وضع داكن
19-04-2024
Logo
ومضات من تفسير القرآن الكريم - الدرس : 7 - من سورة فاطر ، إعجاز الخالق في الفضاء الخارجي.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

تعريف الزوال :

 أيها الأخوة الكرام؛ كلكم يعلم أن وقت صلاة الظهر وقت الزوال فما هو الزوال؟ العلماء قالوا: الزوال الانحراف، الشمس تكون في كبد السماء تماماً، فإذا انحرفت قليلاً دخل وقت الظهر، هذا وقت الزوال.
 وزوال الشيء هلاكه، فالزوال بمعنى الانحراف والهلاك في وقت واحد، يقول الله عز وجل:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾

[ سورة فاطر: 41]

 نأخذ الأرض مثلاً، الأرض تدور في مسار إهليلجي حول الشمس، الشيء الذي يأخذ بالألباب هو أن هذا المسار الإهليلجي، أو الشكل البيضوي، له قطران أعظمي وأصغري، فالأرض في دورتها حول الشمس تقطع ثلاثين كيلو متراً في الثانية، نحن في صلاة التراويح اضربوا بكل ثانية ثلاثين كيلو متراً، بالدقيقة ضرب ستين، ثلاثون ضرب ستين الناتج ألف وثمانمئة بالدقيقة، بالعشر دقائق ثمانية عشر كيلو متراً، بالعشرين ستة وثلاثون ألف كيلو متر، بالأربعين دقيقة اثنان وسبعون ألف كيلو متر، تقريباً مشينا مئة ألف كيلو متر بصلاة التراويح، بالضبط، هذه أشياء بديهية.
 الأرض تدور حول الشمس، إذا وصلت إلى القطر الأصغر زادت من سرعتها، لأن قانون الجاذبية الكتلتان تتجاذبان بحسب الكتلة، وبحسب المسافة، فإذا قصرت المسافة زاد الجذب، فلو أن الأرض بقيت على سرعتها واقتربت من الشمس في المسار الإهليلجي الشمس جذبتها، وإذا ألقيت الأرض في جوف الشمس تبخرت في ثانية واحدة، بمركز الشمس عشرون مليون درجة، في سطحها ستة آلاف درجة، الأرض إذا ألقيت في جوف الشمس تبخرت في ثانية واحدة، ما الذي يحصل؟ الأرض وكأنها عاقلة، تزيد من سرعتها، لينشأ من زيادة هذه السرعة قوة نابذة تكافئ القوة الجاذبة.
 كيف الغسالات أثناء التنشيف، ما الذي يحصل؟ دوران سريع، الماء الذي في الملابس يخرج، هذه القوة النابذة.
 فالأرض تزيد من سرعتها من أجل أن تتعادل القوة الجاذبة الجديدة مع قصر المسافة مع القوى النابذة فتبقى في مسارها، فإذا وصلت إلى القطر الأعظمي خفضت من سرعتها، لأنها لو بقيت على سرعة عالية تفلتت من مسار الشمس، فإذا تفلتت سارت في الفضاء الخارجي، وعندئذٍ تفقد الحرارة فتصبح حرارتها مئتين و سبعين درجة تحت الصفر، وهو الصفر المطلق، وهذا الصفر تتلاشى فيه المادة، لو أن الأرض لم تزد من سرعتها جذبتها الشمس فتبخرت في ثانية واحدة أي زالت، وإن لم تخفض من سرعتها، وتفلتت من مسارها حول الشمس دخلت في ظلام كوني، وفي برد شديد وصل إلى الدرجة المطلقة في الصفر، عندئذٍ تلاشت المادة:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾

[ سورة فاطر: 41]

 أي إذا زالت زالت، أدركتم؟ إذا زالت عن مسارها زالت وانتهت، فنيت، إما احتراقاً، وإما برداً.
 بعض العلماء قال: لو أنها تفلتت فرضاً، الأرض تفلتت من الشمس، كيف نرجعها إليها؟ قال: نحتاج نحن إلى مليون مليون حبل فولاذي، كل حبل قطره خمسة أمتار، والحبل الذي قطره خمسة أمتار يقاوم قوى شد تقدر بمليوني طن، أي الأرض مربوطة بالشمس بقوة جذب تساوي مليونين ضرب مليون ضرب مليون، كل هذه القوة المدهشة من أجل أن تحرفها ثلاثة ميلي كل ثانية، ثلاثة ميلي كل ثانية يتشكل مسار إهليلجي حول الشمس، ثلاثة ميلي كل ثانية تبقى على مسارها حول الشمس.

﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ﴾

[ سورة الرعد: 2]

 أي بعمد لا ترونها، فهذا معنى قوله تعالى:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ ﴾

[ سورة فاطر: 41]

 كونك على وجه الأرض، والشروق مستمر، والغروب مستمر، والوضع طبيعي، قوة هائلة، وقوة حكيمة، وقوة رحيمة، وقوة عليمة، تبقي الأرض على وضعها الحالي:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ ﴾

[ سورة فاطر: 41]

 من يستطيع أن يعيد الكرة إلى مسارها حول الشمس؟

 

الكون بآياته أقصر طريق إلى الله :

 أيها الأخوة الكرام؛ الكون بآياته أقصر طريق إلى الله، وأوسع باب تدخل منه على الله، وأنت حينما تفكر في خلق السموات والأرض تجد نفسك وجهاً إلى وجهٍ أمام عظمة الله عز وجل، أي مليونان ضرب مليون، ضرب مليون هذه قوة جذب الشمس إلى الأرض، من أجل أن تبقى الأرض على مسارها الإهليلجي، الانحراف ثلاثة ميلي بالثانية فقط، ولولا ذلك لزالت إما تبخراً، أو برداً.
 ثم إن هذا التسارع بطيء، وهذا من لطف الله عز وجل، التسارع بطيء، والتباطؤ بطيء، معنى التسارع مثلاً السيارة من صفر إلى كيلو متر فرضاً تحتاج إلى خمس دقائق، ممكن سيارة أحدث من صفر إلى مئة بثلاث دقائق، سيارة أحدث من صفر إلى مئة بدقيقة، هذا اسمه تسارع، مقدار زيادة السرعة بزمن محدد، الأرض تسارعها بطيء، ولو كان تسارعها سريعاً رفعت تسارعها فجأة فينهدم كل ما عليها، ليس زلزالاً، زلزال عمّ الأرض كلها، لا تجد حجراً فوق حجر، ولو أن تباطؤها كان سريعاً كمن يركب مركبة وتقف فجأة يموت السائق، يرتطم بالبلور فيموت، لماذا يوجد أحزمة؟ من أجل هذا، لو كان التباطؤ سريعاً، أو التسارع سريعاً لهلك كل من في الأرض، إذاً الله عز وجل لطيف.
 قال: لو أننا أردنا أن نربط الأرض بالشمس بحبال كما قلت قبل قليل، نحتاج إلى مليون مليون حبل فولاذي، قطر كل حبل خمسة أمتار، حسبوا المسافة، لو غرزنا هذه الحبال بشكل أو بآخر افتراضي على سطح الأرض المواجه للشمس، لكان بين الحبلين خمسة أمتار، غابة من الحبال، ألغت أشعة الشمس، ألغت حراثة الأرض، ألغت البناء، ألغت كل شيء، هذه الحبال التي ترتبط بها الأرض بالشمس، لذلك:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾

[ سورة فاطر: 41]

 هل يستطيع مهندس كبير كبير أن يعمر بناية في الأرض لكن بينها وبين الأرض عشرة أمتار من دون أي دعامة؟ بناء من عشرة طوابق لكن ليس له علاقة بالأرض إطلاقاً، أعلى من الأرض بعشرة أمتار، لا يوجد به أية دعامة؟ نقول: هذا البناء بغير عمد، الله عز وجل قيد العمد بـ:

﴿ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ﴾

[ سورة الرعد: 2]

 أي بعمد لا ترونها، هي قوة الجذب، قوة الجذب شيء مدهش.

 

التوازن الحركي :

 أيها الأخوة؛ دورة الكواكب حول نفسها في مسارات مغلقة هي التوازن الحركي، ولولا هذا التوازن الحركي، ولولا حركة الكواكب لكان الكون كله كتلة واحدة، قوة التجاذب الأصغر نحو الأكبر، يصبح الكون بعد فترة من الزمن كتلة واحدة، أما هذه الحركة فسماها العلماء: التوازن الحركي، حركة من أجل أن يبقى لكل كوكب كيانه.
 بالمناسبة أبعد مجرة اكتشفت حتى الآن أذيع هذا في محطات أخبار عالمية، أخ كريم نقل لي هذا الخبر، أن هذه المجرة تبعد عنا ثلاثمئة ألف بليون سنة ضوئية، أما أقرب نجم لنا فأربع سنوات ضوئية، الأربع سنوات ضوئية على آلة حاسبة لو أردنا أن نصل إلى هذا النجم الذي يبعد عنا أربع سنوات ضوئية نحتاج إلى خمسين مليون سنة بمركبة أرضية، تصور ركبت سيارة وهناك طريق إلى هذا النجم، والقضية سهلة جداً، السيارة تمشي مئة كيلو متر بالساعة، كلمة أربع سنوات ضوئية كل ثانية ثلاثمئة ألف كيلو متر، بالدقيقة ضرب ستين، اضرب ثلاثمئة ألف بستين، وبالساعة ضرب ستين، وباليوم ضرب أربع وعشرين، وبالسنة ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين، اضرب ثلاثمئة ألف، ضرب ستين، ضرب ستين، ضرب أربع وعشرين، ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين، ضرب أربع، أربع سنوات ضوئية يخرج معك رقم، قسمه على مئة سرعة السيارة، تحصل على كم ساعة؟ قسمه على أربع وعشرين كم يوم، قسمه على ثلاثمئة وخمسة وستين كم سنة، الناتج خمسون مليون سنة، من أجل أن نصل إلى أقرب نجم ملتهب إلينا نحتاج إلى خمسين مليون سنة، الآن وازن بين أربع سنوات ضوئية، وبين ثلاثمئة بليون سنة ضوئية.

﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾

[ سورة الواقعة: 75-76]

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾

[ سورة فاطر: 41]

 هذا الإله يعصى؟ هذا الإله العظيم يزهد في وعيده؟ يزهد في جنته؟

 

تحميل النص

إخفاء الصور