وضع داكن
18-04-2024
Logo
الشمائل المحمدية - الدرس : 6 - غضب النبي صلى الله عليه وسلم.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

الغضب نوعان؛ غضب لله و غضب للشيطان :

 أيها الأخوة الكرام؛ مع بداية الدرس السادس من دروس شمائل النبي عليه الصلاة والسلام، واليوم باب في غضبه صلى الله عليه وسلم.
 أيها الأخوة الكرام؛ لأن الإنسان مخير، فكل شيء في حياته حيادي، ومعنى حيادي أنه يمكن أن يكون لله، ويمكن أن يكون للشيطان، فهناك غضب للشيطان، وهناك غضب لله، فالمؤمن لابد أن يغضب إذا انتهكت حرمات الله عز وجل، أما إنسان لا يغضب، لا ينفعل، ليس مؤمناً، ما إن تستقر حقيقة الإيمان في قلب المؤمن إلا وتعبر عن ذاتها بحركة، فإذا رأيت الحرمات تنتهك، إذا رأيت إنساناً يتطاول على الله عز وجل لابد من أن تغضب، فكان عليه الصلاة والسلام لا يغضب لنفسه أبداً، لكنه كان يغضب لله، وهذا ما يميز المؤمن عن غير المؤمن، يغضب ولكن غضبه لله .
 أكثر الناس إذا يوجد تقصير في واجباته يغضب، أما إذا رأى تفلتاً فلا يغضب، المؤمن على العكس من ذلك إن رأى حرمة من حرمات الله انتهكت يغضب أما الأمور الدنيوية فيتساهل بها.

((عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمَرَهُمْ أَمَرَهُمْ مِنَ الْأَعْمَالِ بِمَا يُطِيقُونَ قَالُوا: إِنَّا لَسْنَا كَهَيْئَتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ فَيَغْضَبُ حَتَّى يُعْرَفَ الْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ ثُمَّ يَقُولُ: إِنَّ أَتْقَاكُمْ وَأَعْلَمَكُمْ بِاللَّهِ أَنَا ))

[البخاري عن عائشة]

 أيها الأخوة؛ معنى هذا الحديث أن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، أي إذا أمرت بأمر، إذا نهيت عن نهي، يجب أن تفعله، ولا ينبغي أن تقول: أنا لست نبياً، من قال لك: إنك كالنبي؟ النبي له مقام عند الله لا يعلمه إلا الله، لكن الأوامر والنواهي منهج، هذا المنهج يشمل جميع الخلق، الأمر والنهي منهج، والمنهج مطبق على كل الخلق، والدليل قال تعالى:

﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾

[سورة هود:112]

 الناس يتفاوتون بالعطاء، أما بالاستقامة فينبغي ألا يتفاوتوا، ما يفعله أكبر ولي يجب أن يفعله أصغر مؤمن من حيث الأمر والنهي، لأن كل أمر في بذور نتائجه، بل إن العلاقة بين الأمر ونتائجه علاقة علمية، علاقة سبب بنتيجة، هذا الذي يليق بأمر الله عز وجل، إله خالق الكون يأمر، معنى هذا أن أمره له علاقة بالنتائج، الأوامر مبنية على خصائص النفس، فكل إنسان خالف أمر الله عز وجل ظهرت نتائج سلبية في حياته، من أجل سلامتنا وسعادتنا يجب أن نطبق منهج الله عز وجل بحذافيره حتى نسلم، إذاً أي إنسان يدعى إلى طاعة الله يقول لك: أنا لست نبياً، ومن قال لك إنك نبي؟ من قال لك إن مقامك كمقامه؟ ولكن هذا الحد الأدنى من السلامة، تطبيق أمر الله عز وجل الحد الأدنى من السلامة، فالذي يقول: إن النبي يغفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، غضب النبي، قال: هذا ليس له علاقة بالموضوع، إن أتقاكم وأعلمكم بالله أنا، ومع ذلك هذا هو المنهج .
 أحبابنا اختاروا المحبة مذهباً وما خالفوا في مذهب الحب شرعنا، التكاليف على كل الخلق واستثناءات لا يوجد .

 

أنواع الاختلاف :

 و:

(( عَن حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبَاحٍ الْأَنْصَارِيُّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو قَالَ هَجَّرْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا قَالَ: فَسَمِعَ أَصْوَاتَ رَجُلَيْنِ اخْتَلَفَا فِي آيَةٍ فَخَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ الْغَضَبُ فَقَالَ إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِاخْتِلَافِهِمْ فِي الْكِتَابِ ))

[ مسلم عن حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ]

 في عهد النبي اختلف الناس حول أحقية الكتاب، ولكن بعد مضي فترة من الزمن صار الخلاف في الكتاب نفسه، والذي يمزق الأمة هو الاختلاف فيما بينهم، وذكرت لكم من قبل أن هناك اختلافاً طبيعياً أساسه نقص المعلومات يأتي الوحي فيوضح، قال تعالى:

﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾

[سورة البقرة : 213]

 أما الخلاف الخطر والقذر فهو الاختلاف الذي أساسه البغي والحسد، قال تعالى:

﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾

[سورة آل عمران :19]

 ويوجد اختلاف محمود اختلاف التنافس، نحن بين اختلاف طبيعي وبين اختلاف قذر واختلاف محمود، الاختلاف المحمود أن نتنافس، هذا بالتفسير، وهذا بالحديث، وهذا بالعقيدة، وهذا بالأعمال الصالحة، وهذا بالتسليك إلى الله، وهذا بالذكر، قد نختلف اختلاف تنافس، هذا محمود، أما إذا اختلفنا اختلاف حسد فهذا اختلاف لصالح الشيطان.
 بالمناسبة أخواننا هناك نقطة مهمة جداً؛ أحياناً تنشأ مشكلة من يقطف ثمارها؟ الشيطان، إذاً الباعث لها الشيطان، يمكن أن تعرف من الباعث لها من النتائج، لو حصل بين المسلمين مشكلة من هي الجهة الرابحة؟ الأعداء أو الشياطين أو الكفار، ما دامت الجهة الرابحة هم هؤلاء فالباعث إلى هذه الفتنة هؤلاء أنفسهم، فالإنسان عندما يعمل عملاً ينتهي إلى شقّ صفوف المسلمين، ينتهي إلى تفرقتهم، وإلى إضعافهم، وإلى ذهاب ريحهم، معنى ذلك أنه يتحرك بأمر من الشيطان.
 دائماً اسأل نفسك: هذا الأمر تمّ لصالح من؟ هل من صالح المؤمنين التفرقة؟ هل من صالح المسلمين أن نضعف؟ لا، فمن يحاول أن يضعف المسلمين، أو أن يشق صفوفهم، فهو يعمل قطعاً بوحي من الشيطان:

(( فَقَالَ إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِاخْتِلَافِهِمْ فِي الْكِتَابِ))

 حاول أن تعد للمليون قبل أن تفكر في شقّ الصفوف، ضمن الدين كثير من الفرق الإسلامية تعنتت، وتمسكت ببعض الانحرافات، ونشأت مشكلات وحروب، هل هذا من صالح المؤمنين؟

الأدب مع الله أن تسكت حيث جاء الإجمال و تبحث حيث جاء التفصيل :

 و:

((عَنْ أَنَسٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَحْفَوْهُ الْمَسْأَلَةَ فَغَضِبَ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ: لَا تَسْأَلُونِي الْيَوْمَ عَنْ شَيْءٍ إِلَّا بَيَّنْتُهُ لَكُمْ فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ يَمِينًا وَشِمَالًا فَإِذَا كُلُّ رَجُلٍ لَافٌّ رَأْسَهُ فِي ثَوْبِهِ يَبْكِي، فَإِذَا رَجُلٌ كَانَ إِذَا لَاحَى الرِّجَالَ يُدْعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَبِي؟ قَالَ: حُذَافَةُ، ثُمَّ أَنْشَأَ عُمَرُ فَقَالَ: رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا رَأَيْتُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ كَالْيَوْمِ قَطُّ إِنَّهُ صُوِّرَتْ لِيَ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ حَتَّى رَأَيْتُهُمَا وَرَاءَ الْحَائِطِ وَكَانَ قَتَادَةُ يَذْكُرُ عِنْدَ هَذَا الْحَدِيثِ هَذِهِ الْآيَةَ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ( ))

[البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ]

 أحياناً الإنسان يصل إلى الله، فإذا وصل إلى الله كفي، وأحياناً هو بعيد عن الله، ويريد أن يطرح أسئلة لا تنتهي، هذه الأسئلة التي لا تنتهي لو أنه وصل إلى الله لكفي، لكن هو بعيد ويسأل ويسأل، أضرب على ذلك مثلاً؛ الله عز وجل ذكر لنا قصة يوسف عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، فيها بعض التفاصيل، بعض المواقف، لكن ما فيها كل التفاصيل، هناك تفاصيل الله عز وجل ذكرها و تفاصيل لم يذكرها، الأدب مع الله أن تسكت حيث جاء الإجمال، وأن تبحث حيث جاء التفصيل، لأنك إن فعلت خلاف ذلك أفسدت على الله حكمته، أنا كنت أوضح هذا بمثل؛ أستاذ في الجامعة له أسلوب أدبي، أراد أن يبين لتلاميذه عوامل نجاح التجارة، فقال لهم: لي صديق اشترى محلاً تجارياً في مكان مزدحم، واختار بضاعة أساسية، واختار نوعاً جيداً، وأعطى سعراً جيداً، وما باع ديناً، فربح وحقق نجاحاً كبيراً، الأستاذ هدفه أن يبين للطلاب أن موقع المحل مهم، موقع المكان، والبضاعة الأساسية والمتقنة وعالية الجودة، والسعر المعتدل، والمعاملة الطيبة، وعدم الدين، هذه عوامل نجاح التجارة، فقام طالب وسأله: هذا صاحبك يا أستاذ طويل أم قصير؟ هذا ليس له علاقة بالموضوع، أبيض أم أسمر؟ فسأل أسئلة ليس لها علاقة بالموضوع إطلاقاً، والدليل ما فهم المغزى، أحياناً هناك أسئلة إن طرحتها معنى ذلك أنك لم تفهم المغزى.
 الإنسان حينما يصل إلى الله عز وجل تأتيه كل الأجوبة، مثلاً الآخرة؛ هناك أسئلة حول الجنة الرجل له حور عين والمرأة ليس لها؟ هل لها رجل من نوع الحور العين؟ أنت اعمل للجنة وسوف ترى كل شيء .
 إذا وجد قصر في الجبل ونحن في طريقنا إليه، الأولى أن نسرع في السير كي نصل ونستمتع بهذا القصر أم أن نقف ونسأل ماذا يوجد في هذا القصر؟ يوجد أسئلة لا تقربك من الهدف، ويوجد أسئلة تقربك من الهدف، فالنبي عليه الصلاة والسلام:

((عَنْ أَنَسٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَحْفَوْهُ الْمَسْأَلَةَ فَغَضِبَ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ: لَا تَسْأَلُونِي الْيَوْمَ عَنْ شَيْءٍ إِلَّا بَيَّنْتُهُ لَكُمْ فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ يَمِينًا وَشِمَالًا فَإِذَا كُلُّ رَجُلٍ لَافٌّ رَأْسَهُ فِي ثَوْبِهِ يَبْكِي فَإِذَا رَجُلٌ كَانَ إِذَا لَاحَى الرِّجَالَ يُدْعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَبِي قَالَ حُذَافَةُ ثُمَّ أَنْشَأَ عُمَرُ فَقَالَ رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ: وَسَلَّمَ مَا رَأَيْتُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ كَالْيَوْمِ قَطُّ إِنَّهُ صُوِّرَتْ لِيَ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ حَتَّى رَأَيْتُهُمَا وَرَاءَ الْحَائِطِ))

[البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ]

 ملخص هذا الحديث هناك أسئلة لا يراد بها القربة من الله، و أسئلة يراد بها القربة من الله، دائماً امتحن السؤال من نوع الترف؟ من نوع أسئلة الفضول؟ من نوع الأسئلة التي العلم فيها لا ينفع؟ هناك علم ينفع وعلم لا ينفع فدقق فيما تسأل .

 

الدين رحمة و مغنم :

((حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: سَمِعْتُ قَيْسًا قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو مَسْعُودٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَأَتَأَخَّرُ عَنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ مِنْ أَجْلِ فُلَانٍ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوْعِظَةٍ أَشَدَّ غَضَبًا مِنْهُ يَوْمَئِذٍ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ فَأَيُّكُمْ مَا صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيَتَجَوَّزْ فَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ وَالْكَبِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ ))

[البخاري عَنْ أبي مسعود رَضِي اللَّهُ عَنْهُ]

 يوجد مقرب ويوجد مبعد، يوجد مشوق ويوجد منفر، يوجد موصل ويوجد قاطع، فالدين لا ينبغي أن يكون عبئاً، ينبغي أن يكون رحمة ومغنماً، وإذا أثقلت على الناس صار عبئاً، وأصبحت منفراً، وكان عليه الصلاة والسلام إذا صلى وحده أطال الصلاة أما إذا أمّ الناس فكان أخفهم صلاةً:

(( ..إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ فَأَيُّكُمْ مَا صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيَتَجَوَّزْ فَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ وَالْكَبِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ..))

[البخاري عَنْ أبي مسعود رَضِي اللَّهُ عَنْهُ]

 مرة كان يصلي الفجر عليه الصلاة والسلام، وفي العادة كان النبي يقرأ سور طويلة في الفجر، مستيقظ من النوم، مرتاح، والوقت وقت رحمة، فإطالة الصلاة في الفجر مشروعة ومستحبة ومن السنة، فمرة سمع طفلاً يبكي فاختصر صلاته كلها رحمة بأمه وبالطفل .
 دائماً اجعل الدين لطيفاً، أحياناً شاب يتوب إلى الله في بيت، ويريد أن يصلي قيام الليل يوقظ الكل بحركات مزعجة، كن لطيفاً واجعل ظلك لطيفاً، حتى يحبوا الدين، أحياناً موظف في محل يريد أن يصلي يغيب ساعة ويجعل معلمه يغلي مثل المرجل، طالما سمح لك أن تصلي في المسجد فصلِّ صلاة معتدلة، يوجد إنسان ينفر من الدين، ويوجد إنسان يحبب، ودائماً اجهد أن تكون لست عبئاً بل رحمةً .
 كان عليه الصلاة والسلام إذا غضب احمّر وجهه، حتى أنه يوجد قول للإمام الشافعي: " من استغضب ولم يغضب ليس من بني البشر" الإنسان يغضب لكن المؤمن غضبه لله، وغير المؤمن يغضب لصالح الشيطان، وترى لسبب تافه طلق زوجته، هذا غضب شيطاني، تأخرت قليلاً الطعام لم يجهز طلقها .
 قال ابن عباس: أيرتكب أحدكم أحموقته ثم يقول: يا بن عباس يا بن عباس، الإنسان بعد الخطبة أكثر الأسئلة عن الطلاق، عنده أطفال وهي جيدة ومستقر وليس هناك مشاكل وعفيفة لسبب تافه طلقها .

 

خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة :

 و:

((عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ قَالَ: احْتَجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ حُجْرَةً فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ مِنَ اللَّيْلِ فَيُصَلِّي فِيهَا قَالَ: فَصَلَّوْا مَعَهُ لِصَلَاتِهِ يَعْنِي رِجَالًا وَكَانُوا يَأْتُونَهُ كُلَّ لَيْلَةٍ حَتَّى إِذَا كَانَ لَيْلَةٌ مِنَ اللَّيَالِي لَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَنَحْنَحُوا وَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ وَحَصَبُوا بَابَهُ قَالَ: فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُغْضَبًا فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَا زَالَ بِكُمْ صَنِيعُكُمْ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنْ سَتُكْتَبَ عَلَيْكُمْ فَعَلَيْكُمْ بِالصَّلَاةِ فِي بُيُوتِكُمْ فَإِنَّ خَيْرَ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ))

[أبو داود عَنْ زيد بن ثابت]

 هذه بمعنى النفل، يصوم شخص يوم الخامس عشر من الشهر فيطبل الدنيا، سيدي ألم تصم اليوم؟ هذه نفل، يوجد إنسان معه مرض، وإنسان يأخذ دواء، وإنسان عنده عمل شاق، الفرض فرض، والنفل نفل .
 النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الغزوات يوجد أناس كانوا قد صاموا وأناس قد أفطروا، ويوجد رخصة بالإفطار، الصائمون لم يأخذوا على المفطرين، والمفطرون لم يأخذوا على الصائمين، يوجد طاقات واختلاف في القدرات، يوجد إنسان إذا عمل عبادة نافلة يملأ الدنيا ضجيجاً، أنت صمت صم واسكت .
 النبي صلى الله عليه وسلم صلى في حجرة من حجراته قيام الليل، وصلى معه الصحابة، وهناك يوم لم يأت، لأنه لو جاء لكانت هذه الصلاة فرضاً، النبي مشرع ولو خرج كل يوم لأصبحت فرضاً .

((احْتَجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ حُجْرَةً فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ مِنَ اللَّيْلِ فَيُصَلِّي فِيهَا قَالَ: فَصَلَّوْا مَعَهُ لِصَلَاتِهِ يَعْنِي رِجَالًا وَكَانُوا يَأْتُونَهُ كُلَّ لَيْلَةٍ حَتَّى إِذَا كَانَ لَيْلَةٌ مِنَ اللَّيَالِي لَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَنَحْنَحُوا وَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ، وَحَصَبُوا بَابَهُ، قَالَ: فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُغْضَبًا فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَا زَالَ بِكُمْ صَنِيعُكُمْ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنْ سَتُكْتَبَ عَلَيْكُمْ فَعَلَيْكُمْ بِالصَّلَاةِ فِي بُيُوتِكُمْ فَإِنَّ خَيْرَ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ))

[أبو داود عَنْ زيد بن ثابت]

 فالإنسان يصلي في البيت، ويصلي في المسجد، طبعاً النوافل والسنة من الأولى أن تصلى في البيت .

 

غضب النبي من أصحابه المخلصين :

 كعب بن مالك رضي الله عنه تخلف عن بعض الغزوات، تخلف مع ثمانين متخلفاً، ويبدو له مكانة خاصة عند النبي .

(( فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: فَلَمَّا بَلَغَنِي أَنَّهُ تَوَجَّهَ قَافِلًا حَضَرَنِي هَمِّي وَطَفِقْتُ أَتَذَكَّرُ الْكَذِبَ وَأَقُولُ بِمَاذَا أَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ غَدًا وَاسْتَعَنْتُ عَلَى ذَلِكَ بِكُلِّ ذِي رَأْيٍ مِنْ أَهْلِي فَلَمَّا قِيلَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَظَلَّ قَادِمًا رَاحَ عَنِّي الْبَاطِلُ وَعَرَفْتُ أَنِّي لَنْ أَخْرُجَ مِنْهُ أَبَدًا بِشَيْءٍ فِيهِ كَذِبٌ ))

[البخاري عن كعب بن مالك]

 أجمل شي في هذه القصة التوحيد:

((.... فَأَجْمَعْتُ صِدْقَهُ وَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَادِمًا، وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَيَرْكَعُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ جَاءَهُ الْمُخَلَّفُونَ فَطَفِقُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ وَيَحْلِفُونَ لَهُ وَكَانُوا بِضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلًا فَقَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَانِيَتَهُمْ وَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ؛ ثمانين كاذب والنبي قبل كلامهم واستغفر لهم وبايعهم
وَوَكَلَ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللَّهِ فَجِئْتُهُ فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الْمُغْضَبِ ثُمَّ قَالَ تَعَالَ فَجِئْتُ أَمْشِي حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ لِي مَا خَلَّفَكَ أَلَمْ تَكُنْ قَدِ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ فَقُلْتُ بَلَى إِنِّي وَاللَّهِ لَوْ جَلَسْتُ عِنْدَ غَيْرِكَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا لَرَأَيْتُ أَنْ سَأَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ بِعُذْرٍ وَلَقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلًا))

 أتاه الله قوة إقناع، يوجد شخص تعرف أنه كاذب ويقنعك، فقال له: أنا أوتيت جدلاً يا رسول الله وأستطيع أن أقنع، ولو جلست عند أحد من أهل الدنيا لأقنعته، ولكني والله علمت، أجمل شيء في القصة هذه الكلمة:

((.... وَلَكِنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حَدَّثْتُكَ الْيَوْمَ حَدِيثَ كَذِبٍ تَرْضَى بِهِ عَنِّي لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يُسْخِطَكَ عَلَيَّ، وَلَئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقٍ تَجِدُ عَلَيَّ فِيهِ إِنِّي لَأَرْجُو فِيهِ عَفْوَ اللَّهِ، لَا وَاللَّهِ مَا كَانَ لِي مِنْ عُذْرٍ وَاللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَقْوَى وَلَا أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ.الآن دققوا فقال عليه الصلاة والسلام، وسمع من ثمانين واحد، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ))

 أي كل كلام هؤلاء كان كذباً، إذاً غضب النبي من أصحابه المخلصين، إذا كان الشخص مظنة صلاح وغلط غلطة كبيرة يجب أن تغضب منه، وتعاتبه، لأنك تمون عليه .

((عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْأَحْزَابِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ سَرِيعَ الْحِسَابِ اهْزِمِ الْأَحْزَابَ، اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ))

[متفق عليه عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ]

 لولا أن النبي بشر تجري عليه كل خصائص البشر لما كان سيد البشر.

 

حكم اللقطة :

 رجل سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن اللقطة:

((عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ اللُّقَطَةِ قَالَ: عَرِّفْهَا سَنَةً ثُمَّ اعْرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا، ثُمَّ اسْتَنْفِقْ بِهَا، فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَضَالَّةُ الْغَنَمِ؟ قَالَ: خُذْهَا فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَضَالَّةُ الْإِبِلِ؟ قَالَ: فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى احْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ أَوِ احْمَرَّ وَجْهُهُ ثُمَّ قَالَ: مَا لَكَ وَلَهَا مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا ))

[البخاري عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ]

 يمكن بعد مضي سنة أن تأخذ اللقطة إذا كنت فقيراً، وأن تتصدق بها إن كنت غنياً، على شرط أنه إذا جاء صاحبها بعد سنة ورفض تصرفك عليك أن تؤديها له، أي عليك أن تضمن:

((... قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَضَالَّةُ الْغَنَمِ؟ قَالَ: خُذْهَا فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَضَالَّةُ الْإِبِلِ؟ قَالَ: فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى احْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ أَوِ احْمَرَّ وَجْهُهُ ثُمَّ قَالَ: مَا لَكَ وَلَهَا مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا ))

[البخاري عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ]

 لها خف تتحمل عطش شهر حتى يلقاها ربها، الإبل شيء ثمين جداً، هل صاحبها يتركها؟ لا تخاف عليها، أما الغنمة فيأكلها الذئب، فأنت خذها أو لأخيك أو للذئب، أما ضالة الإبل فمعها حذاؤها حتى يلقاها ربها .
 أيها الأخوة الكرام؛ ملخص هذا الدرس أن الغضب على نوعين؛ غضب لله وهذا من غضب المؤمن، وغضب للشيطان، والمقياس هذا الغضب، وهذه الثورة، وهذه المشكلة من قطف ثمارها؟ لصالح من؟ إذا كان غضبك لله يصبح صلاح في البيت واستقامة وحشمة، أما إذا كان أدى غذضبك إلى طلاق، وتشريد أسرة، وإلى شقّ صفوف المسلمين فهذا غضب لصالح الشيطان، إذاً باعثه الشيطان .

 

تحميل النص

إخفاء الصور