وضع داكن
19-04-2024
Logo
رمضان 1420 - خواطر إيمانية - الدرس : 05 - من سورة آل عمران - المال والبنون.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

  الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

مجد الدنيا لا قيمةَ لَهُ يومَ القيامة :

 أيها الأخوة الكرام؛ في آيةٍ من القرآن الكريم يقولُ الله عزّ وجل:

﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً ﴾

[سورة الكهف: 46]

 الدنيا زينتها بالمال والبنين، تصوّر مالاً من دون بنين، أو بنيناً من دونِ مال، كِلاهُما شرطٌ لازمٌ غير كاف، لكنَّ اللهَ عزّ وجل يقول:

﴿ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ ﴾

 إذاً المال والبنون فانيات، لمّا عرّفَ الباقيات عرّفَ بشكلٍ ضمنيٍ الفانيات:

﴿ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً ﴾

 هُنا الآية:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾

[سورة آل عمران:116]

 إذا الإنسان تفوّق في الدنيا فجمّعَ أموالاً طائلة، وأنجَبَ أولاداً كُبراء في نظر المجتمع، وهذا مجد الدُنيا، يقول لكَ: عندي ثلاثة أولاد، واحد طبيب، وواحد مهندس، وواحد معاون وزير، الأب يفتخر بذلك، وقد يجمّع ثروةً طائلة، وقد يُنجبُ أولاداً كِباراً بالمفهوم العام، لكن الإنسان إن لم يكُن مع الله، وإن لم يكن مستقيماً على أمرِ الله، وإن لم يعمل للآخرة، مجد الدُنيا لا قيمةَ لَهُ يومَ القيامة، قال:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾

[سورة آل عمران:116]

 لذلك يقولُ الإمامُ عليُّ كرّمَ اللهُ وجهه: " يا بني ما خير بعدَهُ النارُ بخير - لو جُمِعت لإنسانٍ كنوز الدنيا وانتهى بهِ المآلُ إلى النار ليسَ هذا خيراً - وما شر بعدَهُ الجنةُ بِشرّ".
 ولو سيقت كُلُّ مصائِب الدنيا لإنسانٍ واحد وانتهى بِهِ المآلُ إلى الجنة ليسَ هذا شرّاً، الشر والخير ما كانَ يوم القيامة إلى أبد الآبدين، من عَرَفَها لم يفرح لِرخاء لأنّهُ مؤقت، ولم يحزن لِشقاء لأنّهُ مؤقت، قد جَعَلَها اللهُ دارَ بلوى، وجَعَلَ الآخرة دارَ عُقبى، فلذلك " ما خيرٌ بعدَهُ النارُ بخير، وما شرٌ بعدَهُ الجنةُ بِشرّ، وكُلُّ نعيمٍ دونَ الجنةِ محقور، وكُلُّ بلاءٍ دونَ النارِ عافية "، وقد قالَ أيضاً رضيَ اللهُ عنه: " فلينظر ناظرٌ بعقلهِ أنَّ اللهَ أكرمَ محمداً أم أهانِهُ حينَ زوى عنهُ الدنيا؟ فإن قالَ: أهانَهُ، فقد كذب، وإن قالَ: أكرمَهُ، فلقد أهانَ غيرَهُ حيثُ أعطاهُ الدنيا ".

الكمالات مخزونةٌ عِندَ اللهِ تعالى :

 أيها الأخوة؛ آيةٌ ثانية ما من وقتٍ يحتاجُها المسلمون كهذا الوقت، أولاً: التمهيد لهذهِ الآية أنَّ المؤمن من خِلال اتصاله بالله يستقِرُ في قلبِهِ رحمة، وعطف، وإنصاف، وعدل، ورأفة بالعباد، فهو يُحِب الناسَ جميعاً، بل يُحِب أعداءهم، أليسوا بشراً؟ مرت جنازة ليهوديٍ فَوَقَفَ لها النبي، فقالوا: يا رسولَ الله إنهُ يهودي؟ قال: أليسَ إنساناً؟! فالمؤمن بِحُكم اتصاله بالله عزّ وجل استقرت القيم العالية في قلبِهِ، أي الكمالات مخزونةٌ عِندَ اللهِ تعالى، فإذا أحبَّ اللهُ عبداً مَنَحَهُ خُلُقاً حسناً، فالمؤمن يُحِب الناس، ويُحب أعداءهُ، ويكرهُ من أعدائِهِ أفعالهُم فقط، لا يكرهُ ذواتِهم، يكرهُ أفعالَهُم، يقولُ اللهُ عزّ وجل:

﴿ هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ﴾

[سورة آل عمران:119]

 هذهِ شهادة للصحابة الكِرام، أما الطرف الآخر لانقطاعه عن الله عزّ وجل فيمتلئُ قلبُهُ حِقداً، وعداوةً، وبغضاءً، تجد الطرف الآخر عندهُ أحقاد لا تنتهي، وعندهُ كيد لا ينتهي، وعندهُ مكر لا ينتهي:

﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾

[سورة ابراهيم:46]

 وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ، بعض الدول التي فيها حروب أهلية يموتُ الشعبُ من الجوع، تأتيهم مساعدات غذائية نصف الباخرة مساعدات، ونصفُها نفايات ذريّة تُزرعُ في سواحِلِهم- الصومال- أي هؤلاء لا يُحِبُّونَكُمْ، فالطرف الآخر لانقطاعه عن الله عزّ وجل قلوبُهم كُلُها أحقاد، قلوبُهم كُلُها كيد، كيدُهم خطير، مكرُهم جليل:

﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾

[سورة ابراهيم:46]

﴿ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً * وَأَكِيدُ كَيْداً ﴾

[سورة الطارق: 15-16]

﴿ هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾

[سورة آل عمران:119]

دعوة الإنسان إلى الصبر و التقوى :

 أنا أُريدُ من هذهِ الآيات أربع كلمات لو آمنَ بِها المسلمون إيماناً حقيقياً لحُلّت كُلُّ مُشكِلاتِهم، قال تعالى:

﴿ إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾

[سورة آل عمران:120]

 بالمناسبة عندنا مقياس للإيمان دقيق، لكَ أخ مؤمن أصابَهُ خير، إن لم تفرح لَهُ فأنتَ مع المنافقين، إن لم تفرح لَهُ فرحاً حقيقياً، نال شهادة عُليا، اشترى بيتاً، تسلّم منصباً رفيعاً، تزوّج، إن لم تفرح لَهُ فأنتَ مع المنافقين، للمنافق:

﴿ إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا ﴾

 الآن موطن الثِقل، مركز الثِقل:

﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا ﴾

 أيها المؤمنون،

﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً ﴾

 فإذا ضرّنا كيدهم، فإذا استطاعوا أن يضرّونا، أو أن يُعيقونا عن أهدافنا، إن استطاعوا أن يُفقِرونا، إن استطاعوا أن ينهبوا ثرواتِنا، إن استطاعوا أن يُفرِّقوا شملنا، معنى ذلك نحنُ لم نصبِر، ولم نتقِ الله عزّ وجل، أمّا:

﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً ﴾

 خالِقُ الكون يقولُ هذا الكلام، هل يُعقل أن يقولَ اللهُ كلاماً ليسَ واقعيّاً؟ هل يُعقل أن يقولَ اللهُ كلاماً وهذا كتابُهُ الكريم لا يقع هذا الكلام؟ أنا أؤمن والحمدُ لله أنَّ زوالَ الكون أهونُ على الله من أن يقولَ شيئاً ثمَ لا يقع:

﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً ﴾

 ليمتلئ قلبُهم حِقداً، ليمتلئ قلبُهم كيداً، ليمتلئ قلبُهم مكراً:

﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً ﴾

 نحنُ في أمسِّ الحاجةِ إلى هذهِ الآية، علينا أن نصبِر وأن نتقِي لأنَّ اللهَ عزَّ وجل يقول:

﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾

[سورة ابراهيم:46]

 أي قد ينقلونَ أكبر كُتلة نقدية من الشرق إلى الغرب بكيد، بِحيّل، بأساليب، بحروب مصطنعة، بوصف غير صحيح، فنقلوا ثروات طائلة، نُقلت أموال الشرق إلى الغرب عن طريق كيد مُخطط لَهُ من خمسة عشر عاماً لنقلِ هذهِ الكُتلة النقدية، وليقفوا على منابع النفط ،وهذا الذي وقع:

﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً ﴾

 فإذا نقضوا عهدَ اللهِ وعهدَ رسولِهِ سلّطَ اللهُ عليهم عدواً يأخُذُ ما في أيديهم وهذا الذي وقع، إذاً:

﴿ إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾

[سورة آل عمران:120]

التّولي و التّخلي :

 أيها الأخوة؛ الدرسُ الذي لا ينتهي، الدرسُ المتكرر هوَ أنكَ إذا افتقرتَ إلى الله ووحدّتهُ تولاك، وإذا تولاكَ اللهُ عزّ وجل من يجرؤُ على أن ينالَكَ بأذى؟ إن افتقرتَ إلى اللهِ ووحدتهُ تولاك، وإذا كانَ اللهُ وليَّكَ من يستطيعُ أن يَصِلَ إليك؟

﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ﴾

[سورة البقرة: 257]

 أيها الأخوة؛ آيةٌ كريمة يقولُ اللهُ عزّ وجل ودققوا في هذهِ الآية:

﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ ﴾

[سورة محمد: 11]

 أنتَ مؤمن لكَ مرجع، إلهٌ عظيم يتولى أمرك، يُسددُ خُطاك، يُلهِمُكَ الصواب، يحفظُكَ، يُؤيدُكَ، يُوفِقُكَ، يُؤدِبُكَ، يُربيك، يُنِبُهُك، أنتَ لكَ مولى، تصوّر أباً كبيراً، قديراً، غنياً، عالِماً جليلاً، مربياً، ابنهُ معتن بصحتِهِ، مُعتن بأخلاقِهِ، مُعتن بدينِهِ، مُعتن بدراستِهِ، مُعتن بنموه، تجد الابن المُربّى شيئاً نفيساً جداً، تصوّر ابناً في الطرقات، ينامُ في الطرُقات وينحرف أخلاقياً، ويسرق، ومن سجن إلى سجن:

﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ ﴾

[سورة محمد: 11]

 أنتَ لكَ ولي، لكَ منهج، عندك منظومة قيم، تفعل أو لا تفعل، يوجد أمر ونهي، حلال وحرام، خير وشر، أنتَ لكَ مرجع يا ترى هذا العمل يُرضي الله أم لا يُرضي الله؟ لا تختر أي مهنة، لا تختر أي عمل، لا تختر أي زوجة:

﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ ﴾

[سورة محمد: 11]

 لذلك يقولُ اللهُ عزّ وجل:

﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾

[سورة آل عمران:123]

 كُنتم مفتقرين فلما اعتددتم بقوتكم وكثرتِكم في حُنين خذلكم الله وفيكم رسولُ الله:

﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾

[سورة التوبة:123]

 وأنتَ ضع هذا الدرس أمامك، درس بدر، ودرس حُنين، في بدر قالوا: الله، فتولاهُم، وفي حُنين قالوا: نحنُ أقوياء، فتخلّى اللهُ عنهُم، ويُمكن أن تُعاني من هذا الدرس في اليومِ عشرَ مرات، أنا خبير، أنا اختصاصي، أنا هيأت عملاً جيّداً، أحكمت الخطة، إذا اعتمدت على نفسِكَ أوكَلَكَ اللهُ إيّاها، فإذا اعتمدت على الله تولاكَ الله:

﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾

[سورة التوبة:123]

الفرق بين المحسنين و العاملين :

 يوجد آية قد تُثيرُ عِندكم بعض التساؤل، يقولُ اللهُ عزّ وجل:

﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾

[سورة آل عمران:133-136]

 هؤلاء المتقون من هُم؟ قال:

﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾

 شيء رائع جداً:

﴿ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً ﴾

 النقطة ظهرت عِندكم، إذاً هذا الذي يُنفِقُ في السرّاء والضرّاء، والذي يكظِمُ غيظَهُ، والذي يعفو عن الناس، كيفَ يفعلُ الفاحشة؟

﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً ﴾

 دِقّةُ هذهِ اللغةِ عجيبة، هذهِ الواو ليست واو عطف إنها واو الاستئناف، هناكَ زُمرتانِ كبيرتان؛ المتقون:

﴿ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾

  هؤلاءِ هُم المحسنون، الطرف الثاني يوجد نجاح امتياز، ونجاح مقبول في الجامعات كُلّها، يوجد امتياز، الشرف الأولى، امتياز، جيّد جداً، جيّد، وسط، ومقبول، الزمرة المقبولة، واو استئناف، هذهِ كلام جديد:

﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ﴾

 على ما فعلوا وعلى استغفارِهم: " وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾

، الفئة الأولى مُحسنون، والفِئة الثانية عاملون، الفِئة الأولى:

﴿ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾

  الفئة الثانية:

﴿ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾

 إذاً: إمّا أن تكونَ من السابقينَ السابقين، وإمّا أن تكونَ من أصحاب اليمين، إمّا أن تكونَ متفوِّقاً ولكَ في الجنةِ أعلى مقام، وإمّا أن تكونَ ناجياً، على كُلٍّ الزمرة الثانية ناجية.

العبرة لمن يضحك آخراً :

 لكن المراتب أنواع عِندَ الله عزّ وجل، قالَ تعالى:

﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا﴾

[سورة الأنعام:132]

 الشيء الدقيق جداً هوَ أنَّ المؤمن ينبغي أن تكون معنوياتِهِ عالية، يقولُ اللهُ عزّ وجل:

﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾

[سورة آل عمران:139]

 العبرة لمن يضحكُ آخراً، من يضحكُ أولاً يضحكُ قليلاً ويبكي كثيراً، ومن يضحكُ آخراً يضحكُ كثيراً ومديداً:

﴿ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ ﴾

[سورة المطففين: 34]

 الآية الأولى:

﴿ وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾

[سورة المؤمنون: 110-111]

 في آية أخرى:

﴿ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ ﴾

[سورة المطففين: 34]

 فالبطولة أن تضحكَ آخراً لا أن تضحكَ أولاً:

﴿ إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً ﴾

[سورة الإنشقاق: 13]

 أما المؤمن:

﴿ وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً ﴾

[سورة الإنشقاق: 9]

 فهناك سرور إمّا أن يكونَ في الدنيا وهذا السرور ينتهي إلى عذاب النار، وإمّا أن يكونَ في الآخرة:

﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾

[سورة آل عمران:139]

 لذلك عندما قالَ اللهُ عزّ وجل:

﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا﴾

[سورة الفجر: 15-16]

 ليسَ عطائي إكراماً، ولا منعي حرماناً، عطائي ابتلاء وحرماني دواء.

حدث الموت أخطر حدث في حياة الإنسان :

 آخر نقطة في الدرس:

﴿ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ ﴾

[سورة آل عمران:145]

 أنا لا أعتقد أنَّ هناك حدثاً أخطر من حدث الموت، أي الإنسان إذا مات خُتِم عَمَلُهُ وانتقل إلى دار البقاء، داء البقاء موقِعُهُ فيها بحسبِ عملِهِ في الدُنيا، فموضوع الموت أخطر شيء لأنّهُ بإمكانِكَ أن تتوب، فمن ماتَ قبلَ أن يتوب فهوَ في النار، بإمكانِهِ أن يستغفر فمن ماتَ قبلَ أن يستغفر فهو في النار، بإمكانِهِ أن يُصلِحَ من أعمالِهِ التي كانت سيئة فمن ماتَ قبلَ أن يُصلِحَ ما كانَ عليه من أعمالٍ سيئة فهو في النار، فهذا الموت يُعد أخطر حدث بحياة الإنسان، الآن يُرجى أن تعتقِدُ اعتقادا جازماً أنَّ هذا الحدث الذي هوَ أخطرُ حدثٍ على الإطلاق في حياة الإنسان هذا الحدث لن يكونَ إلا بإذن الله، أي غير معقول أن يكون الموت بسبب تافه، الموت لا يمكن أن يكون من عند إنسان، الأرزاقُ والأعناقُ بيدِ الله، لأنَّ لو أنَّ اللهُ عزّ وجل أوكلَ أرزاقنا إلى بني البشر، أو أوكلَ أعمارنا إلى بني البشر كيفَ لَنا أن نعبُدَهُ؟ يجب أن نعتقد أن أرزاقنا وأعمارنا بيدِ اللهِ عزّ وجل، الموت هو الذي أخطرُ حدثٍ، قال تعالى:

﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾

[سورة المُلك:2]

 ألقيت خُطبة في مدينة في أمريكا "بير بول" وهذا أضخم جامع، من أضخم مساجد المنطقة، شاب من هذهِ البلدة يعمل في محطة وقود، دَخَلَ عليهِ زنجي يبدو أنّهُ سرق حاجات، فعندما قام بتفتيشهِ وأخرج الحاجيات من جيبِهِ كَمَنَ له خارج الكازية، وألقى عليهِ رصاصةً أرداهُ قتيلاً، صلينا عليه، عمره ثلاثون عاماً ولم يتزوّج، من شهرين أو ثلاثة قد مسافر إلى هناك، الموت سرّ كبير، يجب أن تؤمن أنَّ هذا الموت بإذن الله، بالخطأ لا يوجد موت خطأ، أنت غير معقول أن تعتقد أنَّ هناك موتاً خطأ:

﴿ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً ﴾

 فإذا الإنسان الله عزَّ وجل أمدّ بعمره، وبهذا العمر المديد استقام، واصطلح مع الله، وأدّى ما عليهِ من حقوق، هذا إنسان موفق جداً، أمّا قد يأتي الموت فيقصِمُ حياة الإنسان، شيء مؤلم جداً إنسان قبلَ أن يعرِفَ الله، قبلَ أن يستقيمَ على أمرِهِ، قبلَ أن يصطلِحَ معهُ، قبلَ أن يعمل الصالحات، هكذا لسبب تافه ولو بدا لكم السبب تافهاً، شظية طائشة، لو بدا لكم السببُ تافهاً وطارئاً وعارِضاً هذا الموت كان بإذن الله ولحكمةٍ لا يعلمُها إلا الله، لذلك قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ* وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾

[سورة آل عمران:102-103]

 أنا قبلَ أن أُسافر أخ من أخواننا التقيت معهُ لقاءين أو ثلاثة، التقيته في وليمة، والتقيته في سهرة، والتقيته في مكان، عُدت من سفري قال: توفي رَحِمَهُ الله، هكذا لسبب تافه أزمة جاءتهُ طارئة فكانَ من أهلِ الآخرة، فالقضية مخيفة جداً بثانية تُصبح خبراً، يكون شخصاً يُصبح خبراً، فإذا الإنسان لم يكُن مستعد:

﴿ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾

 مادام الموت يأتي فجأةً إذاً أنتَ استعد لهُ بالعمل الصالح، والتوبة:

﴿ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾

تحميل النص

إخفاء الصور