وضع داكن
20-04-2024
Logo
رمضان 1420 - خواطر إيمانية - الدرس : 06 - من سورة آل عمران - الأمن والخوف.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

التوحيد والإيمان بالله يملأ قلبَ الإنسانِ طمأنينةً وأمناً :

 أيها الأخوة المؤمنون؛ قضيةُ أن يمتلئ القلبُ أمناً وإيماناً شيءٌ خطيرٌ جداً، بل هوَ أثمنُ ثمرةٍ من ثِمار الإيمان، ذلكَ أنَّ الإنسانَ حينما يمتلئُ قلبهُ أمناً يعيشُ حياةً سعيدة، وهذا الأمن الذي في القلب ينعكِسُ صحةً في الأعضاء، كلما تقدّمَ العِلمُ الطبي ظَهَرَ من خِلالِ تقدمِهِ أنَّ أكثرَ الأمراض إن لم نقُل كُلها مبعثها شِدّة نفسيّة، الآن الشدّة النفسية وراء كُل الأمراض، وهذا الذي نسمعُهُ إنسان توفي فجأةً بأزمةٍ قلبيةٍ، ضغط، هم شديد، التوحيدُ والإيمان بالله يملأُ قلبَ الإنسانِ طمأنينةً وأمناً وغِنىً، والدليل قولُ اللهِ عزّ وجل:

﴿ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾

[سورة الأنعام:81-82]

 أي القلب إمّا أن يمتلئَ خوفاً وقلقاً وحِقداً وحسداً، هذهِ المشاعر المُمِضّة وراء الأمراض كُلِّها، بل إنَّ جهاز المناعة الذي هوَ الأصلُ في مكافحة الأمراض، جهاز المناعةِ المُكتسب هوَ موكلٌ إليه ضبط نمو الخلايا، ومكافحة الأمراض الجرثومية، جهاز المناعة يقوى بالأمنِ والحُب، ويضعُفُ بالخوفِ والقلق، والإيمان يملأُ قلبَ الإنسانِ أمناً ويقيناً وسعادةً، والشِركُ يملأُ قلبَ الإنسانِ خوفاً، والدليل هذه الآية:

﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ ﴾

[سورة آل عمران: 151]

 إذاً القلب بالإيمان يمتلئ أمناً وسلاماً، وبالكُفرِ يمتلئ خوفاً وقلقاً، الأمن والسلام يُقوّي جهاز المناعة، جهاز المناعة يُكافح كُل الأمراض، الذي هوَ عليهِ العلم الآن أنَّ إنساناً قليل العناية بصحتِهِ وهذا خطأ لكن إيمانهُ قوي، هذا أقوى على المرض من إنسان يعتني بصحتِهِ لكن شِدّتهُ النفسيّة عاليةٌ جداً، الشِدّة النفسيّة تُضعف جهاز المناعة.

ارتباط الإيمان بالعلم :

 الآن يرتبط الإيمان بالعلم، أي أنتَ بالتوحيد صحيح الجسم، وبالشِرك ضعيف الجسم:

﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً ﴾

[ سورة آل عمران: 151]

 تصوّر إنساناً علاقتهُ مع مئة جهة، وهذهِ الجهات لها الظاهر وليسَ لها الباطن، قد تكونُ صادقاً فيُكذِبونك، وقد تكونُ أميناً فيُخونونك، ولا تملك الحُجة الكافية، لا تملك أن تُقنِعَهُم، أمّا إذا كانت علاقتُكَ مع اللهِ فالله وحدهُ يعلمُ كُلَّ شيء،لا يحتاج إلى قسم، ولا يمين، ولا حسابات، ولا أي شيء، يعلمُ كُلّ شيء، لا تخفى عليهِ خافية، فأنتَ حينما تكونُ علاقتُكَ مع اللهِ وحدَهُ، جعلتَ الهمومَ همّاً واحداً، فكفاكَ اللهُ الهمومَ كُلَها، عَمِلتَ لِوجهٍ واحدٍ فكفاكَ اللهُ الوجوهَ كُلَها، والتوحيد هوَ قِمّةُ الإيمان، ألا ترى مع اللهِ أحداً، أن ترى أنَّ يدَ اللهِ وراءَ كُلِّ حدث، هذا التوحيد، وإله عادل، حكيم، رحيم، أنا عليّ أن أُطيعَهُ، انظر لهذا الموقف ما أروعهُ، أنا عليَّ أن أُطيعَهُ وانتهى الأمر والباقي عليه، أي لم يعُد هناك هذا الضغط النفسي، أمّا حينما تغيبُ هذهِ الحقيقة عن الإنسان، يوجد عندهُ مليون مشكلة ولا يملِكُ حلاً لها، ضغط داخلي من البيت، وضغط خارجي، وضغط عام، الإنسان لَهُ أعصاب، وقالوا: ضغطُ الدم من ضغطِ الهم، كُلما ازداد ضغطُ الهم ارتفع ضغط الدم، هذا نُسميه الضغط العصبي، يوجد ضغط وِعائي وضغط عصبي، الوعائي فيهِ تضيّق بالشرايين أمّا العصبي فهمّ، الهمّ وحدَهُ يرفعُ الضغط، أي أنا أردت من هذهِ الآية أن أُبيّن لكم علاقة الإيمان والتوحيد بالصحة، وعلاقة الشِرك والقلق بالمرض.

كلّ شيء وقع أراده الله :

 آيةٌ ثانية: أولاً يقول الله عزّ وجل:

﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾

[سورة آل عمران:166]

 أنتَ حينما تعتقد أنَّ كُلَّ شيءٍ أصابَكَ أو أنَّ كُلَّ شيءٍ وَقَعَ في الأرض، حروب، زلازل، فيضانات، أعاصير، جفاف، ضيق الدخل، اتساع المصروف، كُلُّ شيءٍ وَقَعَ بإذنِ الله لأنّهُ لا يُمكن أن يَقَعَ في مُلكِ اللهِ ما لم يرد، قد تغيبُ هذهِ الحقيقةُ عن الناس فيقعونَ في هم شديد:

﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾

[سورة آل عمران:166]

 لِكُلِّ شيءٍ حقيقة، وما بَلَغَ عبدٌ حقيقةَ الإيمانِ حتى يعلم أنَّ ما أصابَهُ لم يكُن ليُخطِئَهُ، وما أخطَأَهُ لم يكُن ليُصيبَهُ:

﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ ﴾

[سورة آل عمران:166]

 كُلُّ شيءٍ وَقَعَ أرادّهُ الله، وكُل شيءٍ أرادَهُ الله وَقَع، لماذا فَعَلَ اللهُ هذا؟ قال:

﴿ فَبِإِذْنِ اللَّهِ﴾

[سورة آل عمران:166]

 سَمَحَ اللهُ بِهِ:

﴿ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾

[سورة آل عمران:166]

 أنتَ في دار امتحان، أنتَ في دار ابتلاء، أنتَ مُبتلى فيما أُعطيت، مُبتلى فيما مُنِعت، مُبتلى في كُلِّ ساعة، الابتلاء امتحان، أعطاك المال ماذا فَعَلتَ بِهِ؟ حَرَمَكَ مِنهُ ماذا قُلت؟ أعطاكَ الزواج ماذا فَعَلتَ؟ مَنَعَكَ من الزواج ماذا فعلت؟ أعطاك الصحة ماذا فَعَلتَ بِهِا؟ مَنَعَ عنكَ الصحة ماذا فعلتَ في المرض؟ فأنتَ مُبتلى، وهذا سُنّةُ اللهِ في خلقِهِ:

﴿ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾

[سورة المؤمنون: 30]

الحُكم الموضوعي جُزء من الدين :

 لذلك:

﴿ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ﴾

[سورة آل عمران: 167]

 نحن عندنا بالدين شيء اسمهُ نسبيّة، فطِباع البشر - الإنسان - إمّا أن تجعَلَهُ في أعلى عليين، أو أن تُسقِطَهُ إلى أسفل سافلين، لا يُوجد عندك حل وسط، إذا إنسان خالَفكَ بالرأي أهدرتَ كرامَتَهُ كُلّها، تقول: إنسان سيئ، أمّا ربنا عزّ وجل:

﴿ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ ﴾

 أي يوجد بين الأبيض والأسود مئة مليون لون، فأنتَ كُلما اقتربتَ من الإيمان تُعطي حُكماً موضوعياً وحُكماً مُعتدلاً، لا تُبالغ، لا تُهدر كرامة عدوّك لأنّهُ خالَفَكَ بالرأي، ولا تقوم بتأليه الذي تعتقد بِهِ، كُل إنسان أعطِهِ حقهُ، الحُكم الموضوعي جُزء من الدين، والمبالغة والانتقاص من قدر الآخرين، وتعظيمُهم فوقَ الحدِ المعقول هذا مُخالِفٌ للشرع، شخص خطب أمام النبي عليه الصلاة والسلام فقال: " ما شاءَ اللهُ وشِئت، فقالَ النبيُ الكريم: بِئسَ الخطيبُ أنت، جعلتني للهِ ندّاً، قُل ما شاءَ اللهُ كان وما لم يشأ لم يكُن. "

طاعة الله و رسوله :

 لي سؤال عِندكُم: كُلُكم يعلم أنَّ النبي عليهِ الصلاة والسلام معصومٌ عن الخطأ بأقوالِهِ وأفعالِهِ وإقرارِهِ، عَصَمَهُ الله لِذلك أمَرنا أن نُطيعَهُ:

﴿ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾

[سورة المائدة : 92]

 ولكن أنا أعتقد أنَّ هناكَ إنساناً آخر لا يغلط غير النبي، من يعرِفُ هذا الإنسان؟ الذي لا يعمل شيئاً، جالس مرتاح لم يُقدّم شيئاً للمسلمين، فقط ينتقد المُسلمين، لا يوجد موقف أقل في نظر الناس من هذا الموقف، لا يُقدّم شيئاً أبداً، لا يُقدّم شيئاً من مالِهِ، ولا من جُهدِهِ، ولا من طاقتِهِ، ولا من علمِهِ، ولا يحمل همّ أحد، أمّا جالس، نقّاد لاذع، قنّاص، كُلما سَمِعَ عن إنسان يطعن، يطعن بِعلمِهِ، يطعن بأخلاقِهِ، يطعن بنزاهَتِهِ، فهذه قضية سهلة جداً، هوَ لا يُخطئ لأنّهُ لا يعمل، من لا يعمل لا يُخطئ، لم يُقدّم شيئاً حتى يُخطئ، إذا الإنسان أخطأ دليل أنّهُ يعمل، أنتَ اسأل نفسكَ هذا السؤال: ماذا قدّمتَ للمسلمين؟ قبلَ أن تنتقد، كُنت مرة في جلسة جرى نقد.. توقفوا.. يجبُ أن نغيبُ عن بعضِنا أسبوعاً، وليفعل كُلّ منكم في هذا الأسبوع شيئاً للمسلمين، وليُحدِثنا بِهِ قبلَ أن تنتقد أحد، قبلَ أن تنتقد، وقبلَ أن تُعلّق، وقبلَ أن تقتنص، أنتَ ماذا قدمت؟ فُلان قدّم وأخطأ، قدّم شيئاً ثميناً ويوجد خطأ عنده، أنتَ ماذا قدمت؟

الابتعاد عن الشكوى للكافر :

 لذلك:

﴿ الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾

[سورة آل عمران: 168]

 قالوا وقَعَدوا، دائماً إيّاكَ أن تشكي همّكَ لِكافر يشمتُ بِكَ، من اشتكى إلى مؤمن فكأنما اشتكى إلى الله، ومن اشتكى إلى كافر فكأنما اشتكى على الله:

﴿ الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾

[سورة آل عمران: 168]

 أنتَ أقرضت إنساناً مبلغاً، والإنسان ماطل في الدفع، تحدثت لصديق قاعد يقول لك: ألم أقُل لك ليسَ لكَ مصلحة، هذهِ سهلة، سهل ألا تُقرض إنساناً، وألا تعاون إنساناً، سهلة جداً، تبقى أنتَ فعلاً سليماً، وكلمّا الإنسان تورّط وبنيّة صالحة أحب أن يخدِم ووقع في مشكلة يقول له أحدهم: ألم أقل لكَ لا تفعل هكذا؟ لم تسمع كلامي، يشمت بِهِ، هوَ لِمَ لم يُخطئ؟ لأنّهُ لم يفعل شيئاً، هوَ لم يُخاطر بشيء، ولم يُغامر بشيء، هو مرتاح، فهذا النموذج الذي لا يُقدّمُ شيئاً، ويقنُصُ الناسَ، ويُخطئهُم، ويشمتُ بِهم، هذا إنسان ساقِطٌ من عينِ الله عزّ وجل:

﴿ الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾

[سورة آل عمران: 168]

امتحان كل إنسان من قِبل الله عز وجل :

 عندما الإمام الشافعي سُئِل: " ندعو الله بالابتلاء أم بالتمكين؟ قالَ: لن تُمكّنَ قبلَ أن تُبتلى، لعلّهُ أخذها من هذهِ الآية:

﴿ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾

[سورة آل عمران: 179]

 أشدُّ أنواعِ النفي في اللغة أن تقول: وَمَا كَانَ اللَّهُ، لكَ أن تنفي الفعل والإرادة والرغبة، ما كانَ ليَ أن أكذب أي أنا لا أكذب، ولا أُحب الكذب، ولا أُقِرُّ الكذب، ولا أحفلُ بالكذب، ولا أُصدِقُ الكاذب، وأحتقِرُ الكاذب:

﴿ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾

[سورة آل عمران: 179]

 الآن أنتَ أثناء العام الدراسي كُل الطلاب يرتدون لِباساً موّحداً، ودخلوا الساعة الثامنة، وخرجوا الساعة الواحدة، متشابهون لكن ما الذي يُميّزهُم؟ الامتحان، هل هناك في العالم مدرسة بِلا امتحان؟ هل هناك جامعة من دون امتحان؟ الامتحان يقوم بفرز الطلاب، ناجح وراسب، والناجحون أوائل، وسط، نجاح مقبول، والراسبون رسوب بجدارة واستحقاق، ورسوب على حواف النجاح، تُفرز الناس:

﴿ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾

[سورة آل عمران: 179]

 فأنتَ وطّن نفسَكَ اللهُ يقوم بامتحانك، قُل ما شئت، اللهُ متكفّل أن يكشَفَ حقيقتَكَ للناس، تُسمى هذهِ عملية تحجيم، أنتُ قُل: أنا لا يوجد أفضل مني، اللهُ عزّ وجل يَضَعُكَ في ظرفٍ دقيق جداً تُكشَفُ حقيقتك، قالوا: المصائِبُ مِحكُ الرجال، المِحك إذا كان هناك قطعة ذهبية أساسُها نُحاس مطلية بالذهب، يأتي بائِعُ الذهب بآلة اسمُها المِحك، ويضع خطاً على هذهِ القطعة فإذا ظَهَرَ خط أبيض معنى هذا نُحاس مطلي بالذهب، الآن هل هناك قُدرة عِندَ الإنسان أن يبدوَ بحجمٍ أكبَرَ من حجمِهِ؟ هل هناك قُدرة أن يَجُرَ الثناءَ لَهُ ولو لم يفعل شيئاً؟ هذا لا يخفى على الله، أنتَ ممكن أن تُقيم وليمة، وتدعو الناس لها، وتُظهر كرمك، ومن ثُمَّ تحسِبُها على إنسان آخر؟ ممكن، أنا سمعت عن إنسان غني كبير توفي أخوه وترك خمسة أيتام، عمل طعاماً و دعا الناس، وتصدّرَ المجلس، وتفضلوا كلوا، وبعد ثلاثة أيام وضع على أهلِهِ ستة آلاف ليرة وليمة، على الفقراء؟ على الأيتام؟ فأنتَ تستطيع أن تعمل عملاً ويُجيّر لكَ وهوَ ليسَ من فِعلك، أي عملية تُريد بِها أن تَجُرَّ الثناء لِنفسِكَ دونَ أن تفعلَ شيئاً اللهُ كاشِفُها، هذا معنى قولِهِ تعالى:

﴿ لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾

[سورة آل عمران: 188]

 هناك الكثير من الأشخاص يدخلون في معمعة، ويأخذ النصيب الأكبر وهوَ لم يُقدّم شيئاً لكنه يكون ذكياً جداً، أي يقوم بإشارات لطيفة، أي تعبنا ماذا نفعل؟ وجهد مُقِل، هذا كُلُه ليسَ عملك، هذا عمل غيرك، فيقوم بتجيير أعمال الناس لَهُ بأسلوب ذكي، ويأخذ سمعة كبيرة، هذهِ اسمُها قدرة أن تبدو بحجمٍ أكبر من حجمِك، هذهِ عِندَ الله مكشوفة، وسوفَ يُحبِطُ عملَهُ، ويكشِفُ حقيقتَهُ للناس، يُقاسُ عليها إنسان يأخذ موضوعاً بكامِلِهِ يُجيّرُهُ لَهُ، أي هذهِ عملية سرقة، وهناك أمانة علمية، وبعض الأحكام الشرعية حتى الأعمال العلمية هذه لها مُلكية، فأنتَ أن تعتدي عليها، وأن تُجيَرها لِنفسِك، هذا أيضاً مكشوفٌ عِندَ اللهِ عزّ وجل.

المال قوام الحياة :

 النقطة الدقيقة لعلّي ذكرتُها البارحة أنَّ أموال الأيتام قال تعالى:

﴿ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً﴾

[سورة النساء: 5]

 المال قِوام الحياة، يجب أن يُرشّد في إنفاقهُ، وأي إنفاق أنا في السفرة الأخيرة دُعيت عدة دعوات، فالطعام الذي تبقّى وُضِع في عُلب، وأخذهُ صاحِبُ الدعوة، شعرت براحة ليسَ لها حدود أنَّ هذا طعاماً، تناولنا ربع الطعام، ماذا نفعل بهذا الطعام؟ كُلُهُ مجمّع في عُلب أنيقة ويُعطى لِصاحب الدعوة، معنى هذا أن المال قِوام الحياة، نحنُ عندنا عادات غير مقبولة عِندَ المسلمين أنّهُ ما زادَ من الطعام يُلقى في المُهملات، هذا شيء يندى لَهُ الجبين، فالمال قِوام الحياة، عندما تُنفق خمسين ألفاً بدون أية فائدة، تسمع أحياناً أن فلاناً دفع مليونين بعقد قِران ليشتري ورداً، هذه النقود ألا تقوم بحلّ مشكلة عدد من الشبان؟ هناك إنسان يتزوّج بمئة ألف، معنى ذلك أن عشرين شاباً قُمت بتزويجهم، عشرون إنساناً أصبحَ لهم بيتاً، أخذ بيتاً صغيراً، غرفة واحدة، وأخذ سريراً، وأخذ خزانة ومطبخاً صغيراً، أصبح زوجاً عندهُ زوجة، قُمت بجبر خاطر عشرين بنتاً وعشرين شاباً، فقط لكي يضع الورد ساعة ثمَ إلى المهملات، فموضوع المال دقيق جداً، يجب أن تعلم أن المؤمن الصادق لا يوجد عِندَهُ إسراف أبداً، لأنَّ الإسراف إتلاف للمال، والمال قِوام الحياة، تجد إنساناً بدون عمل قُم بتأمين مبلغ عشرة آلاف في الشهر، أو ثمانية آلاف تجده انتعش، استأجر بيتاً خارج دمشق، وقام بتأسيسِهِ تأسيساً بسيطاً، وصارَ لَهُ زوجة، أنتَ أحييت أُسرة، كم مبلغ من المال يُنفق هدراً بِلا فائدة؟ لذلك:

﴿ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ ﴾

[سورة النساء: 5]

 من هوَ السفيه ؟ الذي يُنفِقُ مالَهُ جُزافاً من دونِ حِكمة:

﴿ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً﴾

[سورة النساء: 5]

 إنسان بدخل يفتح بيتاً، يؤسس أسرة، يتزوّج، بدخل محدود.

الله تعالى يبين لنا ليتوب علينا :

 عندنا قاعدة: دخلت أنتَ إلى بيت وجدت فيه كأس ماء، أنت استنبطت أنّهُ ماءٌ طاهر، أردتَ أن تشرَبَهُ، قال لكَ صاحِبُ البيت: هذا ماءٌ غيرُ طاهر، أيُهُما أقوى استنباطُك أم تصريحُ صاحِبِ البيت؟ التصريح، عندنا قاعدة أصولية: الاستنباط يسقط بالتصريح، فالإنسان يستنبط أحياناً عن الله شيئاً غير صحيح أنَّ الناس كُلهم معذبون، الله خلقنا للعذاب، يقولُ لك: سبحانَ الله! نحن مخلوقون للعذاب، ماذا قال الله:

﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً ﴾

[سورة النساء: 27]

﴿ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ﴾

[سورة النساء: 28]

﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾

[سورة هود: 119]

 إذا كان إيمانُكَ بهذا القرآن حقيقياً، إيماناً أُصولياً أنّهُ كلام الله، فاللهُ يقولُ في هذا القرآن أنّهُ:

﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً ﴾

[سورة النساء: 27]

 هذا كلامُ اللهُ، يُريدُ أن يُبيّنَ لنا، يُريدُ أن يُخففَ عنّا، هذهِ كُلُها بالنساء في أربع أو خمس آيات:

﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ﴾

[سورة النساء: 27]

 يُريدُ أن يغفِرَ لنا، لذلك العلماء قالوا: " ما أمرنا أن ندعوه إلا ليُجيبنا، وما أمرنا أن نستعينَ بِهِ إلا ليُعيننا، وما أمرنا أن نستغفِرَهُ إلا ليغفِرَ لنا، وما أمرنا أن نتوبَ إلا ليتوبَ علينا " هكذا، فأنتَ دعكَ مما يقولُهُ الناس، والناسُ دائماً حينما يتعرّفونَ إلى الله من خلالِ أفعالِهِ هذا طريق فيهِ ألغام كثيرة جداً، ليسَ لكَ علمٌ كعلمِ الله، واللهِ أنا في سفرتي الأخيرة سمعت إنساناً تحدّث عن بلد إسلامي، قال: واللهِ هذا البلد ذاق من الآلام والمآسي ما لم يذُقهُ العالم الإسلامي في عِقدٍ من الزمن، كلام مؤلم جداً، ثمَّ قال: لكنّهُ والله قَفَزَ قفزةً في دينِهِ لا يقفِزُها في ثلاثمئة عام، سبحان الله أنا شعرت أنَّ هذهِ المصائب التي تنزل بالبلاد أحياناً هي مزعجةً جداً، مؤلمة جداً، لكن قد يكون فيها الخير الكبير، مجتمع شَرَدَ عن الله شروداً بعيداً جداً، غارقاً في الخمر، وفي المعاصي والآثام، فهذهِ الشّدّة الشديدة التي لا يحتملُها الإنسان هذا معنى قولِهِ تعالى:

﴿ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ﴾

[سورة البقرة : 286]

 أعلى راتب بهذا البلد الإسلامي يساوي كرتونة بيض فقط، كيف يأكلون؟ يوجد حصار، كيف يشربون؟ الأطفال يموتون، قال: شدائد نزلت بهذا البلد لم تنزل في العالم الإسلامي كُلِهِ في عِقدٍ من الزمن، ثم قال: واللهِ قَفَزَ إيمانُهُ ومعرِفَتُهُ بالله ودينُهُ ما لا يكونُ هذا في ثلاثمئة عام، لأن هناك حِكمة إلهية فأنتَ عليك أن تُطيعَ الله عزّ وجل، وعلى الله الباقي.

مشيئةُ الله في كُل ما يسوقُهُ لنا هي عبادته و شكره :

 ثم قال تعالى:

﴿ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾

[سورة الزُمر: 66]

 دائماً العملية الجراحية مُتعبة، فيها تخدير، وفيها فتح بطن، وفيها ترميم، وفيها خياطة، وفيها آلام، لأن هناك مرضاً شديداً، فإذا إنسان شَرَدَ عن الله شروداً كبيراً هناك مصائب قد لا يحتملُها، سوفَ تُساقُ إليه حتى يتوب، لأنّهُ هو المطلوب، كُل إنسان مطلوب كائناً من كان، مهما كان شارداً هو مطلوب للرحمة، أنت مخلوق للجنة ولستَ مخلوقاً للدُنيا، فنحنُ من ضيق أُفقُنا، وقِصر نظرُنا، نرى أنَّ الدنيا إذا اهتزّت أو سُحِب من تحتِنا البِساط فقد جاءتنا مصيبةُ المصائب.. لا.. من لم تُحدث المصيبة في نفسِهِ موعظةً فمصيبتهُ في نفسِهِ أكبر، وهذا استنبطُهُ من قولِهِ تعالى:

﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ﴾

[سورة النساء: 27]

 هذهِ مشيئةُ الله في كُل ما يسوقُهُ لنا، الآن هذا الجفاف، الجفاف تقنين عجز؟ مستحيل، تقنين بُخل؟ مستحيل، أنا قرأت في سفرة سابقة أنّ هناك سحابة اكتشفت في الفضاء يُمكن أن تملأ المحيطات كُلها في الأرض ستين مرة في الأربع والعشرين ساعة من المياه العذبة، لا تقنين عجز ولا تقنين بُخل، تقنين تأديب، فادعوا الله عزّ وجل، أنا أُضيف للدعاء صلاة الاستسقاء التي كانت رائعةً جداً.. هكذا بلغني في غيبتي.. نُريد أن نُضيف مع صلاة الاستسقاء أن نُطهِّرَ بيوتنا من المعاصي والآثام، وأن نُطهِّرَ أعمالنا من المعاصي والآثام، أستاذ عاقب طالباً لأنّهُ كسلان، فقدّمَ لهُ كتاباً لطيفاً ورجاه أن يقرأه، ولكن بقي كسولاً ولم يُصحح هذا شيئاً من كسلِهِ، العبرة أن يُغيّر من سلوكِهِ، فإذا نحن غيّرنا سلوكنا جميعاً لعلَّ اللهَ عزّ وجل يرحمنا، والأمر واللهِ خطير جداً، واللهِ الأمر خطير جداً جداً جداً، الجفاف وصل لدرجة غير معقولة فادعوا اللهَ عزّ وجل، وأزيلوا كُلّ المعاصي والآثام من بيوتِكُم، ومن أعمالِكُم، وعلى الله الباقي.

تحميل النص

إخفاء الصور