصانع تعليمات التشغيل والصيانة، فالبطولة أن نتبع تعليمات الصانع.
الأستاذ نبيل:
 دكتور، اليوم الوضع بالأمة العربية الإسلامية بصفة عامة ليس كما يتمنى الإنسان، كما كنا ونحن شباب، الأمة الإسلامية كانت في الصدارة، وكانت أيام الفتوحات، وفتحوا أقطاراً بالعالم بأخلاقهم، وبالعلم، اليوم الأمة الإسلامية أصبحت أمة كالرجل المريض هذه نقطة، ماذا أصابها؟ كيف السبيل إلى بعثها للريادة؟ ضف إلى ذلك دعاتنا، وعلماءنا، نتكلم على بعضنا البعض، ولكن ألا تعتقد دكتور أننا مطالبون أن نبلغ الرسالة لباقي الشعوب ولباقي الأمم ونحن نتحمل المسؤولية أمام الله؟

 

أنواع العذابات المادية والمعنوية التي تصيب المسلمين بسبب تركهم منهج رسول الله:

الدكتور راتب:
 أنا أقدم لك إجابة من خلال آية واحدة، قال تعالى:

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

[ سورة الأنفال الآية: 33]

 الحقيقة في علم اللغة كلمة: ما كان الله ليفعل كذا، هذه الصيغة من أشد صيغ النفي إطلاقاً، قد تنفي اثني عشر فعلاً، أي مستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن يعذبهم الله وأنت فيهم، ما معنى وأنت فيهم؟ الآية لها معنيان، لها معنى في حياة النبي عليه الصلاة والسلام، ولها معنى بعد انتقال النبي إلى الرفيق الأعلى، النبي انتقل إلى الرفيق الأعلى لنأخذ المعنى الثاني، أي ما دامت سنتك أيها النبي، ما دام منهجك، ما دامت دلالاتك قائمة فيهم، فهم في مأمن من عذاب الله، كل أنواع العذابات المادية، والمعنوية، الاحتلال أحياناً، السيطرة أحياناً، كل أنواع العذابات المادية والمعنوية التي تصيب المسلمين بسبب تركهم منهج رسول الله:

﴿ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ ﴾

[ سورة آل عمران الآية: 179]

 لو تتبعنا

﴿ مَا كَانَ اللَّهُ ﴾

 هذا نفي من أشد أنواع النفي على الإطلاق، هذا اسمه نفي الشأن لا نفي الحدث، مثلاً: لو إنسان سألناه هل أنت جائع؟ يقول لك: لا، فإذا كان إنساناً عظيماً، نقول له: هل أنت سارق؟ يقول: ما كان لي أن أسرق، لا يقول لك: لا أسرق.
 نفي الحدث شيء، ونفي الشأن شيء آخر، فالله عز وجل في هذه الصيغة

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ ﴾

 أي مستحيل وألف ألف مستحيل إلى يوم القيامة أن نعذب ما دامت سنة النبي قائمة في حياتنا، ما دام زواجنا صحيحاً، ما دام عملنا صحيحاً، ما دام كسب مالنا صحيحاً، ما دام إنفاق مالنا صحيحاً، ما دام تمضية وقت الفراغ صحيحاً، ما دامت تربية أولادنا صحيحة، ما دامت أعمالنا مشروعة،

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

المنهج الإسلامي قوام حياتنا وسبب عزتنا :

 الآن وقعنا في خطأ، قال:

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾

[ سورة الأنفال الآية: 33]

 أعطاك بحبوحتين، بحبوحة أنك مطبق لمنهج رسول الله، فلو تركت هذا المنهج أعطاك بحبوحة ثانية أن تتوب، وأن تستغفر، فأنا أرى من خلال هذه الآية أن كل ما يصيب المسلمين بسبب تركهم لمنهج ربهم، لأن هذا المنهج قوام حياتنا، وسبب عزتنا، وسبب استقلالنا، وسبب نهضتنا، وسبب قيادتنا لبقية الأمم، الله عز وجل أرادنا لا أن نكون رعاة للغنم، أرادنا أن نكون قادة للأمم، فلذلك أعطانا هذا المنهج، فحينما نقصر في تطبيقه أولاً، ونقصر في توصيله للأمم الأخرى ثانياً نستحق التأديب من الله عز وجل.
الأستاذ نبيل:
 على ذكر الأمم الأخرى ألا تعتقد أننا مقصرون في تبليغ الرسالة التي خلقنا من أجلها؟

 

تقصير المسلمين في تبليغ الرسالة التي خُلقوا من أجلها :

الدكتور راتب:
 مقصرون جداً جداً جداً، وهذا التقصير ندفع ثمنه الآن، لأن الله عز وجل قال:

﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً ﴾

[ سورة البقرة الآية: 143]

 أي بيني وبين الخلق، نحن نحمل رسالة لبقية الأمم، أما إذا كان حوارنا داخلياً فنحن طرف واحد.
 أقول هذه الكلمة: مرة أقيم احتفال ديني فقام خطيب من الخطباء المفوهين قال: نحن جميعاً طرف واحد.
 البطولة أن تحاور الآخر، البطولة أن تجلب الآخر إلى هذا الدين العظيم، البطولة أن تقنع الآخر بهذا الدين، أما نحن فطرف واحد كلنا، ما جدوى الحديث فيما بيننا؟ أحاديثنا فيما بيننا، يقوم مثلاً خطيب مفوه متكلم يلقي محاضرة عن رسول الله للمسلمين، هو نبيهم يعرفون ذلك، لكن هذا الطرف الآخر الذي يظن الإسلام شيئاً متخلفاً هل قدمت له رسالة؟ هل بينت له حقيقة هذا الدين؟ أنا فيما أعتقد بطولتنا في حمل هذه الرسالة لغيرنا، بطولتنا بأن الله سبحانه وتعالى أرادنا وسطاء بينه وبين خلقه، فلما قصرنا بهذه الرسالة العظيمة دفعنا الثمن باهظاً.
الأستاذ نبيل:
 دكتور، دائماً في إطار الدعوة وتبليغ هذه الرسالة السمحاء رسالة الدين الحنيف لباقي الأمم والشعوب في هذا العصر الإلكتروني، بهذا الزخم الإعلامي، والمواقع الإلكترونية وموقع التواصل الاجتماعي، ألا تعتقد أنه حان الوقت لتدريب وتكوين إنسان مؤهل لتبليغ هذه الرسالة للعالم؟

 

 نعمة وسائل النشر المتفوقة ينبغي أن تستغل في نشر الدين الإسلامي :

الدكتور راتب:
 أنا أذكركم أيها الأخ الكريم بآية قرآنية تؤكد هذا المعنى:

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ ﴾

[ سورة إبراهيم الآية: 4]

 أي بوسائل النشر في حياته، فنحن عندنا منبر، تلقى خطبة في نصف ساعة على عدة آلاف، الآن يوجد انترنيت، و وسائل نشر كبيرة جداً، الآن ممكن أن تلقي كلاماً يسمعه مئة مليون، فنحن الآن مكلفون أن نستخدم الوسائل الحديثة في نشر الحق، وهذا في قوله تعالى:

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ ﴾

 أي بوسائل النشر في حياته، الآن يوجد انترنيت، و فضائيات، و إذاعة، و تلفزيون، و صحافة، و مؤلفات، و كتب، و دور نشر، الآن وسائل النشر مذهلة، لا أعتقد أن هناك عصراً بلغت وسائل النشر القمة في اتساع الانتشار كهذا العصر، الآن مثلاً الإذاعة، اللقاء بيني وبينك يسمعه المئات، الألوف، بل الاملايين أحياناً، كذلك الفضائية لها رسالة، ومنهج صحيح، تنقل الحقائق إلى آلاف الأشخاص، لملايين الأشخاص، للقارات الخمس.
 أنا مرة سافرت إلى البرازيل أول مرة في حياتي كأنني في الشام، بسبب الفضائيات، سافرت إلى السويد كأنني في الشام، شيء عجيب بلد أزوره أول مرة في حياتي إقبال الناس، يتابعون الدروس على الفضائيات، هذا شيء طبيعي جداً.
 فنحن الآن في نعمة كبيرة، نعمة وسائل النشر المتفوقة، ينبغي أن تستغل هذه الوسائل.
الأستاذ نبيل:
 والتحكم في لغات العالم.
الدكتور راتب:
 نعم، هناك ترجمة فورية، و هناك ترجمة نصية تحت الكلام، ممكن أن تخاطب جميع الناس، أنا مرة كنت في إسبانيا، أخت قالت: لنا حق عليكم أيها الدعاة، وإسبانيا غير مسلمة، أنا أدخلت بموقعي الإلكتروني إجابة الأسئلة بكل اللغات، أتيت بمترجمين، شعرت أنني مسؤول أمامها، لنا حق عليكم.
 فحينما نريد أن نوصل هذا الحق إلى أطراف الدنيا يجب أن نعتمد اللغات الأخرى، أن نعتمد الخبرة العالية، أن نعتمد وسائل النشر، هذه كلها يجب أن تكون في أيدينا، هذا إذا شعرنا أننا نحمل هذه الرسالة، وهذه مشكلة هنا، وأنا أقول دائماً: ليست المصيبة أن نهزم من الخارج، قد نهزم بمعركة، وننتصر في معارك، لكن المشكلة الكبرى أن نهزم من الداخل، أن تضعف عزيمتنا، أن نضعف في نقل هذه الرسالة.
الأستاذ نبيل:
 الأمة العربية والإسلامية فيها نسبة كبيرة من الشباب، وهذه الفئة تواقة إلى التمدن، وإلى التحضر، وإلى الرقي، في المرحلة التي تتكالب قوى الشر على الأمة الإسلامية، ونحن أمتنا تحسد على هذه النعمة وهي نعمة الشباب، كيف يرى الدكتور محمد راتب النابلسي الحفاظ على هذه الثروة؟ والحفاظ على الإنسان؟ وعلى مكانة الشبيبة؟ وكيف نواجه هذه التكالبات وهذه التحرشات؟.

 

العناية بالشباب لأنهم درع الأمة و قوامها :

الدكتور راتب:
 أنا لا أعتقد أن أمة يمكن أن تتقدم إلا إذا اعتنت بالشباب، لأنهم درع الأمة، لأنهم مستقبل الأمة، لأنهم الطاقة الحيوية في الأمة، فأي اهتمام في الشباب دليل حركة صحيحة، وحينما يهمل الشباب، هذا الشاب ماذا يريد؟هذا يريد عملاً، لذلك البطولة أن نهيئ فرص عمل للشباب، الشاب ليست طلباته عالية جداً، يريد مأوى، غرفة، يجب أن نؤمن له مأوى، وفرصة عمل، وزواج، وعندئذٍ خذ منه كل شيء، أعطه ما يحتاج وخذ منه كل شيء، الشاب يحتاج إلى فرصة عمل لا يحب أن يكون عالة على أبويه، يحب أن يكسب المال، يحب أن يكون له مأوى يؤوي إليه، يحب أن يتزوج، فإذا حرصت الأمة على رعاية الشباب في زواجهم، وفي مسكنهم، وفي رزقهم، تكون قد ملكتهم، فإذا ملكتهم فهم أكبر طاقة في الأرض، الشباب يصنع المعجزات، فأنا أثني على أية أمة ترعى شبابها وشاباتها، أثني على كل أمة ترعى موضوع الزواج، لأنه يوجد عندنا حالة، النبي الكريم يقول:

((إِذا جاءكم مَن تَرضَون دينه وخُلُقَه فأنكحوه ))

[أخرجه الترمذي عن أبو حاتم المزني]

 دقق الآن، قال:

((إِلا تفعلوا ))

 يا ترى إن لم نفعل، إذا وضعنا عقبات أمام الزواج، هل تنتهي العلاقة بين الذكر والأنثى؟ لا، لا تنتهي، تكون في الحرام، إما نكاح، وإما سفاح، فحينما تهتم الأمة بتأمين مساكن للشباب، وتأمين فرص عمل للشباب، وتأمين الزواج للشباب، تكون قد رعت هذه الطاقة الكبيرة في المجتمع، تكون هذه الطاقة في خدمة أهداف هذه الأمة، حينما يهمل الزواج، لا زواج، ولا عمل، ولا مسكن، هذا الشاب يضيع، إما أن يكون عنصراً فعالاً في المجتمع، وإما أن يكون عنصراً مخرباً في المجتمع، بسبب الإحباط، فإذا أحبط الشاب اتبع طرقاً ملتوية في الحياة، تشيع الفاحشة، يزداد الزنا، يشيع المال الحرام، هذه مشكلة كبيرة، فأنا والله الذي لا إله إلا هو لا أرى أمة أعقل ولا أرشد من أمة تعتني بشبابها، لأنهم درع الأمة، وقوامها، والشباب طلباتهم متواضعة جداً، قلت لك: يريد مأوى، وفرصة عمل، وزوجة فقط.
الأستاذ نبيل:
 وهذه سعادة الإنسان وتوفير السعادة.
الدكتور راتب:
 عفواً، في بلدة من بلدات حول دمشق، اجتمع وجهاء القرية قرروا أن مهر الفتاة خاتم ذهب فقط، أمن غرفة، واشترِ خاتماً وتعال وتزوج.
 إما أن يكون النكاح أو يكون السفاح، الآن بيوت الدعارة ظاهرة خطيرة جداً.
الأستاذ نبيل:
 نتكلم عن المهر، خاتم فقط؟

 

من يسهل أسباب الزواج يكون قد وضع يده على الطريق الصحيح :

الدكتور راتب:
 خاتم فقط، خاتم وغرفة، فبهذه الطريقة حل النكاح محل السفاح:

﴿ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ﴾

[ سورة الأنفال الآية: 73]

 هل تصدق أن العنوسة في بعض البلاد العنوسة ثمانية بالمئة فقط، وفي بلاد ثماني عشرة بالمئة، وفي بلاد خمسون بالمئة، معنى هذا أن خمسين بالمئة من بنات هذا البلد بلا زواج، والزواج للفتاة فصلها الوحيد في الحياة، فإذا لم نهتم بظاهرة العنوسة الخطيرة جداً سنمشي في طريق مسدود، العنوسة خطيرة جداً.
 درسنا في الجامعة عن الدوافع في الإنسان، أقوى دافع في الإنسان على الإطلاق دافع الأمومة، الأمومة وليس الجنس، فهذه الفتاة كل طموحها أن تكون أماً لأولاد، فحينما نسهل أسباب الزواج، نسهل مساكن شعبية، نؤمن دخولاً متواضعة لكن مشروعة نكون قد وضعنا أيدينا على الطريق الصحيح.
الأستاذ نبيل:
 إن شاء الله يا ربي، إذاً معاناة شبابنا في الوطن الإسلامي، المعاناة و حالات الإحباط يجعلونهم عرضة لأعداء الأمة الإسلامية، ألا تعتقد أننا مطالبون كذلك أن نستفيد من قصص الأنبياء والرسل؟ ألا تعتقد أنه لابد من أن نتعلم من صبر أيوب؟

 

المنهج الإسلامي المنهج الوحيد والأحسن لأنه من عند الخالق :

الدكتور راتب:
 نعم هذا الدين هو منهج للإسلام، فحينما نعده أحد المناهج فهذا خطأ كبير، هذا هو المنهج الوحيد والأحسن، لأنه من عند الخالق، من عند الخبير، من عند العليم، من عند القوي، فنحن إذا اعتمدنا لهذا الإنسان منهجاً هو الدين، هذا الدين يأمرنا أن نزوج أولادنا.
 أنا أذكر شاباً في باريس وقف على نهر السين، فجاءه إنسان من بلدنا أحب أن يتكلم معه، قال له: بماذا تفكر؟ قال له: أفكر بقتل أبي، قال له: لِمَ؟ قل له: أحب فتاة أخذها مني، أنا وازنتها مع إنسان في الشرق الأوسط في بلاد  المسلمين، الأب همه الأول تزويج أولاده، ويعد بطلاً إذا زوّج كل أولاده وبناته في حياته، نحن همومنا مقدسة، نحن يجب أن نعرف ماذا عندنا من قيم، نحن عندنا قيم عالية جداً، عندنا تماسك الأسرة في أعلى مستوى، في العالم كله نحن بعيدون جداً عن الأمراض النفسية، لأنه يوجد عندنا إيمان.
 كان عندنا أستاذ في الجامعة يعد من أحد خمسة دكاترة في العالم في علم النفس، قال: حضرت مؤتمراً في ألمانيا نسبة المرضى النفسيين ست و خمسون بالمئة، قال: أما في الشرق الأوسط فعندنا الأمراض النفسية شبه معدومة، بسبب الإيمان وحده.
 مؤمن الله يرعاك، لك ثقة برحمته أنت تطيعه، ويتولى أمرك، فحالات الإيمان حالات رائعة جداً، لكنها تحتاج إلى توضيح لبقية الناس.
الأستاذ نبيل:
 دكتور، إذاً أمتنا مطالبة بأن تعود إلى رشدها، وتعود إلى منهج ربها، وإلى الريادة بين الأمم، هل هناك عوامل للنجاح يجب أن نوفرها لكي تقود هذه الشبيبة شبيبة الوطن العربي الإسلامي الكبير لإعادة مجد الأمة؟

 

العوامل التي يجب أن نوفرها لإعادة مجد الأمة الإسلامية :

الدكتور راتب:
 أنا أقول لكم هذه الكلمة المؤلمة: قال بعضهم: كان الأقوياء يجبروننا بالقوة المسلحة على أن نفعل ما يريدون، لكنهم الآن يجبروننا بالقوة الناعمة - المرأة - على أن نريد ما يريدون، الفرق واضح جداً، الآن نجبر بهذه المحطات الإباحية، وهذا العرض المبتذل للمرأة على أن نريد ما يريدون.
 الحقيقة هناك حرب ثقافية أخطر من الحرب العسكرية بمئات المرات، الحرب الثقافية أن تشيع في أمة الفحشاء والمنكر عن طريق الصحون، وكلما اتسعت الصحون على السطوح ضاقت صحون المائدة، وكلما رخص لحم النساء غلى لحم الضأن، وكلما قلّ ماء الحياء قلّ ماء السماء.
الأستاذ نبيل:
 إذاً الأمة وأبناؤها، والطبقة المثقفة، والنخبة مطالبة بإعادة النظر في منهجنا والتأهيل.
الدكتور راتب:
 وأن نأخذ هذا المنهج من خالق السماوات والأرض، من الذي خلقنا، وهو أعلم بما يسعدنا، أعلم بسلامتنا وسعادتنا.
الأستاذ نبيل:
 دكتور، نحن نعزك ونعتز بك ضمن أبناء الأمة الإسلامية، نجدد لك التحية والترحاب في إذاعة سطيف، وفي الجزائر بلدكم الثاني، ما الكلمة التي تريد أن توجهها لإذاعة سطيف إطارات، وعمال إذاعة سطيف وكل مستمعي هذه الإذاعة؟

 

كلمة الدكتور محمد راتب النابلسي لإذاعة سطيف :

الدكتور راتب:
 والله أنا أوجه تحيتي ومودتي ومحبتي للشعب الجزائري الذي أعده بطلاً في جهاده واستشهاده، وأتمنى أن يكون التواصل مستمراً بين الشعبين في سوريا وفي الجزائر، والحقيقة هناك تسهيلات رائعة جداً بين البلدين في التنقل، يكفي أن القدوم إلى الجزائر لا يحتاج إلى فيزا، والذهاب إلى سوريا لا يحتاج إلى فيزا، هذا تسهيل كبير جداً، وهناك توافق عجيب بين الشعبين، و تعاون، و زيارات مستمرة، وهذا يوطد أسس التعاون بين الشعبين، وأتمنى أن يكون هذا مطبقاً في كل بلاد المسلمين، وبارك الله بكم، وببلدكم الطيب، وبشعبكم المجاهد، وبإذاعتكم، إن شاء الله تكون منبر حق لهذه الأمة.

خاتمة و توديع :

الأستاذ نبيل:
 أستاذنا، الدكتور محمد راتب النابلسي شاكرين لكم تلبيتكم هذه الدعوى، وهذا الحوار الصريح الأخوي والدعوي، ونلقاك إن شاء الله بمحطات قادمة بحول الله.
 سيداتي سادتي كنتم مع شيخنا العالم الأستاذ محمد راتب النابلسي من إذاعة سطيف نلقاكم بمحطات أخرى بحول الله.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور