وضع داكن
28-03-2024
Logo
الفقه الإسلامي - الدرس : 4 - على من تجب الزكاة .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

على من تجب الزكاة ؟

 أيها الأخوة الكرام؛ مع بداية الدرس الرابع من دروس الفقه، ومازلنا في الزكاة، اليوم الموضوع على من تجب الزكاة؟
 تجب الزكاة على المسلم الحر، المالك للنصاب، من أي نوع من أنواع المال الذي تجب فيه الزكاة، وهذا النصاب يشترط أن يكون: أولاً ــ فاضلاً عن الحاجات الضرورية التي لا غنى للمرء عنها، كالمسكن و المطعم والمشرب وآلة الحرفة.
 ثانياً ـ أن يحول عليه الحول الهجري، وأن تمضي عليه سنة هجرية بدءاً من أول يوم فيه تملك النصاب.
 الآن يوجد موضوع خلافي بين المذاهب، يجب أن يكون هذا النصاب على مدار الحول بين يديه أم يعتبر أول يوم من الحول أم آخر يوم؟ الذي تملكه في هذا اليوم تجب فيه الزكاة، المذهب الحنفي على الرأي الثاني، في واحد رمضان أو في واحد شوال تجري جرداً لكل ما عندك، الذي تملكه تجب فيه الزكاة، أما عند السادة الشافعية فلابد من أن يكون المال بين يديك طوال العام، فإذا قلّ عن النصاب لا تجب الزكاة فيه، هناك حسابات لا تنتهي، والعملية معقدة جداً أن تحسب كل مبلغ كم بقي عندك في البيت، تحتاج إلى لجنة محاسبة، أما الأريح والأقرب في أول الحول أو في آخر الحول تجري جرداً دقيقاً لما تملك من الأموال التي تجب فيها زكاة الأموال وانتهى الأمر.

: الأموال التي تجب فيها الزكاة

 الأموال التي تجب فيها الزكاة نوعان: ضرب فيه نماء ذاتي كالزراعة، والإنتاج الزراعي، لا يجب فيه الحول تجب فيه الزكاة فور إنتاجه، الآية الكريمة:

﴿ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾

[سورة الأنعام :141]

 لا علاقة للحول به، أما الأموال الأخرى عروض التجارة و النقدين فيراعى فيه حولان الحول.
 الزكاة في مال الصبي والمجنون تجب عند بعض العلماء ولا تجب عند البعض الآخر، ولكن الأولى هناك حل بينهما، إذا كان المال مستثمراً تجب فيه الزكاة، وإذا كان مجمداً هناك من يعفي الصبي والمجنون من دفع الزكاة، إلا أنه الأحوط أن يدفع ولي الصبي أو ولي المجنون زكاة المال عن موكله، وعن الذي تولى أمره.

((عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: أَلَا مَنْ وَلِيَ يَتِيمًا لَهُ مَالٌ فَلْيَتَّجِرْ فِيهِ وَلَا يَتْرُكْهُ حَتَّى تَأْكُلَهُ الصَّدَقَةُ))

[الترمذي عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ]

 ففي هذا الحديث إشارة إلى أن مال الصبي تجب فيه الصدقة، فإذا اتجرت به تلافيت أن تأكله الصدقة، وكانت عائشة رضي الله عنها تخرج زكاة أيتام كانوا في حجرها.
 وهناك طائفة من العلماء ترى أنه ليس في مال اليتيم زكاة، وفيه يقول سفيان ومالك، وهذه القضية خلافية، والأولى دفع الزكاة، والحل الوسط إذا كان المال ينمو ندفع زكاة مال الصبي والمجنون، وإذا كان مجمداً لا ينمو يمكن أن يعفى الصبي والمجنون من دفع الزكاة.
 الآن من كان في يده مال وعليه دين، تحسم الدين من المال الذي بين يديك، وتدفع عن الباقي الزكاة، عنده مئة ألف وعليه دين يقدر بخمسين ألفاً فالزكاة عن خمسين ألفاً، الدين الثابت واجب الأداء، تؤدي الدين وتدفع عن الباقي الزكاة، أما إذا كان لك دين عند الآخرين فهناك عدة اتجاهات، إذا كان لك دين وتملك مالاً فائضاً وأنت في يسر وبحبوحة، عليك أن تدفع زكاة الدين الذي بأيدي الآخرين، وإن كنت لا تملك مالاً فائضاً ولك مال مع الآخرين فحينما يؤدى تؤدي زكاته، إما أن تؤدي زكاته عن عام واحد، وإما أن تؤدي عن الأعوام السابقة.
 من مات وعليه زكاة، قال العلماء: من مات وعليه الزكاة فإنها تجب في ماله، وتقدم على الغرماء والوصية والورثة، لقول الله تعالى في المواريث:

﴿ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً ﴾

[سورة النساء : 11]

 والزكاة دين قائم لله تعالى.

 

النية عند أداء الزكاة :

 شرط النية في أداء الزكاة، الزكاة عبادة، لذلك لابد من صحة العبادة أن تكون النية خالصة لوجه الله عز وجل، فالمزكي عند أداء الزكاة ينوي التقرب بهذا المال إلى الله عز وجل لقوله تعالى:

﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾

[سورة البينة : 5]

 والإخلاص هو النية التي ترافق العبادة.

((عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ يَقُولُ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ ))

[البخاري عن عمر بن الخطاب]

 اشترط الإمام الشافعي ومالك النية عند الأداء، وعند أبي حنيفة أن النية تجب عند الأداء أو عند عزل الواجب، هناك حالة اسمها عزل، إنسان أحصى أمواله عليه زكاة عشرة آلاف، ليس أمامه من يدفعها له، يحتاج إلى دراسة فعزلها في ظرف خاص، إذا نوى أن تكون هذه زكاة عند العزل عند أبي حنيفة تجزئه، وأداء هذه الزكاة في وقت الوجوب:

((عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَصْرَ فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ سَرِيعًا فَدَخَلَ عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ ثُمَّ خَرَجَ وَرَأَى مَا فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ مِنْ تَعَاجُبِهِمْ وَلُبِسَ عَلَيْهِ قَالَ ذَكَرْتُ وَأَنَا فِي الصَّلَاةِ تِبْرًا عِنْدَنَا فَكَرِهْتُ أَنْ يُمْسِيَ أَوْ يَبِيتَ عِنْدَنَا فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عُمَرُ ابْنُ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ صَلَّى الْعَصْرَ فَذَكَرَ مَعْنَاهُ ))

[أحمد عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ]

إتلاف المال الحلال إن لم تدفع زكاته :

 وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

((ما خالطت الصدقة مالاً قط إلا أهلكته))

[ المسند الجامع عن عائشة]

 المال تجب فيه الصدقة ولم تؤد هذه الزكاة، إذاً هناك جزء من المال من حق الفقير لم يؤد هذا الجزء الذي هو من حق الفقير فيهلك المال كله، هذا معنى ما خالطت الصدقة مالاً قط إلا أهلكته.
 وفي رواية أخرى: إن وجب عليك في مالك صدقة فلم تخرجها فيهلك الحرام الحلال، المال الحلال يتلف إذا فيه جزء لم يدفع للفقراء.

 

جواز دفع الزكاة مقدماً مع الدعوة للمزكي :

 هناك نقطة مهمة جداً وينصح بها المؤمنون، يجوز أن تؤدي الزكاة قبل وقتها، أي أديت زكاة المال في رمضان، وجئنا إلى شهر شوال ممكن أن تفتح حساباً لأموال الزكاة كلما وجدت حالة قنعت بها قناعة تامة، إنسان يحتاج إلى عملية، إنسان يحتاج إلى زواج، وأنت على مدار العام بإمكانك أن تدرس كل الحالات، فلك أن تدفع زكاة مالك مقدماً، فإذا جاء رمضان الثاني تحسب الزكاة، عليك عشرة آلاف وأنت دافع ثمانية يبقى ألفان، ممكن أن تدفع الزكاة قبل عام أو قبل عامين أو قبل ثلاثة أعوام، وهذا مما أقر به العلماء، ويستحب الدعاء للمزكي لقول الله عز وجل:

﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾

[سورة التوبة : 103]

 و:

((كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَاهُ رَجُلٌ بِصَدَقَتِهِ قَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ فُلَانٍ، قَالَ: فَأَتَاهُ أَبِي بِصَدَقَتِهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى))

[ أحمد عن عبد الله بن أبي أوفى]

((عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَاعِيًا فَأَتَى رَجُلًا فَآتَاهُ فَصِيلًا مَخْلُولًا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَعَثْنَا مُصَدِّقَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنَّ فُلَانًا أَعْطَاهُ فَصِيلًا مَخْلُولًا اللَّهُمَّ لَا تُبَارِكْ فِيهِ وَلَا فِي إِبِلِهِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ الرَّجُلَ فَجَاءَ بِنَاقَةٍ حَسْنَاءَ، فَقَالَ: أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ فِيهِ وَفِي إِبِلِهِ ))

[النسائي عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ ]

 ويستحب أن تدعو للمزكي فتقول: أجرك الله فيما أعطيت وبارك لك فيما أبقيت.

 

تلخيص لما سبق :

 أيها الأخوة؛ هذه لمحات سريعة عن بعض الأحكام الفقهية المتعلقة بمال الزكاة،
 لكن أبرز هذه الأحكام أن حساب الزكاة المقبول والمريح في أول الحول، أو في آخر الحول، حسابات كل دفعة على حدة، وكم مضى لها عندي، كم نقصت وكم زادت، هذه قضية فوق طاقة الإنسان، وتشوش الإنسان، أما الرأي الأسهل فهو أن المال الذي تجب فيه الزكاة يحسب في أول الحول وانتهى الأمر.
 الشيء الثاني: يمكن أن تدفع الزكاة مقدماً ويتاح لك أن تدرس الحالات التي تعرض عليك دراسةً متانيةً دقيقةً متبصرةً، بحيث تضع هذا المال في مكانه الصحيح، وعند الشخص المناسب، وفي الوقت المناسب.
 الشيء الثالث: هو أنه إذا كان هناك اختلاف في وجهات النظر خذ الأحوط، مثلاً قضية مال اليتيم الصغير أو مال المجنون الأحوط أن تؤدى زكاته لأن الصدقة تجب في عين المال.
 وموضوع الدين يحسم من المال الموجود، أما إذا كان لك دين عند الناس وإذا كان ثابتاً وأنت ميسور فعليك أن تؤدي زكاته كل عام، لست ميسوراً حينما يؤدى لك الدين تؤدي زكاته إما عن الأعوام السابقة، أو عن العام الأخير.

تحميل النص

إخفاء الصور