وضع داكن
29-03-2024
Logo
رمضان 1420 - خواطر إيمانية - الدرس : 07 - من سورة النساء - علة الأمر.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

الله عز وجل يأمر و يعلل و هذا من تكريمه للإنسان :

 أيها الأخوة الكرام؛ الإنسانُ القوي أحياناً يأمرُ أمراً دونَ أن يُعللهُ، هكذا عليكَ أن تُنفِّذ، لكنَّ خالِقَ الأكوان القوي العزيز حينما يأمُرنا يُعطي لأمرِهِ تعليلاً:

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾

[سورة العنكبوت:45]

﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ﴾

[سورة التوبة:103]

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾

[سورة البقرة: 183]

﴿فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ﴾

[سورة النساء : 160]

 هُنا:

﴿وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ﴾

[سورة النساء : 46]

 الهُدى لهُ أسباب، واللعن لَهُ أسباب، والصلاة لها فوائد، والصيام له حِكم، والحج لهُ فائدة، فحيثما وجدت الباء، هذه باء السببية، أي أنَّ هذا التصرّف الإلهي بسببِ هذا العمل، هذا من رحمةِ اللهِ بِنا، من تكريمِهِ للإنسان، أنتَ حينما تأمُرُ إنساناً وتُحِبُ أن تُكرِّمَهُ تُعطيهِ التعليل، التعليل فيهِ تكريم للمأمور، أمّا إذا إنسان قوي، والذي أمامهُ يحتقِره يُعطيهِ أمراً يقول لَهُ: نفّذ وانتهى الأمر، من دون أي تعليل، فحيثما قرأتَ أمراً في القرآن الكريم ووجدتَ تعليلَهُ:

﴿لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ﴾

 حرّمَ عليهم هذا بكسبِهم، حَجَبَهُم عنهُ بِضلالِهم:

﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾

[سورة الزُمر: 3]

 لا يهدي من هو خوّان، فالنفي مُعلّل، والإيجابيّات معللّة، وهذا من رحمة الله بالإنسان، هذهِ نُقطة.

المؤمن الصادق يتأدّب بآداب القرآن و يبتعد عن تزكية نفسه :

 أيها الأخوة؛ المؤمن الصادق يتأدّب بآداب القرآن الكريم، بل إنَّ النبيَ عليهِ الصلاة والسلام حينما سُئِلَ عن هذا الأدبِ الرفيع الذي يتحلّى بِهِ فقال: " أدّبني ربي فأحسنَ تأديبي "، كم مرةً تجلِسُ مع أُناسٍ يمدحونَ أنفسهُم، ويُزكونَ أنفسُهم، ويُثنونَ على أنفسِهم، هو وذكاؤُهُ وعملُهُ وبناتُهُ وأولادُهُ.. هوَ الأول.. وهذا مرضٌ نفسي يُصيبُ معظم الناس، التركيز كُلهُ على شخصِهِ، أولادُهُ أفضلُ أولادٍ في الأرض، بناتُهُ أفضلُ بنات، عملُهُ أفضلُ عمل، إتقانُهُ أعلى إتقان، كلام فارغ، كلام فيهِ مبالغة، إذا تأدبتُم بآداب القرآن الكريم اقرؤوا هذهِ الآية:

﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ﴾

[سورة النساء : 49]

 اللهُ عزّ وجل يذكُرُهم مادِحاً أم ذاماً، ذاماً إنهُ يُصِّغرُ عملَهُم، من أنتَ حتى تحكم أنّك أفضل إنسان؟ هل التقيت مع الآخرين؟ أي أنتَ متى تقول: فُلان أفضل إنسان؟ هل التقيت مع كُل الناس؟ هذا الذي يُزكّي نفسَهُ، أو يُزكي من حولَهُ، أو يُزكي جماعتَهُ تزكيةً عمياء مبالغاً بِها، ويطعن بالآخرين، هذا إنسان مريض، هذا إنسان غير متوازن، اللهُ عزّ وجل لا يُريدُنا أن نكونَ كذلك، أن نُزكّي أنفسنا وأن نحتقر من حولَنا، أن نُزكّي أنفسنا وأن نتجاهل من حولنا، أن نُزكي أنفسنا وأن نطعن بمن حولنا:

﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً ﴾

[سورة النساء: 49]

 إذا أنتَ لم تمدح نفسك أي عملك يذهب سُدىً،.. لا.. إذا أنتَ لم تُثن على نفسك الله عزّ وجل لا يرى عملك الطيّب؟ ألا تعتقد أنَّ الله وحدَهُ يكفي أن يعلم، إن كُنتَ مُخلصاً اللهُ وحدَهُ يعلم وانتهى الأمر، مرةً قالَ لي رجل كلمةً أعجبتني قالَ لي: الحمدُ للهِ على وجودِ الله، موجود ويعلم، فأنتَ حينما تعملُ لله، وحينما تُخلِصُ وجهَكَ لله، لا تحتاجُ إلى انتزاع ثناء الناس، ولا إلى أن تنتَزِعَ إعجابَهُم، أنتَ في غِنى عن ذلك، إخلاصُكَ يغنيك عن ثناء الناس:

﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ ﴾

[سورة النساء: 49]

 نحن أفضل جماعة، نحن أعظم ناس، لماذا هذا الكلام؟ هل التقيت مع كُل الجماعات فرأيتَ نفسَكَ أعظم الناس؟ لذلك عِندَ الإمام الشافعي ورد: " من لم يُعهد مِنهُ سفرٌ لم يُعهد مِنهُ عِلمٌ" الإنسان عندما يتسع أُفُقُهُ يعرف حجمُهُ.
 أقول لكم هذهِ الكلمة الدقيقة لكن أنتَ حينما توسّع آفاقك، وتلتقي مع الآخرين، وتذهب وترى تصغُر، لكنّكَ تصغُر لِتكبر، يوجد كِبر موهوب، الإنسان المُنعزل عن المجتمع يُكبّر بنفسِهِ كثيراً بالوهم، يتوهّم أوهاماً ليسَ لها أصل، إذا التقى مع الآخرين صُدِم، أمّا المؤمن فموضوعي، أُفُقُهُ واسع، يلتقي مع الناس، هذا اللقاء، وهذا الإطّلاع، وهذا الانفتاح يجعَلُهُ يعرف حجمَهُ الحقيقي، فإذا صَغُرَ ليكبُر، أحياناً الإنسان لا يقرأ، لو قرأ لشاهد هُناك علماء كِبار في التاريخ الإسلامي، علماء عِندهم جُرأةٌ كبيرةٌ جداً، عِندهم تضحيةٌ وإيثار، عِندهم ورعٌ شديد، فيصغُر، أنتَ حينما تصغُر من أجلِ أن تكبر، تصغُر لِتكبر، أمّا حينما يعزِل نفسَهُ عن الناس عزلاً تامّاً ويعيش في أوهام، هوَ كبير في نظرِ نفسِهِ لكنّهُ صغيرٌ في نظرِ الناس، هذا مرضٌ يستشري بينَ المسلمين، كُلُّ جماعةٍ تدّعي أنّها وحدَها على حق، وأنَّ اللهَ لَها وحدَها، وأنَّ الجنّةَ لَها وحدَها، وتتعامى عن بقيّة المسلمين، وعن إخلاصِ المخلصين، وعن عملِ العاملين، وعن علمِ العالِمين، يتجاهلُهُ، وهذا مرضٌ يُصيب معظم الجماعات الإسلامية، كلٌّ يدّعي وصلاً بليلى وليلى لا تُقِرُّ لهم بِذاكَ:

﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ ﴾

[سورة النساء: 49]

 عوّد نفسَكَ ألا تمدح نفسَك، اجعل الناسَ يمدحونك، لا تجعل نفسَكَ تحتَ الأضواء، اجعل نفسَكَ في التعتيم واللهُ لا يظلِمُكَ فتيلاً، عملكَ محفوظ عِندَهُ، وسوفَ يجعلُ من يُثني عليك: "ما ذكرني عبدي في نفسِهِ إلا ذكرتُهُ في ملأٍ من ملائكتي، ولا ذكرني في ملأٍ من خلقِهِ إلا ذكرتُهُ في ملأٍ خيرٍ مِنهُم".
 أنتَ تحدّث عن الله، وعن آيات الله، وعن كمالات الله، وعن كمالِ رسولِ الله، وعن كمالِ أصحابِ رسولِ الله، واجعل نفسَكَ تحتَ التعتيم، واللهُ عزّ وجل هوَ الذي يرفَعُ لكَ ذِكرَك، أمّا أن تُثني على نفسِك، وأن ترفعَها إلى أعلى عليين، وأن تُعتّم على الآخرين، فهذا ليسَ من سلوكِ المؤمنين الصادقين، هذا سلوك فيهِ نوع من الدُنيا:

﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ ﴾

[سورة النساء: 49]

الابتعاد عن تعظيم الكفار و ذمّ المؤمنين :

 يوجد مرض ثان مستشر، كُلما جَلَسَ في مجلس لا يحلو لَهُ إلا أن يمدَحَ الكُفار، وأن يَذُمَّ المؤمنين، الكُفار منحرفون، منحلّون أخلاقيّاً، أنا مرة أعجبتني قِصة تُعبِّرُ عنهُم تماماً: شابٌ في بلادِ الغرب أحبَّ فتاتاً فاستأذن والِدَهُ بالزواجِ مِنها، قالَ لَه: لا يا بُني إنها أُختُكَ وأُمُكَ لا تدري، ثُمَّ أحبَّ فتاةً ثانية قال لَهُ الكلام نفسُهُ: إنها أُختُكَ وأُمُكَ لا تدري، ثُمَّ أحبَّ فتاةً ثالثة فقال: إنها أُختُكَ وأُمُكَ لا تدري، فانزعج هذا الابن و شكا إلى أُمِهِ، قالت لَهُ: خُذ أيّاً شِئت فأنتَ لستَ ابنُهُ وهوَ لا يدري، مجتمع مُنحل، مجتمع أعور يرى بعينٍ واحدة، مجتمع يعبُدُ إلهاً هوَ المال فقط، إذاً أنتَ لا تستطيع إلا أن تُثني عليه، وأن تّذُمَّ المؤمنين، هذهِ مُشكلة:

﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً ﴾

[سورة النساء:51]

﴿ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً ﴾

 وهذا أصبح سلوكاً إسلامياً، دائماً نُثني على غير المسلمين، نمدح صِدقهم، وأمانتهم وإتقانهم، ونحتقر بعضنا، ونطعن بِبعضنا، إلى متى هذا؟ إنسان عَرَفَ الله، ولهُ أخطاء بسيطة، أتُعمم؟ وإنسان يعيشُ بشهوَتِهِ.. وحوش.. قُلتُ لكم ما يفعَلُهُ الأقوياء في الغرب بالشعوب الفقيرة والضعيفة والمسلمة شيء لا يُصدّق.. وحوش.. يُعطيكَ من طرفِ اللِسانِ حلاوةً ويروغُ مِنكَ كما يروغُ الثعلبُ، فهنا نُقطة دقيقة، هذا معنى: أدّبني ربي فأحسنَ تأديبي، المؤمن يتأدّب بآداب القرآن، لا يُثني على نفسِهِ، كما أنّهُ لا يُعظمُ الكُفارَ ويَذُم المؤمنين.

أداء الأمانة إلى أهلها على أكمل وجه :

 آيةٌ ثالثة:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾

[سورة النساء : 58]

 أهم شيء في الآية الأمانات جاءت جمعاً ولم تأتي مفردة، أي أنتَ برقبتك مئة أمانة بدون مبالغة، أولادُكَ أمانة، زوجتُكَ أمانة، زبائِنُكَ أمانة، معنى أمانة أي أنتَ طبيب، جاءكَ المريض أرادَ أن يُعالِجَ نفسهُ عِندَكَ، فهوَ أمانةٌ في عُنُقِك، يجبُ أن تؤديَ لَهُ حقهُ بالمعالجة المُتقنة والمتأنيّة، وأن تسأَلَهُ عن تاريخ المرض، وعن بعض الخصائص في الأسرة، أمّا المعالجة السريعة فقد تُعطيهِ دواء يجعل عِندَهُ صدمة، أنتَ السبب، قد لا تسألَهُ عن شيء فأنتَ السبب، فالمريضُ أمانةٌ في عُنُقِ الطبيب، الموكّل أمانة في عُنُق المحامي، الطالب أمانة في عُنُق المدرّس، هذا البناء الذي سيسكنُهُ الناس أمانة في عُنُق المهندس، إذاً هذا بائع المواد الغذائية أمانة في عُنُق البائع، أي هذهِ المواد الغذائية يا ترى فاسدة؟ يا ترى فيها حشرات؟ الزبون أمانة في رقبتك، واللهُ سوف يُحاسِبُكَ عن هذهِ الأمانة أتبيعُهم بضاعةً جيّدة؟ فأنتَ مُعلّقة بِعُنُقِك مئات الأمانات، وكُلما تعمّقتَ في هذا الفهم ارتعدت مفاصِلُك حينما لا تؤدي الأمانات إلى أهلِها:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾

[سورة النساء : 58]

 الولد أمانة يا أخوان إذا أنتَ أهملتهُ، وشبَّ على معصية الله، لم تُعرِّفهُ بِربِهِ، لم تَحملُهُ على طاعة الله، لم تهتم بِهِ، لم تهتم بتزويجِهِ، لعلَّهُ يفسُق، لعلَّهُ يفجرُ، وهذا في عُنُقِ الأب، وهناك كلام يقولُهُ عوام الناس: أنا نشأت عصامياً أريد لابني أن ينشأ هكذا، الآن الوضع صعب يحتاج لمساعدة مِنك، أمّا إذا أهملتهُ ينشأُ في معصية الله، أنا قبل أن آتي من سفري بيومين رجل مُقيم هُناك في بلاد الغرب، في يوم واحد ابنه تنصّر، وابنته تزوّجت بيهودي، في يوم واحد قبلَ أن آتي بيومين، عندما أقام في هذهِ البلاد الجميلة، فيها رخاء، فيها جمال، فيها أمور مُيسّرة، غابَ عن ذهنِهِ أنَّ أولادَهُ سوفَ لن يكونوا مُسلمين في المستقبل، هذه غابت عن ذهنِهِ، فلمّا فوجئَ بالحقيقة انهار، انهار فعلاً.. ماذا أفعل؟ لماذا أنتَ هُنا؟ سمعتُ فتوى هُناك رائعة جداً: إن لم تضمن أن يكونَ ابن ابن ابنك مُسلماً يجبُ ألا تُقيمَ في هذهِ البلاد ولا دقيقة، إن لم تضمن أن يكونَ ابن ابن ابنك مسلماً، هوَ ابنه غير مُسلم الآن، ابنه الذي من صُلبِهِ، فابنك أمانة، إذا أنتَ أقمتَ في بلاد جميلة ورائعة، والأمور فيها مُيسّرة، وفُرص العمل كبيرة جداً، والبيوت مُيسّرة، لكن لا تضمن أن يكونَ ابنك مُسلماً، دفعت ثمناً باهظاً، دفعت ثمناً لا يُعوّض.
 فيا أيها الأخوة: الابن أمانة، البنت أمانة، أنتَ لم تُعلِّمُها، تقوم بتزويج ابنتك أمانة، أنتَ لم تختر لها الزوج المناسب، فهذهِ كُلُها أمانات، عملك أمانة، اختصاصك أمانة، حرفَتُكَ أمانة، مهنَتُكَ أمانة، طِبُكَ أمانة، هندَسَتُكَ أمانة، قضاؤك أمانة، تدريسك أمانة:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾

[سورة النساء : 58]

 هذا مفهوم كبير.
 بالمناسبة كُنتُ أقول: إنَّ الإنسان عندما يقرأ كتاباً تافهاً ينتهي من قِراءَتِهِ ويتثاءب وينام، أمّا حينما يقرأ كتاباً قيّماً فينتهي من قِراءَتِهِ فتبدأُ متاعِبُهُ، فالحقيقة مُرّة، أنتَ سوفَ تُحاسَبُ عن أولادِك، وعن بناتِك، وعن اختيارك لأزواجِ بناتِك، وعن حِرفَتِك، وعن عملِك، وعمن تعلّقَ بِكَ، وعن كُلِّ من تأثّرَ بِكَ تأثيراً سلبيّاً.

طاعة الله في قرآنه و الرسول في سنته :

 هُناك نُقطة دقيقة جداً لكن تحتاج إلى فهم دقيق، قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾

[سورة النساء : 59]

 واضحة، ولمّا جاءت طاعة رسول اللهِ مقرونة بأطيعوا الثانية أي أنتَ مُكلّف أن تُطيعَ رسولَ الله دونَ أن تنظُرَ إلى شيءٍ آخر، مأمورٌ أن تُطيعَهُ، أطيعوا اللهَ في قُرآنِهِ وأطيعوا الرسولَ في سُنّتهِ، قال:

﴿وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾

[سورة النساء : 59]

 لا يوجد وأطيعوا أُولي الأمرِ مِنكُم، أي أولو الأمرِ هُم العلماء والأُمراء، لا يُطاعونَ إلا بما جاءَ بِهِ رسولُ الله، أي لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصيةِ الخالِق، طاعةُ أولي الأمرِ العلماء، أيّ إنسان يدعو إلى الله يجبُ أن تُطيعَهُ ضِمنَ طاعةِ الله، أمّا أن يأمُركَ بما يُخالِف سُنّةَ رسولِ الله فلا طاعةَ لَهُ، لو أمَرَكَ بقطيعةِ الرِحم لا طاعةَ لَهُ، طاعُةُ أولي الأمرِ والإمامُ الشافعي يقول: " أولو الأمرِ هُم العلماء والأُمراء مرتبطة بِطاعةِ الله "، الآن:

﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾

[سورة النساء : 59]

 مع من تنازعتُم؟ مع أُولي الأمرِ فقط، أي مع العلماء، عالِم ادعى شيئاً، عالِم جاء بشيء ما جاءَ بِهِ السلفُ الصالح:

﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾

[سورة النساء : 59]

 أي اجعلوا الكتابَ والسُنةَ حكماً فيما بينكم وبينَ من تُنازِعونَهُ، هُنا النُقطة الدقيقة: اللهُ عزّ وجل في أي نِزاعٍ بيننا وبينَ من يدّعي العِلم، في أي نِزاعٍ بيننا وبينَ من يدّعي الأمر، من هوَ المرجع؟ اللهُ ورَسولُهُ، إذاً معقول أن تنشأ مُشكلة في المستقبل ليسَ لها في المرجعية وجود؟ اللهُ قالَ لك: ارجع إلى الكتاب والسُنّة، فلم نجد شيئاً في الكتاب والسُنّة، عندنا مُشكلة مُعاصِرة موضوع التأميم مثلاً، يوجد ألف مُشكلة مُعاصرة لا نجد لها في الكتاب والسُنة شيئاً، هذا من جهلِنا طبعاً، حينما أحالَكَ اللهُ إلى كتابِهِ وإلى سُنّةِ نبيِّهِ معنى ذلك أنَّ هذا المنهج كامل، فيهِ كُل شيء، كُل شيء، أي حتى مما خَطَرَ في بالي وأنا هُناك أنَّ هؤلاءِ الذينَ ماتوا في الطائرة التي سقطت، ستٌة وثلاثون ضابطاً متدرّباً بأعلى مستوى، ماذا قالَ اللهُ عزّ وجل؟ قالَ:

﴿ وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ﴾

[سورة يوسف : 67]

 أي خطأ كبير جداً أن يكونَ ستٌة وثلاثون ضابطاً متدرّباً بأعلى مستوى في طائرة واحدة، لصالح من يموتون؟ لصالِحِ أعدائِنا، إذاً التدبير من أعدائِنا، إذاً هُناك من لَعِبَ بجهاز الطائِرة الآلي، سقطت فجأة بِلا سبب، هذهِ آية قرآنية، كُل شيء في القرآن الكريم، أي كُل شيء بِدقّة بالِغة، إذاً حينما أحالَنا اللهُ إلى الكتابِ والسُنّة معنى هذا أن فيهما كُلّ شيء لكن هذا تقصير مِنّا.

النموذج المنافق مرفوض في القرآن الكريم :

 آخر نقطة في هذا اللِقاء إن شاءَ الله؛ دائماً المنافق إذا دعوتَهُ إلى الكتابِ والسُنّة ينزعّج، هذهِ أول صِفة:

﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً ﴾

[سورة النساء : 61]

 لا يُريد أن يحتكم إلى اللهِ ورسولِه، يُريد أن يحتكم إلى أهل الأرض، إلى تشريعات الأرض، إذا شخص معهُ القانون، انتبهِوا لهذهِ النُقطة، هناك أشخاص كثر عِندهُم حاسة سادسة تُحل قضيتهُ بالقوانين، يوجد عدل بالبلد، وأنظمة وقوانين ومحاكم، هذهِ المحاكم أمامك، أحياناً يوجد قضايا القوانين مُغلقة، منزل مُستأجر قبل عام السبعين ليسَ لَهٌ حل بالقانون، المُستأجر شبه مالِك في ذلك الوقت يُريد الشرع، يُريد شرع الله، يقول: نحنُ إسلام، معنا كِتاب، هوَ يقول خزعبلات، إذا حُلت مُشكِلَتهُ بالشرع يُريد الشرع، وإذا حُلت بالقانون يُريد القانون، هوَ يُريدُ مصلحَتَهُ فقط، هذا النموذج المنافق مرفوض في القرآن الكريم، قال:

﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً ﴾

[سورة النساء : 61]

علامة إيمانك أنّكَ ترضى بِحُكمِ الله و توجيه نبيه :

 ثُمَّ يقولُ اللهُ عزّ وجل:

﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾

[سورة النساء : 65]

 علامةُ إيمانِكَ أنكَ ترضى بحُكمِ اللهِ وحُكمِ رسولِهِ، مرة قالَ لي أخ: اختلفتُ مع زوجتي، قال: أنا وإيّاها في ثلاثين عاماً بأعلى درجة مِنَ الوِئام، فاختلفنا في موضوع إنجاب ولد، الخِلاف استشرى وصار هناك نفور في البيت، وأصبحت أغيب عن البيت كثيراً، وقالَ لي: ثمَّ ألهمني اللُهُ أن أقول لِها هذهِ الكلمة: أتقبلينَ بِحُكمِ الله؟ قالت: نعم، فسألوا عالِماً فأعطاهُم فتوى وقاموا بتنفيذِها. علامة إيمانك أنّكَ ترضى بِحُكمِ الله، إذا قيل لكَ هذا توجيهُ النبي انتهى الأمر:

﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾

[سورة النساء : 65]

ضرورة الاصطلاح مع رسول الله تكريماً له :

 بقي شيء واحد، يقولُ الله عزّ وجل:

﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً﴾

[سورة النساء : 64]

 أي هذا النبي الكريم الذي جاءَ بِسنّتِهِ المُطهّرة أنتَ حينما رفضتَ هذهِ السنة ثُمَّ اصطلحت مع الله يجب أن تصطلِحَ معَ رسولِ الله تكريماً لَهُ، أي أنتَ حينما لم تعمل بِسنتِهِ جافيتهُ، فإذا أردتَ أن تصطَلِحَ مع الله يقول لكَ: اذهب إلى رسولِ الله،

﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ﴾

 طبعاً في حياتِكَ وبعدَ مماتِكَ،

﴿فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ﴾

 هوَ التوحيد،

﴿ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً ﴾

 أي من لم يشكُر الناس لم يشكُر الله، لا توحّد توحيداً مع جفاء، وحّد توحيداً مع اللطف، الذي كان سبباً في هِدايَتِك ينبغي أن تكونَ وفيّاً بِحقِهِ.

تحميل النص

إخفاء الصور