وضع داكن
28-03-2024
Logo
الفقه الإسلامي - الدرس : 6 - مَنْ تحرم عليه الزكاة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

  الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين..

ضرورة توزيع الزكاة على أكبر عدد من الفقراء :

 أيها الأخوة المؤمنون؛ مع الدرس السادس من دروس الفقه في رمضان، ولا زلنا في موضوع الزكاة.
 أولاً: يستحب أن توزع الزكاة على أكبر عددٍ من الفقراء، إلا إذا أدى هذا التوزيع الواسع على أن يصيب الفقير مبلغ، أو شيء لا يقوم بأوده، عندئذٍ لا بد من إعطاء الفقراء الشيء الكافي.
 والترجيح على ثلاثة أقسام، الأقربون أولى، الأقربون إلى الإيمان، والأقربون إلى الفقر، والأقربون نسباً، عندك ثلاثة مرجِّحات، إن تساوى فقيران في النسب فقدِّم الأقرب إلى الإيمان، وإن تساوى فقيران في النسب والإيمان فقرِّب الأقرب إلى الفقر، دائماً عندك ثلاثة مرجحات تستخدمها في توزيع الزكاة.
على كل قضية خلافية، إلا أن الأولى أن تتسع دائرة المستحقين، المنتفعين من الزكاة.

 

الأصناف التي تحرم عليها الزكاة :

 الزكاة أيها الأخوة...تحرُم على الكفرة، والملاحدة، لأن النبي عليه الصلاة والسلام، يقول:" تؤخذ من أغنيائهم، وترد إلى فقرائهم " إلى فقراء المسلمين، إلا أن الذي ليس مسلماً يجوز أن تعطيه من الصدقة:

﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّه ﴾

[سورة الإنسان:8-9 ]

 فالأسير ليس مسلماً، هو مشرك، إن رأيت في إنسان غير مسلم حكمةً بالغةً، وإكراماً بالغاً، من إعطائه، أعطه من الصدقة، أما الزكاة فلا تصرف إلا إلى فقراء المسلمين.
 والصنف الثاني الذي لا يجوز أن تعطيهم الزكاة هم بنو هاشم، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: " إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد ".
 والصنف الثالث الذين لا ينبغي أن يأخذوا الزكاة، هم الآباء والأبناء، الأصول والفروع، لا تجوز لهم الزكاة، والزوجة، لأن الزوج ملزمٌ بالإنفاق عليها.
 بقي أن إنفاق صرف الزكاة في وجوه القرب من الله لا يجوز، فمثلاً، أن يكفَّن الموتى من الزكاة، لا يجوز، أن يقضى دين الميت من الزكاة، لا يجوز، أن تبني مسجداً من الزكاة، لا يجوز، لأن الصدقات للفقراء والمساكين حصراً الأحياء:

﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ﴾

[سورة التوبة: 60 ]

الاجتهاد في معرفة من يستحق الزكاة :

 أيها الأخوة؛ لك أن تدفع الزكاة بنفسك، ولك أن توكِّل غيرك في دفع الزكاة، وكلاهما جائز.
 ولكن أريد أن أضع هذه الحقيقة بين أيدي الأخوة، ليس بمجرد أن تلقي المال في أي جهة فقد حققت المراد، لا بدَّ من أن تجتهد، وأن تعطي الزكاة لمن يستحقها.
 أخواننا الكرام؛ حقيقة مهمة جداً، وهي الفقير الذي يستحق الزكاة لا تعرفه، ولا يسألك، وقد تحسبه غنياً، لعفته، وتجملِّه، لذلك لا بدَّ من أن تبحث أنت، هذا الذي يقتحم عليك، ويسألك بإلحاح، هذا ليس أهلاً لقبض الزكاة، الذي هو أهل لقبض الزكاة:

﴿ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً﴾

[ سورة البقرة: 273 ]

 لذلك ما دام الأمر كذلك لا بدَّ من أن تتحرى أنت، وأن تسأل أنت، وأن تدقق أنت، كي تضع هذا المبلغ في يدِّ إنسانٍ مؤمنٍ، عزيز النفس، تحسبه غنياً وهو ليس كذلك.
 أيها الأخوة؛ النبي عليه الصلاة والسلام يوجِّهنا إلى وجوب إعطاء الزكاة للصالحين.. يقول عليه الصلاة والسلام، في الحديث الصحيح، الذي رواه الإمام أحمد، بسندٍ جيد، وحسنه السيوطي:

(( أطعموا طعامكم الأتقياء، وأولوا معروفكم المؤمنين))

 لذلك بعض العلماء قال: من لا يصلي لا يعطى شيئاً حتى يتوب، ويلتزم الصلاة، إلا في حالة، إذا أعطيته وهو لا يصلي، قربته إلى الدين، حببته بالمؤمنين، أعنته على أن يصلي، إن كان هذا هو الهدف فيجوز، أما إذا كان مصراً على ترك الصلاة، والفسق، والفجور، فالمؤمنون أولى بزكاة مالك من الفجَّار، والعصاة.
 قال: يلحق بتارك الصلاة العابثون والمستهترون، الذين لا يتورعون عن منكرٍ، ولا ينتهون عن غيٍّ، والذين فسدت ضمائرهم، وانطمست فطرهم، وتعطلت حاسة الخير فيهم.
 فأنت المقياس معك، إذا كان هذا المبلغ يقرِّبه إلى الله، ويحمله على التوبة، أعطه، فإن كان هذا المبلغ يزيده بعداً، وفسقاً، وفجوراً، فلا تعطه، من هم أولى الناس بصدقتك؟ الصالحون من المؤمنين الفقراء.

 

أولى الناس بإعطاء الزكاة :

 شيءٌ آخر.. يستحب أن تعطي المرأة زكاة مالها إلى زوجها الفقير، فهو أقرب الناس إليها، ويستحب أن يبدأ دافع الزكاة بسدِّ حاجات أقربائه، لأن سد حاجة القريب زكاةٌ، وصلةٌ في وقتٍ واحد.
 إلا أنني..أعجب أشدَّ العجب من أن أكثر الأخوة الكرام في رمضان يطرحون عليَّ هذا السؤال، يجوز أن نعطي لأختي؟ يجوز..يجوز أن نعطي لزوج ابنتي؟ يجوز، هو يجوز ولكن لو أن أختك مكتفية تنقصها بعض الحاجات الكمالية، لا ينبغي أن تحرم الفقير الجائع، الذي لا يجد ما يأكل، وأن تعطي أختك مبلغاً من المال، لتحسِّن وضع بيتها، يجب أن توازن بين شدة الحاجة إلى المال، وبين القرابة، والنبي عليه الصلاة والسلام بيَّن لنا أن إعطاء القريب زكاةٌ وصلةٌ في وقتٍ واحد.
 يوجد بحث لطيف جداً، يجب أن يعطى طلبة العلم دون العبَّاد، العابد، نقول له: قم فاعمل، من يطعمك؟ قال: أخي، قال: أخوك أعبد منك، من أنتم؟ قالوا: نحن المتوكلون، قال عمر رضي الله عنه: كذبتم، المتوكل من ألقى حبةً في الأرض ثم توكل على الله.
 فالعابد يؤمر أن يعمل، أما طالب العلم المتفرغ لعلمه فيجوز أن يعطى الزكاة، ولعل هذه الزكاة من أعلى درجات القرب من الله عزَّ وجل.
 إسقاط الدين على الزكاة، عند معظم الفقهاء لا يجوز أن تسقط الدين، وتحسبه من الزكاة، لأن المدين قد يكون جائعاً، ويتمنى لقمةً، فإذا أنت لك معه عشرة آلاف، وسامحته، وحسبتها من الزكاة، بقي جائعاً، فلم تحل مشكلته.
 في بعض العلماء وهم قلة أجازوا أن تحسب الديون من الزكاة، والأولى بالأحوط.

إنفاق الزكاة في موطنها :

 يوجد شيء آخر لطيف هو البلد التي جمعت فيها الأموال، التي وجب فيها الزكاة، فقراء هذا البلد أولى بالزكاة من غيرهم، فمثلاً أنت عندك معمل بدمشق، ربحت، من الذي جعلك تربح؟ الذين اشتروا بضاعتك من أهل دمشق، فرضاً، فقراء دمشق أولى بزكاة مالك، لأن أغنياءهم هم الذين ربَّحوك، لذلك الأولى أن تنفق الزكاة في موطنها، وهذا شيء من العدل، فالغرم بالغنم، أنت ربحت من هذه البلدة، فقراء هذه البلدة أولى بنفقتك.. طبعاً هذا الشيء أمر توجيهي، لكن يجوز أن تخالفهم.
 إنسان عنده مشروع في بلد أجنبي، هم كلهم ليسوا مسلمين، لك أن تنقل زكاتك إلى بلاد المسلمين، أكثرهم أغنياء، لك أن تنقل زكاتك إلى بلدٍ فقير، أنت في مكان فيه بحبوحة كبيرة، منطقة ثانية نائية، فقيرة جداً، يجوز، يوجد عندنا أصل، ويوجد عندنا استثناء.

 

إخفاء الصدقة أو إعلانها يقدرها الإنسان بحكمته :

 الحقيقة إظهار الصدقة مستحسن:

﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ﴾

[ سورة البقرة: 271 ]

 إلا أنَّك إن أظهرت دفع الزكاة وتعلق هذا بإنسان جرحته، فإذا كان هذا المبلغ موجهاً إلى إنسان الأولى أن تسكت، والأولى أن تفعل هذا سراً، إذا كان هذا المبلغ موجهاً إلى مشروع خيري، لعل هذا المشروع فيه إعلان الأرقام وإعلان الأسماء تشجيعاً للباقين، هذه يقدرها الإنسان بحكمته، متى ينبغي أن يعلن، ومتى ينبغي أن يُخفي:

﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا ﴾

 أيها الأخوة الكرام؛ هذه طبعاً من إخفاء الصدقة، قول النبي عليه الصلاة والسلام:"
 سبعةٌ يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله- من هؤلاء- رجلٌ تصدق بصدقةٍ فأخفاها"
 وفي درسٍ قادمٍ إن شاء الله، نتحدث عن زكاة الفطر، والحمد لله رب العالمين.
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلّى الله على سيدنا محمد النبي الأمّي، وعلى آله وصحبه وسلَّم، والحمد لله.

 

تحميل النص

إخفاء الصور