وضع داكن
29-03-2024
Logo
رمضان 1420 - خواطر إيمانية - الدرس : 02 - من سورة البقرة - خواطِرَ إيمانية.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

العبادةُ لا تصحُ إلا بالنية أمّا المعاملة فتصحُ بموافقتِها لأحكام الشرع :

 أيها الأخوة الكرام؛ لأنَّ القرآن لا تنقضي عجائِبُهُ، لذلك نعيشُ مع خواطِرَ إيمانية حولَ بعض آيات القرآن التي قُرِئت اليوم.
 من رحمة الله بِنا أنَّ المعاملات تَصِحُ إذا وافقت الشرع، والنية ربما ترفعُ مستواها لكن لا تتوقف صحة المعاملات على النية، بل تتوقفُ على مطابقتِها للشريعة، لذلك إذا الإنسان ظلم في الوصية فجاء ناظِرُ الوصية وأصلَحَ ظُلمَهُ وبدّلَ هذهِ الوصية وفقَ الشرع ينجو الموصي:

﴿ فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

[سورة البقرة:182]

 هناك مثل يريده الفقهاء: لو أنّ ابناً تحت يده محل تجاري لوالِدِهِ، والابن باع المحل التجاري من دون إذن أبيه، وأكلَ مالَهُ، ثمَّ أُكتشف بعدَ حين أنَّ الأب توفي قبلَ أن يبيع المحل، وأنَّ ابنهُ وارِثُهُ الوحيد بيعُهُ صحيح، ينقلِبُ صحيحاً، بالمعاملات العِبرة أن توافِقَ الشرع، تصِحُ العبادة إذا وافقت الشرع، أما المؤمن حينما ينوي أن يخدُمَ المسلمين بمعاملاتِهِ فهذا يرقى عِندَ الله، هذا تنقلِبُ عاداتُهُ عبادة، لها أثر إيجابي فقط النية في المعاملات، ترفعُ من قيمة العمل الصالح، ولكنّها تصِحُ دونَ أن ننظُرَ إلى نية البائع، مادام البيع فيه إيجاب وقبول، و تقابض، وتراض، فالبيع صحيح، هذهِ من رحمة اللهِ بِنا، فإذا إنسان ظلم في الوصية وجاء ابنُهُ الحريصِ على سلامة أبيهِ في الجنة، وغيّرَ هذهِ الوصية فجعلها وفقَ الشرع فلا إثمَ عليه، بالعكس يكونُ قد خلّصَ والده من الظُلم، أمّا العبادات فلا تصحُ إلا بالنية، لو شخص نوى أن يُصلي الفجرَ قبلَ دخول الوقت عبادتهُ باطلة، فصلّى الفجرَ قبلَ دخول الوقت بعدَ أن صلى أُكتُشِف أنَّ الفجرَ قد دخل قبل نصف ساعة عبادتهُ غير صحيحة مع أنها توافقت مع الشرع، لكن لأنّهُ نوى أن يُصلي هذهِ الصلاة خلافاً لمبدأ دخول الوقت ولو أنّها وقعت في الوقت الصحيح العبادة غير مقبولة، معنى ذلك العبادةُ لا تصحُ إلا بالنية، أمّا المعاملة فتصحُ بموافقتِها لأحكام الشرع، والنية ترفعُ قيمتها، هذهِ من رحمة اللهِ بِنا.

المحافظة على مال أخيك و إنفاق مالك لصالح المسلمين :

 شيء آخر: من الملامح اللطيفة في هذه الآيات قال تعالى:

﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾

[سورة البقرة:188]

 أي مالك مالي، ومالي مالك، معنى

﴿ أَمْوَالَكُمْ ﴾

 أي مالُ أخيكَ مالُك، ومالُكَ مالُ أخيك، أدق معنى أنَّ مالَ أخيكَ هو مالُك من زاويةٍ واحدة وجوب المحافظةِ عليه، أحياناً إنسان يُعير سيارتهُ لشخص يقول له: قُم بقيادتها وكأنّها سيارتك - فهمكم كفاية - مالُ أخيكَ مالُكَ من زاويةِ وجوبُ العناية بِهِ وحفظِهِ فلأن تمتنِعَ عن أكلِهِ من بابٍ أولى، الآن مالك مال أخيك، هذا المال وإن كُنتَ تملِكُهُ مُلكاً حقيقيّاً هو مالُ المسلمين، بمعنى ينبغي أن تُنفِقَهُ في صالح المسلمين، تعمل مشروعاً زراعياً، صناعياً، تجارياً، لا تُنشئ ملهى، لا توظفُهُ في أماكن بعيدة جداً ينتفع بهِ الكفار، فصار مالُكَ مالُ أخيك من خلال وجوبِ أن تُنفِقَهُ في صالح المسلمين، ومالُ أخيكَ هوَ مالُكَ من زاوية الحِفاظ عليه، أرأيتَ إلى هذا.

وجوب أداء الحقوق و لو كان القانون مع الإنسان :

 أمّا الشيء الدقيق:

﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾

[سورة البقرة:188]

 أيُّ تشريعٍ أرضي في أيّ مكانٍ، وفي أي زمان، لا يُعفيكَ من أداءِ الحقوق، لو أنَّ إنساناً تمتّع بقانون معيّن، لو استفاد من قانون، هذا القانون قد لا يُعطي أخاهُ حقهُ، أنتَ مسؤولٌ عن الشريعة، أي يوجد عندنا أمر تشريعي وأمر تنظيمي، الأصلُ هو الأمر التشريعي، لذلك:

﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾

[سورة البقرة:188]

 المؤمن الصادق الورع ولو كان القانون معهُ والشرع ليسَ معهُ ينقادُ لأمر الشرع.

من باع نفسه ابتغاء مرضاة الله فالله رؤوف به :

 أيها الأخوة؛ الكافر، الشارد متمتّع في الدنيا، هوَ فيها، يوجد مال وفير، وصحة، و لذائذ حسيّة، ومظاهر صارخة، أمّا المؤمن، لو وازنت مؤمناً مع إنسان شارد تجد بوناً شاسعاً، دقق:

﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾

[سورة البقرة:207]

 معنى يَشْرِي بمعنى يبيع، اشترى معروفة، أمّا شرى فتصح باعَ وتصح اشترى، هنا بمعنى باعَ، فهذا الذي يبيع نفسَهُ ابتغاء مرضاة الله فالله عزّ وجل رؤوف بِهِ، لا يمكن إلا أن يكونَ هوَ الفائز، وهوَ المتفوق، وهوَ الفالح، وهوَ الناجح، أي الإنسان عندما يقول لك: خُذ كُلَّ مالي، لو أنَّ ابناً قال لوالده: خُذ كُلَّ مالي، الأب قلبُهُ كُلُهُ رحمة يعطيهِ أضعافاً مضاعفة، أي إذا الإنسان ضحّى، إذا الإنسان قدّم شيئاً نفيساً، قدّم الغالي والرخيص، والنفس والنفيس، اللهُ رؤوف بِهِ، فيكونُ هو الفائز، وهو الرابح، وهو الناجح:

﴿ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾

[سورة البقرة:212]

على الإنسان ألا يلقي حكماً على شيء إلا إذا ضمّ الآخرة للدنيا :

 سمعت كلمة في سفرتي الأخيرة أعجبتني: إنَّ هذه الحضارة لا تمثل حضـــــــــــــارة المسيح بن مريم، هذهِ تمثل حضارة المسيح الدجال الذي ينظر بعينٍ واحدة، فالكافر ينظرُ بعينٍ واحدة، ينظرُ إلى الدنيا فقط، وكل إنسان ينظر إلى الدنيا ولا يعتد بالآخرة، أنا وجدت من المناسب ألا تُلقي حُكماً إلا إذا أدخلتَ الآخرة مع الدنيا، لو الإنسان اندهش بمجتمع الغني يقول: هذا الغِنى من أينَ جاءهُ؟ ضُمَّ الآخرة إلى الدنيا ووازن، إنسان فقير دخلُهُ حلال وإنسان غني دخلهُ حرام ضُمَّ إليهما الآخرة يَصُح الميزان، لا تقم موازنةً بين جهتين إلا على أساس أن تضمَ الآخرة لهما، فلذلك:

﴿ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾

[سورة البقرة:212]

 العبرة أيها الأخوة؛ من يضحكُ أولاً يضحكُ قليلاً ويبكي كثيراً، ومن يضحكُ آخراً يضحكُ كثيراً وطويلاً:

﴿ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ ﴾

[سورة المطففين:34]

 بطولتك أن تكونَ الضاحِكَ الأخير:

﴿ وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً ﴾

[سورة الإنشقاق:9]

 وليسَ:

﴿ إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً ﴾

[سورة الإنشقاق:13]

 فرقٌ كبير بينَ الكافر الذي كانَ في أهلهِ مسروراً، وبينَ المؤمن الذي ينقلبُ إلى أهلهِ مسروراً، لذلك ربنا عزّ وجل يقول هكذا احتقاراً للكفار:

﴿ إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً ﴾

[سورة الإنسان:27]

 يوم ثقيل:

﴿ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾

[سورة البقرة:212]

الفرق الكبير بين من يرجو رحمة الله و بين من أعطي الدنيا :

 أيها الأخوة؛ يوجد معنى دقيق أشرت إليه قليلاً قبلَ قليل:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ ﴾

[سورة البقرة:218]

 إنسان في رحمة الله، وإنسان يرجو رحمة الله، يوم القيامة:

﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾

[سورة آل عمران:107]

 أما المؤمن في الدنيا فموعودٌ برحمة الله، أما الكافر في الدنيا فغارق في النعيم، فرقٌ كبير بينَ أن ترجو رحمة الله وبينَ إنسان أُعطيَ الدنيا، واللهِ لولا قولُهُ تعالى:

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾

[سورة الأنعام:44]

 إذا الإنسان سافر إلى بلاد الكفار ولم يجعل هذهِ الآية أمامهُ دائماً يختل توازنهُ، إن لم تكن هذهِ الآية دائماً أمامهُ في ذهنِهِ:

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾

[سورة الأنعام:44]

 فالمؤمن يرجو رحمة الله، قال تعالى:

﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾

[سورة القصص:61]

 فرقٌ كبير بينَ أن يعدُكَ الله برحمتِهِ بعدَ الدنيا، وبينَ أن يُعطيكَ الدنيا ويُبعِدُكَ عن رحمتهِ يومَ القيامة، فرقٌ كبير:

﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾

[سورة آل عمران:107]

 أما المؤمن في الدنيا فيقول الله عزّ وجل:

﴿ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ ﴾

[ سورة البقرة :218]

 فأنتَ كُن ممن يرجو رحمة الله، نرجو رحمتكَ ونخشى عذابك.

من يستثمر أموال اليتامى ينبغي أن يأخُذَ أجرَ المثلِ أو حاجَتَه أيهما أقل :

 يوجد قضية فقهية مفيدة جداً، نحن سننوّع حُكماً فقهياً، قصة:

﴿ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾

[سورة البقرة:220]

 الفقهاء قالوا: إذا معك مال أيتام وكنت غنياً ينبغي أن تستعفف عن أخذِ أجرِكَ على تشغيلِهِ، إن كنتَ غنياً ينبغي أن تستعفف، وإن كنتَ فقيراً ينبغي أن تأخذ أجرَ المثلِ، أو حاجتكَ أيهما أقل، هذا حُكم فقهي، معك مبلغ ليتيم ربحهُ لا يكفي حاجتك تأخذ ربحهُ القانوني، نصيبكَ من الربح القانوني، الآن معك مال يتيم ربحهُ كبير جداً يفوق عن حاجتك، نصيبكَ من ربحُهُ يفوق عن حاجتك، تأخذُ حاجتُكَ فقط، معنى:

﴿ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ﴾

 إذا استثمرت أموال اليتامى ينبغي أن تأخُذَ أجرَ المثلِ أو حاجَتَكَ أيهما أقل، وإن كُنتَ غنياً فلتستعفف، وينبغي أن تُطعِمَ اليتامى لا من أصلِ مالِهم بل من ريعِ مالِهم، لأنكَ إن أطعمتُهم من أصلِ مالِهم انتهى المال، انتهى المال إنفاقاً وانتهى زكاةً، لا تأكُلُه الزكاة، قال النبي الكريم:

(( اتَّجِرُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى لا تَأْكُلُهَا الزَّكَاةُ ))

[أخرجه مالك]

 أساساً الزكاة مُسلّطة على المال المجمّد، الزكاة لِحكمةٍ أرادها اللهُ عزّ وجل سلّطها على كُل مال جامد، فالزكاةُ وحدها تأكلُ المال في أربعينَ عاماً وانتهى الأمر، من أجلِ ألا تأكُلَ الزكاة المال ينبغي أن تستثمِرَ المال، فإن استثمرتَهُ أطعمتهم لا من أصلِ المال بل من ريعِ المال، أمّا إذا استثمرتَ أموالهم وكُنتَ غنياً فلتستعفف.
 الآن يوجد حالة: يأتي تاجر عندَهُ بضاعة ربحُها ثابت، وبضاعة لا يعرف إن كانت ستربح أم لا.. لغم.. يوجد كلمات يستخدمُها التُجّار أنَّ هذه البضاعة جحش السوق، ربحها ثابت، معروفة، ليسَ عليها إشكال، وهناك بضائع ثانية، لُغم، فيأتي بمال اليتيم ويُجرّب هذا النوع الجديد، فإن لم يربح يقول: يا أخي والله هذهِ قسمة ونصيب، وإذا ربح فيُدخل مالهُ بعدها، ماذا فَعَلَ بمال اليتيم؟ جَعَلَهُ للتجريب، جَعَلَهُ دريئةً، فقالَ النبيُ الكريم: " ولا تجعل مالك دون ماله "لا تقم بالتجربة في مال اليتيم، استمر مال اليتيم في أشياء ربحُها معروف، وربحُها أكيد.

شرع اللهِ عزّ وجل تُقِرُّهُ الفِطر السليمة والعقول الصحيحة :

 كلمة بالمعروف وردت عشرات المرات اليوم، عظمة هذا الدين أنَّ شرعَ اللهِ عزّ وجل تُقِرُّهُ الفِطر السليمة، والعقول الصحيحة، لأنَّ هذا القانون الإلهي متوافق مع الفِطرة والعقل، فاللهُ يقول: بالمعروف، أي الحُكم الشرعي تعرِفُهُ النفوس بِفطرتِها، يُعرف بالفِطر السليمة، ويُعرف بالعقول الصحيحة، والعقلُ والفِطرة مسؤولية الإنسانُ يومَ القيامة، أي هنا:

﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾

[سورة البقرة:223]

 كلمة:

﴿وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ﴾

 فيها توجيه دقيق جداً، وتوجيه لطيف جداً، وتوجيه أديب جداً، أي الفرق بينَ وقوع الحيوان على أُنثاه واللقاء الزوجي بينَ المؤمن وأهلِهِ هوَ هذهِ الكلمة، في تقديم، هناك من دون تقديم، والعلماء بدؤوا يكتشفون أنَّ الإنجاب إذا سَبَقَهُ تقديم قد يكون أقوى بنيةً لأسباب دقيقة جداً لا مجال لشرحِها الآن.
إذاً: هذا القرآن فيهِ توجيهات كاملة حتى في أشد العلاقات خصوصيّةً.

تحميل النص

إخفاء الصور