وضع داكن
19-04-2024
Logo
رمضان 1420 - خواطر إيمانية - الدرس : 19 - من سورة يونس - التوكل.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

علامة المؤمن الصادق أنه يتوكَّل على الله :

 أيها الأخوة الكرام؛ يقول الله عزَّ وجل:

﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ ﴾

[سورة يونس: 71]

 هذا تحدّ، الأنبياء صلوات الله تعالى وسلامه عليهم عرفوا الله، وعرفوا أن كل شيءٍ بيد الله، وأن الله بيده ملكوت السماوات والأرض، وأن الله وحده هو المُعطي والمانع، والضار والنافع، فهذا التوحيد يعطيك قوة، وعلامة المؤمن الصادق أنه يتوكَّل على الله..

﴿ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا﴾

[ سورة آل عمران: 173 ]

 المؤمن الصادق يتوكَّل على الله، ولو كان هناك مُثَبِّطات، أو تهديدات..

﴿ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا﴾

[ سورة آل عمران: 173 ]

﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا﴾

[ سورة آل عمران: 146]

 فعلامة إيمانك التوكُّل. وشاءت حكمة الله أن في الدنيا مُثَبِّطات، وهناك صوارف، وهناك ضغوط، وهناك تهديدات، هذا ابتلاء وامتحان..

﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾

[ سورة آل عمران: 142]

﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ﴾

[ سورة العنكبوت : 2]

 فلابدَّ من أن يُمتحن إيمانك، والإيمان يمتحن بالشدة أحياناً.
 مرةً كنت أزور معمل إسمنت، المهندس أطلعني على المخبر، فهناك طريقة لكشف متانة الإسمنت.
 بالمناسبة الإسمنت يتحمَّل قوة ضغط تقدر بخمسمئة وخمسين كيلو على السنتيمتر المكعب، أما بقوة الشد فلا يتحمل خمسة كيلو، لذلك لابدَّ من تسليح الإسمنت، فكل طبخة من طبخات الإسمنت يُصَب منها مُكعبات، المكعب يُمسك من طرفه الأعلى وطرفه الأسفل في كفة، توضع أوزان، على أي وزن يقطع، فهذا مستوى هذه الطبقة.
 الآن كل إنسان مؤمن قياساً على هذا المثل يأتيه ضغط، بأي ضغط يتفلَّت، بأي ضغط ينتكس، بأي ضغط يعصِي الله عزَّ وجل، هذا امتحان، فكل إنسان له قوة تحمُّل، وكلما قوي إيمانه كانت قوة تحمله أكبر، يقول صلى الله عليه وسلم:

(( لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد، وأخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أتت علي ثلاثون من بين يوم وليلة وما لي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلا شيء يواريه إبط بلال))

[ من الجامع الصغير عن أنس ]

 وهناك أناس يدعون إلى الله، على أقل كلمة يدعون دعوتهم كُلِّياً. فهذه قضية تحمل، كلما ازداد إيمانك ازداد تحمُّلك، كلما ازداد إيمانك ازداد صبرك، كلما ازداد إيمانك ازداد توكّلك على الله عزَّ وجل.

التّوكل على الله يملأ القلب أمناً :

 هذا الذي تعبده هو الذي خلق السماوات والأرض، فإذا كان هذا الإله العظيم لا يستطيع أن يحميك، لماذا تعبده؟ في القرآن الكريم حالات صعبة جداً، تصور أناساً مستضعفين، قلة قليلة، ووراءهم فرعون، وما أدراكم ما فرعون! بطغيانه، وجبروته، وقوّته، وأتباعه، وجماعته، ووحشيته، وقسوته، هم مُتجهون نحو البحر، البحر من أمامهم وفرعون وراءهم، هل هناك أمل؟ ولا بالمليار واحد، وقال..

﴿ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ*قَالَ كَلا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِي﴾

[ سورة الشعراء : 61-62]

 فإذا بالبحر يصبح طريقاً يبساً، هذه المعجزات لِمَ يذكرها الله لنا؟ من أجل أن نطمئن.
 فهل هناك حالة أصعب في تاريخ البشرية من أن يجد الإنسان نفسه فجأة في بطن حوت؟ في ظلمة بطن الحوت، وظلمة البحر، وظلمة الليل..

﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ*فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾

[ سورة الأنبياء :88]

 قِس حالتك على سيدنا يونس، مهما تكن مشكلتك صعبة، والله الذي لا إله إلا هو لو أن مرضاً خبيثاً انتشر بالجسم، وأراد الله لك الشفاء، لشفيت من هذا المرض، أصعب مرض هذا الورم الخبيث، هناك حالات كثيرة شفاء تام بلا سبب، الله بيده كل شيء، حينما تؤمن به تتوكل عليه، وحينما تتوكل عليه يتملئ قلبك أمناً..

﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ*الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾

[ سورة الأنعام : 81-82]

﴿ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾

﴿ ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ ﴾

 هذه الآية تشبه قوله تعالى:

﴿ جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِي*إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾

[ سورة هود : 55-56]

 والمؤمن أحياناً يغفل عن عظمة الدُعاء، أنت بالدعاء أقوى إنسان، الدعاء سلاح المؤمن، أنت بالدعاء بيدك قوة كبيرة جداً، إنها الدعاء، لذلك المؤمن قوي، قوي بالله، هو ضعيف لكنه قوي بالله، قوَّى ضَعْفَهُ بالله.

الله عزَّ وجل يوفِّق المصلح لا المفسد :

 هناك شيء آخر: كيف أن الله عزَّ وجل قال:

﴿ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ﴾

[ سورة آل عمران: 12 ]

 كلام رب العالمين، الكافر مهما بدا قوياً فمصيره إلى الانهزام، والاضمحلال، هنا يقول الله عزَّ وجل:

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ﴾

 أيّ إنسان مفسد؛ مفسد عقيدة، مُفسد سلوك، مفسد أخلاق، مفسد علاقات، أيّ مفسد لن يُصلح الله عمله، لن يتم هدفه، لن ينجح في عمله أبداً، فالله عزَّ وجل يوفِّق المصلح لا المفسد. وتأكيداً للمعنى الأول:

﴿ وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا﴾

[ سورة يونس: 84 ]

 أيْ أن هذا الذي لا يحميك ليس إلهاً، إنك تعبد إله السماوات والأرض، إنك تعبد الذي بيده كل شيء..

﴿ وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعْ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا﴾

[ سورة القصص: 57 ]

 الآن يوجد كلام يقوله الناس، قصص وكلمات مفادها أن هذا الذي أطاعه وخاف منه يُدمَّر، وأن هذا الذي لم يطعه وأخذ احتياطات وتأمينات هذا الذي ينجو، هذا كلام إبليسي، الذي يطيعه يُدمَّر والذي يعصيه يسلم؟! هذا ينقُض الدين كله، فتجد أهل الدنيا يبثون كلاماً؛ لأنه خاف من الله، ولم يضع أمواله بالبنك، جاء اللصوص وقتلوه وأخذوا الأموال، أما الذي لم يخف ووضع أمواله بالبنك فهذا الذي نجا!! هذا كلام مضحك، فإذا كنت مع الله عزَّ وجل فهو يحميك، ويحرسك، ويوفقك.

على المؤمن أن يتقن عمله و ينجز وعده :

 أخواننا الكرام؛ يوجد آية وقد مرَّت بنا الليلة خطيرة جداً، جاءت بصيغة أخرى، بمكان آخر..

﴿ وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ * فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾

[ سورة يونس: 84-85]

 كيف؟ وهناك آية ثانية:

﴿ رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾

[ سورة الممتحنة: 5 ]

 الآن التقى كافر مع مؤمن، المؤمن غلط وكذب، الكافر على انحرافه العَقيدي، وعلى سلوكه الشائن، وعلى إباحيّته عندما وجد أن المؤمن كذب قال لك: أنت غلط وأنا على صواب. فكان الكافر قلقاً، عندما وجد المؤمن يكذب، فتمسَّك بكفره، واحتقر المؤمن، فهذا المؤمن بتقصيره قوى كفر الكافر، مؤمن أخلف وعده مع كافر، لا يقل لك: أنت أخلفت وعدك. بل يقل: أنتم الإسلام هكذا تفعلون. اعتزَّ بكفره واحتقر المسلمين.
 فكل مسلم يقصر في عمله، لا يتقن عمله، لا ينجز وعده، لا يفي بوعده، يكون أعطى الكافر حجَّة على الكفر.
 من الذي يقلق الكافر؟ مؤمن، مستقيم، صادق، أمين، واضح، متقن، متفوّق بعمله، هذا الإنسان قد يهتدي به آلاف الأشخاص، لا بأقواله بل بأعماله، فهذه الآية دقيقة جداً، أيُّ مؤمن يخطئ، أو لا يتقن عمله، أو يهمل، أو لا يفي بوعده، أو لا يُنجز عهده، هذا المؤمن يُعطي الكافر شعوراً أنه على حق، والمؤمن على خطأ، فكم من كافرٍ ازداد كفراً بسبب مؤمن مُقَصِّر.
 والذي رأيته في سفرتي الأخيرة أن المسلمين الذين يقيمون في بلاد الغرب؛ لتقصيرهم، ولعدم انضباطهم بدينهم، ولتلاعبهم أحياناً، ولكذبهم، يعطون الكفار قناعة أن كفرهم هو الصح، والدين باطل، من الذي يُحْرِج الكافر؟ المؤمن المستقيم، يراه يُصلي، ويتقن، وهو صادق، وأمين، فهنا يحاصر الكافر.
فاستقيموا يُستقم بكم، الإنسان إذا استقام استقامته وحدها دعوة، والإسلام لا ينتشر بالشعائر بل ينتشر بالمعاملات، فإذا أتقن أحدكم عبادته الشعائرية، لا يجذب الناس إليه، ما الذي يجذب الناس إليه؟ عبادته التعامُلية، الشعائرية بينه وبين الله، أما التعاملية فهي التي تلفت النظر؛ موقف صادق، موقف أمين، موقف فيه ورع، موقف فيه عفَّة، هذا الذي يلفت النظر، أما لو أتقنت عبادتك الشعائرية فهذه بينك وبين الله.

﴿ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾

 لا تكن أنت أيها المؤمن سبباً يقوّي تمسُّك الكافر بكفره، أعداء الدين ماذا يفعلون؟ يقدم لك إنساناً بعمل فني، إنساناً لا يطبِّق شيئاً من الدين؛ يشرب الخمر، ويختلط مع النساء لكنه صادق، يقدِّم لك نموذجاً آخر بالعمل الفني؛ إنسان له مظهر ديني لكنه يكذب، فالذي يشاهد هذا العمل الفني يقتنع أن الدين باطل، هذا على تفلُّته مستقيم وصادق، وهذا على تمسُّكه غير مستقيم وغير صادق، هذا أخطر ما في الأعمال التي يُحارب بها الدين بشكل غير مباشر.

الإيمان قضية وقت فقط :

 الحقيقة الصارخة لعلي ذكرتها قبل أيام، من في نظرك أكثر كُفَّار الأرض؟ الذي نشر الإلحاد في العالم، ونشره قبل سبعين سنة، الإلحاد الذي قال: الدين أفيون الشعوب، الذي قال: الإله أسطورة، هذا الإنسان بالذات عند الموت يؤمن كإيمان الأنبياء، فرعون حينما أدركه الغرق قال:

﴿ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾

[سورة يونس: 90]

 إذاً قضية وقت، الإيمان قضية وقت فقط، فلابدَّ في لحظة من اللحظات أن تؤمن كما آمن الأنبياء، أما هذا الإيمان فلا قيمة له، ولا ينجي، ولا يسعد، فأنا لابدّ من أن أؤمن عند الموت..

﴿ فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴾

[ سورة ق : 22]

 فكل البطولة، والذكاء، والتفوّق أن تؤمن في الدنيا، وأنت صحيح شحيح، وأنت قوي، وأنت غني، وأنت شاب، وأنت متألِّق، أما هذا الإيمان فسوف يحصل عند الموت.
 أذكر أنه قد وقع تحت يدي مقالة مترجمة ثم طُبِعَ الكتاب، والكتاب اشتريته، الكتاب فكرته أن إنساناً توقَّف قلبه مثلاً لسبعين ثانية أو أقل، ثم عادت له الحياة، هذا الذي عادت له الحياة دخل بمشاعر عجيبة جداً، فكتبها.
 مؤلِّف الكتاب تتبع مثل هذه الحالات في العالم كله، حوالي عشرين أو ثلاثين حالة، أما المفاجأة الصاعقة فهي أن كل هؤلاء على اختلاف مللهم، ونِحَلِهِم، وأديانهم تكلموا كلاماً موحَّداً، أنه استعرض حياته كلها خلال ثوان، وعرف أن كل شيءٍ فيه نفعٌ للخَلْق يرفعه في هذه الساعة، وكل شيءٍ فيه إيذاءٌ للخَلْق يَخْفِضُهُ.
 فالحقيقة واحدة؛ مثلاً لو جئت بشخص بوذي، وآخر من السيخ، وثالث هندوسي، ورابع مُلحد، وخامس مسلم، ونصراني، ويهودي، وعاشوا بلحظة الموت، رؤيتهم واحدة، مقاييسُهم واحدة، فالإيمان عملية وقت، قضية وقت، خيار وقت، ما دام خيار وقت فالبطولة أن تؤمن الآن، وأن تلتزم، لذلك:

﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ﴾

[سورة يونس: 90-92]

 رجل مُلحد بأمريكا لكنه قد أسلم، وبدأ يقرأ القرآن، اسمه جيفري لنك، وصل لهذه الآية فقال: هذه أول غلطة بالقرآن، هو يقرأ القرآن ليكشف الخطأ، فلما بلغ هذه الآية قال: هذه أول غلطة، له صديق فرنسي اسمه موريس بوكاي اتصل فيه بالهاتف، وقال له: هذه غلطة بالقرآن، فقال له: هذا الذي تقرأ عنه لا يزال في المتحف موجوداً، فرعون موسى لا يزال موجوداً، لأن هذا الفرعون ادعى أنه إله، فلو غرق وفني في الماء، ماذا يقول أتباعه؟ إنه صعد إلى السماء لأنه إله، لكن الله عزَّ وجل أراد أن تقذفه الأمواج إلى الساحل، وهذا الفرعون مُحَنَّط، ومودع في متحف مصر، أخذوه إلى فرنسا للترميم، واستقبلوه كملك وهو جثة طبعاً،

﴿ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ﴾

.

العبادة طاعة طوعية و ليست قسرية :

 المسلمون كم يعانون الآن معاناة صعبة جداً؟ دققوا في هذه الآية:

﴿ فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ ﴾

 هذا يَصْدُقُ على كل الشعوب والأمم، والأفراد والجماعات، أنت حينما تصطلح مع الله يكشف عنك العذاب ويمتِّعك إلى حين..

﴿ وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ ﴾

 والله عزَّ وجل أراد أن تُقْبِلَ عليه حباً، واشتياقاً، واختياراً لا أن تؤمن به قَسْراً، والله عزَّ وجل قادر على أن يحمل الناس أن يؤمنوا قسراً، ولكن هذا الإيمان لا قيمة له إطلاقاً..

﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ﴾

 فالله عزَّ وجل ما أرادنا أن نطيعه قسراً، بل أرادنا أن نطيعه طوعاً، فالعبادة طاعةٌ طوعية، لو أنها قسرية ليست عبادة، صارت قهراً، فالله عزَّ وجل قادر أن يحملنا جميعاً على طاعته، هذه الطاعة لا قيمة لها إطلاقاً. الله عزَّ وجل يريد طاعةً طوعية، طاعة حب، طاعة تقدير، طاعة ولاء، طاعة شَوْق، هذا الذي يريده الله عزَّ وجل.

﴿ فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ * ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾

[سورة يونس: 102-103]

 والله عزَّ وجل أنشأ لنا حقاً عليه..

﴿ حَقّاً عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾

 ففي زمن الفتن، والكوارث، والمصائب، والمِحَن المؤمن ناج، ينجو بعمله الصالح..

﴿ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾

تحميل النص

إخفاء الصور