وضع داكن
19-04-2024
Logo
رمضان 1420 - خواطر إيمانية - الدرس : 25 - من سورة الإسراء - التشريع.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

  الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

أبلغ أنواع التربية أن تُربّى الأمة بعظيمها :

 أيها الأخوة؛ من أبلغ أنواع التربية أن تُربّى الأمةُ بعظيمها، أضرب لكم مثلاً بسيطاً: بعد وفاة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وقد جيّشَ النبي جيشاً قبلَ وفاته بقيادة أسامة بن زيد، بعض أصحابِ رسولِ الله رأى أنّهُ بعدَ أن ارتدَ العربُ، ونشأت فِتنٌ كبيرةٌ حولَ المدينة، لا ينبغي أن يُجيّشَ هذا الجيش، أيعقلُ أن تكونَ هناكَ فِتنةٌ داخليةٌ طاحنة وأن يُرسِلَ جيش للفتوح؟! بعضُ أصحابِ النبي ارتأوا ألا يُسيّرَ هذا الجيش، سيدنا الصديّق بموقف إيماني عال جداً كانَ مُصرّاً على تسييرِ هذا الجيش، سيدنا عمر لِحكمةٍ بالغة نقلَ للصديّق موقِفَ الصحابة، فما كانَ من هذا الخليفة الوديع، اللطيف، الرقيق، الحييّ، إلا أن أمسكَ عمراً من تلابيبِهِ وقال: ثَكِلَتُكَ أُمكَ يا بنَ الخطاب جبّارٌ في الجاهلية، خوّارٌ في الإسلام، الحقيقة أنَّ سيدنا الصديّق أرادَ أن يُربيَّ الصحابة بسيّدنا عمر، ليسَ عمر هوّ المقصود، المقصود الموقف الضعيف الذي نَشَاَ عِندَ الصحابة بعدَ ارتداد العرب والمسلمين.

الخطر الأكبر الذي ينتظر المسلمين هو استبدال دينهم بتشريع أرضي :

 الآن الخطر الأكبر الذي ينتظر المسلمين في شتى بِقاع الأرض أن يستبدلوا بِدينهم تشريعاً أرضياً، أو أن يبتعدوا عن الوحي الذي هوَ تشريع السماء الكامل التام الذي هوَ من عِندِ الله بتشريعٍ أرضي، فماذا قالَ اللهُ عزَّ وجل:

﴿ وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾

[سورة الإسراء : 73]

 هذهِ الفِتنة بدأت منذُ عهدِ رسولِ الله صلى الله عليهِ وسلم وإلى يومِ القيامة، نريد تشريعاً آخر، نريد نظاماً آخر، نريد منهجاً آخر، نريد منهجاً يتوافق مع الحياة المعاصرة، نريد منهجاً مرناً، نريد منهجاً لا يوجد بهِ تزمّت، هذا كُلهُ كلام الناس، نريد منهجاً يتوافق مع ضرورة كسب المال، أيعقل أن تُجمّد الأموال دونَ أن نربحَ منها؟! نريد منهجاً يصف المرأة بأنها نصف المجتمع، لأنَّ الإله الذي خَلَقَ الإنسان هُم يظنون أنَّ تشريعَهُ ناقص، ولا يُساير ركبَ الحضارة، ولا يُغطي حاجات المجتمع، فكُل هذهِ الدعاوى من عهدِ رسولِ الله وإلى يومِ القيامة أن ندع وحيَ السماء إلى منهجٍ أرضي بطريقةٍ أو بأخرى، تارةً بدعوى الاستجابة للضغط الاجتماعي، وتارةً بدعوى التقدم، ابتعدَ عن الدين كُليّاً، وأن يبقى الدين شعائر تُؤدّى بشكلٍ أجوف.
 فيا أيها الأخوة؛ هذا مطبٌّ خطير يُهددُ المسلمين أن يبتعدوا عن منهجِ ربِهم، أولاً بالمنطق الإله هوَ الخبير، قالَ تعالى:

﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾

[ سورة فاطر : 14 ]

 هوَ الخالِق، هوَ الرب، هوَ المُسيّر، هوَ العليم، هوَ الغني، هوَ القدير، أيعقلُ أن يكونَ تشريعُهُ ناقصاً أو لا يُلبي حاجات الإنسان؟
 أنا أقول لكم هذهِ الحقيقة: الآن في بعض البلاد الغربيّة التأمين الذي يروجُ الآن تأمين تعاوني، والتأمين التعاوني تأمين شرعي بل مندوبٌ أن نفعَلَهُ، أي مجموعة أطباء، مئة طبيب يضعونَ في صندوقٍ عام كل واحد مبلغاً من المال متساوياً، لو أنهُ أُقيمت دعوى على طبيب والمبلغ كبير جداً يأخذ من هذا الصندوق المبلغ الذي غُرِّمَ بِهِ، لو أنّهُ لم يُقِم أحدهم بدعوى على أيَّ طبيب هذا المال لنا، هذا التأمين تعاوني، لا يوجد مشكلة تنشأ في المجتمع إلا والشرع يُغطيها، ولكن العِلّة ليسَ في إسلامِنا، بل في مسلمينا، العِلّة في المسلمين، أمّا الشيء الذي يُهددِهُم فهو أن يستبدِلوا بدينِهم ديناً آخر، منهجاً آخر، مشكلة المسلمين الآن حياتُهُ غربيّة، طريقة تعامُلِهِ غربيّة، بيتُهُ غربيّ، عملُهُ غربيّ، علاقاتُهُ كُلها غربيّة، لكن يُصلي، أي لَهُ من الدين العبادات الشعائريّة فقط، أمّا الدين فمنهج كامل في كسب المال، وفي إنفاق المال، وفي العلاقة الزوجية، وفي الأفراح وفي الأتراح، وفي السفر وفي الحضر، وفي الإقامة، منهج كامل.

 

تجنب المجاملة في الدين :

 لذلك حينما كنتُ في سفرتي الأخيرة في حفل الختام كُلِفتُ أن أُلقي كلمة لدقيقة واحدة فاخترتُ هذهِ الآية:

﴿ وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً ﴾

[سورة الإسراء : 73]

 انتهت المشكلة، حينما تلين، حينما تتنازل، حينما تضع بعض القيود، تُسهلها، وَإِذًا لاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً.

﴿ وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً ﴾

[سورة الإسراء : 74]

 الإنسان بأعلى درجة من الإخلاص يتصوّر لو أن هذه القضية أنا تساهلت فيها قليلاً نجلِبُهم.. هذهِ مُشكلة الدُعاة، الدُعاة دونَ أن يشعروا أعطوا فتاوى استجابة لضغط الجماهير، أعطوا فتاوى أننا نحنُ ديننا مرن، ديننا واقعي، ديننا يُساير ركب الحضارة، كُل هذهِ الدعاوى كانت وراء إصدار فتاوى لم يبقَ بينَ الدينِ والحرامِ شيئاً، الرِبا مسموح، الغناء مسموح، التمثيل مسموح، لم يعُد هناكَ شيء، إلا أنني صِرتُ أقول: لِكُلِّ معصيةٍ فتوى، لا يوجد هناك مشكلة، أن أردتَ الفتوى فالفتوى موجودة:

﴿ وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً * وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً ﴾

[ سورة الإسراء: 73-74]

 اللهُ عزّ وجل ربّى الأمة بِرسولِها:

﴿ إِذاً لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً ﴾

[سورة الإسراء : 75]

 أي هذا الدين أمانة، والوحي أمانة، والرسالة أمانة، والتبليغ أمانة، والتبيين أمانة، أوضح مثل النبي عليه الصلاة والسلام حينما كُسِفت الشمس لِموتِ إبراهيم، هكذا فَهِمَ الصحابة أنَّ الشمس كُسِفت لموتِ ابنِهِ، وقفَ فيهم خطيباً وقال

((عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ قَالَ: سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ يَقُولُ: انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ، فَقَالَ النَّاسُ: انْكَسَفَتْ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَادْعُوا اللَّهَ وَصَلُّوا حَتَّى تَنْكَشِفَ ))

[ متفق عليه عَنْ أَبِي بَكْرَةَ ]

 هذهِ الآية دقيقة جداً، النبي عليهِ الصلاة والسلام لو أنّهُ رَكَنَ إليهم شيئاً قليلاً لأذاقَهُ اللهُ ضِعفَ الحياةِ وضِعفَ الممات، فليسَ هناك مجاملة في الأحكام الشرعية، ليسَ هناك مجاملة في العقائد، أمّا دائماً فالطرف الآخر يُحب أن تتخلّف ولو بشكل قليل عن منهجِك.

 

التشريع الإسلامي تشريع مطلق لا يحتمل التبديل أو التغيير :

 أيها الأخوة: يجب أن ننتبه، تشريعُنا تشريعُ خالِق الكون، تشريع كامل كمالاً مُطلقاً، لا يحتمل التبديل ولا التغيير، ولا التعديل ولا الإضافة، ولا الحذف، أمّا لو كان تشريع إنسان، الإنسان يبدو لهُ شيء لم يكُن بادياً من قبل، الإنسان يحكُم بقدرِ خِبرَتِهِ، فكُلما نمت خِبرَتُهُ غيّرَ حُكمهُ، هذا شيء طبيعي، لكن ما تفعل بتشريع الله عزّ وجل خالِق الكون؟ لا يليقُ بِهِ البداء، البداء أن يبدوَ لَهُ شيء لم يكُن بادياً من قبل، هذا لا يليقُ بِهِ أبداً، أن يبدوَ لَهُ شيء لم يكُن بادياً من قبل، إذاً نحنُ حينما نُفكّر أن نُعدّل، أن نُطوّر، أن نُضيف، أن نحذف، أن نُغيّر، أن نقول هذهِ حُكم قاس نقطعُ يد السارق معقول! اللهُ عزَّ وجل يقول:

﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾

[سورة المائدة: 38]

 في بلد غير متعلّم، غير مثقف، الأميّة تفشو فيه، كانَ الصرافون يضعونَ أموالَهم على الطريق ويصلّون، شيء لا يُصدّق، أمّا في بلد الرُقي والحضارة والتقدّم فكُل ثلاثين ثانية تُرتكبُ جريمة قتلٍ أو سرقةٍ أو اغتصاب، في كُل ثلاثين ثانية، أي الإله عندما يُشرّع شيئاً مدهشاً فالإنسان يرتاح، الإمام الشافعي سُئِل أنه " يدٌ بخمسِ مئينٍ عسجدٍ وُديّت "، لو أنها قُطعت خطأً بحادث فديّتُها خمسمئة دينار ذهبي ما بالُها قُطِعت لربعِ دينارٍ؟! " يدٌ بخمسِ مئينٍ عسجدٍ وُديّت ما بالُها قُطعت لربعِ دينارِ " فقالَ الإمامُ الشافعي: " عِزُّ الأمانةِ أغلاها وأرخصَها ذُلُّ الأمانةِ فافهم حِكمةَ الباري "، يجب أن ننتبه هناك دعوى إلى التبديل، والتغيير، والتخفيف، والتغيير، والحذف، والإضافة، هذهِ الفِتنة التي تنتظر المسلمين من عهدِ النبي وإلى يومِ القيامة:

﴿ وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنْ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِي عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاتَّخَذُوكَ خَلِيلا*وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلا*إِذًا لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا ﴾

[سورة الإسراء :73-75]

الإنسان مُكرم و لا يليق به أن يعصي الذي كرمه :

 ثم قال تعالى :

﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾

[سورة الإسراء : 70]

 أي الإنسان مُكرّم، ولا يليقُ بِهِ أن يعصي الذي كرّمَهُ، لا يليقُ بِهِ أن يستخدِمَ نِعمَ اللهِ في معاصي الله، شخص سأل رجلاً عارفاً بالله وكأنهُ يسألهُ أن يُعطيَهُ رخصةً في المعصية، قالَ لَهُ: خمسة أشياء إن فعلتها فلا عليكَ أن تعصي الله، فقالَ ما هذهِ ؟ قالَ لهُ: إن أردتَ أن تعصيّهُ فلا تسكن أرضَهُ، قالَ: وأينَ أسكُنُ إذاً؟ قال: تسكُنُ أرضَهُ وتعصي؟! فقالَ: هاتِ الثانية، قالَ لَهُ: إن أردتَ أن تعصيّهُ فلا تأكل رِزقه، قالَ: وماذا آكُلُ؟ قال: تسكُنُ أرضَهُ وتأكُلُ رِزقَهُ وتعصيه؟! فقالَ: هاتِ الثالثة، قالَ لَهُ: إن أردتَ أن تعصيهُ فاعصهِ في مكانٍ لا يراكَ فيه، فقالَ: هوَ معنا في كُلِّ مكان، قال له: تسكُنُ أرضَهُ، وتأكُلُ رِزقَهُ، وتعصيه وهوَ يراك؟! فقالَ: هاتِ الرابعة، قالَ لَهُ: إن أردتَ أن تعصيّهُ وجاءَكَ مَلَكُ الموت فلا تذهب مَعَهُ، قالَ لهُ: لا أستطيع، قالَ لهُ: تسكُنُ أرضَهُ، وتأكُلُ رِزقَهُ، وتعصيه وهوَ يراك، ولا تستطيع أن تمتنع عن مَلَكِ الموت، فقالَ: هاتِ الخامسة، قالَ لَهُ: إذا أخَذَكَ الزبانيةُ إلى النار فلا تذهب معهم، فقال له: لا أستطيع، فجمعهم فأصبحوا خمسة: تسكُنُ أرضَهُ، وتأكُلُ رِزقَهُ، وتعصيه وهوَ يراك، ولا تستطيع أن تمتنع عن مَلَكِ الموت، ولا عن زبانيةِ جهنم، كيفَ تعصيه؟

﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ﴾

 مرة شاهدت قلب خروف صغير، فقلت في نفسي: لأنظر إلى الدسامات التي يتكلّمُ عنها أطباء القلب، ففتحت فوجدت الدسام فعلاً، والشريان الأبهر، والبُطين، والأُذين، وبعدها تمَّ قليّهُ وأكلهُ، قُلت: لو أن خروفاً صار معهُ احتشاء في قلبه أيأخذونَهُ إلى بريطانيا ليُجروا لَهُ عملية بمليون ليرة؟ يذبحونَهُ ويأكلونه وانتهت العملية، الإنسان مُكرّم، أحياناً يدفع مليونين لتبديل شريان، تبديل صمام، الإنسان مُكرّم، فتقدّم الطب دليل تكريم الإنسان، لأنك مُكرّم الطب متقدّم جداً، يوجد زرع أعضاء، وعمليات معقّدة جداً تجرى بوسائل مُذهلة، هذا:

﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾

[سورة الإسراء : 70]

 لكن للأمانة العلمية هناك بلاد يعيشون على أنقاض الشعوب، تُجرى هناك عمليات تبديل شريان للكلاب، وعمليات زرع أسنان للكلاب، وعمليات تبديل مفاصل، والتبديل يكلف حوالي عشرة آلاف دولار، وشعوب تموت من الجوع، وتُقهر، وتُؤخذُ ثرواتُها، وقد تُرسم خِطة لإفناء شعب، أو لتجويع شعب، أمّا الكلاب فعِندَهم هكذا، حتى هناك أطباء نفسيون للكلاب، إذا كانَ هناكَ كلب معهُ كآبة لهُ طبيب نفسي، ومقابر الكلاب، أي حدائق جميلة جداً أجمل من أي حديقة صَنَعَها الإنسان- مقابر الكلاب- هذا من تناقُضات العصر، شعوبٌ تموتُ من الجوع وكلابٌ تُجرى لها عمليات زرع أسنان، وتبديل مفاصل، وتبديل شريان قلب، وأطباء، حتى أن هناك محلات ضخمة جداً لِحاجات الكلاب، دخل شخص لا يفقهُ شيئاً، وقام بتعبئة السلّة بضاعةَ كبيرة جداً وهوَ فرح لأنها كُلّها علب طعام، فلما وَصَلَ إلى دفع الثمن سألتهُ الموظفة: أعندكَ كلب؟ قالَ: لا، فقالت: أرجعهُ كُلهُ، هذا طعامُ الكِلاب، أي هذهِ مفارقات حادّة جداً من قسوةِ قلبِ الإنسان، من قسوةِ قلبِهِ يرحمُ كلباً ويقسو على أُمة:

﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾

[سورة الإسراء : 70]

 فيليق بهذا التكريم الطاعة لله عزَّ وجل، يتناسب مع التكريم الطاعة، أما المعصية مع هذا التكريم فموقف شائن.

 

أثر الكلمة أثر كبير جداً :

 هناك آية دقيقة:

﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً ﴾

[سورة الإسراء : 53]

 ممكن أن تتشرّد أسرة من كلمة قاسية من الزوجة فقام بتطليقها، ممكن أن تنفصل شركة من كلمة قاسية من شريك، ممكن أن تتهدّم مجتمعات من كلمة قاسية، ممكن أن تنشأ حروب، أي الكلمة لَها أثر كبير جداً، ربنا عزّ وجل يقول:

﴿وَقُلْ لِعِبَادِي﴾

 هؤلاء الذين يعبدونني، بالمناسبة العِباد غير العبيد، العِباد جمع عبد الشكر، أما العبيد فجمع عبد القهر، كُل إنسان مقهور، مقهور بالهواء، لو مُنع عنه الهواء يموت، مقهور بالماء، مقهور بقلبه لو توقف قلبهُ مات، مقهور بدسامات قلبه، مقهور بلمعة شرايينه، مقهور بنمو خلاياه، مقهور بأكثر من مئة ألف بند في جسمه، فكل واحد عبد لله عبد قهر، فجمع عبد القهر عبيد:

﴿ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾

[سورة فُصلّت: 46]

 أما الإنسان إذا عَرَفَ اللهَ، وأقبلَ عليه، فهذا عبد الشكر، جمع عبد الشكر عِباد:

﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ﴾

[سورة الفرقان: 63]

﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾

[سورة الإسراء : 65]

 أي هؤلاء الذين عرفوني، هؤلاء الذين أحبوني، هؤلاء الذين أقبلوا عليّ لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ:

﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾

[سورة الإسراء : 65]

 وَ:

﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾

[سورة الإسراء : 53]

 انظر أَحْسَنُ اسم تفضيل، هناك ألف عبارة حسنة إلى أخيك، ألف عبارة حسنة، يجب أن تختار الأحسن، سيدنا يوسف ماذا قال لأخوته:

﴿ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ﴾

[سورة يوسف : 100]

 إذاً أينَ الجُبّ؟ الجُب أخطر، الإنسان في السجن مضمونة حياته أما بالجُب فيموت، لم يذكُر الجُب لِئلا يُذكرَهُم بأعمالِهم، فالإنسان كلّما ارتقى ينتقي الكلمة اللطيفة المهذبة، وهناك آلاف الكلمات تُعبّر عن حاجتَكَ دونَ أن تجرَحَ أخاك:

﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً ﴾

[سورة الإسراء : 53]

 ينزغ بينهم بكلمة قاسية، وآلاف القِصص، آلاف الأُسر شُرِّدت من كلمة قاسية في ساعة غضب قالَها الزوج، أو قالتها الزوجة، وانفصلت الأسرة، أو شركات، أو مؤسسات.

تأديب الشارد عن الله :

 الآية الأخيرة:

﴿ وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً ﴾

[سورة الإسراء : 58]

 أي أمة عندها ثروات باطنية، غنية جداً، لا يوجد عندها مشكلة مالية أو اجتماعية، ومع ذلك إذا شردت فلابُدَّ لها من تأديب، وقد تجدون بلاداً تنعُم بثروات طائلة، بِغِنى، كُل شيء فيها مُيسّر، دخول كبيرة جداً، وشعب قليل، ومع ذلك عانوا من اجتياحٍ، وعانوا من حروبٍ، وعانوا من تشريدٍ:

﴿ وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً ﴾

[سورة الإسراء : 58]

 إن وجدت هناك شروداً عن الله، هناك معاص، وفتن، الشيء المنطقي والعملي أنَّ هذا الإنسان الشارد لابُدَّ لَهُ من تأديب فرداً كانَ أو مجتمعاً.

 

تحميل النص

إخفاء الصور