وضع داكن
20-04-2024
Logo
موضوعات إسلامية عامة - الدرس : 07 - عوامل قوة المؤمن - قصة عبد الله بن رواحة مع يهود خيبر.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً، و أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

الدنيا دار عمل و الآخرة دار جزاء و تشريف :

 أيها الأخوة الكرام؛ الإنسان في هذه الحياة الدنيا له آمال عريضة، وأهداف كبيرة، ولكن الطريق إلى هذه الآمال أو إلى تلك الأهداف شائكٌ وطويل، والعقبات متنوعة، والمعوقات كثيرة، والصوارف عديدة، والأهداف كبيرة، والطريق شائك وطويل، ما العمل؟ قال: هذه العقبات بعضهما من طبائع الأشياء، هناك أشياء ليس من السهولة أن تصل إليها، وبعضها يعود إلى سنن الله في خلقه، نحن في الحياة الدنيا في دار عمل، والله سبحانه وتعالى جعل لكل شيء ثمناً، في الآخرة نظام آخر، نظام الآخرة لهم ما يشاؤون، أي شيء تريده تجده أمامك، أما في الدنيا فمن أجل أن تضيف إلى اسمك حرف الدال تحتاج إلى أكثر من خمس وثلاثين سنة دراسة، لتضيف حرف الدال فقط، وتأخذ راتباً لا يكفيك مع كل هذا الجهد الجهيد، هذا نظام الحياة الدنيا، من أجل أن تشتري بيتاً عليك أن تعمل عملاً جاداً متواصلاً سنوات كثيرة، من أجل أن تتزوج، من أجل أن يتألق نجمك في سماء الحياة لابد من جهد جهيد، في الآخرة لهم ما يشاؤون، لمجرد أن يخطر في بالك شيئاً تجده أمامك لأنها دار تكريم، لأنها دار تشريف، لأنها دار جزاء، أما الدنيا فدار عمل، لذلك الإنسان في هذه الحياة الدنيا المتعبة يحتاج إلى قوة تدعمه، إلى قوةٍ يلجأ إليها، إلى قوةٍ تحمي ظهره، إلى قوةٍ تدفعه، إلى قوةٍ تطمئنه، ليس من قوة في هذه الحياة الدنيا إلا أن تكون مؤمناً.

عوامل قوة المؤمن :

1 ـ إيمانه بالحق :

 السؤال الآن: لماذا المؤمن قوي أو الأصل في المؤمن أن يكون قوياً؟ قال تعالى:

﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة آل عمران :139]

 الصحابة الكرام كانوا من القوة بدرجة، القوة المعنوية حياتهم خشنة، إنسان على وشك أن يصلب يقال له: أتحب أن يكون محمد مكانك؟ ينتفض ويقول: والله لا أحبّ أن أكون في أهلي وفي ولدي وعندي عافية الدنيا ونعيمها ويصاب رسول الله بشوكة، سيقتل بعد قليل.
 امرأة علمت أن النبي قد قتل في معركة أحد فتألمت ألماً شديداً، وهرعت إلى أرض المعركة، فإذا أبوها مقتول، وإذا أخوها مقتول، وإذا زوجها مقتول، وإذا ابنها مقتول، وكلما رأت أحداً تقول: ما فعل رسول الله؟ إلى أن رأت النبي بعينيها فاطمأنت وقالت: يا رسول الله كل مصيبة بعدك جلد.
 النبي عليه الصلاة والسلام يقول: " أوذيت بالله وما أوذي أحد مثلي، وخفت في الله وما خاف أحد مثلي، ومضى عليّ ثلاثون يوماً لم يدخل جوفي إلا ما يواريه إبط بلال ".
 سيدنا جعفر أمسك اللواء بيده اليمنى فجاءتها ضربة فقطعتها، ما انتهى، جريح- أحدنا إذا شعر بدوخة يريد إجازة ثلاثة أيام، وأطباء- قطعت يده فـأمسك الراية بيده اليسرى، فقطعت اليسرى فأمسكها بعضديه حتى قتل، هذه القوة المعنوية من أين تأتي؟ ترى الإنسان ينهار بتقرير صحي، ينهار لخبر سيئ، ينهار لضعف المبيعات في المحل، ينهار لتهديد بسيط من إنسان أدنى منه، ما شأن الصحابة الكرام؟ ما هذه القوة التي يتمتعون بها؟ بعض المحللين غير السياسيين، المحللين الدينيين قالوا: هذه القوة سببها أنهم آمنوا بالله، آمنوا بالله القوي، آمنوا بالله العزيز، أي تكون مع الله وتذل؟ والله هذا من سابع المستحيلات، تكون مع الله وتفتقر؟ تكون مع الله وتخاف؟ قال تعالى

﴿ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾

[ سورة الأنعام : 81-82]

 يوجد رئيس وزارة في فرنسا انتحر وهو من أعرق أسر باريس، يحمل أعلى شهادة، يتمتع بسمعة طيبة، لا يوجد مشكلة، لا يوجد فقر، ولا فضيحة، ولا أي مشكلة، أنا سمعت أكثر من مئة صحفي يبحث عن سبب انتحاره، صحفي واحد اهتدى إلى سبب انتحاره، هو كان يعتقد مذهب لا إله، نحن لا إله إلا الله، هو يعتقد لا إله ثم اكتشف بعد سبعين عاماً أنه كان في وهم كبير، وأنه كان في خطأ جسيم، وأنه ضيع حياته سدىً فانتحر.
 المؤمن لماذا هو قوي؟ لأنه مؤمن بالله القوي، دقق مهما امتدت الحياة لن تجد حدثاً ينقض الإسلام، أما أي مذهب وضعي بعد حين يصبح في الوحل، وينتهي إلى الوحل، ويكون كذباً بكذب، تدجيلاً بتدجيل، مادام المذهب من صنع البشر فليس هو دين الله عز وجل، لأن الله قال:

﴿ فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ﴾

[ سورة يونس : 32]

 الحق خط مستقيم، أي مستقيم ينطلق من نقطتين ينطبق على الحق تماماً، لأن الحق لا يتعدد، وما سوى الحق هو الباطل، لذلك أحد أسباب قوة المؤمن أنه آمن بالحق، والحق هو الها، والله هو أزلي أبدي دائم على الدوام، الحي الباقي، ليس له بداية، وليس له نهاية، إليه يرجع الأمر كله، بيده مقاليد السموات والأرض، يطعم ولا يطعم، أي أنت مع القوي، أما ما سوى المؤمن فمع الضعيف، مع الفاني، يعلق آماله على إنسان، يموت الإنسان فجأةً، يعلق آماله على إنسان يرد عليه رداً سيئاً، إذاً أحد أسباب قوة المؤمن أنه آمن بالحق، والحق هو الله، والحق قوي ودائم على الدوام.
 أنا من باب الدعابة يقولون: إن هارون الرشيد كلما نظر إلى سحابة، يقول: اذهبي أينما تشائين يأتيني خراجك، وأنا أقول لكم: الشارد عن الله يذهب أينما شاء في النهاية مرجعه إلى الدين، إلى الإسلام، إلى الصلح مع الله، يذهب، ويتحرك، ويسافر، ويعود، ويعتنق مذاهب، ويتحمس، في النهاية يجد الحق هو الإسلام.
 الشيء اللطيف والدقيق لا يوجد حدث في الأرض يمكن أن يكون لغير صالح الإسلام، أنا قبل البارحة زارنا أخ كان مقيماً في أمريكا، وأنا استغربت والله، قال لي: أنا في ولاية محرم فيها بيع الخمر، اكتشفوا أن الخمر مؤذ، الآن العالم الغربي والشرقي يعودون إلى الدين قهراً لا تعبداً، يعودون إليه قهراً، لأن الله عز وجل المنهج الذي سنه لعباده منهج الخالق، منهج الخبير، الذي يحرص على مصالحه بالنهاية يلتقي مع الدين، لكن هذا اللقاء لا لقاء عبادة بل لقاء مصلحة، له الدنيا وماله في الآخرة من خلاق.

2 ـ إيمانه بالخلود :

 العامل الثاني من عوامل قوة المؤمن أن المؤمن آمن بالخلود، معظم الناس آمنوا بالدنيا فقط، لذلك بعد الأربعين يوجد عنده قلق عميق، لأنه كلما ازداد عمره سنةً ضعفت إمكاناته، ضعفت قدرته على الاستمتاع بالحياة، إذا تقاعد همش، دخل في طي النسيان، يوجد عنده كآبة مستمرة، هذه الكآبة المستمرة سببها أنه أيقن بالدنيا فقط، أما قوة المؤمن فهي أنه آمن بالآخرة، لا يوجد عنده كآبة، الموت نقطة على خط بياني صاعد، الإنسان يذوق الموت ولا يموت، كل نفس ذائقة الموت، إذا انتقل إلى الآخرة ينتقل إلى جنة عرضها السموات والأرض، لا يوجد عند المؤمن كآبة، من حسن إلى أحسن، قال تعالى:

﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾

[ سورة التوبة : 51]

﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾

[ سورة البقرة : 257]

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾

[ سورة فصلت : 30]

﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة الروم : 47]

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً ﴾

[ سورة مريم : 96]

 يوجد عنده معان تملأ قبله سروراً، وتملأ قلبه تفاؤلاً، وتملأ قلبه طمأنينة، وتملأ قلبه قوةً، يوجد عنده زخم روحي، أي قد يعيش أخشن حياة، ونفسيته نفسية ملوك، هكذا المؤمن، ويوجد شخص معه ملايين مملينة، نفسيته نفسية عبد مقهور، والله التقيت بشخص، وهذه القصة بالسبعينات، عام سبعة وسبعين، أنا معلوماتي عنه أن أرباحه أربعة ملايين أو خمسة، وكان الدولار بثلاث ليرات وثمانين قرشاً، كان ثمن البيت عشرين ألفاً، أرباحه السنوية أربعة ملايين أو خمسة، كشر على وجهه وقال لي: لا يعاش في هذا البلد، لا يوجد بيع ولا شراء، سبحان الله كل هذا الدخل وهذا الغنى جاء يوم ومرض مرضاً شديداً فزرته فقال لي: الإنسان يكفيه ألف ليرة في الشهر، اختلف، الإنسان من دون إيمان ضعيف، هو في قمة الغنى مقهور، هو في قمة السلامة متوقع المرض، وتوقع المصيبة مصيبة أكبر منها، وأنت من خوف المرض في مرض، ومن خوف الفقر في فقر، فقوة المؤمن متأتية من إيمانه بالدار الآخرة.
 مرة رجل أحب أن يمزح قال لي: تقول إن المؤمن سعيد، والله مثله مثل هؤلاء الناس، بالعكس الناس لا يوجد عندهم قيود، وهو مقيد نفسه، لعله مداعباً أو لعله جاداً لا أعرف، فقلت له: أنا سوف أضرب لك مثلاً، إذا إنسان موظف، معاشه أربعة آلاف، وعنده ثمانية أولاد، وبيته بالأجرة، وعليه دعوى إخلاء، مهدد في مصيره، ومعاشه يكفيه خمسة أيام، وأولاده فوق بعضهم، له عم يملك خمسين مليوناً، ولكن لا يوجد عنده أولاد، ومات في حادث، قال لي: نعم، قلت له: هذه الملايين لمن؟ قال لي: له، قلت له: باعتبار أنه يوجد براءات ذمة، وتعقيدات، وروتين، حتى قبض أول مبلغ بعد سنة، ضمن السنة سعيد أم شقي؟ قال لي: سعيد جداً، قلت له: ولكنه ما قبض شيئاً، قال لي: متوقع أن يقبض، قلت له: هذا هو المؤمن، المؤمن واقعه قد يكون سيئاً، قد يكون بيته صغيراً، يوجد عنده مليون مشكلة، ولكن الله وعده بالجنة، وزوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعده للمؤمن، والوعد اليقيني امتص كل مشاكل المؤمن، فعلاً يعاني مثل الناس، إذا كان هناك حر مثل الناس، إذا كان هناك أزمة مواصلات يعاني مع الناس، إذا كان هناك موجة غلاء يعاني مع الناس، لكن لأن الله وعده بالجنة فهو بهذا الوعد أسعد الناس، لذلك قال تعالى:

﴿ وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً ﴾

[ سورة النساء : 104]

﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾

[ سورة القصص : 61]

 هذا السبب الثاني، والأول لأنه آمن بالحق، والله هو الحق، الكون كله في يده.

من أراد أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله :

 أنا ذكرت لكم واليوم ذكرتها بالطاووسية في رمضان الماضي في ليلة القدر بالذات أحد أصدقائي كان في الحرم المكي، والإمام وهو رجل صالح فيما أعلم، ولا أزكي على الله أحداً، في ليلة القدر دعا دعاء طويلاً، ودعا على اليهود ربع ساعة، وبكى وأبكى، اليهود في هذا الوقت بالذات كانوا مخططين لعملية للقبض على عدد كبير في المساجد لأنهم يستغلون ليلة القدر، وركبوا مئة وخمسة وعشرين ضابط كوماندوس، أي أفضل ما عند اليهود من ضباط، وكل ضابط مكلف خمسة ملايين من خلال التدريب على السلاح الأبيض، والسلاح الميكانيكي، والصراع الياباني، واللغة العامية يتقنوها حتى يقبضوا على عدد كبير من خصومهم، وهم في المساجد يحيون ليلة القدر الطائرة العلوية وقعت على الطائرة السفلية، والاثنتان وقعتا على مستعمرة، فما منيت إسرائيل منذ أن أنشئت حتى الآن بهزيمة أو بخسارة تعادل هذه الخسارة، مئة وخمسة وعشرون ضابطاً من أعلى مستوى ماتوا في حادث، بعد أن بحثوا عن الصندوق الأسود في الطائرة قرؤوا أو رأوا الرسالة الأخيرة من الطيار العلوي قال: أنا أسقط ولا أدري لم أسقط؟
 الله عز وجل قوي لو اصطلحنا معه لكان معنا دائماً، أعطانا نموذجاً، هذه عينة، مهما كان عدوك قوياً، ومهما كان عنده صواريخ، وأقمار صناعية، وأشعة ليزر، ويوجد قنابل الآن خارقة حارقة، كان أناس جالسين في ملجأ، وسماكة الإسمنت متراً من الإسمنت المسلح، وألقينا عليهم قنبلة لا يتأثرون، اخترعوا قنبلة أول شيء خارقة، لا تنفجر، تخرق البيتون بعد الخرق تنفجر، مهما كان العدو قوياً، وعنده قنابل خارقة حارقة، وعنده قنابل عنقودية، قنابل ذكية، عنده طيران شبح، أشعة ليزر، أقمار صناعية، الله أكبر، إذا كنا معه فهو أقوى، يعطل كل هذه الأشياء، ولكن على أن نكون معه، إذا كنا معه نحن أقوى، إذا أردت أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله، ولكن قال تعالى:

﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾

[ سورة التغابن : 122]

 هذا الذي آمن وأطاع الله عز وجل.

3 ـ إيمانه بالقضاء و القدر :

 العامل الثالث أن المؤمن يؤمن بالقضاء والقدر، لكل شيء حقيقة وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، لا يوجد عنده لو، لا يوجد عنده أسف شديد، لا يوجد عنده ندم ساحق، لا يوجد عنده قهر، مؤمن:

(( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلا تَعْجَزْ، فَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ: قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ ))

[ مسلم عن أبي هريرة]

 لا يوجد عنده كلمة لو، ولكن عند المؤمن قدر الله وما شاء فعل، لا يوجد عنده ندم، لا يوجد عنده خطأ، لا يوجد عنده قهر، قال: الإيمان بالقدر يذهب الهم والحزن، واستسلم لله عز وجل.

4 ـ اعتقاده أن رزقه مقسوم و أجله محدود :

 العامل الرابع من أسباب قوة المؤمن أن المؤمن يعتقد أن رزقه مقسوم، وأن أجله محدود، وأن الله منع البشر عن أن تتحكم بأرزاق العباد، وبآجال العباد، الأجل والرزق لا علاقة للبشر بهم.

ولو كانت الأرزاق تجري مع الحجا  هلكن إذاً من جهلهن البهائم
***

 البهائم تعيش حياة، لا يوجد بقر بالعالم مرفه كبقر الهند، مرفه رفاهاً مخيفاً، ولا يوجد كلاب في العالم مرفهة مثل كلاب أمريكا وأوروبا، قلت لكم: عمليات تبديل صمام قلب، عمليات زرع شريان للقلب، عمليات تبديل مفاصل، عمليات زرع أسنان، أطباء نفسيون، مقابر فخمة جداً، ولهم جنائز، إذا مات كلب له جنازة، والكلاب يأكلون من اللحم ما لا تأكله شعوب بأكملها، ولهم محلات فخمة جداً، ذكرت من مدة أن رجلاً دخل إلى محل، واندهش بأناقة المحل، وأنواع البضاعة، فملأ السلة حتى ملئت، وذهب حتى يحاسب، فسألته هل يوجد عندك كلب؟ فقال: لا فقالت له: أرجع كل هذا.

ولو كانت الأرزاق تجري مع الحجا  هلكن إذاً من جهلهن البهائم
***

 المؤمن أحد أسباب قوته أنه يعتقد أن أجله محدود، ورزقه مقسوم، وأن كلمة الحق لا تقطع رزقاً، ولا تقرب أجلاً، أحد أسباب قوته يقينه بأن الله قسم له أجلاً وقسم له رزقاً، ذكرت مرة في درس سابق أنه يوجد تفاحة في الشجرة الثالثة في البستان الرابع في الزبداني، هذه التفاحة لفلان، وهذا الرزق مقسوم، فلان بحسب إيمانه واستقامته إما أن يشتريها شراءً، وإما أن يأكلها ضيافةً، وإما أن يأكلها هديةً، وإما أن يتسولها تسولاً، وإما أن يسرقها سرقةً، وهي له، المؤمن يعتقد أن رزقه مقسوم، وأن أجله محدود، لا يوجد عنده خوف.

5 ـ أنه ضمن جماعة مؤمنة :

 العامل الخامس من عوامل قوة المؤمن أنه ضمن جماعة مؤمنة، ونحن عندنا في الإسلام الكل لواحد والواحد للكل، أي مادامت أنت مع المؤمنين فهم يساعدونك، كلمة دقيقة: الكل لواحد والواحد للكل، وهكذا المؤمنون وإن لم يكونوا كذلك فليسوا بمؤمنين، المؤمن غيري يعيش للآخرين، أي لست وحدك في الحياة، ألف أخ يساعدك، ألف إنسان يقدمك لك.
 والفضل لله عز وجل هذا المسجد المتواضع جداً جداً، لا يوجد أخ له مشكلة صحية إلا حلت بكل بساطة، قد تكون عملية جراحية، يوجد أخ من أخواننا طلاب العلم الأتراك لزمه دواء ثمنه ربع مليون ليرة، تأمن والحمد لله، يوجد قضية معقدة تأمن الدواء مجاناً، أنت لا تعيش بمفردك، أما الكفار فيعيشون بمفردهم، في فرنسا أجروا تجربة العامل الإنساني، أحضروا إنساناً وأجروا له حادثاً موهوماً، سيارة محطمة وهو إلى جانب السيارة، وأحضروا حبراً أحمر، والدم يسيل، ووضعوه على أكثف طريق في فرنسا شارع ليون باريس، كثافته كبيرة جداً، بعد ست ساعات توقفت سيارة لتنظر ما هي القصة، لعله من أصل عربي، المؤمن يعيش ضمن مجموعة، ضمن مؤمنين، يوجد من يساعده بكل النواحي، وتنحل مشاكله ضمن المؤمنين، من الصعب أن تنحل في الخارج ضمن الضائقة والأزمات، رغم كل شيء تنحل مشاكل المؤمنين بشكل مريح جداً، وهذا الشيء لا يحدث خارج المؤمنين.
 فعوامل قوة المؤمن أنه آمن بالحق والله هو الحق، وهو الدائم على الدوام، هو الغني، والشيء الثاني آمن بالخلود هو للأبد، فعلاً هو مخلوق للأبد، والدنيا إعداد لحياة آخرة، والعامل الثالث آمن بالقدر والإيمان بالقدر يذهب الهم والحزن، والعامل الرابع آمن أن رزقه مقسوم وأجله محدود، والعامل الخامس أنه يستمد قوته من أخوانه أيضاً فالمؤمن قوي مهما كان ظرفه صعباً، مهما تكن حياته خشنة، مهما تكن العقبات كأداء أمامه، والإنسان إذا كان مع جماعة فهو في رحمة.

(( عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِي اللَّهم عَنْهم خَطَبَ النَّاسَ بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ مَقَامِي فِيكُمْ فَقَالَ: اسْتَوْصُوا بِأَصْحَابِي خَيْرًا ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَبْتَدِئُ بِالشَّهَادَةِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا فَمَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ بَحْبَحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الْجَمَاعَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ، لا يَخْلُوَنَّ أَحَدُكُمْ بِامْرَأَةٍ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ ثَالِثُهُمَا وَمَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ ))

[ الترمزي عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِي اللَّهم عَنْهم ]

* * *

قصة عبد الله بن رواحة مع يهود خيبر :

 بقي قصة أسطر، سيدنا عبد الله بن رواحة أرسله النبي إلى خيبر ليقيم التمر، يوجد اتفاق بين النبي وبين يهود خيبر أن يأخذ النبي نصف إنتاج خيبر، فأرسل سيدنا ابن رواحة ليقيّم التمر، فجمع اليهود له حلي نسائهم ليرشوه، وإذا رشوه تقدر بأقل فيربحوا، فجمع له اليهود من حلي نسائهم وقالوا: هذا لك وخفف عنا، كما يجري دائماً هذه القروش لك وتجاوز، خفف التقدير.
 فقال: يا معشر اليهود جئتكم من عند أحبّ الخلق إليّ، ولأنتم عندي أبغض خلق الله إليّ، ومع ذلك لا يحملني هذا أن أحيف عليكم، مع أني جئت من أحب الخلق إليّ ولأنتم عندي أبغض الخلق إليّ ومع ذلك لا أحيف عليكم ولا أزيدكم، أما الذي عرضتم عليّ من رشوة فإنها سحت، وإنا لا نأكلها، فلم يملك اليهود إلا أن قالوا: بهذا قامت السموات والأرض وبهذا غلبتمونا.
 إذا أردتم أن تغلبوا اليهود فافعلوا هذا، وبالحق غلبتمونا، المؤمن شخصية فذة، متميز بأخلاقه، بعقيدته، باستقامته، في بيته، في عمله، أما مؤمن فقط يصلي ومثله مثل الناس فهذا ليس من الإيمان في شيء.

تحميل النص

إخفاء الصور