وضع داكن
27-04-2024
Logo
الفقه الإسلامي - الدرس : 7 - زكاة الفطر.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

زكاة الفطر و الحكمة منها :

 أيها الأخوة الكرام؛ مع الدرس السابع من دروس الفقه في رمضان، ولا زلنا في موضوع الزكاة، ولكننا ننتقل إلى زكاة الفطر، الأولى زكاة الرأس، والثانية زكاة الفطر.
 زكاة الفطر تجب أيها الأخوة بالفطر من رمضان، واجبة على كل فرد، صغيراً كان أو كبيراً، ذكراً كان أو أنثى، حراً كان أو عبداً، فقد روى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما:

((فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، على الحر والعبد، والذكر، والأُنثى، والصغير والكبير من المسلمين))

[ البخاري عن ابن عمر]

 الله جلّ جلاله يريد من هذه الزكاة أن يذوق كل إنسان معنى الإنفاق، فرضها على الفقير الذي عنده قوت ليلة واحدة، وجبة طعام واحدة، قطعة من الجبن مع نصف رغيف، من عنده قوت ليلة واحدة وجبت عليه زكاة الفطر، له أن يؤديها، وله أن يأخذها، لماذا ينبغي أن يؤديها؟ ليذوق طعم الإنفاق، أي أراد الله عز وجل أن يذيقنا في رمضان طعم الإنفاق.
 حكمة هذه الزكاة أن تكون هذه الزكاة زكاة الفطر طهرة للصائم مما عسى أن يكون قد وقع منه، عملية ترميم من اللغو، كلام لا معنى له، أو كلام لا مسوغ له، أو كلام لا جدوى منه، هذا اسمه لغو، والله عز وجل يقول:

﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴾

[ سورة المؤمنون: 3]

 مما عسى أن يكون وقع فيه من اللغو، والرفث، كلمة فاحشة، لا ينبغي أن يقولها صائم، فاللغو والرفث هما علة تشريع زكاة الفطر، التطهير، أو لكي تكون عوناً للفقراء في العيد.
 روى أبو داود، وابن ماجة، والدار قطني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:

((فرضَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طُهْرَة للصائم من اللَّغْوِ والرَّفَثِ وطُعْمَة للمساكين، من أدَّاها قبل الصلاة فهي زكاةٌ مقبولة، ومن أدَّاها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات ))

[أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما]

 أي لا تصح إلا أن تؤدى قبل صلاة العيد.

 

الفرق بين زكاة المال و زكاة الفطر :

 لكن هناك زكاة مال، وهناك زكاة فطر، زكاة المال الأولى أن تؤدى في رمضان، كي يشتري الفقير حاجاته، حاجات أولاده، ويؤمن مؤونة بيته، أما زكاة الفطر فحكمتها أن تكون طعمتها في العيد، لذلك بعض العلماء جزاهم الله خيراً فهموا زكاة الفطر أن تكون إطعاماً لا إنفاقاً، وسمعت من بعض الأخوة الكرام أنهم يأتون بعلبة فيها طبخة جيدة لأسرة من خمسة أشخاص، ماذا يمنع أن تأتي بكيليين من الأرز، وكيليين من اللحمة، وعلبة بازلاء، وعلبة سمنة، هذه طبخة تأكلها أسرة في أيام العيد كله، فإذا تمكن إنسان من أن يطعم أسرة هذا الطعام جيد، و إن لم يتمكن فليتعاون مع غيره لإطعام أسرة، فالحد الأدنى الأدنى الأدنى خمسون ليرة على الفرد، ولا حدّ لأكثره، الميسور يقدم ألف ليرة، يقدم خمسمئة، يقدم مئتين، يقدم مئة وخمسين، على كل يرجح أن تكون طعاماً يطعم في العيد، أن تغني الفقير عن الطواف على الناس لاستجداء طعامه، لأن الحديث:

(( وطُعْمَة للمساكين ))

[ أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما]

 طعام، تجب على الحر المسلم المالك لمقدار صاع يزيد عن قوته وقوت عياله يوماً وليلة، وتجب عن نفسه وعمن تلزمه نفقته كزوجته، وأبنائه، وخدمه، إذا له أخت في البيت تجب عليه وعلى أخته، إذا عنده والدة، والد، من ينفق عليهم، ويتولى أمرهم، حتى إن بعض الورعين ينفق زكاة الفطر عن الجنين في بطن زوجته، صوم رمضان معلق بين السماء والأرض لا يرفع إلا بزكاة الفطر.

 

مقدار زكاة الفطر و وقت وجوبها :

 قدر هذه الزكاة صاع من القمح، أو الشعير، أو التمر، أو الزبيب، أو الأقط- اللبن المجفف- أو الأرز، أو الذرة، أو نحو ذلك، مما يعد قوتاً.
 أبو حنيفة جوز إخراجها نقداً، وبعض العلماء يرى أن نصف صاع من قمح يجزئ، و إن كان شعيراً فصاع، الصاع أربعة أمداد، والمد حفنة بكفي رجل معتدل الكفين، يساوي قدحاً وثلث، أو قدحين، أي مقدار كفين من رجل معتدل، هذا هو المد، الصاع أربعة أمداد، نصف صاع من قمح يجزئ، أو صاع من شعير، أو تمر، أو زبيب، أو أقط، أو أرز، أو ذرة، أو نحو ذلك.
 قال: هذه تجب في آخر رمضان، واختلفوا في تحديد الوقت، وقت وجوبها كما قال بعض العلماء غروب الشمس ليلة الفطر، لأنه وقت الفطر في رمضان.
 وقال أبو حنيفة: تجب مع طلوع الفجر في يوم العيد، وبعضهم قال: يجوز أن تدفعها في أول رمضان، حتى يتدبر الفقير شؤون حياته، أما إذا أُخرت عن صلاة العيد فهي صدقة، ولا علاقة لها بزكاة الفطر، وعندئذٍ تجب في الذمة، والذي دفع صدقة من الصدقات، لأن الصدقة ليس لها وقت لدفعها.

كيفية توزيع زكاة الفطر :

 مصرف هذه الزكاة زكاة الفطر توزع كما توزع الزكاة تماماً:

﴿ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾

[سورة التوبة: 60]

 إلا أن العلماء قالوا: الفقراء هم أولى الناس بزكاة الفطر، لما تقدم من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:

((طُهْرَة للصائم من اللَّغْوِ والرَّفَثِ، وطُعْمَة للمساكين))

[أبو داود عن عبد الله بن عمر]

 وقال عليه الصلاة والسلام في هذا المعنى:" أغنوهم هذا اليوم "، وفي حديث آخر:

((أغنوهم عن طواف هذا اليوم))

[السنن الكبرى عن ابن عمر]

 أما المكان فتؤدى في المكان الذي تؤدى فيه الزكاة.

 

زكاة التطوع :

 إلا أن هناك بحثاً لطيفاً هو إجابة عن سؤال: هل في المال حق سوى الزكاة؟ يجيب عن هذا النبي عليه الصلاة والسلام فيقول:

((إِن في المال حقّا سوى الزكاة ))

[ الترمذي عن فاطمة بنت قيس]

 من أين أخذ النبي هذا الحكم؟ من قوله تعالى:

﴿ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ ﴾

[سورة البقرة : 177]

 إيتاء الزكاة شيء، وإيتاء المال شيء آخر، أي إيتاء الزكاة يشبه ضريبة لا بد من أن تدفع، فإن دفعتها تلافيت المصادرة، تلافيت الغرامات.
 أما أحياناً مواطن يقدم بناء للدولة، هناك إنسان بحماة قدم بناء أصبح الآن جامعة، كلية البيطرة، مواطن قدم بناء هدية، هذا التقديم غير الضريبة، دفع الضريبة شيء، أقرب لكم الأمثلة؛ دفع الضريبة شيء، وتقديم بناء ليكون جامعة شيء آخر، الإنسان إذا كان عنده مواطنة عالية يقدم شيئاً، أما دفع الضريبة فيعبر عن الخوف، خوف من غرامة، خوف من مصادرة، دفع الضريبة لا بد منه، لكن دفع الصدقة تطوع، يعبر عن محبة الإنسان لله عز وجل، لأن تلك فرض كمن يصلي صلاة الفرض ويصلي صلاة النفل، سواء بسوء.

 

 النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

((إِن في المال حقّا سوى الزكاة ))

[ الترمذي عن فاطمة بنت قيس]

 أضرب لكم مثلاً؛ إنسان أدى زكاة ماله برمضان، وجاء شوال، وله جار مسلم مستقيم، مؤمن، أصيب ولده بحادث لابد من إجراء عملية فورية، وإلا لهذا الحادث مضاعفات خطيرة، وأنت جاره، وميسور، هل لك أن تقول أمام الله: أنا يا رب لا دخل لي، أديت زكاة مالي، لا، نقول له: قال عليه الصلاة والسلام:

((إِن في المال حقّا سوى الزكاة ))

[ الترمذي عن فاطمة بنت قيس]

 لو أديت زكاة مالك، إيمانك ورحمتك تدفعانك إلى إعطاء هذا الأب ما يساوي أجر العملية الجراحية.
 فلذلك الإنسان يجب أن يضيف على الزكاة صدقة التطوع، الناس يعلمون أن الزكاة فرض، يحاولون- وهذا الشيء أعانيه كل عام- أن يؤدوا كل واجباتهم عن طريق الزكاة، تارةً لابنه، تارةً لابنته، تارةً لأخته، الأخت يجوز أن تأخذ زكاة، لكن هناك من يعتقد أن أختك يلزمها أن تكبر برادها، هذه حاجة ثانوية،  هناك إنسان لا يجد ما يأكل، فهناك من يجعل كل حاجات العائلة الأقربين تؤدى عن طريق الزكاة.
 والله مرة إنسانة سألتني على الهاتف أنها مدعوة إلى عرس، فإذا قدمت باقة ورد هل تحسب من الزكاة أستاذ؟ والله هكذا.
 شخص سألني سؤالاً ثانياً، قال لي: إذا كان صهري يحتاج إلى سيارة وأخذنا له سيارة هل نعتبر هذا من مال الزكاة أستاذ؟ يريد أن يشتري لصهره سيارة من مال الزكاة، هناك أشياء غير مقبولة، عندنا أولويات.
 على كل الصدقات تغطي، تريد أن تطبع كتاباً، تريد أن تبني مسجداً، تبني مستوصفاً، الصدقة تغطي كل شيء، أما الزكاة فللفقراء حصراً.

 

رمضان شهر الإنفاق :

 أيها الأخوة؛ رمضان شهر الإنفاق، وكل إنسان الآن حيّ، المال له قيمة، أما على فراش الموت فأعطوا، وأعطوا، وأعطوا مئة ألف، ومئتي ألف، درهم تنفقه وأنت صحيح، وأنت شحيح، وأنت في أمس الحاجة لهذا المال خير من ألف مئة ينفق وأنت على فراش الموت، درهم تنفقه في حياتك خير من مئة ألف درهم ينفق بعد مماتك، درهم تنفقه في إخلاص خير من مئة ألف درهم ينفق في رياء.
 ثلاث حالات؛ في حياتك، وأنت صحيح شحيح، ودرهم تنفقه في إخلاص، احرص على الإخلاص، وأن تكون أنت في أمس الحاجة لهذا المال، الإنسان على فراش الموت تجده صار كريماً، نصف مليون، مليون، خمسمئة ألف، مئتا ألف، المال لم يعد له معنى بالنسبة له، أما هو شاب يتقد حيوية ونشاط، فالمال له معنى كبير، فكلما كنت في أمس الحاجة إلى المال كان الإنفاق أقوى، وكان أجره أكبر.

تحميل النص

إخفاء الصور